خطة ترامب الرامية إلى تهجير الفلسطينيين من غزة شنيعة للغاية، وقد تكون مجرد جزء من شيء أكبر
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8244 - 2025 / 2 / 5 - 16:47
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
إن الحل الذي اقترحه دونالد ترامب لغزة عبارة عن فكرة كررها وقام بتزيينها الآن، وهي فكرة فظيعة لدرجة أنها تركت الدبلوماسيين والسياسيين في الشرق الأوسط في حالة من الذعر.
سيكون من الخطإ رفض تعليقات دونالد ترامب باعتبارها "غير متوقعة"، كما هي الحال في كثير من الأحيان، لأن هذه ليست المرة الأولى في الأيام الأخيرة التي يقترح فيها إخراج جميع الفلسطينيين من غزة.
كيف يمكن أن يتحقق ذلك؟ إن التهجير القسري (وهو بالتأكيد لن يكون طوعيا) لمليونين من البشر سوف يشكل انتهاكاً واضحاً لاتفاقية جنيف. سيكون تطهيرا عرقيا.
قد تكون غزة "جحيما" كما يقول ترامب، لكن اسأل أي مواطن في غزة وسيقول لك إنها وطنه، مهما كانت جهنمية.
ومن سيجبرهم على الرحيل؟ القوات الأمريكيةالمدججة بالبندقيات سوف تندفع عبر الحدود إلى مصر المتنطعة أو على متن السفن – ثم إلى أين؟ ولكم أت تتخيلوا البقية.
هل سيمتثل الحلفاء الغربيون حقاً؟ ولا يزال معظمهم متمسكاً بفكرة حل الدولتين. سوف يتطلب الأمر بقاء جنود أميركيين على الأرض في غزة لأكثر من عقد من الزمان، فهل سيأذن الكونجرس بذلك؟ من غير المحتمل.
غزة ليست أرضاً إسرائيلية يمكن التنازل عنها، ولا أرضاً أميركية يجب استردادها. ولا يستطيع ترامب أن "يمتلكها" مثلما لا يستطيع أن يمتلك جرينلاند إلا إذا كان يريد الاستيلاء عليها بالقوة. إن غزة ليست قطعة من عقارات نيويورك.
يتجاهل ترامب أو لا يفهم لحظات من التاريخ الحي يفضل الكثيرون نسيانها - "النكبة" التي شهدت نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين خلال حرب عام 1948 والتي تطاردهم حتى يومنا هذا، وفشل أمريكا المهين في بناء الدولة في العراق وأفغانستان.
ولكن سواء كانت الفكرة غير واقعية أم لا، فهي بمثابة شريان حياة سياسي لبنيامين نتنياهو، الذي يتعرض لضغوط لاستئناف القتال من أعضاء جناح اليمين في ائتلافه.
إنه أمر في غاية الأهمية بالنسبة لتلك الفصائل المتطرفة التي طالما أرادت إعادة استيطان غزة، وسوف تغتنم الفرصة الآن.
سوف يؤدي ذلك، لبعض الوقت على الأقل، إلى صرف الانتباه عن أي مناقشة جادة وعملية حول ما سيحدث بعد ذلك في غزة، ومن يحكمها، ومن يعيد بناءها فعلياً. تلك مناقشة طال انتظارها. ما لم يكن هذا كله إلهاءً متعمدًا.
إن اقتراح ترامب لن ينتهك القانون الدولي فحسب، بل سينتهك معارضته الطويلة الأمد لحروب الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ودفع ثمن مشاكل الآخرين.
ومن الصعب أن نرى كيف يتناسب هذا مع أجندة "أمريكا أولا".
لكن من المهم الكشف عن الخلفية الثاوية وراء فكرة ترامب. إنها تتمثل في دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تطوير ممر تجاري جديد للسفن والسكك الحديدية يربط الهند بالشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط.
وقد ظهر لأمريكا أن أنسب موقع في سواحل البحر الأبيض المتوسط للميناء الذي سوف تنطلق منه البضائع إلى مرسيليا هو قطاع غزة. ولو اقترحت مصر استبدال ميناء غزة بميناء العريش وترك للغزويين في أرضهم لرفض ترامب هذا الاقتراح لأنه يريد توسيع إسرائيل وتخليصها إلى الأبد من من مقاومة حماس.
وهكذا يفسر سكوت دول الخليج عن فكرة ترامب برغبتها في الاستفادة من خبرات الممر الجديد. ولنفس الغاية عين ماكرون مستشارا خاصا لمواكبة مراحل تنفيذ مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والخليج العربي وأوروبا. وقد لا نفاجأ إذا سكت الاتحاد الاوربي عن الأمر ما دامت لعاب مكوناته يسيل لهذه الصفقة التجارية التي ستجلب لها الخير العميم.