للنضال في الحزب اليساري المغربي واجهتان: داخلية وخارجية
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8211 - 2025 / 1 / 3 - 00:34
المحور:
قضايا ثقافية
ليس المستبد هو فقط من يمارس الاستبداد على المستوى السياسي، بمعنى أنه ينفرد بالسلطة دون الآخرين. هذا جانب واحد من معنى فعل "استبد" الذي يصرفه إلى كل الأزمنة كل من يستأثر بشيء ويحول دون أن يشرك فيه الآخرين. ولعل عبد الرحمن الكواكبي، مؤلف "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، ما غفل عن جماع معاني هذا الفعل المشين.
لكن الغريب حقا والباعث على الدوار والدوخة هو أن تجد من "يحارب" الاستبداد مستبدا لا يلين، لتحصل لك القناعة بأنه مجرد مدع لا غير. وكيف نطمئن له وقد صار زمام السلطة بين يديه؟
من خلال تجربتي المتواضعة كمناضل في الأحزاب اليسارية، اتضح لي أن النضال على الواجهة الخارجية للتنظيم وحده غير كاف، بل لا بد للمناضل النزيه من أن يشمر عن ساعديه كليهما من أجل أن يخوض عن حسن نية المعركة على الواجهة الداخلية. وبما أن النفاق الاجتماعي تسرب إلى
أحزابنا التي لا تعرف للديمقراطية الداخلية طعما ومذاقا، فقد يجد هذا المحارب نفسه وحيدا بلا حصان.
المناضل في هذه الأحزاب التي تصف نفسها بالاشتراكية ليس من طبعه أن يجأر بالشكوى إذا ما همشه الخصوم السياسيون والإيديولوجيون لأنه يعتبر ذلك تحصيل حاصل، ولكن من حقه أن يرفع عقيرته بالصراخ إذا ما تعرض للتهميش على يد من يعتبرهم رفاقا يسير معهم في ركب واحد على درب للنضال. {وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةًعَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ}، كما قال الشاعر طرفة بن العبد.
في أول الأمر، يعتقد هذا المناضل أن مسعاه إلى المشاركة في أنشطة حزبه ورغبته في إعتلاء المنصة إلى جانب أفراد النخبة سابقان لأوانهما، وأن عليه أن يعمل بجد ونشاط ودون كلل حتى يبرهن للقادة أنه جدير بثقتهم وقادر على الانخراط في ما هم فيه منخرطون، لكنه يفاجأ في نهاية المطاف بأن الحزب الذي ينتمي إليه تسيره وتتحكم في ناصيته جماعات ضغط صغيرة تألفت هنا وهناك من عناصر تربطها في الباطن علاقات مرفوضة في الظاهر، فتراهم يوزعون الأدوار في ما بينهم ويحرصون على استبعاد الآخرين من دائرتهم الضيقة والمغلقة. هل نعلل هذا الأمر المفجع بالمقولة المسكوكة: مطرب الحي لا يطرب. هذا التعليل لا يستقيم؛ لأن هؤلاء المهمِّشون والمستبعِدون يعيشون في الحي نفسه.
أثناء مكالمة على الواتساب، تواصلت من خلالها مع رفيق لي في الحزب كان عندئذ متواجدا في فرنسا لأجل مهمة حزبية، تناولنا أطراف الحديث حول أمور شخصية كان ختامها إعلاني عن تذمري من آلية دفاعية يلجأ إليها، بوعي أو بغير وعي، بعض أفراد نخبتنا السياسية والثقافية لتصريف تجاهلهم لأسماء مناضلين حاضرين بتميز في الساحة الإعلامية محليا ودوليا، ومبادرين لخدمة أحزابهم إعلاميا، وعوض ذكرهم بأسمائهم أثناء حضورهم لفعالية من الفعاليات تقتضي منهم تلك الآلية الدفاعية الاكتفاء بأن يشير المسؤول(ة) الجالس(ة) خلف المنصة للمعني بالتجاهل إذا ما تناول الكلمة بلقب عام، مثل: أستاذ، متدخل، أخ، إلخ..، أو بتسمية فضفاضة، مثل: سيد، شاب، طالب، ...
حاول الرفيق الذي يتحدث معي من أوربا أن يقنعني بأن ملاحظتي غير صائبة بدعوى أن القادة السياسيين والمثقفين المسؤولين من كثرة المهام المنوطة بهم ووفرة الوجوه التي يتعاملون معها يطفئ النسيان وهج ذاكراتهم. وليبعدني عن التوجه الذي اخترته لملاحظتي تلك وليقربني، بالمقابل، من مرماي الذي مناطه احترام الآخر ومعاملته بدون تجاهل، نصحني باستبدال صورتي الشخصية المرافقة لمقالاتي على "الحوار المتمدن" بأخرى أكثر جمالا ورونقا. ولكن هل من فكر اليسار ومبادئه التباهي بالمظهر الأنيق أمام الفقراء والادعاء بالنضال لصالحهم؟ والفكرة النتيجة الملموسة التي يمكن الخلوص بها من محادثتي مع الرفيق هي أن النضال نضالات على وزن الظلم ظلمات.
بعبارة واحدة، للنضال واجهتان على الأقل؛ واجهة داخلية وأخرى خارجية.. وسوف أستمر في نشر كتاباتي بنفس الصورة لوقت آخر حتى أفقأ عيون الذين في قلوبهم مرض الإنكار والجحود، وفي خلدهم يدور أن ذكر اسمك أو انتدابك للمشاركة في ندوة من الندوات أو في لقاء من اللقاءات مقدمة لمجد يظنونه حكرا عليهم وإرثا مصونا لذريتهم من أبنائهم وحفدتهم.