الحزب الاشتراكي الموحد ينظم ندوة حول -ديناميات المجتمع لتحقيق التغيير ومحاربة الفساد-


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8216 - 2025 / 1 / 8 - 04:49
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

وفاء لروح الرفيق/الفقيد حكيم اليسار "إبراهيم ياسين" و إحياء للذكرى السنوية الأولى لرحيله .نظم الحزب الاشتراكي الموحد يوم السبت 4 يناير الجاري، ابتداء من الساعة الرابعة بعد الزوال، ندوة هامة بعنوان "ديناميات المجتمع لتحقيق التغيير ومحاربة الفساد" بقاعة الندوات بدار المحامي بالدار البيضاء بمشاركة جمال العسري، الأمين العام للحزب، والأستاذة نبيلة منيب عضوة المكتب السياسي للحزب وممثلته في البرلمان، و الصحافيين سليمان الريسوني وعمر الراضي، وسير الندوة الأستاذ خالد البكاري.

تكلف الرفيق جمال العسري باقديم الورقة التأطيرية للندوة التي من خلالها خلد الحزب الذكرى الأولى لرحيل فقيدنا، الشافعي أو الياسين أو حكيم اليسار، هي التسميات المجتمعة في فقيد اليسار الكبير إبراهيم ياسين الذي كان صاحب رأي وموقف وأفق لمستقبل العلاقة لطرفي معادلة"الأولوية للبرنامج السياسي أم الأولوية للفعل الميداني؟ وقبل هذا وذاك، علينا استحضار الإيمان حد الصوفية للفقيد بالمستقبل، مستقبل الوطن، تراباَ وشعباَ؟
وعلينا استحضار صرامتة مع ذاته وهو يؤدي مهامه، وهو الذي عود نفسه على طرح السؤال الدائم حول أهمية ما انجزناه وما ينتظرنا في المسار، لم يخف تفاؤله وإن كان يؤكد على الدوام الاخذ بالحسبان كل المتغيرات ودواعي الحيطة والحذر من ما يحمله الواقع من ملابسات، فهناك الواقع وهناك تصورنا لذلك الواقع كما كان يؤكد على الدوام.
وواصل الرفيق جمال قراءته لهذه الورقة مؤكدا أن. حضورالياسين كان قوياَ في كل مراحل مسارنا، كان مؤمناَ بعدالة القضايا التي استرخص حياته من أجل سموها وطرح تعقيداتها. وكان الياسين مفكك تعقيدات ترددنا ومبلور وضوح الصورة لنا، والمساهم الفعال والفاتح لطريف المسار لتنظيم "الجرأة والفعالية والإستقلالية"، وتلك هي الثلاثية التي حرص الياسين على تذكيرنا بها وهو يحفزنا على تحمل مسؤولية تقديم أرضية "على خط الإصلاح الديموقراطي" في محطة الاستفتاء الداخلي الوطني لمنظمة العمل الديموقراطي الشعبي 1992".
وقال الأمين العام للحزب إن الياسين هو الذي سيطرح بعد ذلك ثلاثية أخرى أواخر الألفية حين طرح ثلاثية "العلنية، العقلنة والدمقرطة" التي عبرت عن المطلوب من يسار انخرط فيه منذ اللحظة الأولى لهذا اليسار الرافض للتهميش والاستفراد بتحديد مصير الوطن والشعب. وقد كثف الياسين رؤيته وبفرادة للحراك الشعبي بالريف، بتدقيق نظري فريد للمخاض المجتمعي الذي أنتجه الحراك ،حين قال: "في أعماق مجتمعنا يُصنع مستقبل المغرب. حراك الريف محرك قوي في هذا المصنع. معتقلو الريف وعائلاتهم وقود مشع لهذا المحرك".
بذلك،اختار الياسين خط النضال الشعبي من أجل أن يتبوأ الشعب السيادة في التدبير المطلق لشأنه، والحد من كل هيمنة على مدخرات الوطن. وعلينا القول إن الياسين كان يستحضر على الدوام تاريخ الوطن بكل بطولاته ورجاله ونسائه، كانت حجة المستندات عنده لأجل خدمة الحقيقة وتأكيد ما قالته الأحداث من دلالات.
وقد دقق الياسين الرؤية في: موقع الحراك الشعبي بالريف في المسار النضالي للشعب المغربي من أجل التغيير على امتداد مابعد الإستقلال - فشل أسلوب العنف خلال الستينيات والسبعينيات للتغيير، وأيضاً،فشل ماسمي بالمسلسل الديموقراطي في تحقيق ذلك - حركة20فبراير،كانت حركة إجتماعية،تقدم فيها الشعب وقدمت الأحزاب اليسارية ما تستطيع تقديمه، أخفقت الحركة في فرز قيادة موحدة للنضال، كما أخفقت في بلورة برنامج متفق عليه،ىمؤطر للمسيرة والهدف - جاء الحراك الشعبي بالريف فانتج القيادة الموحدة والبرنامج الموجه، وكرس السلمية والإستقلالية - الحراك الشعبي بالريف هو مستقبل المغرب، قدم البديل النضالي للشعب المغربي من أجل التغيير الديموقراطي،لذلك، ستكثر أساليب شيطنته والتشهير بمعتقليه من طرف أعداء الديموقراطية والحراك - المهمة الأساسية والمركزية الراهنة، دون غيرها، لليسار،هي إعتماد درس الحراك الشعبي بالريف،كبديل وخط شعبي للنضال الديموقراطي بالإقتراح والإرشاد وبالإحتفاظ باستقلالية البديل الشعبي، فمستقبل المغرب رهين بانتصار الحراك - زيارة المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد للحسيمة خطوة جيدة وفي المسار الصحيح.
في الاخير، نبهت الورقة المؤطرة إلى أننا فقدنا الياسين جسداَ، لكنه يستمر في وعينا النموذج لثلاثية:
النزاهة والإستقامة والصدق..
ركزت نبيلة منيب في مداخلتها على الخوف اصبح إمبراطورية مهيمنة على العالم، لكنها أكدت على أننا ملزمون بالتحرر من هذا الخوف. كما أشارت إلى التحكم في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من أجل توجيه الرأي العام عبر مؤثرات ومؤثرين. ثم تساءلت: كيف يعقل الشروع في إعداد نموذج تنموي جديد وبعد ذلك يتم المناداة على مؤثرة يتبعها 20 الف مستخدم يقولون نعم للنموذج التنموي؟ هناك تعتيم على أحزاب ونقابات وجمعيات جادة وعلى مثقفين وتشجيع أشباه جمعيات وأشباه مثقفين. كل صحافي جاد تتم مضايقته ويفسح المجال لكل ما هو تافه وخبيث دون محاسبة من يقدم على مثل هذه الاعمال، بل يتم تشجيعهم لمزيد من التتفيه. رأينا كيف أن جوليان أسانج أفرح عن معلومات للعالم، وهناك محام كان يدافع عنه ظهر في القمة إلى جانب الرئيس الفرنسي رافضا لكل الامتيازات. ماذا يعني الامتياز؟ الحكومة الحالية تسير شؤوننا بهذا المنطق. أعضاؤها وزعوا في ما بينهم خيرات البلاد. منذ مدة، اختل التوازن بين القرية والمدينة من حيث السكان بفعل تنامي الهجرة إلى المدن، واستفحلت هجرة الأدمغة وأصبح التابعون يتسيدون المشهد.
ما أحوجنا - تتابع نبيلة منيب - إلى معركة ثقافية تنويرية كان ينادي بها الرفيق إبراهيم ياسين وكل الرفاقىاليساريين التقدميين المحترمين، لأن الحكام خربوا منابع التنوير من جامعات ومدارس؟ مخرجات مؤسساتنا التعليمية اليوم ناتجة عن سرعات مختلفة في التعليم، والأنكى تفكيك الخدمات الاجتماعية وعلى رأسها الصحية رغم التبجح بالتغطية الصحية للجميع والحماية الاجتماعية. من بين ما قاموا به حولوا الصحة من عمومية إلى وطنية موزعة على إثنى عشر مجموعة ترابية مع اختلاف الجهات في غياب التجهيزات.
بدأ سليمان الريسوني مداخلته بالتعبير عن سعادته بالتواجد مع الحاضرات والحاضرين لهذه الندوة التي ينظمها حزب يعترف بأنه حزب مناضل اعطانا في امتداداتها وتجلياته والتجارب التي مر منها والتي استخلصنا منها دروسا في العمل المبدئي. وقال الريسوني: "أستحضر اليوم رحيل الأستاذ ياسين الذي كان طبعا نموذجا لهذا المثال في تمثل قيم اليسار الحقيقي وتمثل شخصية المثقف العضوي والحكيم، وهذه في الحقيقة صفات قلما جمعها مناضلو اليسار مثلما جمعها سي محمد بنسعيد الذي أكمل الدورة من بنسعيد محاربا أو مقاوما يحمل السلاح، ثم يأتي الاستقلال ليلتحق بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم التقى بتجارب سياسية كمنظمة 23 مارس، ثم منظمة العمل الديمقراطي، فحزب اليسار الموحد ثم الحزب الاشتراكي الموحد، وفي هذا الخضم التقى أيضا بدينامية 20 فبراير. فهو رجل اجتمع فيه ما تفرق في غيره، كأنما أمة في شخصه اجتمعت".
واوضح المتحدث أنه اقترح عليه أن يتحدث عن بنية الفساد المركب وعن الآليات المجتمعية لمواجهته. واعتبر أن لا باس من الحديث أولا عن الديناميات المجتمعية. هناك سؤال طرح عدة مرات، طرح في لحظات 20 فبراير، وطرح في ما بعد: هل جاءت حركة 20 فبراير كتجميع أو كحصيلة لمجموعة من الديناميات التي كان يزخر بها المجتمع ونتجت عنها انتفاضة أو حركة في الشارع من شأنها أن تتبلور على المستوى المطلبي والاحتجاجي؟ أم أنها جاءت بشكل فجائي نظرا لأن ما حدث في المنطقة من حركات واحتجاجات ستنفجر على شكل ديناميات بشكل عفوي كما ستعرفه الحركات التي تقوم بالتغيير أو الإصلاح الحقيقي الجذري. هل هي حصيلة أو جماع ديناميات انفجرت في مجال المجتمع المدني والحقوقي والإعلامي والثقافي من شأنها ايضا أن تتبلور وتعود لتصبح أكثر صلابة ووعيا. في الحقيقة، يواصل الريسوني، شهد هذا النقاش خلافا بين مجموعة من الباحثين سواء في الحقل السياسي أو في العلوم الاجتماعية، خصوصا وأن الاستاذ مصطفى بوعزيز تحدث عن حوار مع الباحثين السوسيولوجيين في محاولة للإجابة عن أسئلة من قبيل هل حركة 20 فبراير اجتماعية أم سياسية؟
بالعودة إلى سؤال الديناميات، يقول الريسوني إن اليسار المغربي، والحركة الديمقراطية عموما، كانا قويين يوم كانت أغلب الديناميات في الحقل السياسي. وهنا يذكرنا بأنه مباشرة بعد الاستقلال كانت هناك حركة أو دينامية التفت حول طريق الوحدة وجمع فيها المهدي بنبركة 100 ألف شاب تحت شعار "نحن نبني الطريق، والطريق تبنينا". كانت تلكم دينامية حقيقية من خلالها حاول المهدي بنبركة، قبل الالتفاف على مشروعه السياسي والاجتماعي بأكمله، أن يؤطر مجموعة من الشباب المسلحين بالاندفاع أوالتوثب الوطني الخالص والعفوي.
للاسف، تم ضرب ذلك الصدق وتلك الثقة، والإشكال الذي أصبحنا نعيشه الآن هو لا أحد يثق في لا أحد. هنا فتح المتحدث قوساىليقول : "كان هناك مناضل يوزع أوراق حزبه المقاطع للانتخابات في الحملة الانتخابية. وعندما أعطى لإحدى النساء ورقة دعائية رفضت تسلمها منه معللة رفضها بأن الجميع لصوص، فقال لها: نحن تقاطع هؤلاء اللصوص، فردت عليه: حتى أنتم إذا وصلتم إلى السلطة تصبحون لصوصا. هذا يعني أن الناس اصبحت يائسة حتى من المستقبل.
نقول عن الحركة الديمقراطية، يسارية كانت او غير يسارية، إنها كانت قوية يوم كانت عبارة عن ديناميات. فمثلا، أحزاب الكتلة الوطنية، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال وحزب منظمة العمل الديمقراطي لاحقا، كانت قوية يوم كانت تتواجد بقوة في الديناميات المجتمعية. لم يمكن للاتحاد الاشتراكي أن يكون قويا في يوم من الأيام لو لم يكن متواجدا في اتحاد كتاب المغرب ومسرح الهواة ونقابة الصحافين والنقابات العمالية والاندية السينمائية وقس على ذلك. ولم يكن المقعد في الجماعات المحلية أو في البرلمان هو المهم. طبعا، هناك الأطروحة التي كان يدافع عنها المرحوم إبراهيم ياسين وهي أن تواجدنا في المقعد لا ينبغي أن يكون من أجل المقعد، واليوم اصبح الأخير هو الهدف في ذاته وفقدنا السياسة والمجتمعة كليهما. إذن اليسار كان. يتواجد يومئذ في عدة ديناميات، يستنتج الريسوني قبل أن يتساءل:. هل نحمل المسؤولية للديمقراطيين واليساريين بالدرجة الأولى في التخلي عن هذه الديناميات؟ الجواب: بالطبع، يتحملون جزء من المسؤولية لحظة 98/97 عندما توجهوا إلى السياسة وأهملوا هذا الأمر. مثلا، تصوروا أن اليوسفي رجل حكومة ويمسك بقبضة من حديد على الحزب والجريدة. تصوروا ان صحافيا حاور محمد الساسي وتحدث عن المسلمين فتم طرده من الجريده. تصوروا أن جريدة "النشرة" كان يمكنها أن تقوم بدور مواز للحزب. واحد يكوي وواحد بيخ.. على الأقل كانت تمثل صوت أو ضمير الحزب ومع ذلك تم توقيفها، كان هناك توجه معين نحو السياسة اتضحت معالمه منذ التوقيع على اتفاق الكتلة الديمقراطية إلى الدخول في حكومة 1998، بحيث كانت المنظمة هي الوحيدة التي بقيت خارج السرب تنادي بما كانت تنادي به بالأمس، وحتى موقفها من الدستور كان مماثلا لموقف شبيبة حزب الاتحاد الاشتراكي وموقف شبيبة حزب الاستقلال إلى حد ما قبل أن يتم الالتفاف عليه.
إذن اليساريون والديمقراطيون يتحملون جزء من المسؤولية في تبديد وتفكيك الديناميات التي كانت تقويهم ويقونها. ولكنهم ليسوا وحدهم. حتى المخزن اكتشف هذا الامر. في زمن الحسن الثاني كان الحقل مقسوما: الحسن الثاني عنده الكرة والبرلمان واليسار الديمقراطي عنده الثقافة والعمل الاجتماعي. في السابق، عندما كان اليسار يؤسس جمعيات جادة وهادفة يسارع المخزن إلى تأسيس جمعيات السهول والهضاب. الآن تغيرت اللعبة وتم تمييع جمعيات حقوق الإنسان وتدجينها، وحتى الأصوات التي ما زالت مستقلة تلجأ إلى المناورة حتى يمكن لها أن تستمر. الناس الذين خرجوا من االسجن لا يتكلمون سوى عما إعتاد الجميع على تداوله. كان هناك في 1998 تفريط في اليسار من خلال الاستبداد بإدارة الحزب والجريدة والحكومة. كان قرارا صعبا وخطيرا، وبذلك ضربت الديناميات الاجتماعية التي كانت متحلقة حول الحركة اليسارية والديمقراطية التي كانت متواجدة فيها أيضا، وتم القضاء على التنظيمات اليسارية والديمقراطية. أصبح هناك سطو حتى على المفاهيم بحيث نجد من يتحدث في حزب ا"لتجمع الوطني للأحرار" عن القوى الحية وعن القضية الفلسطينية مع أن حل هذه الأخيرة رهين بإستعادة الشعوب العربية لسيادتها. شخص من نفس الحزب قد يعترض عليك شاهرا في وجهك شعار الدولة الاجتماعية. كيف تتحدث عن الدولة الاجتماعية وقد جئت إلى البرلمان حاملا باليد اليمنى برنامجا سرعان ما سحبته باليد اليسرى؟
وفي المداخلة الأخيرة، شكرىعمر الراضي الحزب الاشتراكي الموحد على استقباله استقبالا دافئاىما يشجيعه على حضور لقاء آخر، وعبر عن سعادته باللقاء بوجوه لم يرها منذ مدة. ثم دخل إلى صلب مداخلته بمقولة لمصطفى ياسين تؤطر صورته المرئية لقضاء القاعة، مؤكدا أن فهمها جيدا سوف يضعنا في ورطة. ذلك أن ما ينقصنا هو الترجمة السياسية للأفكار. لا نعاني كمثقفين من مشكل غياب الأفكار أو التحليل أو التشخيص أو الرؤية او بناء المواقف. أظن أن المجتمع المغربي، وليس مثقفوه فحسب، لم يسبق له أبدا أن كان واعيا أكثر بحرج الوضع الذي نعيش في ظله حاليا لا اقتصاديا ولا سياسيا ولا اجتماعيا، لا في السياسة الخارجية، لا في علاقتنا بالعالم، وما يجري في فلسطين بالخصوص. كل فرد في المجتمع المغربي يعرف أننا نعيش في أزمة، والكل يعرف أن الدولة لا تفعل شيئا من أجل إخراجنا من هذه الأزمة. لا تفعل شيئا على مستوى القيم، كما قالت الأستاذة منيب، وعلى مستوى جعل الجيل الحالي أحسن من سابقه.
علينا أن نرى واقعنا وجها لوجه. بالنظر إلى أرقام البطالة نلاحظ أن نصفها كان كافيا لإخراج حركة 20 فبراير. نحن في مستوى أكثر حرجا على مستوى البطالة كنتيجة كارثية للسياسة الفاشلة التي تنتهجها الدولة في ما يخص الاستثمار والكلفة العالية لكل منصب شغل. في دول أخرى هناك نسبة معينة من الاستثمار تعطي عددا معينا من مناصب الشغل، بينما عندنا استثمار قوي يعطي عددا قليلا منها نصفه - أو ربما أكثر - يتكون من مناصب موسمية كما هو الحال في قطاع البناء. أمام هذا الوضع، أركز نقطة واحدة تبدو لي مهمة، وهي النقطة المتعلقة بالقمع الذي هو بالتعريف إرساء للدولة البوليسية التي أصبحنا نعيش تحت رحمتها وقد ألقت بظلالها على البلاد بأكملها.
لا يأتي الراضي على ذكر الدولة البوليسية من منطلق اعتقاله زبوعشرين والريسوني، وهو تمظهر اكثر سخافة وتطرفا في الدولة البوليسية، بل الدولة البوليسية هي مهرجان "موازين" والإذاعة والتلفزة المغربية وكأس العالم 2030. الدولة البوليسية هي تدخل الدماغ الأمني في ما لا يخص الأمن. كيف يعقل رفض توظيف أشخاص في الصحة والتعليم بناء على موقفهم وانتماءاتهم السياسية أو العقدية، إلخ..؟ هذا تدخل سافر في المجتمع.
في قضيته، كما يقول، كان هناك تلاميذ الثانوية متضامنين معه ويأتي القايد عند آبائهم ليطلب منهم ثنيهم عن ذلك. هناك ايضا أشكال غير مرئية من القمع والترهيب تذكرنا بالحسن الثاني والدليمي والبصري وتجعلها نحس وكأننا عدنا إلى تلك الفترة. لكن ما يساهم في لامرئية تلك الأشكال هو انعدام الفضح.. في بداية عهد محمد السادس كانت ثمة جرائد تتصف بالشجاعة وتمت محاربتها بشكل منهجي، وانعدمت بالتالي وسائل الفضح، بالإضافة إلى أن الدولة فهمت بعد 2011 أن المعلومة هي شيء يجب التحكم فيه بشكل استراتيجي، تكتيكي ويومي، والتحكم كذلك في حجم المعلومة. سنة 2011، كانت الأفكار المستقلة من حيث المساحة غالبا على تدخل الدولة في الفضاء الافتراضي. تعلمت الدولة من ذلك واستثمرت الكثير في الاهتداء إلى كيفية إيجاد ووضع استراتيجية لمحاربة أي كلمة حرة، أي طريقة في تعبئة المواطنين من قبل الصحفيين أو المواطنين الصحفيين وكل من يستطيع التواصل مع المجتمع، وبالتالي جواب عقل الدولة البلطجي هو إغراق البلاد في مواقع إخبارية بلغت 1600 في سنة 2013. وبدأنا نعاين التدخل البلطجي في أعراض الناس، ووصلنا إلى مستوى المعايير الدنيا للصحافة. هاد الشي بدا غداة 20 فبراير 2011. خرجنا آنذاك إلى الشارع بأعداد غفيرة مطالبين بأشياء كثيرة وعلى رأسها الملكية البرلمانية. ثم جاء يوم تاسع مارس الذي ألقى فيه الملك محمد السادس وعودا للمجتمع، وبعد مضي 13 سنة تخلف الملكية تلك الوعود الواحد تلو الآخر. كل المؤسسات التي نص عليها دستور 2011 مؤسسات صورية، سواء كانت مؤسسات حكامة أو مؤسسات قوانين تنظيمية. لا إتاحة مساحة للتعددية وصراع الأفكار وتكافؤ الحقوق والترحيب بالجميع وتنظيم انتخابات بطريقة ديمقراطية ونزيهة..
بقيت جميع أشكال تدخل ومركزة الدولة كما هي. واليوم، إن كنا نعيش في ظل دولة بوليسية، فذلك تم بإيعاز من أعلى السلط في البلاد، ماشي الحموشي ولا عالي الهمة..
ومع ذلك يعلن الراضي أنه سيبقى متفائلا، لأنه أعتقد أن هناك محاولة لزرع اليأس، لقتل أي مبادرة دينامية وحيوبة في البلاد، لكن السياسة العامة للدولة تجاه المجتمع سياسة فاشلة. نحن نخزن الإهانات، فمنذ 20 فبراير ونحن نتعرض للحگرة، جاء حراك الريف لمزيد من تخزين الإهانات، وكان التطبيع الذي لم يقرر فيه 37 مليون نسمة، بل قررت فيه مؤسسة واحدة. وهنا تذكر المتحدث سعد الدين العثماني حينما قال في نهاية المطاف: الدولة هي التي قررت التطبيع، ما شي أنا لي كنت رئيس حكومة.. لو طرح مشكل التطبيع أيام حركة 20 فبراير لقال المواطنون: لا للتطبيع، ولامتنعت الدولة عن التطبيع بمبرر الحفاظ على السيادة الوطنية.
هذا الخزان من الإهانات التي تعرضنا لها كمجتمع منذ 14 سنة، والتي هي وقود لبناء شيء آخر.
ما يساعده على قول ذلك هو أننا كيسار وناس مؤمنين بأنه يجب بناء الدولة على أسس جديدة ديمقراطية واحترام مبدإ الفصل بين السلط، إلخ ..لسنا أمام نخبة دولة مثقفة بل نخبة عصابات ومافيا اقتصادية.. لا وجود لنخبة مثقفة قادرة على الدفاع عن الدولة وتوجهاتها..
الاستثمارات التي أنجزت في إطار قضية الصحراء في السنوات الماضية تشكل بالنسبة إليه شخصيا أكبر فشل للدولة. فإذا سألت المغاربة عن الصحراء يقول لك 99,99% منهم: الصحراء مغربية وعاش الملك، ولكنهم لا يعرفون ولو نبذة عن تاريخ النزاع، وبالتالي عوض ترسيخ حجية الموقف المؤيد للقضية، نساهم في الدعاية لا غير. وهاديك "عاش الملك والصحراء مغربية" زيد عليها التخوين الذي أصبح يستعمل لقطع الطريق على أي إمكانية أو فرصة للنقاش.
ما يريد عمر الراضي الإشارة إليه هو أنناىنعاين اليوم ظهور أو بروز ما يمكن تسميته بالفاشية المغربية التي تساعدها بطريقة غير مباشرة الدولة وتعطيها مساحات شاسعة للتعبير عن نفسها، فاشية مناهضة للأجانب، عنصرية، صهيونية، فاشية بكل ما للكلمة من معنى، تهيمن على أكبر مساحة في السوشل ميديا، ومن المتوقع في المستقبل أن تتطور هذه الفاشية إلى ما يشبه اليمين المتطرف في أوربا، وهي كلها افكار مستوردة ولكن يمكن زرعها في الأرض وهناك إمكانية لأن تتجذر.
كلمة العثماني سالفة الذكر تدل على إفراغ السياسة من كل معتى، يجب أن نعيد النظر في المفاهيم. ما هي الوطنية؟ ما هي السيادة؟ ما هي الدولة؟ ما هي المؤسسات؟ هل لنا دخل في السيادة أم أن الآخر هو من يقرر فيها؟ ما مضمون السيادة؟ هل نحن قطيع؟ ما هي الوطنية؟ كيف يقال هذا وطني وذاك غير وطني؟ من يقرر أن هذا وطني وذاك غير وطني؟ هل انتقاد الملكية أو وزارة الأوقاف أو المخابرات ينفي عني وطنيتي؟
في الأخير، يبقى أقل شيء يمكن أن نحلم به كمواطنين وصحفيين هو 2011 جديدة. الدولة لا تلبي مطالبك إلا تحت الأزمة، ولا تستجيب إلا بعد الضغط عليها، إلا بعد تأزيم الأمور كما وقع سنة 2011، وسوف تأخذ لاحقا باليد اليسرى ما قدمته باليد اليمنى، وبالتالي ليس هناك مساحة للتفاوض السياسي من أجل تحسين الأوضاع إلا عبر الضغط بأشكال جديدة. فضلا عن ذلك، ماشي حنا لي محتاجين لهاد الشي، بل حتى الدولة محتاجة ليه.