الخضر بين الحقيقة والاسطورة
سامي المنصوري
الحوار المتمدن
-
العدد: 4402 - 2014 / 3 / 23 - 07:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الخضر..بين الحقيقة والاسطورة
اقتباس و تلخيص وتجميع المواضيع من بطون الكتب والابحاث والمدونات بحياديه لا تنتمي لدين او مذهب لكوني ليست يهودياً ولا مسيحياً ولا مسلماً ولا ديني
صاحب النبي موسى لم يرد اسمه الخضر فهو تسمية تراثية غير ملزمة، وهو عبد من عباد الله الصالحين الذين اتاهم الله علماً غير علم النبي موسى، ومن خلال مقارنة العلمين نلاحظ أن النبي موسى علمه علم يتعلق بنهضة شعب وتحريره ونزول تشريع عليه ينظم علاقات الافراد ببعضها في ظل المجتمع، بينما الرجل الصالح علمه متعلق بحالة فردية للتدخل في إنقاذ مصالح أفراد ، وواضح من عمله هذا انه ينفذ ذلك بعلم من الله وليس من تفكيره أو تحليله للاحداث، وهذا يدل على انه نبيء وليس نبياً مبعوثاً من قبل الله ليقود الناس أو يدعوهم ، وهو ليس تابعاً للنبي موسى بدليل ان النبي موسى تبعه ليتعلم منه ما أراد الله منه ولعله الجانب الأخلاقي من تواضع و هدوء والصبر وعدم التسرع في الحكم على الاشايء والنظر إلى بواطن الشيء ، وان الاعمال تقوم بمآلها وليس بظاهرها، ودفع الضرر الكبير بضرر اصغر منه، والعمل الصالح بصرف النظر عن استحقاق الناس له......
والنبي أفضل من النبيء، لان نبي الله هو نبيء ضرورة في مجاله، ومعظم أنبياء الله هم نبيون ، وكل النبيين أنبياء.
وما علق بقصة الرجل الصالح النبيء من اوهام وانه مازال إلى الآن على قيد الحياة وغير ذلك كله خرافات .
انظر تفسير القرءان "روح المعاني" للآلوسي الجزء (12) في شرحه للآية:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً }مريم51. [... فالنبي من النبوة بمعنى الرفعة . ويجوز أن يكون من النبأ وأصله نبيء أي المنبىء عن الله تعالى بالتوحيد والشرائع ورُجِّح الأول بأنه أبلغ قيل، ولذلك قال r: « لست بنبيء الله تعالى –بالهمزة- ولكن نبي الله تعالى » لمن خاطبه بالهمز وأراد الغض منه]. يشير للحديث عن أبي ذر رضي الله عنه ، قال : جاء أعرابي إلى رسول الله r فقال : يا نبيء الله . فقال رسول الله r: ( لست بنبيء الله ، ولكني نبي الله ). أخرجه الحاكم وقال :هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه.
والخلاصة :
كل نبي مبعوث من قبل الله هو نبيء ورسول ضرورة، والختم هو لمقام النبي المبعوث من قبل الله واقتضى ذلك ختم مقام نبيء الله ورسوله، مع استمرار هذه المقامات بين الناس لإقامة الحجة عليهم دون النطق باسم الله.
الخضر..بين الحقيقة والاسطورة
1-العبد الصالح:
تحدثنا الآيات القرآنية (60-82) من سورة الكهف عن قصة شديدة الغرابة والغموض، طرفاها النبى موسى عليه السلام وعبد صالح من عباد الله.. ونترك الآيات القرآنية لتحدثنا عن القصة: (وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا* فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا* فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا* قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا* قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا* فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما* قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمنِ مما علمت رشدا* قال إنك لن تستطيع معى صبرا* وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا* قال ستجدنى إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا* قال فإن اتبعتنى فلا تسألنى عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا* فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا* قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا* قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا* فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله، قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا* قال: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا* قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبي قد بلغت من لدني عذرا* فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض، قأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا* قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا* أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها، وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا* وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا* فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما* وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا).إلى هنا تتركنا الآيات القرآنية ونحن فى قمة الدهشة والاستغراب، فالنبى موسى عليه السلام يقرر فجأة الرحيل إلى مجمع البحرين تاركاً بنى إسرائيل بمشاكلهم التى لا تنتهى وانحرافهم الدائم عن الحق والذى يتطلب وجوده المستمر لتقويم هذا الانحراف، وذلك ليلتقى بشخص مجهول سماه القرآن (عبداً) ويمكننا أن نسميه بالعبد الصالح، ويطلب منه موسى عليه السلام وهو الرسول العظيم أن يصحبه ليعلمه، وهو ما يدهشنا، ثم يشترط عليه العبد الصالح اشتراطاً بدا جريئاً لتباين المكانة بينهما، وهو أن شرط الصحبة ألا يسأل الرسول عن أى شئ حتى يحدثه فيه العبد الصالح، ثم تتوقف أنفاسنا ونحن نرى العبد الصالح يفعل أموراً تدهشنا وتدهش الرسول وتتنافى مع الصلاح، ومنها خرق سفينة، وقتل غلام بلا ذنب، وإحسان إلى قوم سوء، ومع تكرر سؤال النبى موسى ينهدم الاتفاق ويعلن العبد الصالح الفراق وينبئ النبى بتفسير ما غمض عليه وعلينا.. فالسفينة لمساكين أما الخرق فكان لإصابة السفينة حتى لا يأخذها الملك الظالم غصباً، وأما الغلام فكان سيكبر طاغياً ويرهق والديه المؤمنين، ففعل ذلك ليبدلهما الله خيرا من هذا الغلام، أما الجدار الذى بناه فكان لغلامين كان أبوهما صالحاً وقد دفن لهما كنزا تحت الجدار، فبناه حتى يحفظ لهما الكنز حتى يرشدا.. ثم أعقب ذلك بأن قال للنبى موسى إنه لم يفعل ذلك من عنده ولكنه أمر من الله.ولكن قد لا يروى غليلنا إلى المعرفة وفضولنا الذى أثير بفعل القصة، لقد توقف السرد القرآنى عند هذا القدر من المعلومات لحكمة، ولكن التأولات لازالت تدور بأذهاننا..
2-الخضر
:تتلقفنا الأحاديث النبوية من حيرتنا فنجد عند البخارى عن "أبى بن كعب" أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن موسى قام خطيباً فى بنى إسرائيل فسئل أى الناس أعلم فقال أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه إن لى عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: يا رب فكيف لى به؟ قال: تأخذ معك حوتاً فتجعله فى مكتل، فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتاً فجعله فى مكتل ثم انطلق، وانطلق معه بفتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما، واضطرب الحوت فى المكتل فخرج منه فسقط فى البحر فاتخذ سبيله فى البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جريه فى الماء، فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسى صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه أتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوزا المكان الذى أمر الله به، فقال فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره، واتخذ سبيله فى البحر عجبا، قال: فكان للحوت سربا، ولموسى وفتاه عجبا، فقال موسى: ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا، قال: رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى فسلم عليه موسى، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام؟، قال موسى: أنا موسى بنى إسرائيل. قال: نعم أتيتك لتعلمنى مما علمت منه رشدا. قال: إنك لن تستطيع معى صبرا يا موسى، إنى على علم من الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من الله علمك الله لا أعلمه...(1) إلى آخر الحديث الشريف، هنا يزيح الحديث النبوى بعض غموض القصة القرآنية: فموسى عليه السلام قد تباهى بعلمه عندما سئل أى الناس أعلم فقال أنا ولم يرد العلم إلى الله أو يتواضع، فأراد الله أن يعطيه درساً فى العلم والتواضع فأوحى إليه أن بموضع مجمع البحرين، وهو موضع مختلف بين العلماء فى تحديده، يوجد عبد هو أعلم منه، فسعى إليه موسى، ثم يصرح لنا الحديث النبوى لأول مرة باسم هذا العبد وهو الخضر، ثم تمضى القصة كما سلف، أفعال يفعلها الخضر بعلم من الله وأمر منه تبدو غريبة ومدهشة للنبى موسى الذى لم يؤت ذلك العلم الذى يطلق عليه علماء الدين "العلم اللدنى" أى علم من لدن الله، فتشعر هذه الأفعال النبى موسى بالعجز عن الفهم والافتقار إلى العلم، وهو ما كان مقصوداً أو كان هو الدرس، فالهدف من القصة القرآنية وموضوعها هو نسبية العلم، وأن أحداً لا يمكن أن يحوز كل العلم، وأنه حتى من يحوز الكثير من العلم لابد وأن يتخلق بأخلاقه وأهمها التواضع لأن ما نجهله أكثر مما نعلمه دائماً، وأن منصب الرسالة ليس معناه حيازة كل العلم، بل إن الرسول يمكن أن يصبح تلميذاً لرجل صالح من الله عليه بالعلم، إنه درس فى العلم وأخلاقياته.
3-الخضر القرآنى:
الخضر القرآنى ليس أكثر من رجل صالح أتاه الله من لدنه علماً، ولكنه على الرغم من ذلك لا يغتر بالعلم، ويعلم أن الله اختصه ببعض العلم، واختص غيره بالبعض الآخر، وإذا كان القرآن لم يصرح باسم الخضر فى الآيات الكريمة، فإن ذلك لحكمة وهى أن الخضر ليس مقصوداً لذاته فى رواية القصة، وأن القصة ليست هى قصة الخضر وإنما هى قصة العلم ونسبيته وأخلاقه، أما الخضر فلم يكن هناك مبرر لذكر اسمه فى القصة القرآنية لأنه ليس هو المقصود بها.4-من أين جاء اسم الخضر؟ذكر القرطبى فى تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" فى سبب تسمية الخضر بقوله (وقال مجاهد: سمى الخضر لأنه كان إذا صلى أخضر ما حوله. وروى الترمذى عن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما سمى الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هى تهتز تحته خضراء")(2).. كما ذكر نقلاً عن البخارى أن النبى موسى وفتاه يوشع (وجدا الخضر وهو نائم على طنفسة خضراء على وجه الماء وهو متشح بثوب أخضر)(3) وذكر ابن كثير فى "البداية والنهاية" (وقال الخطابى:...إنما سمى الخضر لحسنه وإشراق وجهه)(4)
4-الأسطورة:
يروى لنا صاحب كتاب "التيجان فى ملوك حمير" حكاية الملك الحميرى الصعب بن الحارث الرئس ذى مراثد أنه لما ولى الملك تجبر تجبراً شديداً، ولم يكن فى التبابعة متجبر مثله، ولا أعظم سلطاناً وأشد سطوة. ثم إنه رأى رؤيا بلبلته وأذهبت الكثير من جبروته وحيرته فى تفسيرها، فقيل له إنه لا يفسر رؤياه إلا نبى فى بيت المقدس، ورغبة منه فى معرفة تأويل رؤاه (نزل بيت المقدس وسأل عن النبى الذى ذكر له، ولم يطلب شيئاً غيره حتى ظهر عليه، فقال له الصعب: أنبى أنت؟. قال له موسى الخضر: نعم. قال له: ما اسمك ونسبك. قال له: موسى الخضر بن خضرون بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام. قال له الصعب: أيوحى إليك يا موسى؟. قال له: نعم يا ذا القرنين. قال الصعب له: وهذا الاسم الذى دعوتنى به ما هو؟. قال: أنت صاحب قرنى الشمس وذلك أول من سماه ذا القرنين الخضر)(5).فها هو الخضر يتم دمجه مع النبى موسى ليصبح موسى الخضر، ويتحول من عبد صالح إلى نبى مرسل فى رواية وهب بن منبه. ولكن لندعنا من هذا الآن لنكمل رواية وهب فى قصة الصعب ذى القرنين الذى قص على الخضر أحلامه المحيرة واستطاع تأويلها بسهولة وقدرة تذكرنا بمقدرة النبى يوسف عليه السلام فى اقتباس واضح لهذه الصفة وإلصاقها بالخضر الذى يصور كشخص صاحب إمكانات غير عادية.ثم تستمر قصة الصعب ذى القرنين والخضر الذى يعلم صاحبه أن الله مكن له فى الأرض وأتاه من كل شئ سببا، بل ويتطوع بمرافقته فى رحلته حول الأرض ناصحاً له فى كل الأمور، وتستمر الرحلة حتى يرى ذو القرنين صخرة بيضاء كادت أن تذهب بأبصارهم من نورها وشعاعها، وعلى الصخرة نور.. ثم يتساءل ذو القرنين ليخبره الخضر بقصة الصخرة والنسور، وكيف أن النسور أكلت جثة أحد الأولياء فلم تقدر بطونها على الاحتفاظ بما أكلت فتقيأته على الصخرة فأضاءت بفتات جسد الولى الصالح.. ثم إن ذو القرنين حاول ارتقاء الصخرة (فانتفضت وارتعدت وتمنعت، فرجع عنها، ثم دنا إليها الخضر فسكنت، فارتقى عليها، فلم يزل يرقى وذو القرنين ينظر إليه والخضر يطلع إلى السماء حتى غاب عنه، فناداه مناد من قبل السماء: امض أمامك فاشرب فإنها عين الحياة، وتطهر فإنك تعيش إلى يوم النفخ فى الصور ويموت أهل السماوات والأرض فتذوق الموت حتماً مقضياً.. فمشى حتى انتهى إلى رأس الصخرة، فأصاب عيناً ينزل فيها ماء من السماء، فشرب وتطهر، فلما رأى الماء ينزل ويستدير لا يسيل منه شئ قال: إلى أين تذهب أيها الماء؟. فنودى: قد بلغ علمك. فلما رجع الخضر (من السماء/المؤلف) إلى ذى القرنين قال له: يا ذا القرنين إنى شربت من ماء الحياة وتطهرت منه وأعطيت الحياة إلى يوم النفخ فى الصور وموت أهل السماوات والأرض، ثم أموت حتماً مقضيا)(6).لقد تحول الخضر عند البعض ومنهم وهب بن منبه إلى نبى وليس رجلاً صالحا فحسب، واكتسب صفة تأويل الحلام التى اشتهر بها النبى يوسف، واكتسب صفة الخلود الممنوحة للملائكة. وإذا كان سبب هذا الخلود هو الشرب والتطهر من ماء عين الحياة فإن هناك أمران آخران يذكرهما لنا ابن كثير فى مؤلفه الموسوعى "البداية والنهاية" فيروى لنا عن ابن عباس أن:"الخضر ابن آدم لصلبه ونسئ له فى أجله حتى يكذب الرجال... وعن أبو عبيدة وغيره قالوا إن أطول بنى آدم عمرا الخضر واسمه خضرون بن قابيل بن آدم. وذكر أن آدم عليه السلام لما حضرته الوفاة أخبر بنيه أن يدفنوه فى مكان عينه لهم، فلما كان الطوفان حملوه معهم، فلما هبطوا إلى الأرض أمر نوح بنيه أن يذهبوا ببدنه فيدفنوه حيث أوصى. فقالوا: إن الأرض ليس بها أنيس وعليها وحشة. فحرضهم وحثهم على ذلك وقال: إن آدم دعا لمن يلى دفنه بطول العمر، فهابوا المسر إلى ذلك الموضع فى ذلك الوقت، فلم يزل جسده عندهم حتى كان الخضر هو الذى تولى دفنه، وأنجز الله ما وعده فهو يحيا ما شاء الله له أن يحيا"(7).والخضر فى خلوده النسبى لا يعيش بشكل سلبى، فهو دائم الظهور للصالحين والأبرار ليساعدهم فى المحن ويرشدهم إلى الصواب، وفى الآثار الموضوعة والتى عبرت عن الخيال العربى تجاه الخضر نجد الكثير من الأمثلة على نشاط الخضر فى الظهور للصالحين. ففى الأثر عن ابن عباس "يلتقى الخضر وإلياس كل عام ويفترقان عن هذه الكلمات: بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ما شاء الله ما يكون من نعمة الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله"(.. وفى الأثر الموضوع عن على بن أبى طالب: "بينا أنا أطوف بالبيت إذا رجل معلق بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يشغله سمع من سمع، يا من لا تغلطه المسائل، يا من لا يتبرم بإلحاح الملحين، أذقنى برد عفوك وحلاوة رحمتك. فقلت: يا عبد الله أعد الكلام. قال: وسمعته؟ قلت: نعم. قال: والذى نفس الخضر بيده، وكان هو الخضر، لا يقولهن عبد دبر الصلاة المكتوبة إلا غفرت ذنوبه وإن كانت مثل عدد المطر وورق الشجر"(9).. وفى الأثر الموضوع عن رباح بن عبيدة: "رأيت رجلاً يماشى عمر بن عبد العزيز معتمداً على يده فقلت فى نفسى إن هذا الرجل جاف. فلما صلى قلت: من الرجل الذى كان معك معتمداً على يدك آنفاً؟. قال: وقد رأيته؟ قلت: نعم. قال: إنى لأراك رجلاً صالحاً ذاك أخى الخضر بشرنى أنى سألى وأعول"(10).. وفى الحديث الموضوع عن أنس:"خرجت ليلة من الليالى أحمل الطهور مع النبى صلى الله عليه وسلم، فسمع منادياً ينادى فقال لى أنسى صفه، فسكت، فاستمع، فإذا هو يقول: اللهم أعنى على ما ينجنى مما خوفتنى منه. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لو قال أختها معها. فكأن الرجل لقن ما أراد النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: وارزقنى شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: يا أنس ضع لى الطهور وآت هذا المنادى فقل له: أدع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعينه على ما ابتعثه به، ادع لأمته أن يأخذوا ما آتاهم نبيهم بالحق.. قال: فأتيته فقلت له: رحمك الله ادع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعينه على ما ابتعثه به، ادع لأمته أن يأخذوا ما آتاهم به نبيهم بالحق. فقال: من أرسلك؟ فكرهت أن أخبره ولم أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: رحمك الله وما يضرك من أرسلنى، ادع بما قلت لك. فقال: لا. أو تخبرنى بمن أرسلك. قال: فرجعت إلى سول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أبى أن يدعو بما قلت له حتى أخبره بمن أرسلنى. قال: فارجع إليه فقل له: أنا رسول الله. فرجعت إليه فقلت له. فقال: مرحباً برسول الله، أنا كنت أحق أن آتيه، اقرأ على سول الله منى السلام وقل له: يا رسول الله الخضر يقرأ عليك السلام ورحمة الله ويقول لك يا رسول الله قد فضلك على النبيين كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور، وفضل أمتك على الأمم كما فضل يوم الجمعة على سائر اليام. قال: فلما وليت سمعته يقول: اللهم اجعلنى من هذه الأمة المرشدة المرحومة المتاب عليها"(11)..وهنا يصل الخيال العربى إلى اقصى المدى، فالمستقر عند جماعة المسلمين، خاصتهم وعامتهم، أن النبى محمد صلى الله عليه وسلم هو خير الخلق وسيد المرسلين، وتوسله إلى الله بالخضر الذى هو بالقطع أدنى منه مكانة يعد مجافاة عظيمة لأبسط البديهيات الإسلامية والتى تتعلق بمكانة الرسول، ولكنه الخيال الشعبى الجامع الذى ارتفع على أجنحته ليبلغ عنان السماء، والذى لم يقنع بنسب الخضر إلى إبراهيم عليه السلام لينسبه إلى قابيل ابن آدم ثم إلى آدم مباشرة ليصبح الخضر موغلاً فى القدم. *** ثم تبقى قصة الخضر مع الصوفية، فالخضر يكاد يكون رفيق كل الصوفيين، فكل صوفى لابد وأن قابله أو رآه أو حلم به. وإذا تجولنا مع النبهانى فى "جامع كرامات الأولياء" لنتعرف على أحوال الخضر ومكانته عند الصوفية، فسنجده عند الحديث عن طبقة المفردين فى الصوفية يتحدث فيقول:"محمد بن قائد من أصحاب الإمام عبد القادر الجيلانى وشهد له أنه من المفردين وهم رجال خارجون عن القطب، والخضر منهم، ونظيرهم من الملائكة الأرواح المهيمون فى جلال الله وهم الكروبيون ومقامهم بين الصديقية والنبوة الشرعية"(12).. ثم نتجول مع صفحات الكتاب لنلتقى مع هذه الحكاية عن الصوفى ابن السماك "اشتكى محمد بن السماك فأخذنا ماءه وذهبنا به إلى الطبيب وكان نصرانيا، فبينما نحن بين الحيرة والكوفة استقبلنا رجل حسن الوجه والرائحة نقى الثوب، فقال لنا: إلى أين تريدون؟ فقلنا: نريد فلان الطبيب نريد ماء ابن السماك. فقال: سبحان الله تستعينون على ولى بعدو الله اضربوا به الأرض (يقصد ماء ابن السماك) وارجعوا إلى ابن السماك وقولوا له: ضع يدك على موضع الوجع وقل "بالحق أنزلناه وبالحق نزل"، ثم غاب عنا فلم نره، فرجعنا إلى ابن السماك فأخبرناه بذلك، فوضع يده على موضع الوجع وقال ما قال الرجل فعوفى فى الوقت، فقال:...ذاك كان الخضر عليه السلام"(13).. ثم نقابل الخضر مرة أخرى مع الصوفى محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو عبد الله القرشى ذلك أنه "قد نودى مرة أنه ينزل بأهل مصر بلاء فقال:.. أيقع هذا وأنا فيهم؟ فقيل: اخرج من بينهم فلابد من وقوعه. فخرج إلى الشام فنزل بهم ما نزل وقالت زوجته: خرجت من عنده وتركته وحده فسمعت عنده رجلاً يكلمه فوقفت حتى انقطع كلامه، فدخلت فقلت: من هذا؟ قال: الخضر أتانى بزيتونة من أرض نجد وقال: كل هذه ففيها شفاؤك، فقلت: اذهب أنت وزيتونتك فلا حاجة لى بها"(14).. ثم تأتى قصته مع الصوفى محمد بن غمر أبو بكر قوام والذى يروى بنفسه "حضرت بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الخضر عليه السلام جاءنى فى بعض الليالى وقال: قم يا أبا بكر. فقمت معه فانطلق بى حتى أحضرنى بين يدى الرسول صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وعلى والأولياء رضى الله عنهم فسلمت عليهم فردوا السلام..."(15).. وأمثال هذا كثير فى حديث الصوفية، ويكاد يجمع جمهور علماء الدين على بقاء الخضر إلى الآن وحت ينفخ فى الصور فيصعق من فى السماوات والأرض(16)
5-الخضر الأسطورى:
إذا كنا توصلنا سابقاً إلى أن الخضر القرآنى لم يكن يزيد على عبد صالح أتاه الله من لدنه علما، فإنه قد اكتسب على يد الخيال الشعبى العربى صفات مغايرة ليصبح خضراً آخر لا علاقة له بذلك الخضر القرآنى.. من تلك الصفات النبوة التى أسبغت عليه، والخلود النسبى الذى تم اقتباسه من صفات الملائكة والتى من صفاتها أنها لا تتناسل ولا تموت إلا عند نفخة الصور يوم القيامة، والعلم بالمستقبل، وتأويل الأحلام وهى صفة اشتهر بها النبى يوسف وتم إلصاقها بالخضر، والقدم الموغل فى الزمن حيث تم نسبه إلى آدم عليه السلام ليعيش من بدء الخليقة وحتى نهاية الزمان، ويصبح مرشدا لكل الصالحين ورفيقا لهم على مر الزمان.. وأعلى الخيال الشعبى من شأنه إلى درجة الشطط والتصادم مع أبسط البديهيات الإسلامية عندما توسل به الرسول محمد عليه السلام إلى الله ليدعو له ولأمته، ولكنه الخيال العربى الجامح الذى "أسطر" شخصية الخضر البسيطة ليصنع منها أسطورة تميزه عن باقى أساطير الأمم التى لا نجد فيها نظير تلك الشخصية غير العادية
المصادر:
* القرآن الكريم
1- صحيح البخارى- الجزء الثالث- كتاب تفسير القرآن- ص169 طبعة دار الفتح افسلامى بالإسكندرية.
2- الجامع لأحكام القرآن- القرطبى- ص4168-4169 المجلد الخامس.
3- المرجع السابق ص 4
618.4- البداية والنهاية- الحافظ ابن كثير- المجلد الأول ص368.-
5- كتاب التيجان فى ملوك حمير- وهب بن منبه- الهيئة العامة لقصور الثقافة- سلسلة الذخائر ص95.-
6- المرجع السابق ص10
7- البداية والنهاية- الحافظ ابن كثير- المجلد الأول ص366-
8- الأحاديث الموضوعة- الجزء الأول- الشيخان/عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصديق- المجلس الأعلى للثقافة- سلسلة دراسات إسلامية ص76.-
9-المرجع السابق ص77.-
10-المرجع السابق ص77.-
11-المرجع السابق ص76.-
12-جامع كرامات الأولياء- الجزء الأول- يوسف با إسماعيل النبهانى- تحقيق إبراهيم عطوة عوض ص187-188.13-
13-المرجع السابق ص172.-
14-المرجع السابق ص194.-
15- المرجع السابق ص215.-
16-البداية والنهاية- الحافظ ابن كثير- المجلد الأول ص369.
/ خالد السروجي
ي