النضر و محمد
سامي المنصوري
الحوار المتمدن
-
العدد: 4413 - 2014 / 4 / 3 - 09:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
النضرومحمد ( نتيجة الصراع الفكري)
.
فمنذ حوالي 1400 عاما حدثت معركة فكرية شرسة بين إثنتين من العقليات الجبارة ، العقلية الأولي هي عقلية محمد ذلك الإنسان ذو العقلية الخيالية الواسعة و القدرة الهائلة على بناء المنظومات ، لقد ظلت عقليته الجبارة تحاول أن تربط بين الاحداث التاريخية المختلفة المعروفة في وقته و نسج منظومة متكاملة حتى إستطاع أن يكون ما أعتبره " أول نظرية في تفسير التاريخ " و إنطلق منها ليكون فلسفة عامة ينقصها شئ واحد فقط ، ألا وهي نبي موحى إليه من عند الله ،
و إرهاصات هذه الفلسفة لم تكن جديدة في العائلة فقد كانت موجودة في إثنين من إجداده ، أولهما " بن أبي كبشة " وهو أحد أجداده لأمه ، و قد كان كثيرا ما يُنعت محمد بهذا الإسم لإقتفاءه لأفكار جده و الثاني " عبد المطلب" جده لأبيه .
و من معاصريه فقد شاركه فيها بعض الشخصيات المرموقة مثل " زيد بن عمرو بن نفيل" و" أمية بن أبي الصلت" .
أما عن فكرة النبوة نفسها فقد سبقه إليها بفترة كبيرة " مسيلمة " نبي بني حنيفة ، و أكرر حتى تتضح الصورة أن " مسيلمة " سبق محمدا في إدعاء النبوة بسنوات طويلة .
و قد تعرض محمد في أثناء طفولته و شبابه المبكر للكثير من الظروف المعاكسة التي جعلته فقيرا و اضطرته إلى الزواج من امرأة تكبره بخمسة عشر عاما و تقوم بالإنفاق عليه و أنفق هو سنوات طويلة من عمره في عزلة و في محاولة الوصول لفلسفة عامة و فهم عام للكون في حدود معلوماته المحدودة و يبدو أن هذه العزلة و هذا البحث الدؤوب عن" الحقيقة" و " مغزى الحياة" و بعض القضايا الميتافيزيقية الأخرى ساهما فيما يبدو في عجزه عن النجاح الدنيوى .
و عندما وصل سنه إلى أربعين عاما كانت الضغوط النفسية قد إزدادت بشكل عنيف و بدأت تنتابه هلاوس سمعبصرية عنيفة وتلك الهلاوس أوحت له أن الرب قد إنتقاه هو كي يكون المبعوث الإلهي ( الحلقة المفقودة في منظومته ) ، و إنطلق المارد المحمدي من القمقم مدفوعا بغاز تراكمات نفسية عنيفة مكبوتة من عشرات السنين نعم إنطلق و بكل قوة و ثقة إنطلق ينثر هلاوسه السمعية والبصرية الصادرة من عقله الباطن يحاول أن يُقنع قريشا أنه كلام عظيم و منزل من عند إلهه ، و قد كان محمدا كالإعصار و إنطلق يهاجم بكل شراسة و قوة معتقدات قبيلته " رغم شخصيته الضعيفة المهتزة مدفوعا بإعتقاده أن هنالك إلها خلفه يعضده " .
وقد حقق محمد في بداية دعوته صعودا سريعا و نجح في إستمالة عدد لا بأس به من الأنصارو بدأ يهدد النظام في مكة وهو ما تدل عليه هاتان الآيتان :
وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ [ ص (38) 6]
إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا [ الفرقان (42) 42]
ولكن تنبه له عدد من كبراء و مثقفي قريش و تصدوا لفكره بكل قوة ، في الأساس لأسباب إقتصادية بحتة ، إذ قدروا أن العرب كانت لن تصبر عليهم وستفتك بهم لو أنهم أهانوا آلهتهم فالكعبة كانت تضم آصنام العرب جميعا وإن لم تفتك العرب بهم فعلى أقل تقدير كانوا سيفقدون عزتهم و منعتهم عند العرب مما كان من الممكن أن يُحطم نشاطهم الإقتصادي القائم على الحج و على تأمين طرق قوافلهم التجارية ( رحلتي الشتاء و الصيف ) وهو الذي كان يكفله لهم مكانتهم الدينية و رعايتهم لآلهة العرب ، وهذه الآية تعبر عن وجهة نظرهم تلك :
وقالوا ان نتبع الهدى معك نتخطف من ارضنا [ القصص (48) 57]
ولا أنكر أن الدافع عند البعض كان الغيرة من محمد إذ كانت تراوده أحلام النبوة ( قيل ذلك في الحكم بن هشام " أبو جهل " )
و البعض الآخر كان يراه إنسانا تافها لا يستحق النبوة و كان الأجدر بالله إن كان يريد أن يُرسل مبعوثا أن ينتقي رجلا آخر ذا شأن ، و دنو منزلته بينهم توضحها الآيات التالية :
وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف (63) 31]
واذا راوك ان يتخذونك الا هزوا اهذا الذي بعث الله رسولا [ الفرقان ( 41)]
و لكن يظل للعامل الإقتصادي دائما اليد الطولى في نشاطهم في التصدى له و أخذهم بتلابيبه .
وقد قامت مجموعة من مثقفي و نابهي قريش بالتصدى له وكان أبرز تلك العقليات النابهة
" عبد الله بن أمية" و "الوليد بن المغيرة " و " عمرو بن هشام " (أبو الحكم) ( أبو جهل ) و" عقبة بن معيط " و كان على رأس هؤلاء "النضر بن الحارث" الرجل المثقف العاقل، النبيل ذو المنطق الحديدي الذي طاف ببلاد فارس و الروم ، و الذي تصدى للإعصار المحمدي بكل صلابة وصلافة .
و كان الصدام المنطقى بين العقليتين الجبارتين : العقلية الخيالية الواسعة ، التي تعانى من إضطرابات عقلية و نفسية مخيفة تجعلها مزيجا من الشراسة و العنف و الوداعة و الضعف ، وهي التى لو تنازلت عن هلاوسها فستهبط بنفسها من علياء النبوة و الإتصال الإلهي إلى حضيض الجنون و الخبل فكان أن تمسكت بهلاوسها هذه بكل قوة و إستماتة وهاتان الآيتان تدلان على مدى سعادته بهلاوسه وتمسكه الشديد بها.
" وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فلا تكن ظهير للكافرين "
ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم
وهذه العقلية المحمدية كانت تعبر عن الفكر الجديد الذي كان قد بدأ في الإنتشار بين بعض مفكري العرب ، وهي فلسفة أكثر رقيا و منطقية من فلسفة الأصنام و نقطة ضعفها الوحيدة و القاتلة : هي " إثبات نبوته و علاقته بالإله ، وهو ما كان يستلزم من مدعي النبوة أن يأتي بمعجزة حتى يُثبت علاقته بإلهه " .
و على الجانب الآخر العقلية التحليلية الهادئة القوية درعها المنطق الصلد أمام ضربات الآيات المحمدية الشرسة ، تلك العقلية التى لم ترهبها آيات " التهديد و الترغيب" المحمدية عن الجنة و النار و صمدت بكل هدوء أمام ادعاءاته البراقة وهي العقلية التي كانت تعبر عن المصالح الإقتصادية للمجتمع المكي ، و رغم أن المنظومة الفكرية التي يدافع عنها كانت أقل إكتمالا من منظومة محمد ألا أنه إستطاع أن يحطم محمدا تماما و يجعله أمثولة و " هزوا " عن طريق تركيزه على إبراز فشل محمد التام في الأتيان بمعجزة تُثبت نبوته .
وهذه ترجمة قصيرة له :
كان النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي من شياطين قريش وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصب له العداوة وكان قد قدم الحيرة تعلم بها أحاديث ملوك فارس وأحاديث رستم وأسفنديار فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس مجلسا فذكر بالله وحدث قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله خلفه في مجلسه إذا قام ثم يقول أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه فهلموا فأنا أحدثكم أحسن من حديثه ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم وأسفنديار ثم يقول ما محمد أحسن حديثا مني قال فأنزل الله تبارك وتعالى في النضر ثماني آيات من القرآن قوله وإذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين وكل ما ذكر فيه الأساطير في القرآن ( سيرة بن هشام)
و قرأت في أقوال أخرى أنه نزل به 32 آية وقيل أكثر
و يزخر القرآن بآيات عديدة توضح الجدال العنيف بين محمد من جهة النضر و أصحابه من جهة أخرى خصوصا إبتداءا من السورة 37 من ترتيب النزول " سورة القمر" و السورة 86 من ترتيب النزول ( المطففين) .
و في هذه المقالة أركزعلى شئ واحد فقط ألا هو أن هذا الجدال العنيف إنتهى إلى شعورمحمد بالقهر و الإهتزاز النفسى نتيجة هزيمته الفكرية وذبوله ، و في نفس الوقت ثبات مثقفي قريش و تمكنهم منه وجعله هو و قرآنه أضحوكة و مادة للسخرية و الإستهزاء .و ذلك كله من واقع الآيات القرآنية .
وهذا الجدال العنيف يشمل جزءا كبيرا من آيات القرآن و خصوصا المكية :
أ-الجدال :
وهذه هي الآيات التي توضح حدوث الجدال المستمر حول كثير من الأمورالتي إستحدثها محمد .
ومن الناس( النضر) من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد [( الحج (3)]
- وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا
- وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا [ الكهف 54 ,56 (69) ]
-ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم لمشركون [ الأنعام (21) 55]
الم تر الى الذين يجادلون في ايات الله انى يصرفون [غافر (69) ]
ب- موقف النضر و أصحابه أثناء و بعد الجدال:
تلخيص عام : لم تجد شخصية ولا أقوال محمد أي صدى لدى النخبة المكية ولم تستوقفاهم و كانا ( الشخصية و أقوالها) في نظرهم مدعاه للسخرية و الإستهزاء، و الضحك ؛ و تعبر عن هذه الرؤية أفضل تعبير مجموعة آيات " هزوا " التي قيلت في محمد و أفكاره ( القرآن) .
1 - تجاهلهم للآيات وعدم تأثرهم بها
- وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ
- يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
[الجاثية( 7، 8 ، ) ]
- وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا [الإسراء 41 (50)]
- وقالوا قلوبنا في اكنة مما تدعونا اليه وفي اذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب[( فصلت (4)]
2- سخريتهم من القرآن :
هذه الآيات تدل على إحتقارهم الشديد للقرآن " أفكار" و "أسلوب" و" إبداع " و هذا يوافق رأي الكثير من أهل العربية فيما بعد و أبرزهم علماء " المعتزلة " الذين أقروا أن القرآن كتاب غير متميز لغويا على الإطلاق .
- آيات القرآن " هزوا " .
-واتخذوا اياتي وما انذروا هزوا [( الكهف 106) (69)]
- ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا اولئك لهم عذاب مهين [لقمان (6) ]
- وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ( الجاثية 9)
-ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱ-;-تَّخَذْتُمْ آيَاتِ ٱ-;-للَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ ٱ-;-لْحَيَاةُ ٱ-;-لدُّنْيَا [ الجاثية (35)
واذا راوا اية يستسخرون [ الصافات ( 14)]
- آيات تدل على عدم رؤيتهم لأي إعجاز في القرآن .
- وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ[ يونس 15 ، 51]
- واذا تتلى عليهم اياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ان هذا الا اساطير الاولين[الأنفال 31]
- واذا قيل لهم ماذا انزل ربكم قالوا اساطير الاولين [النحل ( 24) ( 70)]
- وقالوا اساطير الاولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة واصيلا [الفرقان (5) (42) ]
3 – سخريتهم من محمد و أصحابه .
-آيات " محمد " هزوا
- واذا راك الذين كفروا ان يتخذونك الا هزوا اهذا الذي يذكر الهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون، ٍ[ الأنبياء 31 ( 73) ٍ]
- واذا راوك ان يتخذونك الاهزوا أهذا الذي بعث الله رسولا (الفرقان41( 42)
تعليق : أرجو الإنتباه لكلمة " أهذا " و ما تحمله في طياتها من قمة الإستهزاء و عدم الإحترام .
- ما ياتيهم من رسول الا كانوا به يستهزؤون [يس (30)]
- وما ياتيهم من نبي الا كانوا به يستهزؤون [الزخرف (7)]
- ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون[ الأنعام (6)]
- وَإِذْ قَالُواْ ٱ-;-للَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰ-;-ذَا هُوَ ٱ-;-لْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱ-;-لسَّمَاء أَوِ ٱ-;-ئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال 32 ( آيات مكية) ]
تعليق القرطبي :هذا أيضاً من كلام ذلك القائل أبلغ في الجحود. روي أنه لما قال النضر إن هذا إلا أساطير الأولين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ويلك إنه كلام الله " فقال ذلك. والمعنى إن كان هذا حقاً منزلاً فأمطر الحجارة علينا عقوبة على إنكاره، أو ائتنا بعذاب أليم سواه، والمراد منه التهكم وإظهار اليقين والجزم التام على كونه باطلاً.
-أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ [ النجم 23، ( 59-60) ]
تعليق : أود هنا أن أوضح أن القرآن لا يقول أن المكيين كانوا يغضبون أو يثورون عندما كانوا يسمعون القرآن بل كانوا يضحكون
-آيات سورة المطففين ( آخر سورة مكية )
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ
وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ
وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ
وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ
[( المطففين (86) 29- 32)]
تعليق : : سورة المطففين هي آخر سورة مكية ، وهذه الآيات الجميلة توضح وضع " محمد" و" أفكاره " و " أصحابه " في مكة فقد صاروا يضحكون منهم ، وإذا مروا عليهم " تغامزوا" فيما بينهم و عندما يعودون لزوجاتهم و أولادهم يكونون مادة فكهة للحديث و يجب الإشارة هنا أنه لا ذكر عن ضرب أو أي إعتداء جسدي عليهم و لكنهم صاروا لهوان شأنهم مادة دسمة للفكاهة و الضحك .
ج - موقف محمد أثناء وبعد الجدال:
تلخيص عام :
1- محمد يعجز عن الأتيان بآية و يدخل في جدل عنيف مع نابهي قومه و على رأسهم النضر ينتهي بهزيمته
و2- تأثره هو لمنطقهم و يفقد إحترامه بينهم
3- فيحزن حزنا شديدا و تراوده أفكار الإنتحار ثانية
و4- يحاول أن يسترجع الإحترام المفقود من الكائنات الخرافية و تجعله تلك الهزائم المريرة إلى 5- التهرب من مجادلتهم و محاولة إقناعهم و تغييره لكلامه حتى يهرب بأخطاءه التي يأخذوها عليه ، و تدفعه صلابة منطقهم و إصرارهم على أن يأتي بمعجزة تُثبت نبوته لــ
6 -أن يشعر بالرعب و الخوف من النطق أمامهم بهلاوسه ( القرآن ) حتى لا يمسخروه و يُطالبوه بمعجزة و في النهاية
7 - ينقطع الوحي تقريبا في سنواته المكية الأخيرة و في بدر
8- يكون النضر و بن معيط الوحيدان الذان يقتلهما صبرا و لكن قوة منطق النضر و تلاعبه به في مكة تطاردانه حتى أنه بعد أن قتله بكل دناوة في بدر يستمر في نثر الآيات التي تتشفى فيه و تسبه ( أليست هذه هي قمة الوضاعة ).
1 - عجز محمد عن الأتيان بمعجزة و إقراره بعجزه .
- قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ [ الأنعام 50 ( 55)]
تعليق: هذه الآية في منتهى القوة و تدل كيف إستطاع النضر و أصحابه أن يجعلوا محمدا يعترف أنه ليس له معجزات البتة ( مع ملاحظة أنها نزلت بعد سورة القمر والنجم " إنشقاق القمرو المعراج" ) و لكن هذا موضوع بحث آخر طويل.
- وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ [ الإسراء 59)(50) ]
تعليق: الآية الخالدة :إقرارقاطع أنه لم يُكن له معجزات و أرجو ألا ننسى كيف أن إنتزاع ذلك الإعتراف لم يحدث سوى بعد أن عجز محمد عن مجاراة النضر و أصحابه.
- وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ(يونس 20 (51)
تعليق: لقد ظل محمد منتظرا و و مات و لم تأته آية " لم يذكر القرآن أي آية " معجزة " قام بها محمد بعد ذلك"
2- الخضوع لمنطق النضرو أصحابه و تأثره به :
وهذه المجموعة من الآيات سنجدها تنقسم إلى ثلاث مجموعات متداخلة الأزمان فهناك أولا آيات تستشعر الخطرمن تأثره من قوة الآخرين و تحذره من الإنسياق وراء منطقهم ، وثانيا : آيات توضح أن الشك قد نال منه وأخذ ينهش في قلبه و ثالثا :الآيات التي تدل على لحظات إنهياره التام و إعترافه بخطأه و إن كان تدارك نفسه .
أ- آيات التحذير من الخضوع لمنطقهم
في هذه الآيات تحذير قوي من الله " هلاوسه " له من أن ينساق وراء كلام النضر و أصحابه
وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القران جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا [الفرقان 32(42)]
- وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ
- وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [القصص 86 ، 87 ( 49) ]
- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف 28 (69)]
- وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ [الرعد 37 (96)]
- فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ [الروم (60) (84) ]
تعليق القرطبي :قيل: هو النضر بن الحارث . والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد أمته؛ يقال:
استخف فلان فلاناً أي استجهله حتى حمله على اتباعه في الغيّ ».
تعليق أبيقور: لا تكونن من الكافرين و لا تكونن من المُشركين و لا يصدنك عن آيات الله و إحذر من أن تتبع خطاهم ، و لا تطع النضر و لا تجعله يتلاعب بك و يستخف بك و يحملك على إتباعه ، أعتقد الآيات واضحة المغزى تماما و توضح تماما كيف كان النضر يؤثر فيه بمنطقه ويكاد يغلبه و الآيات التالية توضح كيف تطور هذا التأثر لشك قاتل .
ب- آيات الشك في نفسه :
- آية الشك العظمى
فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ َلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) [يونس ( 94،95) ( 51) ]
تعليق أبيقور : هذه الآية الكريمة هي تحفة قرآنية بحق
Masterpiece, و توضح مدى صدق الرجل ، فمحمد الذي يقابل " جبريل " عليه السلام كل يوم تقريبا ، و رأي بعينيه إلهه و هو يشق له القمر ( لم يرها إلا هو و بن مسعود ) و نفس هذا المحمد بعينه ذهب في رحلة " العمر" الشيقة على ظهر " البراق " ( الحصان المجنح ) إلى السماء حيث قابل أحبابه و أصدقاءه من الأنبياء و الرسل " عليهم جميعا السلام " و تسامر و تحدث معهم ثم أمََهم جميعا في صلاة جامعة و في النهاية قابل المولى عزو جل في " سدرة المنتهى " وهي طبعا أهم و أخطر مقابلة في التاريخ و التي تم فيها وضع التفاصيل النهائية لحياة مليارات البشر في المستقبل ، أقول هذا المحمد يقول له إلهه : لو كنت لا زلت تشك أن ما يأتيك هو القرآن و ليس خزعبلات أو شيطانيات فأسأل اليهود و النصاري ، لماذا لم يقل له فتذكر صديقك [b]جبريل مثلا، أو [/b]" إنشقاق القمر" أو " الحصان أبو جناحات " مثلا ، أو مسامراتك مع " موسى " و " إدريس " و ..... أو " لقاء سدرة المنتهى " مثلا ؛ هل سؤال اليهود و النصارى أهم من كل ذلك ( و طبعا لا داعي لذكر ماذا قال اليهود والنصارى و يكفى أن أشير أن من أربعة قبائل يهودية بهم آلاف اليهود آمن به خمسة فقط و معروفون بالإسم .)
و إن قال قائل أن هؤلاء اليهود والنصارى كذبوا عليه أو أن كتبهم محرفة ، فلماذا يطلب منه إلهه أن يسأل أولئك الكذابين أو يطلب منه أن يرجع إلى كتب محرفة حذف منها الآيات التي تقول بمجيئه ؟؟
و الآن فلنكمل الآية التحفة ونرى ماذا يقول له إلهه ( هلاوسه ) لو أنه ترك الشك ينهشه و يغزوه ؛ يقول له : أنك ستكون من المجادلين و من الذين يكذبون بآيات الله و ستكون من الخاسرين .
حنانيك يا "نضر" تجعل محمدا يشك في نفسه و في كل تلك الأحداث العظيمة التي حدثت له حتى في لقاءه التاريخي مع إلهه العظيم و تجعل إلهه يخف إليه و يكذب عليه و يقول له " إسأل اليهود والنصارى " .
-آيات " لاتك في مرية "
مرية = شك .
فلا تك في مرية منه انه الحق من ربك ولكن اكثر الناس لا يؤمنون [ هود - آية 17 (52)]
فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون الا كما يعبد اباؤهم من قبل [ هود -- آية 109 (52)]
ولقد اتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني اسرائيل [ السجدة - - ( 23) ( 75) ]
تعليق : نفس الفكرة ، يشك في القرآن و يشك في جدوى الأصنام و يشك في لقاء " موسى" في الإسراء أي يشك في الإسراء ذاته .
ج- مجموعة آيات الغرانيق آيات الخضوع للآخر
الآيات التالية هي الآيات التى نزلت بسبب حادثة " آيات الغرانيق" و فيها قمة الإنهيار النفسى حتى أنه كاد " يركن إليهم " و سيطر الشيطان عليه و جعله ينطق آيات كافرة:
" و تلك الغرانيق العلا أن شفاعتهن لترتجي " سورة النجم .
و الآيات القرآنية التي تناقش بكل وضوح " حادثة الغرانيق " كما تؤكدها معظم أمهات الكتب في التفسير و معظم كتب السيرة هي :
{ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱ-;-لَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً }
ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا
إِذَاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا [الإسراء 73,74( من آيات الغرانيق) ]
- وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ.[الحج 52_53(من آيات الغرانيق) ]
تعليق: هذه هي الآيات الشيطانية التى يعترف فيها محمد أن الشيطان أملى عليه بعض الآيات .
تفسير الطبري قـيـل: إن السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الشيطان كان ألقـى علـى لسانه فـي بعض ما يتلوه مـما أنزل الله علـيه من القرآن ما لـم ينزله الله علـيه، فـاشتدّ ذلك علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم واغتـمّ به، فسلاّه الله مـما به من ذلك بهذه الآيات.
ذكر من قال ذلك:
1- حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا حجاج، عن أبـي معشر، عن محمد بن كعب القُرَظيّ ومـحمد بن قـيس قالا:
«جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي ناد من أندية قريش كثـير أهله، فتـمنى يومئذ أن لا يأتـيه من الله شيء فـينفروا عنه، فأنزل الله علـيه:
{ والنَّـجْمِ إذَا هَوَى ما ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَما غَوَى }
فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتـى إذا بلغ:
{ أفَرأيْتُـمُ اللاَّتَ والعُزَّى وَمَناةَ الثالِثَةَ الأُخْرَى }
ألقـى علـيه الشيطان كلـمتـين: «تلك الغرانقة العُلَـى، وإن شفـاعتهنّ لتُرْجَى»، فتكلـم بها. ثم مضى فقرأ السورة كلها. فسجد فـي آخر السورة، وسجد القوم جميعاً معه، ورفع الولـيد بن الـمغيرة ترابـاً إلـى جبهته فسجد علـيه، وكان شيخا كبـيرا لا يقدر علـى السجود. فرضُوا بـما تكلـم به
وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيـي ويـميت وهو الذي يخـلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، إذ جعلت لها نصيبـا، فنـحن معك
قالا: فلـما أمسى أتاه جبرائيـل علـيهما السلام فعرض علـيه السورة فلـما بلغ الكلـمتـين اللتـين ألقـى الشيطان علـيه
قال: ما جئتك بهاتـين
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
افْتَرَيْتُ عَلـى اللَّهِ وقُلْتُ عَلـى اللَّهِ ما لَمْ يَقُلْ
" فأوحى الله إلـيه:
{ وَإنْ كادُوا لَـيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أوْحَيْنا إلَـيْكَ، لِتَفْتَرِيَ عَلَـيْنا غَيْرَهُ... }
إلـى قوله:
{ ثُمَّ لا تَـجِدُ لَكَ عَلَـيْنا نَصِيراً }
فما زال مغموماً مهموماً حتـى نزلت علـيه:
{ وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِـيَ إلاَّ إذَا تَـمَنَّى ألْقَـى الشَّيْطانُ فِـي أُمْنِـيَّتهِ فَـيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُـلْقِـي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلـيـمٌ حَكِيـمٌ }.
ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا
يقول تعالـى ذكره: ولولا أن ثبَّتناك يا مـحمد بعصمتنا إياك عما دعاك إلـيه هؤلاء الـمشركون من الفتنة { لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَـيْهِمْ شَيْئاً قَلِـيلاً } يقول: لقد كدت تـميـل إلـيهم وتطمئنّ شيئاً قلـيلاً، وذلك ما كان صلى الله عليه وسلم همّ به من أن يفعل بعض الذي كانوا سألوه فعله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيـما ذكر حين نزلت هذه الآية، ما:
حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا سلـيـمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، فـي قوله { وَلَوْلا أنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنْ إلَـيْهِمْ شَيْئا قَلِـيلاً } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا تَكِلْنِـي إلـى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ ".
3: التهرب من النقاش والجدال ، و تعديله لأخطاءه الفادحة .
ماذا يحدث عندما تنهزم منطقيا أمام الآخر، و يُثبت الآخر أن كلامك به أخطاء ؟
يوجد منهجان ينتهجهما المَهزوم :
الأول : أن يهرب من النقاش و الجدال .
الثاني : أن يغير الأجزاء الضعيفة من كلامه المليئة بالأخطاء ( منطقية كانت أو علمية ) .
المنهج الأول : الهروب من النقاش .
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ [السجدة 30 ( 75)]
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ( المعارج 42 )
واذا رايت الذين يخوضون في اياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين [ الأنعام (55) ، 68]
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: { وإذَا رأيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا فأعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غيرِهِ } قال: نهاه الله أن يجلس مع الذين يخوضون في آيات الله يكذّبون بها، فإن نسي فلا يقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين.
المنهج الثاني : تغيير الكلام ومحاولة التنصل من الأخطاء .
وهو ما يسمَّى عند العلماء بــ " علم الناسخ و المنسوخ" و الأولى أن نسميه
" علم التنصل من الأخطاء و تطور الفكر و تغير الظروف " ، ففى فترة المدينة كان الهدف من تغيير الأحكام هو تغير الظروف أساسا ، أما في المرحلة المكية ، فقد كانت فائدة الناسخ و المنسوخ الأساسية هي التنصل من الأخطاء .
وهذه هي :
واذا بدلنا اية مكان اية والله اعلم بما ينزل قالوا انما انت مفتر بل اكثرهم لا يعلمون[النحل(101)]
ما ننسخ من اية او ننسها نات بخير منها او مثلها الم تعلم ان الله على كل شيء قدير[البقرة (106)]
الطبري :
عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: { وَإذَا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ } رفعناها فأنزل غيرها.
قال ابن زيد، فـي قوله: { وَإذَا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ } قالوا: إنـما أنت مفتر، تأتـي بشيء وتنقضه، فتأتـي بغيره.
قال الـمشركون بـالله لرسوله: إنـما أنت يا مـحمد مفتر أي مكذب تـخرص بتقوّل البـاطل علـى الله. يقول الله تعالـى: بل أكثر هؤلاء القائلـين لك يا مـحمد إنـما أنت مفتر جهالٌ بأنّ الذي تأتـيهم به من عند الله ناسخه ومنسوخه لا يعلـمون حقـيقة صحته.
تعليق : مبرر محمد في أنه يغير كلامه كل فترة أن الله يريد ذلك إنهم جهلة لا يفهمون الحكمة العظيمة من تغيير الله " عزو جل" لكلامه .
4- حزنه و ثورته على نفسه و تفكيره في الإنتحار
وهذه الآيات تذكرني بالحالة النفسية التي تنتابنا أحيانا عندما نثور على أنفسنا بسبب فشلنا فنصب جام غضبنا على ذواتنا و نسخر و نستهزأ من تلك الذوات المُنهزمة
- وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ [b]فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ[/b][الأنعام 35 ( 55) ]
تعليق :هذه الآية تُحفة من التحف القرآنية " MASTER PIECE"
وهي دليل على صدق الرجل المُطلق و تصديقه لهلاوسه لأقصى درجة ، فها هو على لسان هلاوسه ( الله ) يسخر من نفسه سخرية مُرّة على محاولاته المستميته للأتيان بآية ،و أرجو من السيد القارئ أن يتوقف أمامها قليلا ، فهي تستحق بعض التأمل.
- مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [ طه 2(45)]
-قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون [ الأنعام (55) ( 33) ].
- لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء 2 ( 47) ]
{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ-;- آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰ-;-ذَا ٱ-;-لْحَدِيثِ أَسَفاً }[( الكهف (6) (69) ]
تعليق : الشقاء مع نزول الوحي و الحزن من سخرية قومه من ترهاته و باخع نفسك معناها " قاتل نفسك" وهو إشارة لحالة الرجل النفسية السيئة فهو شقي بنزول القرآن عليه ، و حزين من سخرية قومه منه وفشله في إقناعهم و يفكر جديا في الإنتحار ،لرغبته المحمومة للحصول على معجزة حقيقية و كلمة باخع نفسك هذه ليست مجازية على الإطلاق كما قد يتبادر للذهن بل هي حرفية المعنى ويؤيد ذلك هذه القصة من كتب السيرة التي تدل أن فكرة الإنتحار ليست بعيدة عن محمد :
محمد يشك في نفسه و يحاول الإنتحاروهذه قصة من كتب السيرة عن تفكيره في الإنتحار عندما توقفت هلاوسه لفترة ( وهذه الهلاوس ما كان يسميها " وحي " )
[hr]
لأنه كان بعد نزول جبريل عليه باقرأ باسم ربك مكث مدة لا يرى جبريل
أي وإنما كان كذلك ليذهب ما كان يجده من الرعب وليحصل له التشوف إلى العود
ومن ثم حزن لذلك حزنا شديدا حتى غدا مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال فكلما وافى بذروة كي يلقى نفسه منها تبدي له جبريل عليه السلام فقال يامحمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه أي قلبه وتقر نفسه ويرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا وافى ذروة جبل تبدى له مثل ذلك قال وفي رواية أنه لما فتر الوحي عنه صلى الله عليه وسلم حزن حزنا شديدا حتى كان يغدو إلى ثبير مرة وإلى حراء مرة أخرى يريد أن يلقى نفسه منه فكلما وافى ذروة جبل منهما كي يلقى نفسه تبدي له جبريل فقال يا محمد أنت رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه وتقر عينه ويرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي عاد لمثل ذلك وكانت تلك المدة أربعين يوما وقيل خمسة عشر يوما وقيل اثنى عشر يوما وقيل ثلاثة أيام قال بعضهم وهو الأشبه بحاله عند الله تعالى انتهى.
5 - يستجدي الإحترام المفقود من الكائنات الخرافية .
بعد أن فشل تماما في مكة و لم يحظ كلامه إلا بالتكذيب و الإستهزاء أخذ ينشد الإحترام و يستجدي التقديرو التصديق_ الذي إفتقدهما من عشيرته _ من الكائنات الخرافية مثل الجن و العفاريت والملائكة ...والآيات التالية تعبر عن هروبه من عالمه المُؤلم الذي كان يُعاني فيه من الدونية و الإستهزاء بأفكاره ( إلهه) إلى عالم وهمي من إختراعه به كائنات أيا كانت تحترم أفكاره و منطقه المتهاوي:
- وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ
- قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ [الأحقاف ( 29 ، 30) ]
- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا
- يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا
[سورة الجن (1و2) (40)]
- وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ
- يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُون [الأنبياء 19 20( 73) ]
تعليق: يُفاخر أن الجن سمعه و سعيد به و آمن به و يفاخر بأن الملائكة تسبح ، وسعيد و راضي و قانع أنها لا تتعالى على الله و لا تسخر منه !!!!!
6- الشعور بالرعب و الخوف من النطق بالقرآن، بعد أن كان يُسارع بالتلفظ به
و الآيات التالية توضح مدى شعوره بالضيق و الأزمة النفسية العنيفة التى لاقاها بسبب ما يسببه له القرآن ( أعتقد شخصيا بسبب أخطاءه و أسلوبه السئ ، وعجزه عن الأتيان بمعجزة) من حرج.
- فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك وضائق به صدرك ان يقولوا لولا انزل عليه كنز او جاء معه ملك انما انت نذير والله على كل شيء وكيل[هود 12 ( 52) ]
( الطبري ) : يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: فلعلك يا مـحمد تارك بعض ما يوحي إلـيك ربك أن تبلغه من أمرك بتبلـيغه ذلك، وضائق بـما يوحي إلـيك صدرك فلا تبلغه إياهم مخافة { أنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَـيْهِ كَنْزٌ أوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ } له مصدّق بأنه لله رسول
لقد أصبح نزول القرآن يسبب ضيقا و حرجا و سببا للشقاء !! بعد أن كان في البداية يسعد به للغاية و يُسارع بقوله كما هو واضح من الآيات التالية :
- فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه (114 )45]
___ يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: ولا تعجل يا مـحمد بـالقرآن، فتقرئه أصحابك، أو تقرأ علـيهم، من قبل أن يوحى إلـيك بـيان معانـيه، فعوتب علـى إكتابه وإملائه ما كان الله ينزله علـيه من كتابه مَنْ كان يُكْتِبه ذلك، من قبل أن يبـين له معانـيه، وقـيـل: لا تتله علـى أحد، ولا تـمله علـيه، حتـى نبـينه لك ( الطبري)
لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [ القيامة ( 16_ 20) 31]
7 : إنقطاع الوحي و فقره في السنوات المكية الأخيرة
بحث صغير: حدثت موقعة بدر في السنة الخامسة عشر من الدعوة و نزلت سورة الروم قبلها بسبع سنوات إي نزلت في العام الثامن من الدعوة و لم ينزل بعدها و حتى الهجرة " العام الثالث عشر من الدعوة" سوى سورتي العنكبوت و المطففين ( حوالي 80 آية ) .
أي أنه في الخمس سنوات الأخيرة في مكة نزل على محمد حوالي 80 آية أو أكثر قليلا و سورتين بالضبط ،( في الخمس سنوات التي تسبقها نزل عليه حوالي 3600 آية و أكثر من خمسين سورة) و أنا أُعزي ذلك أن في تلك السنوات كان نجمه بدأ يأفل بشدة و أصابه الإحباط بسبب فشله الذريع و بسبب " موت أبو طالب" و " خديجة" و رفع الحماية عنه .
وفي رأيي لولا أن أهل المدينة كانوا قوما محدودي التفكير و متأثرين بشدة بفلسفة " النبوة" و الأنبياء بسبب مفاخرة اليهود إياهم بتخاريفهم و أساطيرهم أقول لولا ذلك لإنتهى محمد و لم يكن ليسمع به أحد، و لكن ساعدت الأقدار محمد أن يذهب لقوم قتال ليس بينهم من له قوة حجة و رجاحة عقل النضر و أصحابه..
8-حقد محمد على النضريستمر و يتشفي فيه بعد أن قتله بسفالة.
رغم أن محمدا قتل النضر و معه عقبة صبرا ( مع حرمانه من الشرب و الأكل) بعد أسره في موقعة بدر فأن ذكرى النضر بن الحارث و منطقه كانت تطارده في حياته حتى أنه بعد أن مات النضر ظل محمد يخاطبه و يجادله و يسبه و يتشفى فيه بكل وضاعة، إذ يبدو أن الذكريات المريرة لمجادلات النضر في مكة لم تجعل محمد ينساه هو و حججه .
الحج( 3,4).( 103) مدنية بعد مقتل " النضر بن الحارث"
- وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ
- كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ
الحج (7،8) ( 103) بعد مقتل النضر بن الحارث.
- وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ - بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ
- ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ
تفسير القرطبي :وقيل: الخزي هاهنا القتل؛ فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم قتل النضر بن الحارث يوم بدر صَبْراً؛ كما تقدّم في آخر الأنفال. { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱ-;-لْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱ-;-لْحَرِيقِ } أي نار جهنم
حديث الغرانيق ::
إليكم حديث الغرانيق وهي الحادثة التي إعترف بها الطبري و الطبرسي و الزمخشري و البيضاوي و الجلالين و قبلهم بن عباس الذي كان أحد رواتها و كل المفسرين الأوائل الذين كانوا أقرب للحادثة .
حديث الغرانيق : وخلاصتها أن الرسول إعترف أن الشيطان تسلل إليه و جعله يقول بعض الآيات ، وهي حادثة قوية جدا و مجموعة الآيات التي تدل عليها متماشية تماما مع القصة و إعتراف المفسرون الأوائل كلهم بها يدل على مدي قوتها .
الجزء الأول :
ملخص: حديث الغرانيق وهي حادثة مأثورة عن
"محمد جون ناش" تقول أن الشيطان " ضحك عليه " و جعله يقول آيات ليست من عند الله ، هاتين الآيتان الخطيرتان هما :
وهذه الغرانيق العلى أن شفاعتهن لترتجي و ذلك تحت الضغوط النفسية الشديدة لإرضاء قريش والمقصود بها أن تلك الأصنام لها شفاعة .
وهذه الحادثة متفق عليها بالطبع بين كل المفسرين الأوائل في القرون الأولى للهجرة ،و في تفسير الطبري الذي سأتلوه بعد قليل ، يوضح إجماع الكل على قوة هذه الحادثة خصوصا أنه نزلت بسببها آيات كثيرة في القرآن ، في البداية كان عقله الباطن ( القرآن) يلومه على فعلته السوداء وهذه هي الآيات :
{ وَإنْ كادُوا لَـيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أوْحَيْنا إلَـيْكَ، لِتَفْتَرِيَ عَلَـيْنا غَيْرَهُ... }
إلـى قوله:
{ ثُمَّ لا تَـجِدُ لَكَ عَلَـيْنا نَصِيراً }
و قد ظل " محمد جون ناش" مهموما حتى جاءه عقله الباطن بالآية التالية :
وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِـيَ إلاَّ إذَا تَـمَنَّى ألْقَـى الشَّيْطانُ فِـي أُمْنِـيَّتهِ فَـيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُـلْقِـي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلـيـمٌ حَكِيـمٌ
و الكلام واضح تماما و كلام كل المفسرين الأوائل واضح تماما و لا خلاف عليه و الآيات متماشية تماما مع القصة و إعترض عليه بعض المتأخرين مثل بن الرازي و بن كثيرو لكني هنا أود أن أشير لنقطة جوهرية :
أن الأواخر أنكروا هذه القصة على أساس عدم معقوليتها لتعارضها مع بعض آيات القرآن الأخرى فهم يتكلمون عن القرآن كشئ مسلم به من عند الله ،و في تفسير الرازي الذي سيتلو تفسير الطبري سأوضح كيف كانت محاولات الستر على هذه المصيبة و التفسيرات الكوميدية التى حاولوا إختراعها تتمحور حول فكرة واحدة هو أنه ليس من المعقول عقلا أن يسمح الله بأن يتسلل الشيطان لمحمد و ليس من المعقول عقلا أن تتعارض آيات القرآن .
و طبعا لأننا أصلا مؤمنون بالعقل و ليس بالدين و القرآن ليس شيئا مسلما به ، فهذا التبرير لا يصلح لنا و التبرير المنطقي لدينا ، أنه بما أن القرآن من عند بشر فشئ عادي جدا أن يكون به تناقض.
---------------------------------------------------------------------- ---------------------------------------------------------------------- --------------------------------------------------
الجزء الثانى :
1- تفسير الطبري ( 920م)
بن جرير الطبري(920م):
قـيـل: إن السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الشيطان كان ألقـى علـى لسانه فـي بعض ما يتلوه مـما أنزل الله علـيه من القرآن ما لـم ينزله الله علـيه، فـاشتدّ ذلك علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم واغتـمّ به، فسلاّه الله مـما به من ذلك بهذه الآيات.
ذكر من قال ذلك:
1- حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا حجاج، عن أبـي معشر، عن محمد بن كعب القُرَظيّ ومـحمد بن قـيس قالا:
«جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي ناد من أندية قريش كثـير أهله، فتـمنى يومئذ أن لا يأتـيه من الله شيء فـينفروا عنه، فأنزل الله علـيه:
{ والنَّـجْمِ إذَا هَوَى ما ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَما غَوَى }
فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتـى إذا بلغ:
{ أفَرأيْتُـمُ اللاَّتَ والعُزَّى وَمَناةَ الثالِثَةَ الأُخْرَى }
ألقـى علـيه الشيطان كلـمتـين: «تلك الغرانقة العُلَـى، وإن شفـاعتهنّ لتُرْجَى»، فتكلـم بها. ثم مضى فقرأ السورة كلها. فسجد فـي آخر السورة، وسجد القوم جميعاً معه، ورفع الولـيد بن الـمغيرة ترابـاً إلـى جبهته فسجد علـيه، وكان شيخا كبـيرا لا يقدر علـى السجود. فرضُوا بـما تكلـم به
وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيـي ويـميت وهو الذي يخـلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، إذ جعلت لها نصيبـا، فنـحن معك
قالا: فلـما أمسى أتاه جبرائيـل علـيهما السلام فعرض علـيه السورة فلـما بلغ الكلـمتـين اللتـين ألقـى الشيطان علـيه
قال: ما جئتك بهاتـين
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
افْتَرَيْتُ عَلـى اللَّهِ وقُلْتُ عَلـى اللَّهِ ما لَمْ يَقُلْ
" فأوحى الله إلـيه:
{ وَإنْ كادُوا لَـيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أوْحَيْنا إلَـيْكَ، لِتَفْتَرِيَ عَلَـيْنا غَيْرَهُ... }
إلـى قوله:
{ ثُمَّ لا تَـجِدُ لَكَ عَلَـيْنا نَصِيراً }
فما زال مغموماً مهموماً حتـى نزلت علـيه:
{ وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِـيَ إلاَّ إذَا تَـمَنَّى ألْقَـى الشَّيْطانُ فِـي أُمْنِـيَّتهِ فَـيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُـلْقِـي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلـيـمٌ حَكِيـمٌ }.
قال: فسمع من كان من الـمهاجرين بأرض الـحبشة أن أهل مكة قد أسلـموا كلهم، فرجعوا إلـى عشائرهم وقالوا: هم أحبّ إلـينا فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقـى الشيطان.
2- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زياد الـمدنـيّ، عن مـحمد بن كعب القُرظيّ قال: لـما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولِّـيَ قومه عنه، وشقّ علـيه ما يرى من مبـاعدتهم ما جاءهم به من عند الله، تـمنى فـي نفسه أن يأتـيه من الله ما يقارب به بـينه وبـين قومه. وكان يسرّه، مع حبه وحرصه علـيهم، أن يـلـين له بعض ما غلُظَ علـيه من أمرهم، حين حدّث بذلك نفسه وتـمنى وأحبه، فأنزل الله:
{ والنَّـجْمِ إذَا هَوَى ما ضَلَّ صَاحبُكُمْ وَما غَوَى }
فلـما انتهى إلـى قول الله:
{ أفَرأيْتُـمُ اللاَّتَ والعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى }
ألقـى الشيطان علـى لسانه، لـما كان يحدّث به نفسه ويتـمنى أن يأتـي به قومه: «تلك الغرانـيق العلَـى، وإن شفـاعتهن تُرْتَضى». فلـما سمعت ذلك قريش فرحوا وسرّهم، وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم، فأصاخوا له، والـمؤمنون مصدّقون نبـيهم فـيـما جاءهم به عن ربهم، ولا يتهمونه علـى خط ولا وَهَم ولا زلل. فلـما انتهى إلـى السجدة منها وختـم السورة، سجد فـيها، فسجد الـمسلـمون بسجود نبـيهم، تصديقاً لـما جاء به واتبـاعاً لأمره، وسجد من فـي الـمسجد من الـمشركين من قريش وغيرهم لـما سمعوا من ذكر آلهتهم، فلـم يبق فـي الـمسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الولـيد بن الـمغيرة، فإنه كان شيخاً كبـيراً فلـم يستطع، فأخذ بـيده حفنة من البطحاء فسجد علـيها.
ثم تفرّق الناس من الـمسجد، وخرجت قريش وقد سرّهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم، يقولون: قد ذكر مـحمد آلهتنا بأحسن الذكر، وقد زعم فـيـما يتلو أنها الغرانـيق العُلَـي وأن شفـاعتهنّ ترتضى وبلغت السجدة من بأرض الـحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقـيـل: أسلـمت قريش. فنهضت منهم رجال، وتـخـلَّف آخرون.
وأتـى جبرائيـل النبـيّ صلى الله عليه وسلم، فقال:
يا مـحمد ماذا صنعت؟ لقد تلوت علـى الناس ما لـم آتك به عن الله، وقلت ما لـم يُقَلْ لك فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، وخاف من الله خوفـاً كبـيراً،
فأنزل الله تبـارك وتعالـى علـيه { وكانَ بِهِ رَحِيـماً } يعزّيه ويخفِّض علـيه الأمر ويخبره أنه لـم يكن قبله رسول ولا نبـيّ تـمنى كما تـمنى ولا أحبّ كما أحبّ إلا والشيطان قد ألقـى فـي أمنـيته كما ألقـى علـى لسانه صلى الله عليه وسلم، فنسخ الله ما ألقـى الشيطان وأحكم آياته، أي فأنت كبعض الأنبـياء والرسل فأنزل الله: { وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ إلاَّ إذَا تَـمَنَّى ألْقَـى الشَّيْطانُ فِـي أُمِنـيَّتِهِ }... الآية. فأذهب الله عن نبـيه الـحزن، وأمنه من الذي كان يخاف، ونسخ ما ألقـى الشيطان علـى لسانه من ذكر آلهتهم أَنهّا الغرانـيق العُلَـى وأن شفـاعتهنّ ترتضى. يقول الله حين ذكر اللات والعُزّى ومناة الثالثة الأخرى، إلـى قوله:
{ وكَمْ منْ مَلَكٍ فِـي السَّمَوَاتِ لا تُغْنى شَفـاعَتُهُمْ شَيْئاً إلاَّ مِنْ بَعْدِ أنْ يَأْذَنَ اللَّهِ لـمَنْ يَشاءُ وَيَرْضَى }
، أي فكيف تنفع شفـاعة آلهتكم عنده. فلـما جاءه من الله ما نسخ ما كان الشيطان ألقـى علـى لسان نبـيه، قالت قريش: ندم مـحمد علـى ما كان من منزلة آلهتكم عند الله، فغير ذلك وجاء بغيره وكان ذلك الـحرفـان اللذان ألقـى الشيطان علـى لسان رسوله قد وقعا فـي فم كل مشرك، فـازدادوا شرّا إلـى ما كانوا علـيه.
3- حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: ثنا الـمعتـمر، قال: سمعت داود، عن أبـي العالـية،
قال: قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنـما جلساؤك عبد بنـي فلان ومولـى بنـي فلان، فلو ذكرت آلهتنا بشيء جالسناك، فإنه يأتـيك أشراف العرب فإذا رأوا جلساءك أشراف قومك كان أرغب لهم فـيك
قال: فألقـى الشيطان فـي أمنـيته، فنزلت هذه الآية:
{ أفَرأيْتُـمُ اللاَّتَ والعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى }
قال: فأجرى الشيطان علـى لسانه: «تلك الغرانـيق العُلَـى، وشفـاعتهن ترجى، مثلهن لا يُنسى». قال: فسجد النبـيّ صلى الله عليه وسلم حين قرأها، وسجد معه الـمسلـمون والـمشركون. فلـما علـم الذي أُجْرِي علـى لسانه، كبر ذلك علـيه، فأنزل الله: { وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ إلاَّ إذَا تَـمَنَّى ألْقَـى الشَّيْطانُ فِـي أُمْنِـيَّتِهِ }... إلـى قوله: { وَاللَّهُ عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ }.
4- حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا أبو الولـيد، قال: ثنا حماد بن سلـمة، عن داود بن أبـي هند، عن أبـي العالـية
قال: قالت قريش: يا مـحمد إنـما يجالسك الفقراء والـمساكين وضعفـاء الناس، فلو ذكرت آلهتنا بخير لـجالسناك فإن الناس يأتونك من الآفـاق فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النـجم فلـما انتهى علـى هذه الآية:
{ أفَرأيْتُـمُ اللاَّتَ والعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى }
فألقـى الشيطان علـى لسانه: «وهي الغرانقة العلـى، وشفـاعتهن ترتـجى». فلـما فرغ منها سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والـمسلـمون والـمشركون، إلا أبـا أُحَيحة سعيد بن العاص، أخذ كفًّـا من تراب وسجد علـيه وقال: قد آن لابن أبـي كبشة أن يذكر آلهتنا بخير حتـى بلغ الذين بـالـحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الـمسلـمين أن قريشا قد أسلـمت، فـاشتدّ علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ألقـى الشيطان علـى لسانه، فأنزل الله: { وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ }... إلـى آخر الآية.
5- حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جُبـير، قال: لـما نزلت هذه الآية:
{ أفَرأيْتُـمُ اللاَّتَ والعُزَّى }
قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «تلك الغرانـيق العلـى، وإن شفـاعتهنّ لترتـجى». فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال الـمشركون: إنه لـم يذكر آلهتكم قبل الـيوم بخير فسجد الـمشركون معه، فأنزل الله: { وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ إلاَّ إذَا تَـمَنَّى ألْقَـى الشَّيْطانُ فِـي أُمْنِـيَّتِهِ }... إلـى قوله: { عَذَابَ يَوْمٍ عَقِـيـم }.
6- حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا أبو بشر، عن سعيد بن جُبـير قال: لـما نزلت:
{ أفَرأيْتُـمُ اللاَّتَ والعُزَّى }
، ثم ذكر نـحوه.
7- حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس،
قوله: { وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ إلاَّ إذَا تَـمَنَّى ألْقَـى الشَّيْطانُ فِـي أُمْنِـيَّتِهِ } إلـى قوله: { وَاللَّهُ عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ } وذلك أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم بـينـما هو يصلـي، إذ نزلت علـيه قصة آلهة العرب، فجعل يتلوها فسمعه الـمشركون فقالوا: إنا نسمعه يذكر آلهتنا بخير فدنَوا منه، فبـينـما هو يتلوها وهو يقول:
ألقـى الشيطان: «إن تلك الغرانـيق العلـى، منها الشفـاعة ترتـجى». فجعل يتلوها،
فنزل جبرائيـل علـيه السلام فنسخها، ثم قال له: { وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ إلاَّ إذَا تَـمَنَّى ألْقَـى الشَّيْطانُ فِـي أُمْنِـيَّتِهِ }... إلـى قوله: { وَاللَّهُ عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ }.
8- حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيَ }... الآية أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم وهو بـمكة، أنزل الله علـيه فـي آلهة العرب، فجعل يتلو اللات والعزّى ويكثر ترديدها. فسمع أهل مكة نبـيّ الله يذكر آلهتهم، ففرحوا بذلك، ودنوا يستـمعون، فألقـى الشيطان فـي تلاوة النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «تلك الغرانـيق العلـى، منها الشفـاعة ترتـجى». فقرأها النبـيّ صلى الله عليه وسلم كذلك، فأنزل الله علـيه: { وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ }... إلـى: { وَاللَّهُ عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ }.
9- حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يونس، عن ابن شهاب، أنه سئل عن قوله: { وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِـيّ }... الآية، قال ابن شهاب: ثنـي أبو بكر بن عبد الرحمن بن الـحارث. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بـمكة قرأ علـيهم: { والنَّـجْمِ إذَا هَوَى } ، فلـما بلغ: { أفَرأيْتُـمُ اللاَّتَ والعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى } قال: «إن شفـاعتهن ترتـجَى». وسها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلقـيه الـمشركون الذين فـي قلوبهم مرض، فسلـموا علـيه، وفرحوا بذلك، فقال لهم: «إنَّـمَا ذلكَ مِنَ الشَّيْطانِ». فأنزل الله: { وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ }... حتـى بلغ: { فَـيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُـلْقِـي الشَّيْطانُ }.
فتأويـل الكلام: ولـم يرسل يا مـحمد مَنْ قَبْلك من رسول إلـى أمة من الأمـم ولا نبـيّ مـحدّث لـيس بـمرسل، إلا إذا تـمنى.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله «تـمنى» فـي هذا الـموضع، وقد ذكرت قول جماعة مـمن قال: ذلك التـمنـي من النبـيّ صلى الله عليه وسلم ما حدثته نفسه من مـحبته مقاربة قومه فـي ذكر آلهتهم ببعض ما يحبون، ومن قال ذلك مـحبة منه فـي بعض الأحوال أن لا تذكر بسوء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا قرأ وتلا أو حدّث. ذكر من قال ذلك:
حدثنـي علـيّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { إذَا تَـمنَّى ألْقَـى الشَّيْطانُ فِـي أُمْنِـيَّتِهِ } يقول: إذا حدّث ألقـى الشيطان فـي حديثه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، مثله.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { إلاَّ إذَا تَـمَنَّى } يعنـي بـالتـمنـي: التلاوة والقراءة.
وهذا القول أشبه بتأويـل الكلام، بدلالة قوله: { فَـيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُـلْقـي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ } علـى ذلك لأن الآيات التـي أخبر الله جلّ ثناؤه أنه يحكمها، لا شك أنها آيات تنزيـله، فمعلوم أن الذي ألقـي فـيه الشيطان هو ما أخبر الله تعالـى ذكره أنه نسخ ذلك منه وأبطله ثم أحكمه بنسخه ذلك منه.
فتأويـل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبـيّ إلا إذا تلا كتاب الله، وقرأ، أو حدّث وتكلـم، وألقـى الشيطان فـي كتاب الله الذي تلاه وقرأه أو فـي حديثه الذي حدث وتكلـم. { فَـيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُـلْقِـي الشَّيْطانُ } يقول: تعالـى فـيذهب الله ما يـلقـي الشيطان من ذلك علـى لسان نبـيه ويبطله. كما:
حدثنـي علـيّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس: { فَـيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُـلْقِـي الشَّيْطانُ } فـيبطل الله ما ألقـى الشيطان.
حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { فَـيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُـلْقِـي الشَّيْطانُ } نسخ جبريـل بأمر الله ما ألقـى الشيطان علـى لسان النبـيّ صلى الله عليه وسلم، وأحكم الله آياته.
وقوله: { ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ } يقول: ثم يخـلص الله آيات كتابه من البـاطل الذي ألقـى الشيطان علـى لسان نبـيه. { وَاللَّهُ عَلِـيـمٌ } بـما يحدث فـي خـلقه من حدث، لا يخفـى علـيه منه شيء. { حَكِيـمٌ } فـي تدبـيره إياهم وصرفه لهم فـيـما شاء وأحَبّ.
الزمخشري ( 1140م) أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أعرض عنه قومٌ وشاقوه وخالفه عشيرته ولم يشايعوه على ما جاء به: تمنى لفرط ضجره من إعراضهم ولحرصه وتهالكه على إسلامهم أن لا ينزل عليه ما ينفرهم، لعله يتخذ ذلك طريقاً إلى استمالتهم واستنزالهم عن غيهم وعنادهم، فاستمرّ به ما تمناه حتى نزلت عليه سورة «والنجم» وهو في نادي قومه، وذلك التمني في نفسه، فأخذ يقرؤها فلما بلغ قوله:
{ وَمَنَوٰ-;-ةَ ٱ-;-لثَّالِثَةَ ٱ-;-لأُخْرَىٰ-;- }
[النجم: 20]: { أَلْقَى ٱ-;-لشَّيْطَـٰ-;-نُ فِى أُمْنِيَّتِهِ } التي تمناها، أي: وسوس إليه بما شيعها به، فسبق لسانه على سبيل السهو والغلط إلى أن قال: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهنّ لترتجى. وروي: الغرانقة، ولم يفطن له حتى أدركته العصمة فتنبه عليه، وقيل: نبهه جبريل عليه السلام. أو تكلم الشيطان بذلك فأسمعه الناس قيل فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي وطابت نفوسهم، وكان تمكين الشيطان من ذلك محنة من الله وابتلاء، زاد المنافقون به شكاً وظلمة، والمؤمنون نوراً وإيقاناً. والمعنى: أن الرسل والأنبياء من قبلك كانت هجيراهم كذلك إذا تمنوا مثل ما تمنيت، مكن الله الشيطان ليلقي في أمانيهم مثل ما ألقى في أمنيتك، إرادة امتحان من حولهم، والله سبحانه له أن يمتحن عباده بما شاء من صنوف المحن وأنواع الفتن، ليضاعف ثواب الثابتين، ويزيد في عقاب المذبذبين. وقيل: { تَمَنَّىٰ-;- }: قرأ. وأنشد:تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ تَمَنِّي دَاوُدَ الرَّبُورَ عَلَى رِسْلِ
وأمنيته: قراءته. وقيل: تلك الغرانيق: إشارة إلى الملائكة، أي: هم الشفعاء لا الأصنام { فَيَنسَخُ ٱ-;-للَّهُ مَا يُلْقِى ٱ-;-لشَّيْطَـٰ-;-نُ } أي يذهب به ويبطله { ثُمَّ يُحْكِمُ ٱ-;-للَّهُ ءايَـٰ-;-تِهِ } أي يثبتها.
الطبرسي : النزول: روي عن ابن عباس وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تلا سورة والنجم وبلغ إلى قوله
{ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى }
[النجم: 19] ألقى الشيطان في تلاوته تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى فسرَّ بذلك المشركون فلما انتهى إلى السجدة سجد المسلمون وسجد أيضاً المشركون لما سمعوا من ذكر آلهتهم بما أعجبهم فهذا الخبر إن صحَّ محمول على أنه كان يتلو القرآن فلما بلغ إلى هذا الموضع وذكر أسماء آلهتهم وقد علموا من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يعيبها قال بعض الحاضرين من الكافرين تلك الغرانيق العلى وألقى ذلك في تلاوته توهم أن ذلك من القرآن فأضافه الله سبحانه إلى الشيطان لأنه إنما حصل بإغوائه ووسوسته وهذا أورده المرتضى قدس الله روحه في كتاب التنزيه وهو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية وهو وجه حسن في تأويله .
البيضاوي:
{ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ-;- } زور في نفسه ما يهواه. { أَلْقَى ٱ-;-لشَّيْطَـٰ-;-نُ فِى أُمْنِيَّتِهِ } في تشهيه ما يوجب اشتغاله بالدنيا كما قال عليه الصلاة والسلام " وإنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة " { فَيَنسَخُ ٱ-;-للَّهُ مَا يُلْقِى ٱ-;-لشَّيْطَـٰ-;-نُ } فيبطله ويذهب به بعصمته عن الركون إليه والإِرشاد إلى ما يزيحه. { ثُمَّ يُحْكِمُ ٱ-;-للَّهُ ءَايَـٰ-;-تِهِ } ثم يثبت آياته الداعية إلى الاستغراق في أمر الآخرة. { وَٱ-;-للَّهُ عَلِيمٌ } بأحوال الناس. { حَكِيمٌ } فيما يفعله بهم، قيل حدث نفسه بزوال المسكنة فنزلت. وقيل تمنى لحرصه على إيمان قومه أن ينزل عليه ما يقربهم إليه واستمر به ذلك حتى كان في ناديهم فنزلت عليه سورة «وَٱ-;-لنَّجْمِ» فأخذ يقرؤها فلما بلغ
{ وَمَنَوٰ-;-ةَ ٱ-;-لثَّالِثَةَ ٱ-;-لأُخْرَىٰ-;- }
وسوس إليه الشيطان حتى سبق لسانه سهواً إلى أن قال: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى، ففرح به المشركون حتى شايعوه بالسجود لمَّا سجد في آخرها، بحيث لم يبق في المسجد مؤمن ولا مشرك إلا سجد، ثم نبهه جبريل عليه السلام فاغتم لذلك فعزاه الله بهذه الآية. وهو مردود عند المحققين وإن صح فابتلاء يتميز به الثابت على الإِيمان عن المتزلزل فيه، وقيل تمنى قرأ كقوله:تَمَنَّى كِتَابَ الله أَوَّلَ لَيْلَة تَمَنِّيَ دَاوُدُ الزَّبُورَ عَلَى رسلِ
وأمنيته قراءته وإلقاء الشيطان فيها أن تكلم بذلك رافعاً صوته بحيث ظن السامعون أنه من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد رد أيضاً بأنه يخل بالوثوق على القرآن ولا يندفع بقوله { فَيَنسَخُ ٱ-;-للَّهُ مَا يُلْقِى ٱ-;-لشَّيْطَـٰ-;-نُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱ-;-للَّهُ ءَايَـٰ-;-تِهِ } لأنه أيضاً يحتمله، والآية تدل على جواز السهو على الأنبياء وتطرق الوسوسة إليهم.
الجلالين :
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ } هو نبيّ أُمِر بالتبليغ { وَلاَ نَبِىّ } أي لم يؤمر بالتبليغ { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ-;- } قرأ { أَلْقَى ٱ-;-لشَّيْطَٰ-;-نُ فِى أُمْنِيَّتِهِ } قراءته ما ليس من القرآن مما يرضاه المرسل إليهم، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم بمجلس من قريش بعد
{ أَفَرَءيْتُمُ ٱ-;-للَّٰ-;-تَ وَٱ-;-لْعُزَّىٰ-;- وَمَنَوٰ-;-ةَ ٱ-;-لثَّالِثَةَ ٱ-;-لأَخْرَىٰ-;- }
[53: 19 - 20] بإلقاء الشيطان على لسانه من غير علمه صلى الله عليه وسلم به: (تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهنّ لترتجى) ففرحوا بذلك، ثم أخبره جبريل بما ألقاه الشيطان على لسانه من ذلك فحزن فسلِّي بهذه الآيات ليطمئن { فَيَنسَخُ ٱ-;-للَّهُ } يبطل { مَا يُلْقِى ٱ-;-لشَّيْطَٰ-;-نُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱ-;-للَّهُ ءايَٰ-;-تِهِ } يثبتها { وَٱ-;-للَّهُ عَلِيمٌ } بإلقاء الشيطان ما ذكر { حَكِيمٌ } في تمكينه منه يفعل ما يشاء.
وهذه بعض محاولات الستر على الفضيحة :
وقيل: معنى { تَمَنَّىٰ-;- }: قال. فحاصل معنى الآية: أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك من دون أن يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا جرى على لسانه، فتكون هذه الآية تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي لا يهولنك ذلك ولا يحزنك، فقد أصاب مثل هذا من قبلك من المرسلين والأنبياء، وعلى تقدير أن معنى { تمنى }: حدّث نفسه كما حكاه الفرّاء والكسائي فإنهما قالا: تمنى إذا حدّث نفسه،
فالمعنى: أنه إذا حدّث نفسه بشيء تكلم به الشيطان وألقاه في مسامع الناس من دون أن يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا جرى على لسانه. قال ابن عطية: لا خلاف أن إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة وقعت بها الفتنة.
وأما الرازي (1210م)
وكان من المعتزلة الذين صُدموا في هذا الكلام فقد أقر أن ظاهر المفسرين يقول بذلك و لكنه رفض ذلك على أساس أن القرآن متماسك و الآيات الأخرى تؤكد أن الوحي لا يأتيه باطل ، وهو معذور فهو لا يعرف أن القرآن هو العقل الباطن لمحمد وأن محمد شخصية مهزوزة تأثرت بكلام قريش.
ألقى الشيطان على لسانه " تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى " فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته فقرأ السورة كلها فسجد وسجد المسلمون لسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد سوى الوليد بن المغيرة وأبي أحيحة سعيد بن العاصي فإنهما أخذا حفنة من التراب من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا وقالوا قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام فقال ماذا صنعت تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله وقلت ما لم أقل لك؟! فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً وخاف من الله خوفاً عظيماً حتى نزل قوله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ-;- أَلْقَى ٱ-;-لشَّيْطَـٰ-;-نُ فِى أُمْنِيَّتِهِ } الآية.
هذا رواية عامة المفسرين الظاهريين،
تعليق : إقرار منه أن كل المفسرين السابقين أقروا بهذه الآية .
أما أهل التحقيق فقد قالوا هذه الرواية باطلة موضوعة واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول
تعليق أبيقور : هاهو يقول أن من يعارض هذا يعارضه : لأنه يتكلم عن أن القرآن و السنة متكاملين و يسيران في خط منطقي واحد ، و ذلك كان سيكون الحال لو كنا نتعامل مع نص إلهي أو نتعامل مع شخصية قوية لا تغير معتقداتها و ثوابتها ،و لكن إذ أننا نتعامل مع شخصية ضعيفة و مهزوزة فلا ترابط و لا كلام فارغ .
تكملة رأي الرازي
. أما القرآن فوجوه: أحدها: قوله تعالى:
{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱ-;-لأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱ-;-لْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين }
[الحاقة: 44 ـ 46]، وثانيها: قوله:
{ قُلْ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أُبَدّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ }
[يونس: 15] وثالثها: قوله:
{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱ-;-لْهَوَىٰ-;- إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ-;- }
{ النجم: 3] فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية تلك الغرانيق العلي لكان قد ظهر كذب الله تعالى في الحال وذلك لا يقوله مسلم ورابعها: قوله تعالى:
{ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱ-;-لَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً }
[الإسراء: 73] وكلمة كاد عند بعضهم معناه قرب أن يكون الأمر كذلك مع أنه لم يحصل وخامسها: قوله: { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَـٰ-;-كَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً } [الإسراء: 74] وكلمة لولا تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره فدل على أن ذلك الركون القليل لم يحصل وسادسها: قوله:
{ كَذٰ-;-لِكَ نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ }
[الفرقان: 32]. وسابعها: قوله:
{ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ-;- }
[الأعلى: 6]. وأما السنة فهي ما روي عن محمد بن إسحق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال هذا وضع من الزنادقة وصنف فيه كتاباً.
هل فهمتم في محاولة حثيثة للستر على الفضيحة صار بن عباس و الطبري و الزمخشري من الزنادقة و معهم ثلة من المفسرين الصادقين
كتب السيرة
زاد المعاد :
الهجرة الأولى إلى الحبشة
وفي السنة الخامسة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة لما اشتد عليهم العذاب والأذى . وقال إن فيها رجلا لا يظلم الناس عنده
وكانت الحبشة متجر قريش . وكان أهل هذه الهجرة الأولى : اثني عشر رجلا وأربع نسوة . وكان أول من هاجر إليها : عثمان بن عفان رضي الله عنه ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وستر قوم إسلامهم .
وممن خرج الزبير وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وأبو سلمة وامرأته رضي الله عنهم . خرجوا متسللين سرا ، فوفق الله لهم ساعة وصولهم إلى الساحل سفينتين للتجار . فحملوهم إلى الحبشة . وخرجت قريش في آثارهم حتى جاءوا البحر . فلم يدركوا منهم أحدا . وكان خروجهم في رجب . فأقاموا بالحبشة شعبان ورمضان . ثم رجعوا إلى مكة في شوال لما بلغهم أن قريشا صافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفوا عنه .
وكان سبب ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم . فلما بلغ ( 53 : 18 ، 19 ) أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى فقال المشركون ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم . وقد علمنا أن الله يخلق ويرزق ويحيي ويميت ولكن آلهتنا تشفع عنده . فلما بلغ السجدة سجد وسجد معه المسلمون والمشركون كلهم . إلا شيخا من قريش . رفع إلى جبهته كفا من حصى فسجد عليه . وقال يكفيني هذا . فحزن النبي صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا ، وخاف من الله خوفا عظيما ، فأنزل الله ( 22 : 52 - 55 ) وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته - الآيات ولما استمر النبي صلى الله عليه وسلم على سب آلهتهم عادوا إلى شر مما كانوا عليه وازدادوا شدة على من أسلم .
مختصر السيرة :
نفس الكلام بالضبظ .
سيرة الحلبي :
وكان مخرجهم فى رجب من السنة الخامسة من النبوة فخرجت قريش فى اثارهم حتى جاءوا الى البحر لم يجدوا أحدا منهم ولعل خروجهم سرا لا ينافيه ما تقدم عن ليلى امرأة عامر بن ربيعة من سؤال عمر لها واخبارها له بأنها تريد أرض الحبشة فلما وصلوا الى أرض الحبشة نزلوا بخير دار عند خير جار فمكثوا فى أرض الحبشة بقية رجب وشعبان الى رمضان فلما كان شهر رمضان قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين سورة والنجم اذا هوى أى وقد أنزلت عليه فى ذلك الوقت ففى كلام بعضهم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما مع المشركين وأنزل الله تعالى عليه سورة والنجم اذا هوى فقرأها عليهم حتى اذا بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى
وسوس اليه الشيطان بكلمتين فتكلم بهما ظانا أنهما من جملة ما أوحى اليه وهما تلك الغرانيق العلى أى الاصنام وان شفاعتهن لترتجى وفى لفظ لهى التى ترتجى شبهت الاصنام بالغرانيق التى هى طير الماء جمع غرنوق بكسر الغين المعجمه واسكان الراء ثم نون مفتوحة أو غرنوق بضم الغين والنون أيضا أو غرنوق بضم الغين وفتح النون وهو طير طويل العنق وهو الكركى أو يشبهه ووجه الشبه بين الاصنام وتلك الطيور أن تلك الطيور تعلو وترتفع فى السماء فالاصنام شبهت بها فى علو القدر وارتفاعه ثم مضى يقرأ السورة حتى بلغ السجدة فسجد وسجد القوم جميعا أى المسلمون والمشركون
وذكر الحافظ الدمياطى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رأى من قومه كفا عنه أى تركا وعدم تعرض له فجلس خاليا فتمنى فقال ليته لم ينزل على شىء ينفرهم عنى وفى رواية تمنى أن ينزل عليه ما يقارب بينه وبينهم حرصا على اسلامهم وقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه ودنا منهم ودنوا منه فجلس يوما مجلسا فى ناد من تلك الاندية حول الكعبة فقرأ عليهم والنجم اذا هوى الى اخر ما تقدم والله أعلم
ومن جملة من كان مع المشركين حينئذ الوليد بن المغيرة لكنه رفع ترابا الى جبهته فسجد عليه لانه كان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود
وقيل الذى فعل ذلك سعيد بن العاص ويقال كلاهما فعل ذلك وقيل الفاعل لذلك أمية بن خلف وصحح وقيل عتبة بن ربيعة وقيل أبو لهب وقيل المطلب
وقد يقال لا مانع أن يكونوا فعلوا ذلك جميعا بعضهم فعل ذلك تكبرا وبعضهم فعل ذلك عجزا وممن فعل ذلك تكبرا أبو لهب فقد جاء وفيها سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والانس غير أبى لهب فانه رفع حفنة من تراب الى جبهته وقال يكفى هذا
وفيه أنه كيف يكبر عليه صلى الله عليه وسلم ذلك مع أنه موافق لما تمناه من أن الله ينزل عليه ما يقارب بينه وبين المشركين حرصا على اسلامهم المتقدم ذلك عن سيرة الدمياطى الا أن يقال هذا كان بعد ما عرض السورة على جبريل وقال له ما جئتك بهاتين الكلمتين المذكور ذلك فى قولنا فلما أمسى صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فعرض عليه السورة وذكر الكلمتين فيها فقال له جبريل ما جئتك بهاتين الكلمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت على الله ما لم يقل أى فكبر عليه ذلك فأوحى الله تعالى اليه ما فى سورة الاسراء وان كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا اليك لتفترى علينا غيره بموافقتك لهم على مدح الهتهم بما لم نرسل به اليك واذا لو فعلت أى دمت عليه لاتخذوك خليلا الى قوله ثم لا تجد لك علينا نصيرا أى مانعا يمنع العذاب عنك وهذا
أن منظومته الفكرية عموما عن الكون و عن الله أفضل بكثير من منظومة القرشيين في حدود المعلومات المتوفرة له في هذا العصر ، و أن صياغته و فهمه لطبيعة الإله كانت أكثر إكتمالا ومنطقية و أعتقد أنه تفوق عليهم في نقاط معينة مثل : وجود الله و على الأقل هيمنته على باقي الآلهة ( لو وُجدت ) ، و لكن
نقطة ضعف فلسفته أنه وضع نفسه في بؤرة المنظومة الفكرية كمبعوث للإله ، وهو ما ضغط عليه بعنف " النضر" بتركيز شديد ، و هو سبب فشله في مكة .
الخلاصة : محمد " فيلسوف ميتافيزقي "أو على أقل تقدير " مفكر" له وجهة نظر في طبيعة الإله و في فلسفة التاريخ و غائيته ، وهذه االرؤية هي في وجهة نظري أفضل بلورة ممكنة للفكر الإخناتوني و أرقي بمراحل ( فكريا و منطقيا ) من الفكر اليهودي و المسيحي ، و لو إقتصر الأمر على ذلك لما كان هنالك أي مشكلة و لكان أمره أفضل قليلا عند معاصريه من " أمية بن الصلت " أو " زيد بن عمرو " و " بن أبي كبشة " ، و لكان هو مثلهم في حماسته في الدعوة لأفكاره فلم تكن ليختلف معه الأمر كثيرا .
و لكن وضعه لنفسه ( بسبب هلاوسه ) في بؤرة هذه الفلسفة و إعطاءه لنفسه دور فاعل فيها هو الذي أشعل الأمر :
فوضعه كمبعوث إلهي فريد فرض عليه أن يقوم بدور أكثر قوة و فعالية لتغيير أفكار قومه ، و في نفس الوقت وضعه الفريد ذلك دفع الكثيرين من أبناء قومه لللإعجاب به و بالفكرة و شعورهم بأن لهم دور فاعل في هذه الفلسفة و إندماجهم فيها ، بدلا من أن تكون فلسفة ميتافيزقية لا معنى لها و لا أثر .
اقتباس و تلخيص وتجميع المواضيع من بطون الكتب والابحاث والمدونات بحياديه لا تنتمي لدين او مذهب لكوني ليست يهودياً ولا مسيحياً ولا مسلماً ولا ديني - كاتب و باحث و محلل في تاريخ ألاديان