جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الحادي والقانون)


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8228 - 2025 / 1 / 20 - 02:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

لكن قد يكون من الاختزال أن نخصص للجزء الأول من الفصل الرابع وظيفة التبرير بأثر رجعي فقط. من خلال إضاءة مسألة حرية الوعي الذاتي، يتضمن الاخير أيضا بُعدا مستقبليًا، يعمل بمثابة تصور مسبق لما سيصبح الموضوع الرئيسي للجزء الثاني من "ظاهريات الروح" : الروح، "نقطة تحول" حقيقية لتجارب الوعي، التي "من المظهر الملون للعالم السفلي في والليل الفارغ للعالم الآخر الفوقحسي، يدخله إلى النهار الروحي للحضور"، في وحدة لمختلف (أوجه) الوعي الذاتي باعتبارها لذاتها"، "أنا الذي هو نحن، ونحن الذين هم أنا" (262/108). إن العلاقة العملية التي تبدأها الذات مع المتعارض الحي (كرغبة ثم كعمل) ومع الوعي الذاتي الآخر (ككفاح ثم كاعتراف)، تقوم في بيئة اجتماعية ساكنة صحراوية، حيث لا توجد مؤسسة تاريخية تأتي لدعم المحاولات المتعاقبة. لتأكيد حريته.
يصل الوعي الذاتي إلى حقيقته الخاصة في إطار "ماقبلتاريخي"، ماقبلجتماعي وماقبلقانوني، قبل إنشاء ثقافة أخلاقية و"حياة أخلاقية"، لهذا السبب جعل هيجل بسهولة من تجربة الاعتراف نموذجا لحالة الطبيعة التي تصورها النظريات التعاقدية للمجتمع. قدم لنا هنا وعيا ذاتيا في صراع مع حريته الطبيعية "المجردة"، ساعيا إلى اختبار اتساق استقلاله الذاتي في المواجهة المباشرة مع غيرية الكائنات الطبيعية أو أوجه أخرى من الوعي الذاتي.
سيعود الفشل النسبي لهذه التجارب في جزء كبير منه إلى عدم القدرة على تأسيس البحث عن الحرية على أسس أخلاقية كونية مشتركة: في غياب الحياة الأخلاقية، فإن الحياة الطبيعية هي التي تشكل هنا العنصر الذي يستفسر فيه الوعي الذاتي عن نفسه متلمسا، غير واجد في هذه العلاقة بالحياة إلا شرطا غير كافٍ لتأكيد هويته وقيمته. بهذا المعنى، يتضمن الجزء الأول من الفصل الرابع ضمنا ضرورة إعادة هذا البحث عن الحرية على مشهد جديد، مشهد المجتمع الروحي والقانوني والأخلاقي والسياسي والديني، الذي سيتم مناقشته بعد ذلك.
وأخيرا، لا بد من التأكيد على أن هذا الانتقال من علاقة نظرية إلى علاقة عملية بالواقع هو في حد ذاته يندرج في الأفق التأملي. إن تعلم الحرية هنا لا ينفصل عن تعلم الفكر، ليس على شكل تمثلات ينتجها فهم ما يزال فاقدا للوعي بما يجعلها ممكنة، ولكن على شكل مفاهيم (279/116): الرهان التحتأرضي لتجارب الرغبة والاعتراف ستكون إذن بمثابة غزو لفكر عقلاني، حر، ومفاهيمي (الذي ستكون "الرواقية" أول تشخيص له، وأن ما يزال غير مكتمل)، حيث "أنا لا أوجد في آخر، لكن [...] أنا أبقى بدون تحفظ قريبا من ذاتي" (280/117). حيثما أبرزت فلسفات الروح في يينا موضوعات الرغبة، الاعتراف، السيطرة والعمل في سياق اجتماعي وسياسي، فإن ظواهر الروح تتناول هذه الموضوعات على شكل خطوط عريضة، في أفق الاستيلاء على "المعرفة المطلقة" للوصول إلى شكل أعلى ("علمي") من المعرفة يتطلب تعلم طريقة جديدة في التفكير. سيكون هكذا هو المكسب الأساسي للخادم في نهاية تجربته المتناقضة في الاعتراف، في الخدمة وفي العمل: لا يتم الحصول على التمكن الحقيقي من الحياة الطبيعية من خلال "الاستمتاع" البسيط بالأشياء (272/113)، ولا من خلال "المهارة" الكادحة التي تسمح بتشكيلها (277/ 116)، ولكن من خلال الولوج إلى المعنى الكوني (الروحي) لذاتيته الخاصة، التي هي ذاتها شرط لاتحجب المعنى الكوني (العقلاني) للواقع الموضوعي. يجب على الوعي الذاتي أن يتجاوز أنانيته الطبيعية، التي تكاد تكون حيوانية، والتي تربطه بإشباع رغباته الخاصة، إذا أراد أن يكون قادرا على التفكير بعقلانية في العالم. هكذا يقوم الجزء الأول من الفصل الرابع بالانتقال بين طريقتين للتفكير في العالم، إحداهما تحكمها "احتمالية" استقبال الحسي و"ضرورة" لاتحجب قوانين الظواهر، والأخرى تفترض "حرية" الفكر الذاتي القادر على التعرف على نفسه بشكل كامل، كفكر عقلاني ، في الغيرية الظاهرة لما يواجهه. تعلم الحرية هو، في جوهره، تعلم الفكر الحر.
قبل الخوض في تفاصيل النص، دعونا نعرض البنية العامة لهذا الجزء الأول من الفصل الرابع. (I) تهدف المقدمة إلى الكشف عن: (1) نتيجة تجارب الفهم التي تأخذ من اللانهائي (251) متعارضا -254/103-104)، ثم (2) تقديم الشكل المباشر للوعي الذاتي، علاقة الرغبة بالمتعارض الحي، أنا شكل الأنا حققت إشباعهامن خلال استهلاك مثل هذا المتعارض (254-260/104-108)، وأخيرا (3) للإعلان عن التكوين التالي، الذي لن يضع الوعي الذاتي في صراع مع كائن حي بسيط، بل مع وعي ذاتي (260). -262/108-109). (II) القسم أ من الفصل، "البقاء-من- ذاته واللا-بقاء-من- ذاته للوعي الذاتي: السيادة والعبودية" مخصص: (1) للعرض العام لعلاقة الاعتراف بين وعيين ذاتيين (263-266/109-110)، ثم (2) لعرض الشكلين المتعاقبين لهذه العلاقة، (أ) الصراع من أجل الحياة والموت (266-269/110-112) (ب) علاقة السيادة والعبودية (270-277/112-116). ويؤدي تحليل التجارب المرتبطة بهذه العلاقة إلى ظهور شكل جديد من الوعي، يشكل تجاوزا له من خلال استبطانه في الوعي الذاتي: وصول الوعي الذاتي إلى حريته من خلال التفكير المفاهيمي (279/116).
(يتبع)
نفس المرجع