رسالة محمد بنسعيد آيت إيدير إلى شباب حركة 20 فبراير المجيدة
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8260 - 2025 / 2 / 21 - 07:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في غضون شهر فبراير الذي انطلقت فيه وارتبطت به الحركة الديمقراطية الجماهيرية ضمن مناخ ثوري شمل دولا في الشرق الاوسط وشمال إفريقيا، وجه المقاوم والمناضل اليساري رسالة إلى شباب هذه الحركة معبرا لهم في صدارتها عن تقديره ودعمه واعتزازه بهم مسديا لهم تحية كبيرة بوصفهم شبابا مغاربة منتمين إلى حركة 20 فبراير وفاتحين طريق الكرامة للشعب المغربي.
انطلاقا من الفقرة الموالية، يفطن قارئ الرسالة إلى أن صاحبها أراد أن تكون رسالة مقروءة بشكل مباشر على مسامعهم وهم جالسون أمامه تحت سقف المقر الرئيسي للحزب الاشتراكي الموحد بالدار البيضاء، لا رسالة مفتوحة، موجهة إليهم عبر المنابر الصحفية بشكل غير مباشر. هذا ما يلمسه القارى من خلال ترحيب كاتبها بالجيل الجديد المتناغم مع عصرنا والفاعل في مجتمع المعرفة والمواطنة الذي نطمح إليه، معترفا بأنهم تغلبوا على "ترددات جيل القومية ومقاومة الاستعمار".
اعترف لهم كذلك بكونهم أشعلوا من جديد شعلة جيل "سنوات الرصاص" وطموحه العميق للتغيير، وكنسوا "ميله إلى الخضوع للوضع الراهن المفروض، تارة بالقمع الوحشي، وتارة أخرى بتكتيكات المماطلة بالتواطؤ، للأسف، من بعض الوطنيين والمقاومين من جيلي".
لهذا حيي حيويتهم وحماسهم "الذي سيروي المغرب بنسغ يجعله يولد من جديد (...) ويتصرف حسب مصيره ويستحق مكانا جديرا في عالم اليوم".
وأشاد الفقيد محمد بن سعيد آيت إيدير بالشباب المغاربة الذين أثبتوا للعالم أن الشعب المغربي ليس عقيما، وأنهم يهدفون إلى قيادة التغيير الديمقراطي المغربي، متنبئا بأن التاريخ سيكرمهم "ببناء المواطنة المغربية".
لم يشعر صاحب الرسالة بالحاجة إلى أن يؤكد مجددا لشباب 20 فبراير تضامنه الكامل مع حركتهم التي "عرضت سلميا وبطريقة مسؤولة وحضارية في الشوارع المغربية المطالب والتطلعات التي حملها مناضلو الأجيال السابقة، ولم يتمكنوا من تحويلهم إلى قوة نشطة"، بينما تمكن رواد الحركة من القيام بذلك "بذكاء وتصميم ومسؤولية".
ونظرا لثقته في نضاليتهم، لم ير الفقيد الكبير حاجة إلى تذكير "الشباب المعتز والغيور على مغربيته"، ب"أن الوطن لا يقوى ولا يقوى إلا بالمواطنة"، مؤكدا أن "خط الدفاع عن أي بلد هو اطمئنان نسائه ورجاله على احترام مواطنتهم"، وضمان استفادتهم من "ظروف العيش الكريم في مجتمع ديمقراطي وموحد ومنتج للثروة، حيث لا أحد فوق القانون الذي طورته واعتمدته مؤسسات تمثل إرادة الشعب حقا" في دولة يكون شعبها مصدر السيادة الوطنية وكل السلطات.
وبحكم انتفاء شكوكية المقاوم العضو في جيش التحرير والمؤسس لليسار المغربي حيال نضالية مخاطبيه، لم يحتج إلى أن يشير إلى أن "الواقع لا يزال بعيدا عن هذا الطموح العميق، واعيا بأن انتفاضتهم جاءت "لتدين استمرار الريع والزبونية وإساءة استخدام السلطة والفساد المستشري والإفلات من العقاب والانقسامات الاجتماعية التي لا تطاق والغطرسة المتغطرسة والمحتقرة" الصادرة عن الأقوياء والمسؤولين.
ورأى كاتب الرسالة أن من واجبه أن يعترف لمخاطبيه الشباب، وهو في ذروة عمره، بمخاوفه الكبيرة على مغربنا الحبيب.
من مخاوفه التي شاركها شباب 20 فبراير خشيته على سلامة ووحدة البلاد؛ ذلك أن "المقاربة الأمنية في التعامل مع السياسة، والإدارة الزبائنية للمشاكل الاجتماعية، والاستجابات الجزئية والدورية لمشاكل الإصلاح البنيوي، تؤدي إلى انهيار الشعور الجماعي بالانتماء الوطني". وأكد أن البلد الذي لا يكون إلا "رحيما وكريما" تجاه جزء من سكانه، ولكنه "ظالم وجاهل" للجزء الآخر، يكون في خطر كبير جدا عندما يشكل هذا الجزء المهمل والمحتقر الأغلبية الساحقة من السكان.
من مخاوفه كذلك أنه يخشى أن تتمادى أغلبية النخب السابقة وقادة الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية والإعلام والجامعة، في استسلامها للأمر الواقع، بحجة ثقل الجمود وغياب قوة التغيير؛ علما أن أصحاب الامتيازات وأصحاب السلطة في الدولة يستفيدون استفادة كاملة من هذا الميل لدى نخب الأجيال السابقة، بما فيهم جيله، للانتظار والقبول بالأمر الواقع.
كما خشي أن يقوم الفاسدون بحشد المستفيدين من الوضع لمهاجمة حركتهم النبيلة بأقلامهم أو بثهم التلفزيوني أو حتى بأزلامهم. والحقيقة التي لا تخفى على كاتب الرسالة هي "أنه إذا راهن المترددون على انطفاء الشعلة التي يحملها شباب 20 فبراير فإن المستفيدين من الريع والفساد لن يترددوا في محاولة تدمير كل ما هو مضيء وجميل في شعبنا كطيور جارحة ليلية لا تزدهر إلا في العتمة والظلام".
لكن على الرغم من مخاوفه كناشط عجوز ما يزال يحلم ويأمل في ازدهار الشعب المغربي، إلا أنه متفائل بقدرة مخاطبيه الشباب على أن يبدد شبابهم وحماسهم، وإصرارهم وبصيرتهم، مخاوفه ويهزم مناورات الفاسدين واستفزازات أتباعهم ومماطلة المترددين، مفترضا أن مطالبهم العادلة، وفي مقدمتها إقامة الملكية البرلمانية، يسمعها ويلبيها ملك المغرب الشاب، المسؤول عن وحدة البلاد وطمأنينة الشعب.
وختم محمد بنسعيد آيت إيدير رسالته بأن وجه مرة أخرى وبكل فخر واحترام تحيته إلى شباب المغرب، "بناة المواطنة"، معلنا: "هذا الشعب لكم، هذا المغرب بلدكم، قدوه إلى العمل الصالح، قدوه نحو الأمل".
وفي هذا السياق، لا يليق بنا إهمال تلك الرسالة الصوتية الأخرى التي دعا فيها فقيد اليسار المغربي شباب 20 فبراير إلى الانخراط في الأحزاب الديمقراطية والذهاب إلى صناديق الاقتراع للتصويت على من يستحق أصواتهم بجدارة.
لو استجاب شباب المغرب لدعوته تلك لما فاز حزب العدالة والتنمية ولما كنا حاليا تحت رحمة حكومة ارباب العمل الجشعبن. وهذا ما جعل أحد أصدقائي يكتب على الفيسبوك: "من مفارقات العشرين فبراير ان الملتحين الذين عارضوها، هم من استفادوا منها. هي اكبر واعمق من جماجمهم القروسطية".