بعد تولي ترامب السلطة / ملفات الاختلاف داخل المعسكر الغربي تتعدد


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8254 - 2025 / 2 / 15 - 23:11
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

بعد الاختلاف الواضح بين الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوربي الرئيسة بشأن سياسات الرئيس الأمريكي الاقتصادية وكذلك تصريحاته ومطالبه الجنونية بشأن الشرق الأوسط، انشغل الرأي العام العالمي بما دار في المكالمة الهاتفية بين ترامب وبوتين اخيرا، والتي وإن انحصرت في الوصول إلى اتفاق بين واشنطن وموسكو بشأن ملف الحرب الشائك في أوكرانيا، إلا أنها لا تنفصل عن حرب ترامب الاقتصادية، وإدارته للصراع بطريقة انتقائية. وبالتالي فان السلام الموعود، لا يغطي الصراع الدائر في المراكز الرأسمالية بين ليبرالية جديدة متراجعة لصالح نموذج دولة استبدادية بأشكال متعددة.

سلام ترامب يغضب الاتحاد الأوربي
كانت المكالمة الهاتفية بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتن، مفاجأة لقادة الاتحاد الأوروبي. ولكنها لم تكن الخطوة الأولى، ففي 12 شباط الحالي ألقى وزير الدفاع الأمريكي الجديد " بيت هيغسيث" خطابا في بروكسل، صدم به حلفاءه الأوربيين.
إن قلق القادة الأوربيين يعود للإمكانية توصل ترامب إلى اتفاق مع بوتين دون مشاركة الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا. وقد عززت المكالمة الهاتفية هذه المخاوف. وتتناول وسائل الاعلام حديثا أوربيا عن خيانة وانفراد، يقابله إصرار أوربي على المشاركة في المفاوضات. لهذا دعا عدد من وزراء خارجية الدول الأوروبية إلى عدم استبعاد الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية من محادثات السلام. وبالإضافة إلى ذلك، يحذر كبار الدبلوماسيين الأوروبيين من أن المفاوضات، التي قد تكون حاسمة لمستقبل أوروبا الشرقية، فلابد أن تشمل أوكرانيا أيضاً. و "من أجل التوصل إلى اتفاق سلام ناجح، لابد من إضعاف روسيا في ميدان المعركة"، كما قال وزير خارجية لاتفيا، إحدى جمهوريات بحر البلطيق، بايبا برازي.
ودعا وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبولندا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا، الأربعاء (12 شباط إلى مشاركة أوروبا في مفاوضات السلام بعد التشاور مع الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي كايا كالاس ووزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيجا. وجاء في بيان مشترك صدر بعد الاجتماع في باريس: "يجب أن تكون أوكرانيا وأوروبا جزءا من أي مفاوضات". ويتعلق الأمر بالسلام الذي يضمن مصالح أوروبا وأوكرانيا.
واكد متابعون لملف الحرب، ان يوم 12 شباط 2025 سيحتل موقعه في التاريخ باعتباره اليوم الذي انتهت فيه رسميا الحرب بالوكالة بين الناتو وروسيا في أوكرانيا.
وكان وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث هو الذي اتخذ الخطوة الأولى. وفي أول اجتماع له مع مجموعة الاتصال بشأن أوكرانيا في بروكسل، برفض أحد المطالب الرئيسية لكييف من أجل التوصل إلى حل سلمي، بإعادة شبه جزيرة القرم. وقال وزير الدفاع الأميركي الجديد إن الولايات المتحدة تريد أيضا أن تكون أوكرانيا ذات سيادة، لكن استعادة حدود أوكرانيا قبل عام 2014 كان "هدفا غير واقعي". ويجب وقف إراقة الدماء والحرب، ولكن يجب أن يتم ذلك من خلال الدبلوماسية. ولضمان سلام دائم، لا بد من ضمانات أمنية شاملة، وحتى عضوية أوكرانيا في الناتو ليست هدفاً واقعياً لحل تفاوضي.
وبعد المكالمة، أكد ترامب أن المفاوضات ستبدأ فعلا، وأوضح ترامب أيضًا أن التمويل الأمريكي للحرب في أوكرانيا سيكون الآن خاضعًا لشروط. وطالب ترامب أخيرا كييف بتزويده بالمعادن النادرة بقيمة 500 مليار دولار كتعويض عن 300 مليار دولار، حولها سلفه جو بايدن إلى أوكرانيا كمساعدات خلال السنوات القليلة الماضية. مشكلة زيلينسكي وترامب: غالبية المعادن النادرة موجودة في الجزء الذي تسيطر عليه روسيا في أوكرانيا. وقال ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي يوم الأربعاء، إنه نقل مطالبه إلى زيلينسكي، وأن الأخير وافق عليها.
وسيسيطر الموقف من محادثات السلام الروسية – الأمريكية على أجواء جلسات مؤتمر ميونخ للأمن الذي بدأت اعماله مساء الجمعة الفائت.

الملف الاقتصادي مختلف عليه أيضا
وبشأن سياسة ترامب الاقتصادية وحرب التعريفات الكمركية التي يوزعها يمينا وشمالا، هناك خياران أوربيان رئيسيان: إما الرد بالمثل من خلال فرض إجراءات عقابية على الولايات المتحدة، ويبدو ذلك خيارا صعبا على حكومات القارة العجوز، أو محاولة التفاهم على تجنب فرض رسوم كمركية جديدة.
لقد دعت أصوات داخل أوروبا، مثل مركز "إيفو" للاقتصاد الدولي في ألمانيا، إلى اتخاذ خطوات مضادة، لتعزيز التكامل في السوق الأوروبية للخدمات واعتماد تدابير ردع موثوقة ضد الولايات المتحدة. وأحد السيناريوهات أمام الاتحاد الأوروبي، يتمثل في تقديم تنازلات للولايات المتحدة، عبر تقديم عروض لزيادة وارداته من المنتجات الأمريكية، مثل الغاز الطبيعي المسال وفول الصويا، مقابل إعفاء صادراته من الرسوم. هذه الاستراتيجية ليست جديدة، فقد تم التوصل إلى اتفاق مشابه بين ترامب ورئيس المفوضية الأوروبية السابق جان كلود يونكر عام 2018. والسيناريو الثاني، هو التوصل إلى اتفاق جيوسياسي أوسع، يتضمن زيادة شراء المعدات الدفاعية الأمريكية لدعم أوكرانيا؛ لكن تمويل الاتفاق سيواجه تحديات كبيرة داخل الاتحاد، خاصة مع رفض دول مثل ألمانيا لفكرة الاقتراض المشترك.
والثالث، يتمثل في تعاون أوروبي أمريكي ضد الصين، من خلال فرض قيود إضافية على واردات السيارات الكهربائية والتكنولوجيا الصينية، وتشديد الرقابة على الاستثمارات الأجنبية القادمة من الصين، إلا أن هذا الخيار يحمل مخاطر سياسية واقتصادية كبيرة لأوروبا، خاصة مع اعتماد ألمانيا على علاقاتها التجارية مع الصين. قبل شهرين، رفضت ألمانيا علانية، إعلان المفوضية الأوروبية بإجماع الأغلبية قرار فرض تعريفات كمركية تصل إلى 45 بالمئة على السيارات الكهربائية الصينية..
لكن ورغم وجود خيارات للتعامل مع الأزمة، فإن الشكوك تراود قادة أوروبا حول قدرة تحرك أوربا موحدة لمواجهة سياسات ترامب. بالإضافة إلى ان التحالف القوي بين فرنسا وألمانيا بقيادة إيمانويل ماكرون وأنجيلا ميركل؛ لم يعد قائما. باريس اليوم تواجه صراعا سياسيا متصاعدا وتحديات داخلية، فيما الحكومة المنتهية ولايتها في المانيا مشلولة، وأطرافها منشغلة بالمرحلة الاخيرة من حملة الانتخابات المبكرة، التي ربما ستؤدي إلى توازنات سياسية جديدة، قد تصب في مصلحة معسكر ترامب.