قيمة الحديث والرواية ذاتيا
عباس علي العلي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8272 - 2025 / 3 / 5 - 21:38
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نظرا لما يحمل الحديث من قيمة فكرية دينية تعبدية للفرد المسلم فلا بد أن ندرس هذه القيمة كما قلنا كمحمول مطلوب فهمه على أنه ممارسة تعبدية أصلية جاءت من حامل الدين ووفقا لمحموله القرآني، وثانيا معرفة ما يمكن أن يبنى عليه من حجية في التعامل معه على أنه إرث فكري خالص عملي ومجرب، وهنا أتكلم على وعن الحديث الصحيح الذي لا شك فيه أستنادا إلى معياري الخاص والمتكون من أعتبارين وهما:.
أولا _ بتقديم المتن على السند أي أن أهمية الحديث ليس من طريق إسناده كما يقدم الكثيرون من دارسي الحديث، بل المحمول المعنوي الذي يحمله متماهيا مع إيمان النبي محمد ص بما في القرآن الكريم وتقيده به، فلو أجتمع الصحابة العدول كلهم والتابعين لهم جميعا على حديث ما، يخالف ما جاء في نص القرآن منطقا وقصدا وغاية وحكم، لا قيمة له ولا أعتبار، فكل حديث عارض بنصه أو جوهره أو غايته أو أدى العمل به إلى مخالفة نص أو حكم قرآني ثابت ومحكم فهو باطل ومدلس ومكذوب على الرسول قال من قاله وروي من رواه.
ثانيا _ ظنية الحديث إجمالا في كل ما يرد من حديث موافق للصحة وفقا الأعتبار الأول يبقى ظنيا وأحتماليا مقابل ما جاء في نص القرآن، ليس لأن أصل كلام النبي مشكوك فيه أو ظني الحكم، بل لأنه منقول والشك في النقل، فلو سمعت الحديث مباشرة بنفسي من مصدره الأصلي فلا أشك مطلقا به، بل قد أشك في فهمي وأستيعابي أنا له، المسألة عند تجاوز هذا الحد وأسمع ممن سمع من المصدر الأول، فيكون الشك مقدما على التصديق قطعا، وأيضا ليس من الظن بقول المصدر الأول قطعا، ولكن أصبح علي الأن أن أتحرى صدق وتمامية وضبط الناقل من المصدر ومدى أستيعابه ووعيه وإدراكه وفهمه الكامل للحديث هذا أولا، أضافة إلى الشك الذاتي الخاص في فهمي وإدراكي وأستيعابي للمنقول الذي نقل الحديث لي، هنا أكون أمام شكين مزدوجين يولدان الظن ولا يوفران اليقين، على عكس نص القرآن الذي جاءني منقولا ومكتوبا وموثوقا به، وأيضا ليس لأن من نقله ثقات عدول فقط، بل لأني أؤمن بأن الله تعالى حفظه وعصمه من التغيير والتبديل والتحريف، متبعا قول الله {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}، فالقرآن حق مطلق وما عداه ظن، حتى يقوم الدليل القاطع واليقين التام بما فيه على أن الحديث أو الرواية تماشي وتطابق ما جاء في الحق مطلقا.
هذا المنهج يتفق تماما مع ما وصل إليه الباحث المصري محمود أبو رية في أطروحته التي قدمها من خلال عمل نقديّ كبير لما وصلَ إلينا من حديث نبويّ في كتابه المهم (أضواء على السنة المحمدية) المنشور في (1957). فوجدَ أنه "لا يكادُ يوجدُ في كتب الحديث كلّها مما سموه صحيحاً، أو ما جعلوه حسناً (…) قد جاءَ على حقيقة لفظه ومحكم تركيبه كما نطقَ الرسولُ به، ووجدتُ أنّ الصحيح منه على اصطلاحهم إنْ هو إلا معانٍ مما فهمَهُ بعضُ الرواة، وقد يوجدُ بعضُ ألفاظٍ مفردة بقيتْ على حقيقتها في بعض الأحاديث القصيرة وذلك في الفلتة والندرة، وتبيّنَ لي أنّ ما يسمونه في اصطلاحهم حديثاً (صحيحاً) إنما كانت صِحّتُه في نظر رواته، لا على أنه صحيحٌ في ذاته، وأنّ ما يقال عنه (متفق عليه) ليس المراد أنّ البخاري ومسلم قد اتفقا على إخراجه، وليس من شروط الحديث الصحيح أنْ يكونَ مقطوعاً به في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان والسهو على الثقة”، هذه الأطروحة ليست بالجديدة فقد قالها الإمام الشافعي من قبل حيث حزم بعدم صحة السواد الأعظم من الأحاديث والمرويات عنه الرسول ص (حيث يوجد في مسند الإمام الشافعي 127 حديثاً صحيحا تعتبر هذه من الأحاديث المجزوم بصحتها وفقا للقواعد النقدية له والمعايير التفصيلية وتستخدم لدعم القرارات الشرعية للمذهب الفقهي)، هذا العدد لا بتناسب مطلقا مع العدد المعلن حقيقة، والذي بلغ أكثر من خمسين ألف حديث بين صحيح وضعيف ومتروك وموضوع والغريب أن كلها مدونه فيكتب الحديث.