مافيا السردين: يتضاعف سعره بين سوق الجملة والتقسيط والوسطاء والتجار يملون -قوانينهم-
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8264 - 2025 / 2 / 25 - 06:56
المحور:
الادارة و الاقتصاد
على هامش ما أحدثه فتى مراكش، بائع السمك، من جدل على مواقع التواصل الاجتماعي امتد إلى واقع المغاربة، ارتأيت النبش في ملف مافيا السردين التي كثيرا ما ناورت ، من خلال إتلاف الكميات الزائدة في بعض الاحيان، من أجل الرفع من ثمن الكيلو الواحد منه غير مكثرتة بأنها مست مادة أساسية في وجبة فقراء البلاد الذين شاء مكر التاريخ أن تتعزز أعدادهم بمواطنيهم من الطبقة الوسطى.
لهذا الغرض، دعونا تنفتح على مقال بقلم محمد بدران نشرته على صفحاتها جريدة "اوجوردوي ماروك" الناطقة بالفرنسية يوم 24 ماي 2018. ونظرا لأن المسؤولين تركوا الحبل على الغارب رغم صرخة بدران، فما زال الوضع كما كان منذ 2018، إن لم نقل إنه استشارة واستفحل، فما زالت بالتالي المقال راهنيته.
على عكس الاعتقاد السائد، فإن مراقبة الأسعار ليست مسؤولية المكتب الوطني للصيد، بل هي مسؤولية السلطات المحلية والجماعات المسؤولة عن الأسواق المحلية. وإذا اشارت الإحصائيات إلى أن أسعار الأسماك في الموانئ تظل مستقرة، فإن أسعار السوق ترتفع. تفسير ذلك بسيط للغاية. الوسطاء وتجار التسقيط يستغلون فترة الشهر الفضيل، عندما يكون الطلب على الأسماك مرتفعاً، لتحقيق أقصى قدر من الأرباح بشكل مبالغ فيه في كثير من الأحيان. ومع ذلك، وخلافا للاعتقاد السائد، فإن مراقبة الأسعار ليست مسؤولية المكتب الوطني للصيد، بل هي مسؤولية السلطات المحلية والجماعات المسؤولة عن الأسواق المحلية. وبعد التأكد، تبين أنه تم اتخاذ إجراءات في المنبع قبل حلول الشهر الفضيل لضمان توفير كميات كافية من الأسماك للأسواق (نفس الشيء يقال الآن). وبالتالي، لتلبية الطلب على السردين، زاد العرض بنسبة +41%. ومع ذلك، فإن تحليل اتجاهات أسعار المنتجات المعروضة يسلط الضوء بشكل خاص على أخذ التنوع الجغرافي والمسافة من مناطق الصيد عند الزيادة في أسعار التقسيط.
يرجع ذلك إلى تعدد الأطراف المعنية بسلسلة التسويق والتي لا تعتمد على القطاع. وبالمثل، يمكن أن تختلف الأسعار بشكل كبير اعتمادًا على الحي ونوع الزبناء. في هذا الشأن، قال رئيس غرفة الثروة السمكية البحرية الشمالية صبري كمال إن المنتجات السمكية تمر بثلاث مراحل قبل أن تصل إلى المستهلك النهائي. واوضح أن "المرحلة الأولى هي عمليات الإنزال في الميناء، ثم تأتي مرحلة سوق الجملة، أما المرحلة الأخيرة فهي مرحلة التقسيط". وتابع: "لنأخذ مثال السردين: صناديق 25 كيلوغراماً تباع بالجملة بـ200 درهم، أي 8.5 درهم للكيلوغرام. ومع ذلك، فإن الأسعار لدى تجار التقسيط منفصلة تماما عن هذا الواقع. يجب أن نعود إلى بعض الإجراءات القديمة كأن يقوم عميد أو "لامين" بائعي الأسماك بتحديد الحد الأدنى والحد الأقصى لأسعار البيع.
ويتفق عبد الكريم فوطاط، مالك سفينة صيد ورئيس اتحاد الصيد الساحلي، مع هذا الرأي حيث قال: "ليس لدينا أي تأثير على السعر النهائي المعروض للمستهلكين في الأسواق المحلية، مع العلم أن الأسعار التي نطبقعها على مستوى قاعة السوق خاضعة للتنظيم. في رأيي، نحن بحاجة إلى مراقبة المرحلة التي تلي البيع في الموانئ"، مقترحا تنظيم الأسعار المعروضة على المستهلكين من خلال تحديد هامش ربح أقصى لا يجب تجاوزه، وخاصة بالنسبة لبائعي الأسماك وتجار التقسيط. بناء على ذلك، أجمع المهنيون على ضرورة تدخل السلطات المحلية والجماعات لمكافحة الممارسات التي تهدف إلى رفع الأسعار. ويتم تحديد هذه الأسعار تطييبا لنفوس بعض الوسطاء والباعة بالتقسيط الذين لا يترددون في استغلال الطلب القوي على أنواع معينة من الأسماك لزيادة الأسعار وفرض سعر مرتفع للكيلوغرام الواحد من السردين، رغم وفرة العرض في الأسواق.
ما تاثير الصادرات على العرض؟ في مقال محمد بدران جواب على هذا السؤال. وهو أن أسماك الأخطبوط والسردين المعلب تطغى على صادرات الأسماك المغربية. لكن تجدر الإشارة إلى أن الأخطبوط لا يحظى بشعبية كبيرة لدى المستهلكين المغاربة رغم بعض المحاولات لإدخاله إلى السوق المحلية في السنوات الأخيرة. وبالتالي، فإن الطلب المحلي على هذا النوع منخفض للغاية في المغرب، في حين أنه سمك ذو قيمة عالية للتصدير. أما فيما يتعلق بالسردين، فإن فترة الذروة لإنتاجه تقع بين شهري يوليوز وديسمبر. وبحسب مختصين، فإنه من غير الممكن خلال هذه الفترة تخصيص كامل الإنتاج للسوق المحلية، لعدم القدرة على استيعاب كامل العرض المقدر بأكثر من مليون طن. كما أن الإنتاج الذي لا يتم توزيعه في السوق المحلية مخصص للتعليب من أجل التصدير. وتساهم هذه العملية في خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة وتوفير العملة الصعبة (20 مليار درهم).
علاوة على ذلك، هناك أنواع أخرى من الأسماك التي يستهلكها المغاربة ويعتبرها المستهلكون باهظة الثمن، ولا يتم تصديرها على الإطلاق. مثلا، ليس كل الروبيان الذي يتم اصطياده في المغرب يتم تصديره على الإطلاق.
ويستهلك المغاربة في المقام الأول الأسماك الطازجة، في حين تظل الأسماك المعلبة والمجمدة ذات شعبية منخفضة. ويقول المتخصصون إن الأسماك أصبحت متاحة بشكل متزايد في السوق، رغم أن حالة مصائد الأسماك تشكل عاملاً أيضاً. وفي واقع الأمر، كانت العديد من مصائد الأسماك في الماضي ضحية للاستغلال المفرط. ولكن منذ ظهور خطط التنمية المقدمة كجزء من استراتيجية أليوتيس، تم إعادة تشكيل بعض الموارد وبدأت موارد أخرى تعود تدريجيا. ومن بين مصائد الأسماك التي تعرضت للاستغلال المفرط وبدأت تعود تدريجيا الأسماك السطحية (التي يهيمن عليها السردين) والروبيان.
وتعتبر حالة ميناء آسفي مثالا واضحا على هذا الوضع. توقفت عمليات الإنزال في هذا الميناء بمدينة آسفي، المعروف بإنتاجه للسردين عالي الجودة، بسبب اختفاء هذا المورد من المنطقة بسبب الاستغلال المفرط. منذ تنفيذ خطة التنمية، وإنشاء فترات الراحة البيولوجية وغيرها من تدابير حماية الموارد، عادت عمليات الإنزال منذ 4 سنوات. وقد أصبحت آسفي مرة أخرى ميناءً رائداً للسردين والمورد للسوق المحلية.