أبريستي Apricity - الطب النفسي التجميلي 8-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 8167 - 2024 / 11 / 20 - 22:47
المحور: الادب والفن     

-“لا أعتقد أنك تستطيعين مع هذه اللكنة وهذه اللغة أن تكوني نفسك في الطب النفسي، عودي إلى طب الجلد. “

لم تكن تلك المرة الأولى التي يرفضونني بها، الحياة في أمريكا تشبه أفلام الكرتون.. هنا يوجد كل شيء، والطاولات تعج بالفرص.. لكن ما يسمى في بلداننا الواسطة والمحسوبية، يسمى هنا “العلاقات والاتصالات”.. وهي تختلف جذرياً عما نظنه.
من سنوات طويلة، خرجتُ من ذاك الباب الخشبي لمستشفى كبير في أوهايو، كما دخلته.. وقال الباب: "Apricity"
كلمة لا يعرفها أغلبنا، ولم أكن أعرفها آنذاك...
كلمة من اللغة الانكليزية، سأخبركم عن معناها الحق، إن أدفأ المقال قلبكم وتسللت كلماته إلى عقولكم كأشعة الشمس في الشتاء…
الرفض ما كان يوماً ليُنْقِصَ من ثقتي بنفسي وبأحلامي وهذا سر من أسرار الحياة، وكلما زادت محاولاتك الفاشلة في هذه الحياة، كلما كبر نجاحك، وهذا سر آخر..
لكن السر الأكبر الذي لا يخبرونك به هو أنك تحتاج جهدك في العلاقات البشرية، كما تحتاج جهدك في الدراسة.

قدرتك على حياكة علاقات جيدة مع من حولك، تدلل على صحتك النفسيّة وهنا بيت القصيد.
بدأت رحلة العمل التطوعي، ثم اختصاص الطب الباطني، لأحصل على اختصاص الطب النفسي في جامعة نيومكسيكو الأمريكية، التي وبالمناسبة لديها أحد أكبر وأهم أقسام الطب النفسي في العالم، والتي مازالت في قلبي وطناً، لما رأيته فيها من علم، حب ودعم.
لطالما عملت بكد وجد، وساعدتُ الأطباء من حولي في تغطية مناوباتهم وضمهم معي في مشاريع بحثية، وهذا أعطى ثماره: عملي منذ أكثر من ست سنوات في واحدة من أهم خمس مشافي في أمريكا، جامعة كاليفورنيا، وتقديمي المساعدة لأصدقاء وزملاء مجتهدين كثر لينضموا إلى فريق العمل.. كان نتيجة لأبواب خشبية كثيرة.. لا تتكلم، ولكننا نسمعها.

احرصوا على أن تساعدوا وتساعدوا وتساعدوا.. وإن لم تُطلَبُ منكم المساعدة، أيضاً قدموها. الجد والاجتهاد هما السبب الرئيس لتكون سيد العلاقات والاتصالات.. سبب رئيس في أن تتسلسل أشعة الشمس لقلوبكم في عز برد غربة الأوطان وخارجها.
********

-"أحد معاني اسمك لمى هو “الرياح الباردة التي تحوم حولك في قيظ الظهيرة"، يسمى في اللغة الإنكليزية البريز:
“Breeze: a gentle wind”

هكذا أخبرني دكتور في الفلسفة هنا، قلتُ له أنا لا أحبذ النسيم وأفضل الرياح، غير المنتمية، خارج الأطر والتصنيفات، هزت رياح كلمة الحق في كتاباتي كل فرص الشهرة الزائفة، وأية إمكانية لقطيع ما ليضمني تحت رايته.
تمنيتُ يوماً أن تكون لنا أوطان حقيقية، لا تبيعنا إذا اعترضنا، ولا تخوننا إن لم نوالِ.. تمنيت ألا تكون الهجرة حلم شبابنا من قبل الحرب، وألا يصبح اللجوء حلمهم بعدها.
وحلمت بأن يصبح الاكتئاب كالعد الشائع، والقلق كارتفاع الضغط.. أن يأخذ الطب النفسي مجده في بلاد تحتاجه.. ورأيت حيوات أصدقاء، أقرباء وأحبة ترزح تحت وطأة وصمة العار تجاه المرض النفسي.
أنا الفاشلة مرات كثيرة قبل أي نجاح، والمسامحة مرات كثيرة قبل أية قطيعة.. والباكية في كل يوم على حلم طفل، استيقظ من حلم لم يكتمل، ليجد نفسه طعاماً لوحش الحرب.

أستمرُ لأن رسالتي في الحياة مستمرة، ولأنكم مهما فشلتم مشاريع إبداع.

********

يوجد كلمة في اللغة الانكليزية تعني دفء الشمس في الشتاء، لا يعرفها الكثيرون، علّمني إياها أحد طلابي عندما كنت أساعده في يوم عمل مرهق، وقال لي أنني ذكرته بها..
أخبرتكم -بحق- عنها، حيث أدفأ المقال قلبكم وتسللت كلماته إلى عقولكم كأشعة الشمس في الشتاء:
“Apricity: The warmth of the sun in winter”

يوجد بشر كلما ابتعدوا عنك يقتربون من القلب.. كطائر طنان يطير خلفاً وطاقته معك..
وآخرون كلما اقتربوا، صَغُرَ القلب.. كقربة ماء تُطلِقُ غيماً لا يبقي رواء…
يوجد ناس يكحلون عيون القلب وآخرون خناجر ظهره.. ويوجد من لا تعرف قلبك من قلبه لأنهما اتحدا..
نحن نعيش بالقلوب المتحدة ونحيا بوجود من يصنعون المفارقات السابقة -بكلهم-..
نحن نستمر بكلنا، وننجح بجهدنا، لكننا نبدع ونحيا بوجود أبريستي تتسلل إلى قلوبنا وبريز تغمر أرواحنا في لحظات ضعف أو تعب.. استمروا...


يتبع...