أبا لهب بالنار


سامي المنصوري
الحوار المتمدن - العدد: 4414 - 2014 / 4 / 4 - 00:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     


هوعبد العزى بن عبد المطلب الهاشمي ، امه لبنى بنت حجر الخزاعية، وهوالأخ الغير شقيق لعبد الله بن عبد المطلب والد محمد بن عبد الله. عرف عبد العزى بكنية أبي عتبة نسبة لأبنه الأكبر عتبة بن عبد العزى بن عبد المطلب، ولكن الأسم المشهور له هو أبو لهب، لقبه إياه أبو عبد المطلب لوسامته وإشراق وجهه. كانت علاقته مع محمد قبل أن يدعي النبوة علاقة صداقة وود ، وكان ولديه عتبة وعتيبة إما متزوجين ، أو مخطوبين، لبنات محمد رقيا وأم كلثوم. وتحولت علاقة الصداقة هذه إلى عداء مرير بعد أن قرر أبو لهب أن ينضم إلى قريش في مقاطعة بني هاشم تبعا "لحلف" الصحيفة، ربما تحت تأثير من زوجته أروى بنت حرب أخت أبي سفيان. وتم بعد هذا طلاق أو فصل خطوبة رقية وأم كلثوم من عتبة وعتيبة. بعد موت أبي طالب عم النبي والأخ غير الشقيق لأبي لهب، تولى أبو لهب رئاسة عائلة بني هاشم ، وقد وعد عندها ووفى بإجارة محمد وحمايته، وهناك ذكر لحوادث تاريخية قام فيها أبو لهب بالدفاع عن محمد. عندما رأت قريش أن لا سبيل لها للنيل من محمد وهو تحت حماية أبي لهب، تمكن أبوجهل وعقبة بن أبن معيط من أقناع أبي لهب أن يسأل محمدا عن مصير والده عبدالمطلب وأخيه عبد مناف (أبوطالب) بعد الموت وكان الإثنان قاد ماتا على "كفرهما". وعندما أجابه محمد أن مصير الإثنين سيكون في نار جهنم، سحب أبو لهب حمايته عن محمد. ومن الممكن أن يكون توجه محمد للطائف ومحاولته لدعوة ثقيف للإسلام للحصول على حمايتهم قد حدث بعد هذا الحادث، وبعد أن فشل سعي محمد في الطائف، رجع محمد لمكة ولم يدخلها إلا بعد أن حصل على جوار أحدى العائلات الأخرى ؟؟. ومما لا شك فيه أن سحب أبولهب لجوار وحماية محمد وما عاناه بعد ذلك كان السبب في "تنزيل" سورة المسد التي سمت أبو لهب بأسمه وكنت زوجته أم جميل بحمالة الحطب ووعدتهما بالخلود في نار جهنم. مات أبو لهب بوقت قصير بعد معركة بدر التي رفض أن يشارك فيها بنفسه ، خلافا لموقف أخيه العباس والهاشميين الآخرين، وأرسل بدلا عنه أحد المديونين له ماليا ليحل مكانه. وهناك قصة طويلة عن وصول خبر هزيمة قريش في بدر وانفعال أبي لهب من الأخبار وضربه على رأسه من قبل عاتكة. أسلم أولاده عتبة ومعتب عند فتح مكة


تأتي الحجة من المسلم دوماً على الشكل التالي: “القرآن توعد أبا لهب بالنار في سورة المسد، ولكن كيف علم محمد أن الرجل سيموت كافراً ولن يتوب؟ أليست هذه مخاطرة كبيرة من كاتب القرآن؟ ألم يكن بإمكان أبو لهب أن يعلن إسلامه في أي لحظة فيضع بذلك محمداً و قرآنه في مأزق كبير؟ وإذاً ألا تدل هذه السورة أن كاتبها هو بالضرورة إله عليم يعرف غيب المستقبل و ما في قلوب الناس؟”
هذا الطرح نسمعه كثيرا جدا و بشكل متكرر من المسلمين، وفي هذا المنشور سنرد على هذا الادعاء ونثبت كذبه وزيفه بأكثر من موقف حيث غيّر محمد كلامه ورأيه وغيّر ما هو مكتوب في القرآن في مواقف كثيرة تبطل هذه الحجة. وسنوضحهنا أن الأمر ليس فيه أي معجزة ولا علم بالغيب، بل هو كالعادة مجموعة متهافتة من الكذبات والتلفيقات؟
إبطال الحجة من مصدرها
1- مبدئيا: حتى تكون المسألة معجزة عليكم إثبات أن سورة المسد كتبت في حياة أبي لهب حقا، وليس بعد وفاته، وهذا مستحيل تأكيده تاريخيا إلا بالإحالة إلى المصادر الإسلامية التقليدية التي تذكر أسباب نزول السور والآيات وترتيبها… إلخ، ًولكننا ببساطة غير ملزمين بتصديق تلك المصادر! صحيح أننا نناقشها وغالبا نقبل مضطرين الإستشهاد بها سلباً وإيجابا كوننا لا نملك غيرها، ولكن الأمر يختلف تماما حين تكون القضية متعلقة بمعجزة، فالمعجزة بالتعريف من صفاتها أن تكون بينة واضحة ساطعة لا تقبل الشك أو اللبس أو الجدل كي ينطبق عليها وصف معجزة!
ولهذا فعموما لا يصح الإستعانة بروايات تاريخية جدلية لإثبات المعجزات، بالأخص حين تكون من روايات أصحاب الدين نفسه! مع ملاحظة أن كثيرا من المسلمين أنفسهم يشككون في مصداقية مصادر السيرة ويرون أنها غير معصومة بالكامل، فمثال على ذلك هو تكذيب الأحاديث الصحيحة التي تدعي أن عائشة لم تتزوج من الرسول وهي في عمر التاسعة، فإذا كان المسلمون نفسهم يشككون في مصادرهم، ألا يعطي ذلك الحق لكل غير مسلم أن يشكك بنفس الطريقة؟
أظن هذا وحده يسقط ادعاء الإعجاز من منبعه، ولكننا مع ذلك سنمضي بافتراض حقيقة القصة، و بافتراض صدق المصادر الإسلامية، وسنثبت أنها ليست الطريقة الوحيدة لتكذيب هذه القصة، فهذه القصة مليئة بكل أنواع الكذب.
هل فعلاً كان إسلام أبو لهب سيهدم مصداقية القرآن؟
2- إذاً، بفرض أن أبا لهب قد أعلن إسلامه، فهل كان ذلك ليهدم مصداقية القرآن تماما و يظهر محمدا أمام أصحابه بمظهر الكاذب المدعي- و بالتالي يمكن القول أن السورة تعتبر بالفعل مخاطرة كبيرة منه؟
نقول قطعا لا، هذا الأمر لم يكن ليسقط مصداقية محمد في نظر أتباعه بحال من الأحوال، بل لو كان أبو لهب تاب وآمن لكانت هناك ألف وسيلة أمام المسلمين وأمام محمد نفسه كي يتفادى الإحراج ويتهرب من المأزق، وهذا ما سنثبته بالأمثلة، وسنعدد هنا بعض تلك الوسائل مع ذكر أمثلة واقعية من القرآن وسيرة محمد ترينا أن الإسلام بالفعل قد استخدم وسائل التهرب تلك في أكثر من مناسبة، وذلك حتى لا نُتّهم بالإفتراء أو بالتنظير المجرد.
إعادة التأويل
3- أولاً: لو كان أبو لهب أعلن إسلامه كان يمكن للمسلمين أن يقوموا بإعادة تأويل السورة
قد يرد المسلمون حينها بالجواب التالي: “الآية تقول فعلا أن أبا لهب “سيصلى ناراً” و لكنها لم تقل أنه سيخلد في النار- فرق كبير! بالتالي أبو لهب فعلا سيدخل النار لفترة مؤقتة، و لكنه في النهاية سيعود إلى الجنة مع سائر المؤمنين!”
هل مثل هذا الأسلوب من التأويل والترقيع غريب عن الفكر الإسلامي؟ مطلقا! بل نجده في كثير جدا من حججهم و ردودهم على ما يسمونه “الشبهات”! أليس كذلك؟
محمد نفسه استخدم هذه الطريقة التحايلية في التهرب من نبوءاته وعوده: هو مثلاً ادعى أنه رأى رؤيا قبيل غزوة بدر مفادها أن المؤمنين سيواجهون عدداً قليلا من جنود المشركين (وكان في البداية يتوقع مواجهة قافلة قليلة الحراسة)، ثم لما تغيرت الظروف وصارت المواجهة مع الجيش المكي كثير العدد، نزل القرآن مبررا المسألة بشكل عجيب جدا: “إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم” الأنفال 43. أي أن الله خدع نبيه والمؤمنين بهذا الحلم و أراهم الأعداء قليلين عمدا حتى لا يجبنوا عن القتال!
وهناك واقعة ثانية شبيهة مرتبطة كذلك برؤيا ونبوءة ثم تراجع عنها، وهي حين وعد محمد أتباعه – قبيل صلح الحديبية مباشرة- أنهم سيدخلون المسجد الحرام في مكة آمنين محلقين رؤوسهم حسب ما أراه الله في الرؤيا، التي سجلها القرآن، ثم لما تأزمت الأوضاع ورفضت قريش السماح لهم بدخول المسجد هذا العام، ونكث محمد عما وعد به وأمر أصحابه بالرجوع إلى مكة دون حج. وحين واجهه عمر بن الخطاب بما كان وعدهم به رد محمد عليه: “أفأخبرتك أن نأتيه العام؟”- يعني أنني لم أقصد أن الدخول سيكون هذا العام بل العام التالي! و هو تحايل واضح.
الخلاصة من هذا القسم أن الإسلام يستخدم الخداع وإعادة تأويل نبوءاته وتعهداته بحيث يتمكن من التراجع عنها وقتما يشاء. و لو كان أبو لهب أسلم كان يمكن لمحمد بسهولة أن يلجأ لنفس هذا الأسلوب الذي لجأ له كثيراً.
قبول التوبة
4- ثانياً: لو كان أبو لهب أعلن إسلامه كان يمكن لمحمد أن يقبل توبته ويرجع عن كلامه، والتالي مثال
كما رأينا فمحمد بالفعل تراجع في كثير من الأمور دون أن يسبب هذا له أي حرج! وبالإضافة للتراجع باستخدام أسلوب إعادة تأويل الوعد بشكل مغاير-مثلما رأينا في رؤيا الحديبية- فهناك كذلك التراجع الصريح وإحلال حكم مكان حكم، وقد مورس هذا كثيرا حتى صار للأمر مصطلحاً مستقلاً في علوم الفقه يسمى “النسخ” – وهو ببساطة أن يغير الله (أو محمد بالأحرى) رأيه في قضية من القضايا فيتراجع عن كلامه السابق!
ًبهذا رأينا الله يصرح مثلاً مرة للمسلمين بأنه “إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين من الذين كفروا”، ثم عاد لاحقا و قال “لا لا لا… لقد علم الله أن فيكم ضعفا فخفف عنكم، فالآن إن يكن منكم مائة يغلبوا مائتين!” (الأنفال 66). ومثال آخر هو أن قيام الليل كان مفروضاً على المسلمين، ثم أيضاً “علم الله (الذي لم يكن يعلم من قبل)” أنه سيكون منهم مرضى فغيّر رأيه وتاب عليهم وألغى الفرض، وفي بداية الصيام كانت فترة الإفطار ممتدة فقط حتى العشاء أو النوم، ثم “علم الله (الذي أيضاً لم يكن يعلم من قبل) أن الصحابة كانوا يختانون أنفسهم” فغيّر رأيه وخفف الأمر و مد زمن الإفطار إلى الفجر. والصلاة في البداية كانت توجه إلى البيت المقدس، ثم لما رأي الله تقلب وجه محمد في السماء ولاّه قبلة يرضاها وهي المسجد الحرام. ومثال آخر مشهور أيضاً نجد فيه القرآن يتدرج في تحريم الخمر على عدة مراحل كل واحدة تلغي السابقة. و محمدا قال “كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزروها”، وهو أيضاً تغيير في الحكم! وهو أقر زواج المتعة ثم نهى عنه عدة مرات، والقائمة تطول، وحتى أن الفقهاء يقسمون النسخ إلى أقسام عديدة متنوعة : فهناك نسخ الحكم و بقاء التلاوة (مثل آيات المصابرة التي ذكرناها في البداية)، و هناك نسخ التلاوة وبقاء الحكم (مثل حد الرجم، ومثل تحديد أخوة الرضاعة بخمس رضعات)، وهناك نسخ الإثنين معاً (مثل تحديد أخوة الرضاعة بعشر رضعات). وهناك نسخ القرآن بالقرآن (مثل آيات المصابرة و مثل مراحل تحريم الخمر)، و نسخ القرآن بالسنة (مثل حديث لا وصية لوارث)، و نسخ السنة بالقرآن (مثل تحويل القبلة)، ونسخ السنة بالسنة (مثل زواج المتعة وزيارة القبور)!
إذن: الله يغيّر رأيه كثيراً جداً وبأشكال متنوعة، سواء في الأحكام أو حتى في الخبر و تقرير حقائق. وطبعا المسلمون كالعادة لديهم تبريرات جاهزة لمثل هذه التراجعات. فهل فعلاً كل آيات القرآن ثابتة ولا تتغير؟ أظن أنه بعد كل هذه الأمثلة سنقر بأن هذا الادعاء هو مجرد هراء!
بعد هذا كله، هل نصدق حقا أن الله ورسوله كانا سيكونان في موضع حرج لو كان أبو لهب قد أعلن إسلامه؟؟ أم أن الحكم كان سينسخ والوحي كان سينزل ببساطة قائلا: “..الآن علم الله أن أبا لهب قد تاب وآمن فغفر له والله غفور رحيم” …إلخ من الطرق المقززة والمقرفة للضحك على البلهاء؟
رفض التوبة
5- ثالثاً: لو كان أبو لهب أعلن توبته، كان يمكن لمحمد أن يرفضها، والتالي الأمثلة والشرح
نلاحظ أن سورة المسد لم تذكر أن أبا لهب لن يعلن إسلامه أبداً، وإنما هي قالت أنه سيدخل النار، فهل قال محمد أن كل من أعلن إسلامه سينجو بالضرورة من النار؟ لا، ليس شرطا، بل هناك استثنائين رئيسيين لهذا: الأول هو ما يسمى بـ”غلق باب التوبة”، والثاني هو اعتبار الشخص منافق أي أنه قد آمن بلسانه فقط- في هاتين الحالتين يمكن أن نضع الشخص في النار حتى و لو أعلن إسلامه!
إذن كان يمكن بسهولة تصنيف أبا لهب في واحدة من هذين التصنيفين.
ولدينا أمثلة واقعية على هذا، منها فرعون موسى الذي تاب ولكن لم تقبل توبته، ومنها المنافقون في المدينة كعبد الله بن أبي سلول وغيره من الذين كانوا يجهرون بالإسلام لساناً ولكن مع ذلك اعتبرهم القرآن من المنافقين قلبا ووضعهم في الدرك الأسفل من النار.
6- قصة ثعلبة بن حاطب الأنصاري تنسف الإعجاز المزعوم لقصة أبو لهب
لنقرأ معا الآيات التالية من سورة التوبة: (وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ – فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ – فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ-;---;-- يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ) التوبة 75-77
و نقرأ سبب نزول الآيات من تفسير الطبري:(عن ابن عباس قوله: { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ… } الآية، وذلك أن رجلاً يقال له ثعلبة بن حاطب من الأنصار، أتى مجلساً فأشهدهم، فقال: لئن آتاني الله من فضله، آتيت منه كلّ ذي حقّ حقه، وتصدّقت منه، ووصلت منه القرابة فابتلاه الله فآتاه من فضله، فأخلف الله ما وعده، وأغضب الله بما أخلف ما وعده، فقصّ الله شأنه في القرآن: { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ… } الآية، إلى قوله: { يَكْذِبُونَ }.)
إذن فثعلبة هذا تعهد إن آتاه الله مالا ليتصدق به، ثم لما جاءه المال نكث بوعده و بخل، فنزلت الآيات تدينه وتقرر أنه سيلقى الله منافقا، ولكن المفاجأة أن ثعلبة ندم بعدها وأعلن التوبة!
نعود إلى تفسير الطبري: (فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يقبل منه صدقته))
فماذا فعل محمد؟ ببساطة رفض قبول توبته وأمواله!
نكمل من الطبري: (فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يقبل منه صدقته .. فقال: ” إنَّ اللَّهَ مَنَعَنِي أنْ أقْبَلَ مِنْكَ صَدَقَتَكَ ” فجعل يحثي على رأسه التراب.. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” هَذَا عَمَلُكَ، قَدْ أمَرْتُكَ فَلَمْ تُطِعْنِي ” فلما أبى أن يقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجع إلى منزله، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئاً.))
إذن لدينا هنا حالة مشابهة لحالة أبي لهب – لو كان أسلم! ونجد أن محمداً لم يصادف أي حرج مطلقا في أن يرفض قبول توبة الرجل-بالتالي فمهما أعلن صاحبنا إيمانه وبكى و ندم أو استغفر، فمازال بإمكاننا القول بأن ثعلبة منافق وفي النار كما وصمه القرآن!
بالمثل، ألم يكن بإمكان محمد بكل سهولة أن يسلك نفس السلوك تجاه أبو لهب، فيعتبره منافقا ويرفض توبته، ومن ثم يظل أبو لهب من أصحاب النار ويظل القرآن معصوما من الخطأ؟!
7- وحالة ثعلبة ليست الوحيدة، بل نجد حالات أخرى نزلت فيها آيات قرآنية تتوعد أناس بعينهم بالنار، ثم أسلم هؤلاء لاحقا، ومع ذلك لم يشعر محمد بأي حرج ولم يصرح المسلمون بانهيار مصداقية القرآن!
هناك مثلا القصة الشهيرة لعبد الله ابن أبي السرح وردته عن الإسلام ثم مقولته: “سأنزل مثلما أنزل الله”. وأيضا توعده القرآن بالنار: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ- وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) الأنعام 93
و لكن أبا السرح تاب وأعلن إسلامه و تركه محمد ولم يقتله، فهل يرى المسلمون مأزقا في تلك الآيات؟ قطعا لا، بل يمكن التغلب علي المشكلة بوسيلة من الوسائل التحايلية السابقة: إما بإعادة التأويل، وإما بالقول أن الرجل لم يسلم بصدق وإنما هو منافق!
8- رابعاً الوليد بن عُقبة، الذي نزلت فيه الآية التالية: (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤ-;---;--اْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) السجدة 20
ثم إن الرجل أسلم عام الفتح، فما رأيكم؟!
خامساً: هناك أبو سفيان الذي نزلت فيه الآية التالية أيضا تهدده بالنار: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) الأنفال 36
لكن أبو سفيان أسلم وقت الفتح أيضا، فهل انهار الإسلام؟ هل ظهر كذب محمد؟ هل أحرج المسلمون؟؟ لا أبداً!
بالتالي لم يكن إسلام أبو لهب ليمثل حالة جديدة أو فريدة أو محرجة كما يظن المسلمون- فكم من شخص توعده القرآن بالنار ثم عاد فأعلن توبته!
الخلاصة
9- كما رأينا محمد وعد كثيرا و أخلف وتراجع و غير كلامه في مواقف لا حصر لها، و بالتالي لم يكن يضيره و لا يضير أتباعه تراجعا إضافياً.
بل هو في أول دعوته توعد قريش صراحة بصاعقة من الله تصيبهم إن هم كذبوا به : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) فصلت 13، و لم تؤمن قريش، و لم تنزل الصاعقة!
ورغم هذه السقطة الفضائحية، إلا أنه لم يظهر كذب محمد للمسلمين ولم نراهم ارتدوا عن دينهم أفواجا!
و الحقيقة أن جميع السقطات والتراجعات والأخطاء والتناقضات في العالم كله لن تؤدي أبداً لأن يتم فضح الإسلام في أعين المسلمين ولن تؤدي إلى ترك المسلمين لدينهم، وهذا ببساطة لأن الدين لم يُبنى على المنطق والدليل والبرهان أصلاً حتى يتم هدمه عن طريقه.
باختصار عزيزي المسلم أنت لم تدخل الإسلام بعقلك حتى تخرج منه بعقلك- بل دخلته بالعاطفة و بالترهيب وقبل هذا بالوراثة و التنشئة، بالتالي لا يهم حقا إن كان أبو لهب قد أعلن إسلامه أم لا، ففي كل الأحوال لم تكن لتترك دينك أو تكتشف زيفه، وفي أسوأ الأحوال ستكون القصة عندك مجرد “شبهة” إضافية تنضم لكومة التهم والشبهات حول الإسلام التي تسعى للرد عليها و تبريرها طوال الوقت!
أساليب التحايل والترقيع موجودة ومتاحة دائما ويستخدمها المؤمنون طوال الوقت لمحاولة ستر عورات أديانهم. و لو لم يوجد محمد لنفسه تبريرا في المسألة لأوجد المسلمون له ألف تبرير!


اقتباس و تلخيص وتجميع المواضيع من بطون الكتب والابحاث والمدونات بحياديه لا تنتمي لدين او مذهب لكوني ليست يهودياً ولا مسيحياً ولا مسلماً ولا ديني - كاتب و باحث و محلل في تاريخ ألاديان