-الكافر- و-المنافق- كلمتان صالحتان لأن توظفا في الاتجاه المعاكس
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8208 - 2024 / 12 / 31 - 00:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سبق للأستاذ ادريس الكنبوري أن نشر على صفحته الفيسبوكية تأملاته الروحانية التي أوحت له بها اعادة قراءة الآية القرآنية: {قل لا تُسألون عما أجرمنا ولا نُسأل عما تعملون}.
انطلق الأستاذ ادريس في تاملاته هاته من كون الآية "جاءت في معرض خطاب النبي للكفار، وهو يصف ما يقوم به هؤلاء بالعمل، بينما يصف ما يقوم به من الدعوة بالإجرام". في هذه اللحظة بالذات، انفلت المدون من اكراه الاعتراف بأن الأمر يتعلق بصراع بين طرفين، أحدهما نبي وخلفه أتباعه والأخر هم الكفار، قام بذلك دون حسن التخلص. هل غاب عنه أم توجب عليه أن يغيب أن الظهور أمام الخصم بمظهر ضعف قد يكون أحيانا مفيدا في ظل ميزان قوى مختل وظروف غير مواتية.
هكذا توالت التخريجات الكنبورية وهي تدعي الألمعية والبصيرة النفاذة الثاقبة مع أنها أهملت حقيقة سوسيولوجية منشأها فلسفي محض؛ وهي أن الدين مادام جزء من الثقافة الإنسانية بصفة عامة وكونيا فانه بدوره محكوم بقانون الصراع الاجتماعي التي تعد السياسة إحدى وأهم تجلياته وواجهاته. من هنا يتعين على كل مشروع مجتمعي إصلاحي جديد أن يعمل على هدم أسس البراديغم القديم وبناء نموذج جديد على أنقاضه، ولن يكتب لهذا المشروع النجاح الا اذا اقتنعت به مجموعة من الأفراد وهؤلاء استقطبوا أولئك الى صفوفهم حتى شكلوا فئة اجتماعية قويت شيئا فشيئا شوكتها.
ولا أطن سيادة الدكتور ينكر أن هذه الحقيقة غدت من بديهيات سوسيولوجيا الدين وسوسيولوجيا الفن كلتيهما..
في المجال العلمي الثاني تم الاقرار بأن التحف الفنية الخالدة مدينة بمكانتها الرفيعة وقيمتها العالية الى ما حظيت به من تفضيل ومنافحة ومساندة من قبل فئة اجتماعية محددة. وبامكاني أن أبرهن له على مؤشر ملموس وواضح على حضور توتر الصراع من خلال كلمتين اثنتين واردتين في تدوينته وهما الكفر والادإيمان. أول ما يتبادر الى الذهن أن هاتين الكلمتين تشكلان ثنائية قطباها متناقضان بشكل مانوي؛ أي أن تناقضهما يندرج في اطار ثنائية أخرى وهي ثنائية الشر والخير..
ومادمنا نتعامل بكلمات مخصوصة فهذا يعني أن اللغة ليست وسيلة تواصل محايدة بل نجدها توظف في خدمة وجهة نظر معينة يراد لها أن تكون نموذجا يحتدى بعد مدها بكل مقومات الغلبة والبقاء سائدة سيدة خلال أطول فترة ممكنة.
لنقف قليلا عند كلمة "كفر"! مصدر فعل ثلاثي "كفر" يعني غطى، فنقول كفر الحب بالتراب؛ أي غطاه به، لهذا سمي الفلاح بالكافر لقيامه بنفس الشيء في حرثه وزرعه، وهذا ما يؤكده النص القراني من خلال هذه الآية:
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (الحديد:20).
النتيجة التي يمكن الخروج بها في تهاية هذا التوضيح أوالتذكير هي أن آلية الصراع والدفاع من أجل البقاء والنجاح اقتضت استعمال المعنى المجازي للفظ وتوظيفه بشحنة قدحية لوصف الآخرين المخالفين والمختلفين، حيث تم نعتهم بالكفار ليس لأنهم يغطون الحب بالتراب بل لأنهم يغطون الايمان بالكفر. والعكس صحيح تماما، إذ يمكن تغطية الكفر بالإيمان.
لهذا، نجد نفس التحليل ينطبق على كلمة "منافق" التي توظف من قبل "المؤمنين" في صراعهم ضد "الكفار". أول ما يمكن ملاحظته أن الحقل الدلالي لهذه الكلمة يتضمن التغطية والإخفاء، ومن الجائز أن يستعملها كلا الطرفين. لنأخذ جماعة "المؤمنين" الذين ينعتون بعضهم بالمنافقين لكونهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر. في الجهة المقابلة، يجوز لل"كفار" أن يتعتوا بالمنافق مع يعيش بين ظهرانيهم كأنه "كافر" في العلن ولكنه "مؤمن" في السر، ما دام أنه يخفى إيمانه بالظهور بمظهر الكافر. غير أن "المؤمنين" عندما كانوا في حاجة إلى جلب "المنافقين" إلى جانبهم والتطبيع معهم أغدقوا عليهم الأموال والعطايا فصاروا يسمون ب"المؤلفة قلوبهم" وحازوا على الحق في نيل الصدقات من بيت مال المسلمين.