لم تنتصر ثورة سوريا - الطب النفسيّ السياسي 1-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 8262 - 2025 / 2 / 23 - 00:14
المحور: الادب والفن     

مرت على سوريا زلازل كثيرة، منها ما خرج من أعماق الأرض، ومنها ما دُفِنَ في مقابر جماعية.

الزلزال يشبه نوبات المزاج العاصفة.. فحالة النقيض تأتي حاملة خطورة تدمير حياة الشخص أكثر من الزلزال نفسه..
والحل هو علاج المرض وعدم انتظار نوبة أخرى..

تُخلّف الزلازل والأمراض النفسيّة غير المعالجة كوارثاً اقتصادية و اجتماعية.. وتقلب حال البلدان كما أراضيها.. و قلب الحال يتضمن دورات كثيرة..
شعب متنوع كالشعب السوريّ لا يُحكم إلا من قبل حكومة تعددية تقبل الاختلاف.. وكما خرّم نظام الأسد الأخرس وجوده بالظلم والمحسوبيات، يبرقع النظام الحالي وجوده بالمحسوبيات واللون الواحد.
كثير من السوريين من جميع الطوائف - والسنة قبل الجميع- يعرفون أن نظاماً متزمتاً لا يستطيع النهوض بالبلاد، وأن الحلّ الوحيد ليستمر هذا النظام هو خروجه من جلده.. أو أقلها ارتداؤه لعباءة تركيّة أو عقال خليجي…
تحسين الوضع الاقتصادي سيبعد شبح التقسيم، أما تحسين الوضع الاجتماعي وتكريس السلم الأهلي، فسيلغي أية احتمالية في تجزئة المجزّأ.
**********


علمني الطب النفسي السياسي:

1- الثورة في سوريا لم تنتصر، لأن أهدافها لم تتحقق، نستطيع القول سقط نظام ديكتاتوري و سيطرت مجموعة بلون واحد.. في الطب النفسي السياسي:
سياسة تمكين اللون الواحد تنسف أية إمكانية لنجاح ثورة في تحقيق أهدافها العادلة.

2- لم يكن الوضع الاقتصادي المحرك الأساس للثورة السورية، ولا " نصرة الدين"، محرك الثورة الرئيس كان الظلم وسببها المباشر كان دوس الكرامة، ومازالا مستمرين. في الطب النفسي السياسي:
تستطيع النفس البشرية تحمل الجوع دون مرض، لكن الظلم ودوس الكرامات.. لا.

3- لم تخرج الأقليّات بغالبها من الثورة، بل خرجت من تحت مظلة من ركبوا الثورة ولونوها بالرايات المتأسلمة.. في عالم النفوس: العدو الأكبر لأي إنسان، هو من يقيّد طريقه -الخاص جداً- إلى الله.

4-فيما استمرّت الثورة السورية بشكل سلمي لأشهر.. ساعدها النظام البائد مع دول كثيرة على التسلح، فضمن الحرب الأهلية التي ما تزال مستمرة إلى يومنا هذا، في علم النفس: يخالف البسيط- إن كان مظلوماً- من لا يشبهه (في اللون، القومية أو الطائفة) لأي سبب.

5- "النظام" الحالي في سوريا غير قابل للاستمرار ولا لإعادة الحياة إلى وطن مقوّض إلا بطريقة واحدة: الخروج من الجلد. في الطب النفسي: يمكنك تغيير مصيرك، إن أنت وحدك أردت هذا.

6- من صمت على ظالم الأمس هو مظلوم اليوم..
ومن يصمت على ظالم اليوم، هو مظلوم الغد.. في عالم النفوس: التاريخ يعيد نفسه، لكن البشر لا يتعظون.

7-تختار الدول القويّة غالب حكّام أنظمة العرب، لكن الحكّام يستخدمون القضية كدرع حامٍ من غضب شعوبهم.
في الطب النفسي السياسي: يحتاج الظالم إلى قضية يتمسّح بها ليبقى.

8- البلاد ذات الخير هي التي تؤمن الكرامة والمساواة، الأمان والعدالة الاجتماعية لجميع أفرادها.. غير ذلك البلد مشروع دويلات.. في الطب النفسي السياسي: المكان الذي يلمّ كرامتك ويطلق حريتك هو وطن أينما كان.

9- تعيش الأقليات في سوريا بين طرفي كماشة تزمت "النظام" الحالي و بؤس فلول النظام السابق.. في عالم النفوس: يريد المتزمت تطبيع الجميع بالتعصب، والتعصب شيطان يجعل أي مخالف له، ملجأ.

10- مازال الشعب السوري يدفع فواتير الحكومة الجديدة، كما دفع -لسنين- فواتير الحكومة السابقة.. في علم النفوس نقول: إن كان الحاكم ذا ماضي، فالبلد بلا مستقبل.

11- محاولات محو التاريخ وفي أحسن الأحوال تشويهه، ما تزال مستمرة.. في الطب النفسي نقول: إن أطلقت الرصاص على ماضيك، يطلق مستقبلك النار عليك.

12- البلاد على الهاوية، فيما يقول السذج: هذا أفضل وذاك أسوأ.. من سنوات إلى اليوم مازلنا قرابين. في الطب النفسي: المقارنة يجب أن تكون دوماً بين أمانك النفسي - لا المادي- اليوم وأمانك النفسي سابقاً.
**********

فيما يستمر الساسة في تخريب هذا العالم، يستمر غباء البشر في السماح للمعتليّن أخلاقياً بممارسة السياسة، فتكثر الحروب، يعشش الجهل، ويستوطن الجوع والخراب.
المستقبل لكليّة تعلّم العلوم السياسية، علم الإنسانيات، علم النفس والقانون معاً، ومن دون هذه الكليّة سيبقى الساسة أميين، متحزبين في أطر عائلاتهم وموروثهم..
هل سمعتم عن قائد غيّر دينه؟ هل سمعتم عن رئيس لم يحابي أخيه وصهره؟ والأهم من ذلك، هل سمعتم أبداً رئيساً يقول: لا أعرف ويجب أن أسأل.

يظن الجاهلون الناطقون في الطب النفسي بأن النرجسيين يحكمون العالم، في الحقيقة يحكم معادو المجتمع كثيراً من البلدان -خاصة دول العالم الثالث-، يحكم عديمو الأخلاق بلداناً أخرى، أمّا غالبية دول الأرض، فيحكمها الجهلة سياسياً.

الشخصية المعادية للمجتمع أخطر الشخصيّات على المجتمع، ليست سهلة الكشف، وتحتاج عين الخبير.. وهي عكس ما يتوقعه العامة، هي شخصية هادئة، تتحدث بلباقة وتختار كلماتها، شخصية مشهورة ب " الكاريزما" ولا ترى وجهها الحقيقي إلا إن أغضبتها أو لم تحصل على ما تخطط للحصول عليه، عبر التاريخ حمل هذي الشخصيّة أقسى وأكثر الملوك إجراماً.

في كثير من الحالات يكون صاحبها صموتاً، يتحدث بتواتر هادئ مبالغ فيه، ويحسب كلماته، يراوغ كما الثعلب عندما يتم سؤاله أي سؤال.. وعند النظر في ماضيه سترى كل ما يخالف القانون والأخلاق من ضرب زوجته إلى جرائم القتل، بحسب شدة الحالة.
الشخصية المعادية للمجتمع تحمل الخراب للبلدان آجلاً أم عاجلاً.

إن التقييم النفسيّ للحكام والمسؤولين في كل دول العالم، لضرورة قصوى في هذا الزمان..
كطبيبة نفسيّة لن يخفيني النرجسي إن حكم، هشاشته تتكفل بالقضاء على كرسيه، وعلاجه ممكن، لكن مضاد المجتمع إن تفاقم وضعه، سينسف أي أمل في أي مستقبل البلاد.
**********

المشكلة في شرقنا التعيس هي: اجتماعيّة ونفسيّة قبلما تكون اقتصادية.. وإن اجتمع فقر المادة، مرض النفوس وفقر الأخلاق انتجا وباءً يجتث أية أمة..
وفيما يتشائم كثير من السوريين، أعرف تماماً أن القادم أجمل إن عالجنا أمراضنا و أمراض بلادنا النفسية وأنّ لأولادنا وأحفادنا الحق في حياة كريمة و وطن حقيقي..
قد يبدو هذا كله حلماً، لكنه قابل للتحقيق.. إن تعلمنا معاً فن الطبب النفسي السياسي.

يتبع…