ما هي العبرمناهجية؟ رؤية عامة حول وجهات النظر المختلفة (2/1)
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8247 - 2025 / 2 / 8 - 05:42
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تقدم هذه المقالة التي كتبها سيمون فيتزباي نظرة عامة على وجهات النظر المختلفة حول العبرمناهجية. جرى تصور هذه الفلسفة لأول مرة في أعمال جان بياجيه وإيريش جانتش وأندريه ليشنروفيتش، وقد خضعت لسلسلة من التحولات والتطورات المفاهيمية التي ساعدت في تحديد هذه الممارسة بشكل أفضل. سنلاحظ مع الكاتب كيف أدت أعمال مورين ونيكولسكو وجيبونز إلى نشوء وجهات نظر جديدة عبرمناهجية ترجمت إلى العديد من الأعمال ذات الأهداف الإنسانية والوظيفية. بعد ذلك، قام سيمون بإجراء جرد موجز للانتقادات والقيود الرئيسية المرتبطة بالممارسة العبرمناهجية والتي توضح وجود مسافة معينة بين النهج النظري للعبرمناهجية وتطبيقها الحقيقي. في ما يلي ترجمة لهذه المقالة عبر حلقتين
نص المقال:
مقدمة
إن الموقف الفكري الذي اتخذته الممارسة العبرمناهجية جسد، عند تصوره، ثورة حقيقية في مجال الأفكار، فضلاً عن تعبير جديد عن مثال عالمي وإنساني. يهدف هذا المقال البحثي إلى عرض تطور مدارسها الفكرية. واود اقتراح مراجعة الكتابات حول هذا الموضوع من أجل إنشاء صورة خطية للتعريفات والمفاهيم المختلفة للعبرمناهجية. يتعلق الأمر بنظرة عامة وشكل معين من جولة تاريخية نظرية بالضرورة بين الأفكار. وأريد أن تكون هذه المقالة بمثابة مقدمة للمنظور العبرمناهجي. ولهذا أقترح استعراض المقالات النظرية حول العبرمناهجية من أجل تقديم تطور فكرتها ومفهومها.
سأقدم أولاً أصولها التي تظهر من خلال الكتابات حول العبرمناهجية. هذه "الموجة الأولى من العبرمناهجية" مثلها بشكل رئيسي جان بياجيه، وإريك جانتش، وأندريه ليشنروفيتش، الذين اعتبروا أول من روجوا لهذا المفهوم. ناضل هؤلاء المؤلفون من أجل عبرمناهجية باعتبارها تسلسلاً منطقياً للبيمناهجية، مبطلين الادعاء الوضعاني بالتفوق، المنافسة والانفصال بين التخصصات.
سوف أساير بعد ذلك "الموجة الثانية من العبرمناهجية" التي أدت إلى تجسيد ومأسسة شكل محدد من الفكر العبرمناهجي. ويرجع هذا، من بين أمور أخرى، إلى أعمال إدغار موران وباسارب نيكولسكو، وكلاهما من الأعضاء المؤسسين للمركز الدولي للبحوث والدراسات العبرمناهجية (CIRET)، وكلاهما وقع على ميثاق العبرمناهجية. وسوف أناقش أيضا المساهمة المهمة التي قدمها جيبونز وزملاؤه، الذين قاد عملهم إلى اتباع مقاربة وظيفية للعبرمناهجية، نضع استراتيجية تعاونية بين الباحثين والمجتمع.
سيركز القسم الثالث على المنشورات الصادرة بعد "الموجة الثانية". وساوضح الانقسام الذي حدث بين أنصار مقاربة نيكولسكو الأكثر نظرية ومقاربة مدرسة زيورخ، التي نشأت عن عمل جيبونز. لا أريد فقط إماطة اللثام عن المواضيع التي تطرق إليها مفكرو العبرمناهجية، بل أريد كذلك تحليل تطور الدراسات المخصصة لها. وعلى وجه الخصوص، سوف ألاحظ كيف يتشكل مستقبل العبىدرمناهجية في مجال البيانات الوفيرة مع عرض الأبحاث الحديثة في هذا المجال.
وأخيرا، سوف نناقش الانتقادات المختلفة والحدود المرتبطة بالعبرمناهجية. وأتمنى، من ناحية، أن نفهم مخاوف بعض الباحثين في اختيار هذا المنظور، ومن ناحية أخرى، أن نعالج الثنائية بين التننظير للعبرمناهجية وتطبيقها من أجل معالجة رهانات العالم الحقيقي. ومن المهم التأكيد على أنني لا أعتقد أنه من الممكن في الوقت الحالي رسم صورة شاملة للعبرمناهجية بالنظر إلى حجم العمل المثير للإعجاب المتعلق بهذه الممارسة. وآمل، مع ذلك، أن أقدم لمحة عامة عن الكتابات ذات الصلة بالموضوع.
1. الموجة الأولى: أسس العبرمناهجية
لقد حددت كـ "موجة أولى" الأعمال التي ساهمت في ظهور الفكر العبرمناهجي مع أعمال بياجيه وجاتش وليشنروفيتش، رواد العبرمناهجية وأوئل المؤلفين الذين تمنوا تطوير الفكر العبرمناهجي.
1.1 البيمناهجية
يتم تقديم العبرمناهجية بشكل عام على أنها نمط متفوق، أو امتداد منطقي للبيمناهجية. إن العبرمناهجية ممارسة يمكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة، ومن المرجح أن تستحق نظرة عامة خاصة بها من أجل صياغة المقاربات والتعريفات المتعددة التي وضعها المؤلفون الذين استخدموا هذه الممارسة أو درسوها عن كثب. هناك في الواقع العديد من التصورات حول ما تعنيه العبرمناهجية، وفقا لشامبو (1999، نقلا عن باييت، 2001). إنها، من بين أمور أخرى، مسألة تمش تعاوني (گانيي & روا 2013؛ لانزا، 1998)، وتقابل التخصصات (سيو، 2009)، والتفاعل في ما بينها (كانتين، 1999)، فضلاً عن تكامل المعرفة (ربكو، 2007) بهدف التقدم نحو هدف مشترك.
يرى بياجيه أن العبرمناهجية هي استمرار لجهد متعدد التخصصات أولا، حدث عندما "تطلب حل مشكلة ما معلومات مستعارة من اثنين أو أكثر من العلوم أو من قطاعات المعرفة، لكن دون أو تعديل أو إثراء التخصصات التي لجأ إليها التخصص الذي يستخدمها رغم ذلك" (1972، ص: 166)، استجابة لتجزيء التخصصات. لذلك فإن البيمناهجية هي "مستوى ثانٍ حيث يؤدي التعاون بين تخصصات مختلفة أو بين قطاعات غير متجانسة من نفس العلم إلى تفاعلات بالمعنى الدقيق للكلمة، أي إلى نوع من المعاملة بالمثل في التبادلات، بحيث يكون هناك في النهاية إثراء متبادل" (ص: 167).
يتعلق الامر بروابط بين التخصصات التي يمكن أن تؤدي إلى المزيد من التفاعلات بين البنيات العميقة التي قد ينتهي بها الأمر إلى التداخل بشكل هرمي أو لا.
قدم إدغار موران (1994)، وهو يتصادى مع تعريف جوسدورف (1990)، مفهوم المنهج الذي يعتبر مقولة تنظيمية للمعرفة العلمية. ورأى أن البيمناهجية هي وسيلة لكسر الحدود بين التخصصات. ويستشهد بمثال الثورة البيولوجية كنتيجة للتعديات أو الاتصالات أو التحويلات التي حدثت بين تخصصات الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا. لقد انتقلت المفاهيم النظرية بين التخصصات لصالح انتشار المعرفة مما أدى إلى ثورة علمية.
ومن دون أن نسعى إلى تلخيص البيمناهجية بعد هذه النظرة العامة القصيرة للغاية، دعوني أؤكد مع ذلك أن هذه الممارسة تنطوي على مقاربة تعاونية لمختلف أشكال الأفكار المناهجية. فهي تفتح الحوار وتشجع على التفاعل بين تجسيدات المعرفة المختلفة، مع قدرتها على أن تتراوح من التقابل البسيط بين الممارسات والمهارات إلى دمجها في هدف مشترك.
1.2 العبرمناهجية
يقترح بياجيه مفهوم العبرمناهجية، الذي يراه بمثابة "مرحلة أعلى [من تعدد التخصصات والبيمناهجية] لا تكتفي بتحقيق التفاعلات أو التبادلات بين البحوث المتخصصة، بل تضع هذه الروابط داخل نسق كلي بدون حدود مستقرة بين التخصصات" (1972، ص 170). ووصف هذه الخطوة بأنها "حلم"، معتقدا أنه قابل للتحقيق ومبرر لاعتبارين. أولا، فشل الاختزالية، وهي موقف يقوم على تبسيط تصنيف الأطر المفاهيمية (كوفمان، 2004) يقدمه بياجيه كوسيلة "لاختزال الأعلى إلى الأدنى" (1972، ص 170). واعتقد أن هذا الموقف الضار يجب أن يحل محله شكل من أشكال الاستيعاب المتبادل للنظريات. يتعلق الأمر بالقضاء على الحدود الظاهراتية، والتي تتمثل في النظر إلى الواقع فقط من خلال منظور الظواهر (دوكريت وسيلرير، 2022).
ربط بياجيه هذه الحدود بـ "الوضعية المنطقية"، التي تلاحظ فقط الواقع المادي، حتى تتمكن من إدراج النظريات المختلفة وتعميمها. الهدف هو إخراج بنية معممة وأساسية تؤدي إلى نظرية كونية حول البنيات (كلاين، 2014). مثلا، ينظر بياجيه إلى الفيزياء باعتبارها علما مخصصا للجماد. سيصبح هذا العلم عبرمناهحيا من خلال أخذ كل من الكائنات الحية وغير الحية في الاعتبار بعد تضمين مفاهيم خاصة بالبيولوجيا.
(يتبع)
المرجع: https://www.erudit.org/fr/revues/enjeux/2023-v10-n1-enjeux07927/1098697ar/