الطوفان


بشير الحامدي
الحوار المتمدن - العدد: 7862 - 2024 / 1 / 20 - 20:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أنا لا أحرضك إلاّ على التفكير
فكّر بعقلك وكن ما تريد

ـ 1 ـ
قال لها: علمتنا التجربة ألا نعطي الدروس لأحد ليس لأننا نجونا من المحرقة فتمسكنا بما بقي لنا من حياة بل لأن الآخرين المفترض أن يسمعوا عويلنا فقدوا أذانهم وصاروا كالحمير.
قالت له: وماذا فعلتم؟
قال: واصلنا العمل في حدائقنا التي بنيناها بأيدينا غير آبهين بالجلبة التي تأتينا من الدرك الأسفل إلى أن سقطنا. سقطنا وقمنا ثم سقطنا ولأن المحرقة استمرت على حدودنا ففينا من خير السلامة على المجازفة وفينا من مات كمدا وفينا من أصيب بصمم وخرس أبديان وفينا من استمر لا يقوى على شيء وفينا من شرع في بناء السفينة من جديد...
أضافت: وهل نجوتم أخيرا؟
أجابها: تصورنا أننا سنكون من الناجين إلى أن عرفنا أن سفينة نوح خشبها وحديدها لا يصمد وأنّ الطوفان سيغرقها فقطعنا أذرعنا وجذوعنا وحولناها لسفينة كبيرة... وها أنك ترين أننا مازلنا نبحر... لكن فينا من يقول أَنْ لا نهاية للطريق وفينا من يقول يكفينا شرف المحاولة حتى وإن أغرقنا الطوفان...
ـ 2 ـ
المسألة مازالت أحب من أحب وكره من كره لا ترى إلا بمنظار 17 ديسمبر.
الفوق الفاسد المهيمن اليوم لا يمكن أن يستأصل الفساد ولا يحاسب الفاسدين ولا يؤمن سيادة الأغلبية على القرار ولا سيادتها على الثروات والموارد ولا يستأصل الاستغلال وينهي آلية ديكتاتورية السوق وديكتاتورية البيروقراطيات الحزبية والنقابية والادارية.
لابد من بديل جذري وسياسات راديكالية فعلا لحل مشكل مليون بطال وحل مشكل أربعة أخماس من المواطنين مبعدين عن القرار والحق في الثروات والموارد والتخطيط لحاضرهم ومستقبلهم بكل حرية وفي إطار مشاركة واسعة.
وإن غاب كل هذا سينحصر الصراع بين مجموعات الفوق الفاسد وهو صراع يمكن ألا يرى سافرا...
وها هي 13 سنة تكشفت عن ذلك.
يعني ….
الأغلبية لم تعد معنية بديمقراطيتكم التي انكشفت أخيرا مجرد صراع بين تجمعات الفوق السياسي الفاسد للتموقع وحيازة مواقع النفوذ والسلطة.
سقطت حكومتكم الأولى وستسقط حكومتكم الثانية لأنه ليس لها ما تقدم ولن تقدر سوى على مواصلة سياسات ما سبقها من حكومات الانقلاب منذ حكومة الغنوشي الأولى... ولأنها ستكون في مطلق الأحوال معادية للحل الجذري الحل الذي يتوجه رأسا لرأس المال ورأس المال المحلي والطبقة المهيمنة بكل توابعها وممثليها
لا أقل من هذا ...
الحل الجذري لا يمكن أن تحققه إلا الأغلبية لما تسيطر على الموارد وتديرها لصالحها وتفرض قرارها السيادي على كل ما يهم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
بهذا فقط يمكن الحديث عن القطع مع كل محاولات هذا الفوق السياسي الفاسد الذي لم يعد له ما يقدّم لأكثر من 10 ملايين ساكن سوى القمع مقنعا ومكشوفا والمزيد من الديماغوجيا والجوع...
ـ 3 ـ
جانفي 2011
جانفي 2023
نفس التاريخ ولكن لا جديد تحت الشمس بعد 13 سنة
النظام هو نفسه ولكن الديكتاتور هو الذي تغير
واحد يذهب وأخر يأتي وقد يأتي تحت راية المنقذ تلك الراية المزيفة التي نفذ بها حزب حركة النهضة هو أيضا في 2011 باسم الانتقال الديمقراطي.
كثيرة الحالات في التاريخ القريب والبعيد التي وصلت فيها الأنظمة الحاكمة لدرجة الإفلاس ولكنها لم تزول لأنها وجدت من يجدّدها من داخلها ويجمع الغاضبين عليها كلهم ليس لتغييرها جذريا والإطاحة بيها بل لإعطائها نفسا جديدا يخرجها ولو مؤقتا من أزمتها القاتلة. وهؤلاء يمكن أن يكونوا أحزابا كما يمكن أن يكونوا شخصيات وعادة ما تكون برامجهم التي تجعل منهم منقذين في وضع الأزمة برامج فضفاضة فيها الشيء ونقيضه كلّها شعارات غير قابلة للتنفيذ برامج تلعب على عاطفة الناس وتغذي أحلامهم في تحقيق ما عجزوا عليه في الواقع.
ومثل هذا ها أننا نعيشه على أرض الواقع مع قيس سعيد والحلقة المغلقة التي أداره به منذ 25 جوسلسة 2021.
في الأخير يبقى السؤال الكبير هو: كيف ستواجه الأغلبية السيستام وكل ممثليه [الديكتاتور المنقذ ومعارضيه خوانجية ولبراليين] في الطور القادم لأن العركة قادمة وكل المؤشرات تدل على أن أوضاع الناس في تدهور مستمر غير مسبوق ولن يظلوا دائما على الهامش...؟