سأفشي لكم سراً -الطب النفسي التجميلي 4-
لمى محمد
الحوار المتمدن
-
العدد: 7937 - 2024 / 4 / 4 - 22:47
المحور:
الادب والفن
سأفشي لكم بعض أسرار الطب النفسي والأطباء النفسيين، ليس هناك ما يمنع، فالطب النفسي حمّال أوجه!
السر الأول:
يرى معظم الأطباء النفسيين كثيراً من أعراض الأمراض النفسية أو خلّاتها في جميع الناس، أجل جميع الناس دون استثناء -حتى في أنفسهم-، هذا ليس نابعاً من غرور أو فرط تقييم للآخرين، بل من سببين:
أولاً انعدام مايسمى وصمة العار تجاه الأمراض النفسية عندهم، والثاني أن المرض النفسي سيصيب كل إنسان على الأقل في فترة من حياته.
الوحيدون الذين لا نستطيع تشخيصهم هم قليلو الأخلاق، لأنهم يسببون المرض النفسي للآخرين.. إذاً احزنْ فقط إن لم نعرف مرضك أو خلتك النفسيّة.
قصة خفيفة:
أرى النساء بعد زواجهن، إما أن يتحولن إلى نسخ أفضل، أو ينطفئن، يصبحنّ أشباح من كنّ، أنظر إلى الأزواج فأرى قلة الأخلاق: الكذب، الخيانة، التحقير، تقليل الشأن، قلة الأخلاق تتربع فوق عرش العلاقة الزوجية وتدمرها ولو استمرت.
الحكمة:
الطلاق ليس أبغض الحلال، بل أفضل ما تقدمينه لنفسك المريضة، والخطوة الأولى في علاجها
************
السر الثاني:
يطلق جزافاً وخطأً على قليلي الأخلاق لفظ النرجسيين، وهذا خطأ كبير.
عند النرجسي من الأحزان والرض النفسي ما يكفل بقاؤه في كتب الطب النفسي، لكن عديم الأخلاق الذي يستخدمك للوصول لغاياته، الذي يؤذيك حتى يكبر، الذي يريدك دوماً أقل منه، يشوه ماضيك بكله ليس نرجسياً، بل مجرم،
قصة خفيفة:
حدثتني صديقتي عن مساعدتها لقريبتها، قالت لي، فعلتُ المستحيل لأساعدها، لكن مستحيلي لم يعجبها، تذكرني بحياتي الفقيرة الماضية وكأنها عار، تعاملني على أنني مغتربة “مرتاحة”، كيف لا تضع نفسها مكاني، وحيدة في غربتي، أمرض لوحدي، أحزن لوحدي، أفرح لوحدي، كيف لا تعرف أنني أفخر بماضيّ الفقير، فهو ما صنعني، هل هذه نرجسية؟
فأجبتها: لا أظن ذلك، ما يسمى في مجتماعتنا خطأً بالنرجسية هو في الغالب قلة أخلاق، قلة أصل…
الحكمة:
لا تسمحي لأي كان بمحو ماضيك، المجرمون فقط يريدونك بلا ماضي.. الجأي إلى الطب النفسي، التكريه وسحق الماضي آباء الأمراض المناعية الذاتية والنفسية.
************
السر الثالث:
من يتسبب في نهاية علاقة عمرها سنوات بينك وبين صديق أو قريب، ليس مريضاً نفسياً، بل قليل أخلاق، فقليل الأخلاق لوحده قادر على زرع الكراهية. المرض النفسي يزرع الأحزان.
قصة خفيفة:
كنتُ في الثانوية عندما جاءت إحداهن إلى منزلي، بكت وقالت لي أن أعلمها كيف تدرس الفيزياء.
تركت دراسة امتحاني وعلمتها لساعات، لم تشكرني وقتها، لأنني لطالما أخبرتها أنه واجبي.. وأنني أريدها طبيبة في هذا العالم، ولأن وقتي المخصص لتدريسها كان كوقتي المخصص لدراستي.
تزوجت هي نفسها بعد ذلك من قليل أخلاق خطير، علمها الكراهية، وعلمها ألا تشكر أحبتها لأنهم “لم يفعلوا شيئاً إلا السيء”.. وبكى كتاب الفيزياء.
الحكمة:
لا تكن يوماً صديق تسلية، أو شخصاً يمر في حياة من حوله مرور الطيور، بل أبداً غيرهم وحياتهم للأفضل، اجعلْ همهم خفيفاً.. سيتذكرونك كلما مرت عليهم الأيام أثقل.
************
السر الرابع:
النفسية القبيحة ليست النفسية المريضة، في زمن الحرب وإجهاض الثورات، زمن الجوع والتجويع، زمن التكفير وإدعاء الإيمان، زمن المحسوبية والتفاهة، الواسطة والسخف.. من منّا لم يحس بروحه تحلق تحت غيوم الحزن؟
وكثيرٌ أحسوا بروحهم مسجونه في حدود صُدَفٍ.. بعضنا خرج من سجن كرامة وختموا على يده، وأكثرنا خرجوا من سجن حدود و خُتِمَ لنا على جواز سفر!
قصة خفيفة:
يسألونني دوماً عن سر نجاح زواجي، في الغربة نجاح الزواج أصعب.. الأسباب بسيطة:
لكل منا أنا وزوجي فضاؤه الخاص، استقلاليته في التفكير والآراء، لكن لدينا حساب بنكي مشترك، فعندما نشتري أي شيء أو ندفع أية قيمة هي من مالنا معاً، سواء كان شحيحاً أو كافياً. وصداقاتنا الحقيقية مشتركة، أوقاتنا الجميلة نقضيها مع نفس الطيبين، وسبب آخر، فهو سياسة الولد الواحد في زمن إرهاق الأطباء وخاصة المغتربين: لدينا طفلة واحدة، فمسؤولياتنا أقل ومشاريع سعاداتنا أكبر، ما يجمع الأسباب السابقة كلها هو: القناعة.
الحكمة:
عندما تغترب تحتاج شريك حياة لا مُسيّراً لحياتك، تحتاج القناعة وإلا ستستمر بالركض حتى يقابك الموت غير فاتحٍ لذراعيه.
************
بوح:
في زمن كهذا من الطبيعي أن تمرض نفسيتك، غير الطبيعي، المثير لاستغراب أي طبيب نفسي أن تبقى نواقل الكيمائية على استقرارها في كل لحظات حياتك، على الرغم من كل الظلم الحاصل.
من أسابيع زرتُ سوق المزارعين المفضّل عندي في أمريكا، واشتريت باقة من زهرة ال "فريزة"، من أجمل أنواع الورود وأزكاها رائحة، عرفتُ بعدها معنى اسم فريزة الذي طالما سمعت الجهلاء يسخرون منه.
الروتين من أسباب الألم النفسي، فيه يصبح الدوبامين أمنية صعبة المنال.. الجهل من أهم صفاته، جهلك بورود في حياتك، يسخر منها الجهلاء.
والروتين ليس سهل الكسر كما تعتقد.. ليس سهلاً تغيير عملك، بيئتك، مسؤلياتك تجاه أطفالك، ومن حولك..
-ماذا أفعل إذاً؟
-شاهد "فريزة" حياتك.. غيّر عاداتك، مواعيد نومك، وجبات طعامك، هواياتك.
متى كانت آخر مرة جلست فيها مع نفسك لوحدك وليس وحيداً؟ متى كانت المرة التي قلت فيها لنفسك القديمة أنك تحسنت وتتحسن؟ و إن لم تكن وعدتها بذلك.
فريزة حياتك موجودة، أنت فقط لم تبحث جيداً.
آمن بأنك في هذا العالم، وفي هذا الزمن بالذات لتحقيق رسالة لم تنتهِ.. قد تظنها بسيطة.. هي فعلاً غاية في البساطة، فما نحن إلا تراكمات بساطات بعضنا…
كرمل البحر، الذرة منّا لا تنفع لوحدها، لكنها تكفل مع غيرها استقرار هذي الأرض، وجمال الشطآن.
يتبع…