جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الثامن والتسعون)


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8279 - 2025 / 3 / 12 - 04:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

إنما من خلال اتخاذ وجهة النظر المعاكسة للخصائص الخاصة بالجوهر الحي يمكننا أن نبد رؤية الجوهر الروحي بشكل أكثر وضوحا - وهذا ما فعله هيجل نفسه عندما يدأشار إلى أن "مفهوم الروح" أصبح الآن "حاضرا لنا": "الروح، هذا الجوهر المطلق الذي، في الحرية والاستقلال التام عن المعارضة التي يحتويها، أي معارضة مختلف أوجه الوعي الذاتي التي تكون لذاتها، هو وحدتها" (261-262/108). هناك حيث تتحقق وحدة الحياة على حساب استقلال الكائنات الحية الخاصة (التي تلغيها من أجل إعادة تأسيس وحدتها)، هنا، على العكس من ذلك، فإن وحدة الروح هي التي تتحقق وتنجز على وجه التحديد، ليس رغما عن، ولكن بفضل استقلال أو استمرار أشكال الوعي الذاتي التي يوجد كل واحد منها بذاته. بالانتقال من كائن حي بسيط إلى وعي ذاتي حي، أي إلى كائن ليس مجرد كائن حي بل هو الكائن الذي تكون لأجله الحياة، تكون قد انتقلنا أيضا إلى نمط من الوجود بالنسبة إليه ارتباطه بآخر، وجوده مع ومن أجل آخر، لم يعد فقط يعنى إلغاء استقلاله الخاص، بل يصبح شرطا لاستقلاله الخاص.
يمكننا أن نفهم أيضا لماذا لجأ هيجل، في نهاية الصفحات الممهدة للفصل الرابع، إلى الصيغة "أنا التي هي نحن، ونحن التي هي أنا". إن الولوح إلى "نهار الحضور الروحي" هو الذي يفسر كيف كانت صيغة الشخص الأول، في المفرد وفي الجمع ممكنة: لكي يحدث هذا، يجب أن نتعامل مع أشكال وعي ذاتي حي وليس فقط مع أحياءمع كائنات حية لا غير. هؤلاء، في الواقع، لا يستطعن أن يقلن "أنا" أو "نحن"، لكن حتى لو استطعن، فمن المؤكد أنهن لا يستطعن أن يقلن "أنا" و"نحن" في نفس الوقت. هذه هي سمة الكائنات الحية التي هي أشكال من الوعي الذاتي، أو التي هي كائنات روحية بالإضافة إلى كونها حية: خلافا لوحدة الحياة، التي لا يتم استعادتها كحياة إلا من خلال إلغاء فردية الكائنات الحية، في حالة اشكال الوعي الذاتي على العكس من ذلك، ليس فقط كون وحدتها الجماعية لا تتناقض مع وجودها الفردي، ولكن أحدها شرط للآخر والعكس صحيح، بحيث لا تضطر إلى التوقف عن قول "أنا" عندما تقول "نحن"، ولا التوقف عن قول "نحن" عندما تقول "أنا". وهذه ستكون الكلمة الأخيرة في الفصل الخامس، "يقين وحقيقة العقل"، الذي سننتقل إليه الآن: "الجوهر الأخلاقي هو جوهر الوعي الذاتي؛ لكن هذا الأخير هو واقعه الفعلي ووجوده هنا، ذاته وإرادته" ( 516/237).
سوف تعتمد دراسة القسمين (ب) و(ج) من الفصل الخامس على الاستنتاجات الجزئية التي توصلنا إليها بالفعل:
– إن تصور الواقع الروحي باعتباره "أنا" هي "نحن" و"نحن" هي "أنا" يسمح لنا بفهم الرهان الأساسي لنظرية الاعتراف، التي يشكل عرضها الأول القسم (أ) من الفصل الرابع. هذا العرض الأول للاعتراف من جهة الصراع، النزاع ثم السيطرة بين وعيين هو عرض سلبي بمثابة عرض فشل في الاعتراف: لكن إذا كان هذا العرض الأول للاعتراف عرضا للفشل، فذلك على وجه التحديد لأنه عرض لعلاقة بين أشكال وعي بحيث تمنعها من أن تكون قادرة على قول "نحن" و"أنا". بالنتيجة، سوف تتمثل المساهمة الإيجابية لهذا العرض الأول لمفهوم الاعتراف في كونها تسمح، من خلال المسار السلبي، بتحديد الشروط التي يجب أن تلبيها العلاقة بين أشكال الوعي حتى تتمكن أشكال الوعي الذاتي من قول "نحن" مع الاستمرار في قول "أنا".
باختصار، فإن الشرط الأساسي هو ألا تكون هذه العلاقة غير متكافئة، وبالتالي لا ينبغي أن تكون علاقة هيمنة. وهذا يعني عملياً بالنسبة لهيجل أنه لا يمكن أن تكون هناك علاقة عدم مساواة بحيث يعمل أحد أشكال الوعي، بينما يستمتع الآخر بثمار عمل الوعي السابق دون أن يعمل هو نفسه. وبعبارة أخرى، وإذا أردنا التعبير عن ذلك بشكل إيجابي، فهذا يعني أن الحياة "في النهار الروحي للحضور" هي حياة تتميز بحقيقة أن أشكال الوعي منخرطة في نشاط هو عمل متقاسم ومشترك: أن نقول "نحن" مع القدرة على قول "أنا" سوف يفترض بالتالي نشاطا متقاسما ومشتركا، "العمل للجميع ولكل واحد" (498/227) سيكون شكله شكل تعاون يضمن الاعتراف المتساوي بالمساهمات التي قدمها عمل كل فرد في العمل المشترك.
- هذا المفهوم للواقع أو للوجود الروحي باعتباره يتسم بالوحدة في الفعل بين "أنا" و"نحن" يفسر جنوح هيجل إلى النقد، في بقية "فينومينولوجيا الروح"، في كل مرة يتقدم فيها شكل للروح لا يقال كـ"أنا التي هي نحن" وكـ"نحن التي هي أنا"، أي كـ أنا = نحن، لكن فقط كـ"Ich bin Ich"، أي "أنا هو أنا" أو "أنا = أنا" (مثلا، في القسم 6-ج3، "الكيان الداخلي الروح الجميلة وغفرانها" [735-736/353-354]. الـ"أنا" التي ليست "نحن" كذلك، بل هي "أنا" فقط، ينتقدها هيجل في كل مرة باعتبارها تعبيراً عن تصور شكلي فقط، مثالي (هو من قال ذلك، انظر مثلا: 319-321/136-137) وغير ذي محتوى من الواقع الروحي. غالبا ما نستحضر من هيجل نقد الجوهر الذي ليس كذلك و"بقدر ما" ذاتا (تتماثل، بسرعة كبيرة، والجوهر السبينوزوي)، وغالبا ما نكون أقل انتباهاً للنقد المعاكس، لكنه حاضر تماما عند هيجل، لذات بدون جوهر، أي لذات خالية من أي محتوى جوهري ومختزلة في شكل بسيط (إنها الـ أنا = أنا التي تفتقر إلى "القوة اللازمة لجعل ذاتها شيئا ولتحمل الوجود"، [742/354]).
– يتميز نص فينومينولوجيا الروح بلحظات أساسية خلالها تعود صيغة "أنا التي هي نحن" و"نحن التي هي أنا" في أشكال معدلة. وهذا هو الحال بشكل خاص في بداية القسم ب ("التحقيق الفعال للوعي الذاتي العقلاني بذاته") من الفصل الخامس ("يقين وحقيقة العقل")، مع ظهور الصيغة (435/195): "هم مثلي، وأنا مثلهم" ("Sie als Mich, Mich als Sie").
سوف يكون هذا هو الحال مرة أخرى، دائما في نفس الفصل الخامس (لكن هذه المرة في القسم ج: "المملكة الحيوانية للروح والخداع، أو الشيء نفسه")، في تحليل "الشيء نفسه [ die Sache selbst ] على وجه التحديد باعتباره نتاجا لفعل قال عنه هيجل إنه "العمل للجمبع ولكل واحد [Tun Aller und Jeder]" (498/227)، وهي الصيغة التي تعود على هذا النحو في الصفحات الأولى من الفصل السادس، "الروح"، هذا الأخير، الروح، تم تعريفه بعد ذلك على أنه "الجوهر الذي هو كذلك العمل الكوني، والذي نتح عن طريق العمل للجمبع ولكل واحد" (518-519/239).
(يتبع)
نفس المرجع