كشف الحجاب عن ثغرات الخطاب: المسكوت عنه في الخروج الأعلامي الأخير لأبي بكر الجامعي


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8129 - 2024 / 10 / 13 - 13:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ظهر أبو بكر الجامعي، الصحافي المغربي المنفي طوعا خارج الوطن، يوم رابع أكتوبر الجاري، في شريط فيديو، وهو يتحدث كضيف لدى قناة مغربية على اليوتوب حول مرحلة الانتقال السلس للسلطة من الحسن الثاني إلى ولي عهده محمد السادس، والمرحلة التي ظهرت فيها حركة 20 فبراير، وما تلاها من تجارب حكومية حتى يومنا هذا.
قد يتفق قطاع من الجمهور جملة وتفصيلا مع الاراء التي عبر عنها ضيف القناة، وقد يتفق معه قطاع ٱخر على رأي ويختلف معه في رأي آخر. بيد أن قصدي من هذا المقال ليس هو تقييم آرائه التي عرضها في هذا الفيديو، وإنما غرضي ملء التغرات التي تخللت واعتورت خطابه.
وحتى أرتب أفكاري وفق منهج مقبول، لا بد من أن ألتزم بالنطاق الخاص بحركة 20 فبراير وموقف حزب العدالة والتنمية منها ومن حرية المعتقد. وهكذا يبدو لي، في مقام اول، أن المتحدث عندما أشار إلى مشاركة جماعة العدل والإحسان في أوج زخم وعنفوان الحركة قبل انسحابها منها، لم يقل ولو ربع كلمة عن كونها جماعة محظورة ومغضوب عليها من قبل المخزن، ولا حظ لها بالتالي في تسلم زمام تدبير الشأن الحكومي، بخلاف العدالة والتنمية التي أبانت عن انبطاح مذل.
ولعل الغائب الكبير في كلام الجامعي الابن هو الجواب على هذا السؤال/اللغز: لماذا حصل حزب البيجيدي على المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية التي جرى تنظيمها يوم 25 نونبر 2011؟ لماذا لم تؤهله فطانته ليدرك أن المغاربة الذين خرجوا آنذاك إلى الشارع للمطالبة بالديظقراطية والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية لو ذهبوا بكثافة إلى مكاتب التصويت لما صوتوا لحزب العدالة والتنمية، لا لشيء سوى لأن قادته الكبار تنكروا لحركة 20 فبراير وأمروا شبيبتهم بعدم المشاركة فيها، كما ذكر صاحبنا دون حسن استثمار المعلومة. من هنا نتأدى إلى السؤال المسكوت عنه لحد الساعة سواء عند أبي بكر الجامعي أو عند غيره من محترفي الكلام في السوشل ميديا: لماذا قاطعت الجماهير المحتجة الانتخابات؟
في هذا السياق، لم يشر الجامعي إلى مصادقة المغرب على حرية المعتقد ولا إلى الجدل الساخن الذي إثارته في حينه "نظرا للأهمية القصوى التي يكتسيها هذا الحدث على مستوى تطلع المغرب إلى اللحاق بالمسار الكوني الحداثي المؤدي إلى احترام حقوق الإنسان و الذي انخرطت فيه الدولة المغربية عبر مراحل و بشكل محتشم من خلال الحرص على التنصيص على هذا المطلب ابتداء من دستور 1962 وصاعدا دون أن يترجم ذلك التنصيص إلى حيز الواقع بحيث يمكن تصريفه في صورة التقليص على الأقل من حجم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا؛ وهذا بشهادة التقارير السنوية المنجزة من قبل جمعيات حقوقية وطنية ودولية، (نظرا لكل ذلك) أسال مدادا غزيرا وأثار ردود فعل إيجابية لدى قطاع واسع من الرأي العام الوطني مشكلا، في الوقت نفسه، امتدادا لدينامية النقاش العام التي استمدت طاقتها من رياح الحراك العربي".(*)
هذا جانب من الثغرة، أما جانبها الآخر فقد تمثل في قفز الجامعي على تفاصيل موقف البيجيدي الرافض لإدراج حرية المعتقد كبند في الدستور سالف الذكر. كان عليه، لو رغب فعلا في إعطاء كلامه وزنا وقدرا من الموضوعية، أن يحيل المستمع إلى العدد 54 من مجلة "وجهة نظر" حيث توجد مقالة لرشيد شريت بعنوان "العدالة والتنمية وهلامية شعار: محاربة الفساد"
يقول هذا الكاتب: "(...) تقدم الحزب بمذكرة جد متواضعة؛ محافظة أكثر منها إصلاحية! وكان كل هم الحزب الاحتفاظ بإمارة المؤمنين وتكريس صلاحيتها المطلقة، ثم مسألة الهوية، حيث كانت قضية منع حرية العقيدة أولوية الحزب وحجر الزاوية في المذكرة التي قدمها والتي اتسمت بتكريس الوضع الراهن في هيمنة سلطة القصر. ولقد ترجمت المذكرة السياسية المقدمة من طرف الحزب، حيث يرى أن الحراك الحالي هو حراك هوياتي وليس حراكا سياسيا بالدرجة الأولى. لذا، غض الطرف عن كل أولوية للإصلاح السياسي مركزا على مسألة الهوية، ما يعني العمل على تكريس الوضع الراهن. وبعد أن استجيب للحزب في عدم إدراج قضية حرية المعتقد ، بدا أنه قد حقق كل مناه ومطالبه (...)".
-----------------------------------------
(*) أحمد رباص: مسار الانتقال من الفتوى بقتل المرتد إلى فتوى التراجع عنه مرورا بالمصادقة على حرية المعتقد، أنفاس من أجل الثقافة والإنسان، 11 فبراير 2018.