الأقليّات لن تأكل التفاحة - متعدد الثقافات 11-
لمى محمد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8191 - 2024 / 12 / 14 - 00:48
المحور:
الادب والفن
الغالبية من الأخوة العرب كانوا يعتقدون أنني مصريّة أو عراقيّة.. لطالما أحسست بانتمائي إلى الوطن الجميل الكبير من محيطه إلى خليجه، لكن في هذه المرحلة أنا سوريّة و سأحكي لكم اليوم قصة سوريّة، اسمعوا أحبتي:
كانت جوليا دومنا، الحمصيّة السوريّة، أم المعسكرات التي لا تقهر حيث شاركت في الحملات العسكرية يداً بيد مع الرجال..
اشتهرت برعايتها لأهم الصالونات الثقافية في زمانها، اعتنت بالأدب والفلسفة والعلوم وربطت روما بسوريا عبر جسور ثقافية علمانية، بنت المباني المهدمة وحاربت الإقصاء، وكان حدسها عظيماً ويتحقق.
جوليا دومنا نقلت حتى عادة استخدام باروكات الشعر -وهي عادة آشوريّة- من سوريا إلى الغرب.. جمال السوريات من الداخل والخارج أيضاً.
نعم، كانت جوليا دومنا علمانية، والعلمانية -للمرة الألف- لا تعني بأي شكل إقصاء الدين، بل فصل الدين عن الدولة…
حديثنا عن جوليا دومنا يطول، وحديثنا عن ربط الشرق بالغرب أطول ولم يبدأ من عام 170 ميلادي، لكنه حتماً صار أسهل في الفضاء الافتراضي…
كانت نساء العرب خير من تكلم في الفلسفة وبنى الدول.. وظلت جينات جوليا دومنا في داخل كل امرأة سوريّة.. لذلك نرى النساء السوريّات سيدات الحدس.
**********
عندما كتبتُ مقال “الأقليات تأكل التفاحة” في الحوار المتمدن عام 2011 :
الرابط: https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=284840
وصلتني رسائل كثيرة فيها من السباب والشتم ما فيها، لكن الجملة التي لم أنسها يوماً، كانت:
“ يا حقيرة، تقطنين أمريكا وتريدين لوطننا الدمار، نحن قادرون على تدمير كل من تحبين، تعرفين ذلك، يجب أن نتفق مع من تساندين فقط في كون مكان المرأة هو المطبخ”.
في ذلك الوقت كنت أدور على مستشفيات أمريكا للعمل التطوعي، طبيبة جلديّة تبدأ من الصفر في بلاد العم سام..
أقسمت بعدها على أن أعمل ليل نهار لأتمكن من كتابة رواية علي السوري، وأوثق ما يحدث، فيما أحقق حلمي في أن أصبح طبيبة نفسيّة..
كان لديّ حدس جوليا دومنا أن حلمي سيتحقق، كما سيتحقق حلم السوريين.
وعلمني الطب النفسي بعدها أن أكثر الدول احتراماً للأديان وللتعددية و الديمقراطية هي الدول العلمانية.
هل تعلمون أننا في الطب النفسي نعمل مع القس والشيخ في مساعدة كثير من المرضى، هل تعلمون أننا نرى الدين من أهم عوامل الوقاية من الانتحار وايذاء الآخر.
العلمانية تعني احترام الأديان واستخدامها عندما يتطلب الأمر ذلك.
*********
الأقليات اليوم في غالبها خائفة، وكما تحققت نبوءة جوليا دومنا في داخلي سابقاً، وكما صدق مقال “ الأقليات تأكل التفاحة” أقول لكم:
لا تخافوا، القادم مهما كان صعباً لن يكون أصعب من اعتقالنا جميعاً من قبل هذا النظام المجرم، لقد سكنتم السجن الكبير ورأيتم ما حدث في سجون سوريا (الصغيرة).
تقولون لي “ من خلّصنا يريد دولة مدنية شرعية ومطلوب للمكان الذي تقطنين.. أمريكا” ، و أجيبكم:
- كان ممكن يقود التغيير شباب الثورة السلميّة، بقيادة غياث مطر لكن النظام الحقير قتلهم،
كان ممكن يوسف الجهماني، لكنه مات وقصص اعتقالاته تحرق قلبه..
كان ممكن هيثم مناع، لكنهم نفوه وشوهوا صورته..
كان ممكن ميشيل كيلو، لكنه مات قهراً..
كان ممكن عبد العزيز الخير، لكنهم أيضاً أحرقوا وجوده..
كان ممكن وكان ممكن، لكن النظام السوري البائد قتل أي صوت علماني كان من الممكن له أن يحّول سوريا إلى وطن بأقل خسائر ممكنة.
دفع جميع السوريين الثمن وأولهم الأقليات، وخاصة العلويين، تحولت البلاد إلى مزرعة للأسد الأخرس، وجميعنا كنا بشكل أو بآخر قرابين فيها.
النظام كان علوي/سني : البائد وزوجته وحلقة الاستفادة حولهم.
وعندما صدح صوت “ لا” .. قتلوا من وصلوا لهم، كفّروا من كّفّروا، هجرونا، حرمونا حتى من حلم دخول البلد…
أنتم تظنون أن من ينشر الخوف المرضي بين السوريين سوري مثلهم؟
من ينشر الخوف المرضي إما من شبيحة ملوك وطواغيت العرب الذين خافوا على كراسيهم بعد سقوط الأسد..
أو هو من الذين تأكلهم عقد الذنب على صمتهم لسنوات طويلة وسكوتهم عن الحق..
الصمت لفّ الجميع قبل الثورة، والغالبية بعدها، الكل يعرف ويتذكر..
الدماء سالت في كل بيت، الأغبياء فقط يصنفون الدماء في طوائف، أن تضع نفسك في إطار طائفة ورثتها عن أجدادك إهانة لعقلك و لسوريا..
أنت سوري.. وليس لأحد على وجه الأرض أن يسلبك هذا.. إلا إن كان حيواناً آخر -على اعتبار الأسد هرب-.
أما أن تكون قلقاً من القادم، فحقي وحقك، و واقع حال…
لم يحدث في التاريخ أن انتهى عصر استبداد طويل بفتح الأبواب لدولة قوية!
المهم الآن أن تسود لغة العقل، التذكير بالماضي لا يصنع المستقبل، أنصاف الحقائق لا تبني الأوطان.
ربما يكون الغد صعباً، لكن مستقبل الأطفال أفضل، نحن خرجنا من عصر الذل، ولن يستطع أي استبداد آخر إعادتهم إليه.
عمل النظام لعقود على تشويه مفهوم الدولة العلمانية، حوّلنا إلى كفرة ومارقين لأننا نادينا بها، بينما كل الدول الغربية التي لمتنا وساعدتنا كسوريين هي علمانيّة.
كما كسرنا أصنام البائد يجب تكسير الأكاذيب التي زرعها وسقاها بدماء أولادنا جميعاً.
*********
في أمريكا يقولون:
"what goes around comes around," ومعناها أن الحياة تعطيك ما أعطيتَ غيرك..
في سوريا نقول كما تزرع تحصد، و جدتي اعتادت أن تقول " من عَيّبَ، ابتلى"..
أتذكر هذا وأنا أرى صور الرئيس الهارب في ملابسه الداخلية، لقد تخلد اسمه-كما أراد ونظامه- للأبد..
واسمعوا -وأنتم تبحثون في غوغل عن الصور- هذه القصص عن المثل أعلاه:
القصة الأولى:
بعد أن انشق عن الخدمة الإلزامية، اختبأ لشهور طويلة قبل أن يصدر عفوكم العام.. قلتم له:
"تكمل خدمة العلم.. نعفو عنك.. "
ضحكتم عليه وعلى غيره: "أنت منّا تعمل فينا هكذا؟"…
سخرتم من إنسانيتنا، كنا أرقاماً في قاموس لغة لا تشبهنا.
طبيب نبيل، رجل علم ولا علاقة له بالسلاح من الطائفة العلوية، جعلتموه يخلع كل ملابسه في سجن صيدنايا لتفتشوه يا سفلة لأنه رفض الحرب الأهلية.. رفض أن يكون بندقية في ظهر أخيه السوري.
اليوم تخلد صورة صنم سوريا البائد عارياً في الفضاء الافتراضي.. إلى الأبد، الأبد الذي أردتموه…
"what goes around comes around," ومعناها أن الحياة تعطيك ما أعطيتَ غيرك.. فاحرصْ على أن تعطي ما تريد أن يعود إليك.
الأقليات اليوم في غالبها خائفة، وكما تحققت نبوءة جوليا دومنا في داخلي سابقاً، أقول لكم ألا تخافوا، القادم مهما كان صعباً لن يكون أصعب من اعتقالنا جميعاً من قبل هذا النظام المجرم، لقد سكنتم السجن الكبير ورأيتم ما حدث في سجون سوريا (الصغيرة).
من يسمي نفسه باسم طائفته يُجرم في حق أولاده.. نحن سوريون.
في سوريا القديمة الأمل الوحيد الذي كنا نحيا عليه هو: الهجرة.
في سوريا الجديدة -مهما كان وسيكون الوضع صعباً- لدينا أمل في وطن.. تحيا سوريا.
يتبع…