صربيا.. استمرار الاحتجاجات ضد الحكومة والفساد


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8285 - 2025 / 3 / 18 - 13:22
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

تستمر الاحتجاجات في صربيا، وتأخذ طابع انتفاضة شعبية واسعة، بعد أن بلغت ذروتها السبت الفائت. ووفق مجموعة مراقبة متخصصة في التقديرات، شارك 275 -325 ألفا في أكبر تظاهرة حتى الآن ضد الفساد والحكومة في العاصمة الصربية بلغراد، وتعد الأكبر في تاريخ صربيا. في حين تتحدث وزارة الداخلية عن مشاركة 107 آلاف فقط. وذكرت الشرطة أن اشتباكات حدثت بين مجموعات صغيرة من المحتجين، ومجموعات حشدتها الحكومة.

وقدم المحتجون من جميع أنحاء البلاد إلى العاصمة، وكان الآلاف من الناس قد نزلوا إلى الشوارع قبل ساعات من بدء التظاهرة. ووقف المزارعون والطلاب وغيرهم من المواطنين على طول طريق التظاهرة الذي بلغ قرابة 2 كم في بلغراد. وهتف أحد الطلاب من على خشبة مسرح في مركز العاصمة: "لقد أظهرنا أن التغيير ممكن طالما أننا نناضل معًا".

وقارن الصرب الأكبر سنا تظاهرة السبت، بالتظاهرة الحاشدة التي شهدتها بلغراد في الخامس من تشرين الأول عام 2000، عندما أجبر المحتجون الغاضبون حاكم صربيا آنذاك سلوبودان ميلوسيفيتش على الاستقالة. وفي ذلك الوقت كان الناس يأملون "تحولا ديمقراطيا". وعلى الرغم من وجود اختلافات جوهرية بين ظروف اندلاع التظاهرتين، إلا أن تظاهرة السبت كانت أكبر.

المعارضة والحكومة تحشّدان
فيما ردّد المحتجون معًا شعار الحركة الاحتجاجية "بامباج!"، يعني أن طاقة ونَفَس الاحتجاج لم تنفد. وارتدى العديد منهم شارات رمز الاحتجاج: صورة يد ملطخة بالدماء، وردوا شعار الاحتجاجات الرئيس: "الفساد يقتل". وهتف أحد المشاركين "لقد تمردت صربيا بأكملها، وهو أمر لا تراه كل يوم. أعتقد أن هذه هي نهاية النظام". ويؤكد المحتجون أن صربيا دولة استبدادية فاسدة تماما، وقد سرق الاستبداد من المواطنين جميع مؤسسات الدولة حتى تتمكن الزمرة التي اغتصبت السلطة من إثراء نفسها.

ومنذ اندلاعها قبل أربعة أشهر، أكدت الاحتجاجات طابعها السلمي، وبالمقابل حشّدت الحكومة قوى الثورة المضادة، بمن في ذلك القوميون المتطرفون والجماعات المسلحة ومثيرو الشغب، الذين أقاموا حواجز بالقرب من البرلمان، ونصبوا الخيام أمام مبنى رئاسة الجمهورية.

ودعت الجمعيات الطلابية عبر منتديات التواصل الاجتماعي إلى التظاهر "بهدوء ومسؤولية". وجاء في البيان، أن "هدف الحركة ليس التسلل إلى المؤسسات أو مهاجمة أولئك الذين يفكرون بشكل مختلف عنا". "لا ينبغي إساءة استغلال هذه الحركة". وفي المساء، دعت مجموعة من الطلبة المتظاهرين إلى الانسحاب من محيط البرلمان بعد رشقهم بالزجاجات والحجارة.

الاتحاد الأوربي غير مهتم
وكان الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة قد دعوا الحكومة في بلغراد إلى احترام الحق في التظاهر وتجنب العنف. ومن المعروف أن الاتحاد الأوربي كان قد دعم احتجاجات عام 2000، واليوم تدعم الدول الغربية المستبد الصربي، بل وتنظر إلى المتظاهرين، الطلاب الصرب الثائرين، باعتبارهم خطرا على الاستقرار الإقليمي.

ولهذا السبب فإن الموقف من الاتحاد الأوروبي وعملية التكامل الأوروبي، وكون صربيا مرشحة رسميا للانضمام للاتحاد الأوربي، لا تشكلان قضية على الإطلاق في الاحتجاجات. ويشعر الشباب الصربي بان الاتحاد الأوروبي قد تخلى عنهم. والاتحاد الأوروبي منشغل بنفسه، وروسيا، والشرق الأوسط، ودونالد ترامب. وفيما يتعلق بدول غرب البلقان، بما في ذلك صربيا، فإن الاتحاد الأوربي سيكون سعيدا إذا ظل الوضع الأمني مستقرا؛ اما التزوير والانتخابات المزيفة والفساد، فيتم غض الطرف عنها.

الرئيس يرفض الاستقالة
وعلى الرغم من تأكيد الرئيس فوتشيتش على عدم وقوع خسائر خلال تظاهرة مساء السبت الكبيرة، واكد سلمية 99 في المائة من الطلبة المحتجين، وانه فخور بأداء الشرطة، الا انه شدد على ما أكده في اليوم السابق أنه لن يسمح للتظاهرات بأن تضعه تحت الضغط. ولن يسمح الشارع أن يفرض قواعد اللعبة، وانه لن يستقيل.

واقع الحال يؤكد ان الحكومة الصربية تتعرض لضغوط متزايدة بسبب موجة الاحتجاجات المستمرة. وفي نهاية كانون الثاني الفائت، أعلن رئيس الوزراء ميلوس فوسيفيتش استقالته. وفي هذه الأثناء، يدعو الرئيس فوتشيتش إلى الحوار أو يكرر دور التدخل الأجنبي في الاحتجاجات.

صور من انتفاضة تشرين العراقية
يذكرنا الاداء الحكومي بصور من يوميات انتفاضة تشرين العراقية 2019: ملثمون في ساحات الاحتجاج، وكذلك داخل حرم الجامعات الصربية، كاسري الاحتجاج مدفوعي الثمن، مرتزقة يتلقون المأكولات والمشروبات، مقاتلون سابقون بزي جامعي، من بينهم زيفوجين إيفانوفيتش، وهو محارب قديم طويل القامة يتمتع بخبرة حربية، معروف جدًا في صربيا. وكان في السابق قائداً لوحدة سيئة السمعة شاركت في جرائم الحرب في البوسنة والهرسك وكرواتيا. ويُزعم أنها مسؤولة عن اغتيال رئيس الوزراء الصربي زوران دينديتش في عام 2003. وكذلك اعلام حكومي يعرض افلام كاذبة عن صور الرئيس المرفوعة في التجمعات، وسيناريو ترهيب مفتعل بواسطة البلطجية الموالين للنظام، لتشويه سمعة المحتجين. وقنابل صوتية لإثارة الرعب وتثبيط الهمم.