على الرغم من تقدم اليمين المحافظ والمتطرف/ الانتخابات الألمانية المبكرة.. نجاح مشهود لحزب اليسار
رشيد غويلب
الحوار المتمدن
-
العدد: 8264 - 2025 / 2 / 25 - 00:12
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
شهدت المانيا أول أمس الاحد الانتخابات المبكرة، والتي جرى الذهاب اليها بعد انفراط عقد التحالف الحاكم في 6 تشرين الثاني 2024. ومثلت الانتخابات المبكرة تحديا مزدوجا للناخبين والأحزاب المتنافسة فيها، بسبب المتغيرات المتسارعة في العالم وأروبا. وجاء تصدر الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ بشقيه (الديمقراطي المسيحي والاجتماعي المسيحي) منسجما مع التوقعات.
وفق المعطيات التي أعلنها رئيس الهيئة المنظمة للانتخابات الاتحادية، والتي تعد نهائية: جاء الاتحاد الديمقراطي المسيحي أولا بحصوله على 28,6 في المائة (+4,4)، وحل حزب البديل من أجل المانيا ثانيا بحصوله 20,4 في المائة (+ 10,4)، وكان الموقع الثالث من نصيب الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي قاد الحكومة المنتهية ولايتها. لقد تعرض الحزب إلى أقسى هزيمة في تاريخه الطويل، بحصوله على16,4 في المائة (-9,34). وكان الموقع الرابع من نصيب حزب الخضر، الذ كان أقل أحزاب التحالف الحاكم المنتهية ولايته تراجعا، اذ حصل على11,6 في المائة (-3,1). وكان حزب اليسار مفاجأة الانتخابات المبكرة، إذ حصل على8,8 في المائة (+ 3,9)، وتصدر الأحزاب المتنافسة في العاصمة برلين، فيما غادر الحزب الليبرالي الحر البرلمان بحصوله على 4,6 في المائة (-7,1). ولم يستطع "تحالف سارة فاكنكنشت" المنشق من حزب من اليسار دخول البرلمان في او انتخابات عامة يشارك بها، اذ حصل على 4,97 في المائة، وفشل بفارق ضئيل جدا تحقيق العتبة الانتخابية البالغة 5 في المائة.
أهمية نجاح اليسار
من المعروف أن حزب اليسار الألماني يعاني منذ سنين من صراعات داخلية جعلت خطة البياني يهبط انتخابيا. وقد توجهت هذه الصراعات بخروج تيار بقيادة رئيسة كتلته البرلمانية الأسبق سارا فاكنكنشت. ولم يستطع الحزب وقف مسلسل الهزائم الانتخابية في الأشهر التي أعقبت الانشقاق مباشرة، كما حدث في انتخابات البرلمان الأوربي، وفي انتخابات ثلاث ولايات في شرق المانيا. لقد بدأ الحزب في المرحلة الأولى من مؤتمره التاسع في 18 – 20 تشرين الأول 2024 عملية مراجعة وترتيب الأوراق، ووضع خطة لخوض الانتخابات العامة في موعدها في ايلول 2025، لكن الذهاب إلى الانتخابات المبكرة شكل عامل ضغط إضافي على الحزب.
لقد استطاع الحزب انتخاب قيادة جديدة نجحت في تجميع قوى الحزب، ووضع برنامج انتخابي ملموس، مستفيدا من تجربة حزب العمل البلجيكي، والحزب الشيوعي النمساوي في اعتماد الحوار مع الناخبين أساسا لوضع البرامج الانتخابية، بالإضافة إلى تنظيم استشارات قانونية وإدارية عامة لمساعدة المواطنين. واعتمد الحزب نظاما طوعيا يحتفظ بموجبه ممثليه في البرلمانات والإدارات براتب عامل فني 2600 يورو، والتبرع بما يزيد عن ذلك، يصل أحيانا إلى أكثر 6 آلاف يورو للصناديق الاجتماعية لمساعدة المحتاجين. وفي البرنامج ركز الحزب على السياسات الاجتماعية، وعاد إلى التحليلات الطبقية. ونجح الحزب في الوصول إلى أوساط الشبيبة عبر "تك توك"، وبرز هنا الدور المتميز لرئيسة الكتلة البرلمانية هايدي رايشنك. لقد استطاع الحزب منذ بداية العام كسب 28 ألف عضوا جديد. وبالنسبة للكثيرين يعد حزب اليسار أكثر الأحزاب ثباتا في مناهضة الفاشية، في لحظة تنامي الخطر الجدي لصعود اليمين المتطرف، بالإضافة إلى توجه أحزاب الوسط (الخضر والديمقراطيون الاجتماعيون) عمليا نحو اليمين.
خطر صعود اليمين المتطرف
احتل اليمين المتطرف الموقع الثاني، ويعد ذلك انذارا للقوى الديمقراطية. وقد عبر قياديون في اليمين المتطرف عن قناعتهم بقيادة الحكومة الألمانية بعد الانتخابات الدورية المقبلة في العام 2029. وما يعزز هذا الخطر انفتاح اليمين المحافظ عليه، أو كما قالت مرشحة اليمين المتطرف الرئيسية اليس فايدل: "إن الاتحاد الديمقراطي المسيحي فاز لأنه استنسخ برنامجنا". وعكس اهتمام الإعلام السائد بمواقف الحزب، تحالفا غير معلن بين مؤسسات إعلامية مؤثرة واليمين المتطرف، أضف إلى ذلك تدخل ترامب وفريقه المباشر لدعم الحزب المذكور. إن عدم إقدام قوى اليمين التقليدي وقوى الوسط على حل المشاكل الأساسية التي تواجه الأكثرية، يطيل من عمر الحزب ويضاعف الأخطار الناتجة من نجاحاته.
صعوبة تشكيل الحكومة
سيواجه مرشح الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدرش ميرتس صعوبة في تشكيل الحكومة الجديدة، فهو يحتاج إلى تحالف ثلاثي، والسيناريو الأقرب هو تحالفه مع الديمقراطي الاجتماعي والخضر، ولكن شقيقه زعيم الاجتماعي المسيحي الأكثر محافظة لا يرغب بالعمل المشترك مع الخضر، كما ان هكذا تحالف، سيحدد امكانياته في تطبيق برنامجه المعلن المعادي للمهاجرين والساعي لتفكيك ما تبقى من دولة الرفاه. لقد أعلن ميرتس بعد إعلان النتائج رفضه للتحالف مع اليمين المتطرف لمواقفهم الرافضة للاتحاد الأوربي ومنطقة اليورو، وقال في حوار "ستوديو الانتخابات" في التلفزيون الألماني الثاني: "لا أريد لألمانيا ان تجلس في حضن بوتين"، في الإشارة إلى العلاقة الجيدة بين حزب البديل اليميني المتطرف والرئيس الروسي. وحزب اليسار ليس في حسابات ميرتس، كما أن خروج الحزب الليبرالي الحر و"تحالف سارا فاكنكنشت" من البرلمان جعل مهمته صعبة. من هنا يأتي توقع بعض المتابعين أن عمر الحكومة الجديدة ربما يكون قصيرا، وإمكانية الذهاب في وقت ما إلى انتخابات مبكرة أخرى وارد.