جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الرابع والثمانون)
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8238 - 2025 / 1 / 30 - 18:43
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مفهوم الاعتراف المتبادل
إذا تم تقديم ظهور وعي ذاتي آخر على أنه "مضاعفة للوعي الذاتي" (261/108) ناتجة عن تجربة الرغبة، فسيكون من الظلم أن نرى في ذلك فقط تحليل "الازدواجية الداخلية" بكل وعي ذاتي، نوعا من الخبرة الداخلية التي يتم التعبير عنها في شكل تصويري لـ "مثل" يصور لقاء خارجيا مع الآخرين. إن ما سيكون موضوع الاستبطان في الأشكال اللاحقة للوعي الذاتي (الرواقية، الشكوكية، الوعي الشقي) ينكشف هنا في شكل خارجية واقعية: "هناك وعي ذاتي لأجل وعي ذاتي" (261/ 108)، أو مرة أخرى: "لا وجود سوى لفرد في المشهد مواجها لفرد" (266/ 111)، "أولا بطريقة مباشرة، باعتبار أن آخر هو لجل آخر "، أنا التي تم إلقاء نظرة خاطفة عليها بالفعل في الفصل الأول على أنها "هذا الذي" القاصد "هنا" آخر غيري، الذي يمكن من الآن أن يخضع حضوره غير المفسر في مجال تجربة الوعي لتبرير بأثر رجعي.
في مقام أول، (263-266/109-110)، يقدم هيجل “المفهوم الخالص للاعتراف” (266/110) أو (للتأكيد على بعده الإجرائي) “حركة الاعتراف” (263/109) قبل عرض تجاربها الفينومينولوجية. مثل هذا المفهوم هو "وصفي ومعياري بشكل لا ينفصم": يعين نوعا من التفاعل بينما يربطه، إذا جاز التعبير، بـ "شروط السعادة" الضرورية لتحقيق غايته. منذ البداية، وبخلاف فيشته، يعطي هيجل الأولوية للوجود-المعترف-به على الاعتراف بالآخر: “الوعي الذاتي هو في ولأجل ذاته باعتباره ولكونه في ولأجل ذاته لأجل وعي ذاتي آخر. أي باعتباره ليس سوى وجود معترف به" (263/ 109). الأمر إذن لا يتعلق بتحديد المعايير التي تسمح للمرء باعتبار الآخر وعيا ذاتيا بقدر ما يتعلق بتحديد الطرائق التي يمكن من خلالها تأكيد يقيني غير المستقر بنفسي من خلال الاعتراف بي من قبل الآخر كوعي ذاتي منفصل تماما. "الآخر" هنا هو منعطف يجب أن يقودني إلى نفسي: الحديث عن "الأخلاق البدائية" سيكون بالتالي سابقا لأوانه، إلى حد أن آخرية الآخر ليست بعد صالحة كما هي. يتم الاعتراف على مستوى متوسط بين الذاتية الأناوحدوية (الآخر ليس سوى آخر في ذاته) والتذاوتية المكتملة (الآخر هو آخر غير ذاته): فهو يضع ذاتا على خلاف مع ذات أخرى. غير قادر على إثبات نفسه كذات غير قابلة للاختزال في تجسيد فردي بسيط للحياة، يجب على الوعي الذاتي، "المنغلق في نفسه" أولاً، أن يستفسر عن هذه الحقيقة لدى وعي ذاتي آخر ما يفترض "فقدان الذات" في متعارض-مع يكون "هو-ذاته الآخر" (264/109).
إن تعقيد جدلية الاعتراف يكمن في "مضاعفة" الوعي الذاتي: ما يفعله الوعي الذاتي هو "فعله وفعل الآخر في آن واحد"، وفقا لتماثل دقيق للحركة. لكي يتم الاعتراف به، يجب على الوعي الذاتي أن يعترف بالوعي الذاتي الآخر (أي الاعتراف به كقادر على الاعتراف به في المقابل)، والعكس صحيح: إن عدم التماثل الظاهري للرغبة، الذي حكم عليها بالفشل، يفسح المجال أمام لعبة معقدة. المرايا التي تكرر، على مستوى الوعي الذاتي، "لعبة القوى" الواردة في الفصل الثالث (265/ 110). في شكله المنجز، يجب أن يؤدي الفعل المحاكي للوعي الذاتي إلى تبادلية من الدرجة الثانية، وهي الاعتراف بالآخر باعتباره يعترف بذاتي: الوعيان الذاتيان "يعترف أحدهما يالآخر باعتبارهما يعترفان بذاتهما بشكل متبادل" (266 /110). لكن هناك مسافة طويلة من "مفهوم" الاعتراف إلى تحقيقه، ومن المعارضة البسيطة ل"أنوات" إلى الحصول على "نحن" أصيلة.
(يتبع)
نفس المرجع