الاكتئاب السياسيّ -متعدد الثقافات 8-
لمى محمد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8180 - 2024 / 12 / 3 - 00:11
المحور:
الادب والفن
النهر حمل ويحمل جثث الأحبة جميعهم، وعندما ملأت الجثث النهرَ السوري، وعمّ الجوع والمرض.. تدخل الغريب مرة أخرى.. ورسم خطة دخول مراكب المتأسلمين كفاتحين، وأي نصر يحمله آفاقو الدين؟
والبلاد إن لم تدخل دوامة السنوات السابقة، فهي داخلة على مجاعات وحروب طائفية لا تبقِي ولا تذر إن لم نجد الحل.
نحن البسطاء.. الطيبون.. الباكون على أطفال بلا أسماء..
أية حياة ننتظرها ومعادلة تحت العمامة أو تحت البوط العسكري لا تزال تصنع سلاسل قيود المختلفين وحبال مشانق المعترضين؟
نحن البسطاء.. الطيبون.. الباكون على أطفال بلا أسماء..
بينما أنتم: متثاقفو البلد الجهابذة، ترون في اسم كل طفل طائفة وتحضرون كل مساء مباريات دوري القبور…
لم أركم تنعون ولا تمدحون إلا من ضمه موروثكم، ثم تسمون الإنسانية: حياد!
نحن البسطاء.. الطيبون.. الباكون على أطفال بلا أسماء..
نحن (المحايدون)…
********
علموني في الطب النفسي أن الاكتئاب يأكل جبين الطموح وقلب الحلم، فيصبح الشخص متمنياً للموت:
"ما الذي ينفعه وجودي؟ ماذا أقدم؟ هذا العالم الوضيع السافل يبيع البسطاء على بسطات المنتفعين، فلم نستمر؟، لو مت غداً لن يتغير شيء، فلم أعيش؟"
ما سبق كلها أفكار إنتحارية تستوجب العلاج، فالحياة منذ الأزل تستمر بقدرة البشر على رؤية الجانب المشرق من كل شيء.. وتعلم الدروس من الجانب المظلم.
لكن الاكتئاب السياسي حكاية أخرى!
السياسة التي ما دخلت في شيء إلا أفسدته.. تدخل الاكتئاب فتحوله تطرفاً!
هكذا أضحى الموالون والمعارضون.. ولهذا نبرر لكلا الطرفين، فنحن في عالم الطب والأدب يجب وحتماً أن نكون إنسانيين.
في الحروب الأهلية ينزعج كل طرف من كوننا خارجين عن عرف قبيلته، فيسموننا بالمحايدين!
نحن البسطاء الأقوياء تحاربنا القبائل كلها، و ننطق الحق، فنخسر الغالبية..
نحن من وقفنا ونقف ضد الإلغاء.. وضد أن تغلف السياسة الاكتئاب.
********
بسبب إلغاء الأطراف الأخرى في الحرب الأهلية، فالسوريون على ضفتين مختلفتين من نهر الألم..
والبلاد إن لم تدخل دوامة العشر سنوات السابقة، فهي داخلة على مجاعات وحروب طائفية لا تبقِي ولا تذر…
الموالون.. لا تعرفون أنه من المعارضين أصحاب شهادات، متعلمين، أخلاقيين، علمانيين، مقيمين أو مغتربين وكلهم موجودون على ضفة الرأي الأخرى، حمل النهر جثث أحبتهم و أقربائهم.. و كثير منهم له أقارب في سجون نظامكم.. ألم تسمعوا بتهمة المعارضة وجرم قول لا؟
هؤلاء ليسوا دعادشة ولا متزمتين وليس من الأخلاق ولا الدين أن تسموهم كذلك ولا أن تلغوا وجودهم وحقهم في الوطن.
المعارضون: لا تعرفون أنه من المواليين أصحاب شهادات، متعلمين، أخلاقيين، علمانيين، مقيمين أو مغتربين وكلهم موجودون على ضفة الرأي الأخرى، حمل النهر جثث أحبتهم وأقربائهم.. كثير منهم له أقارب استباحهم (المعارضين).. ألم تسمعوا بالسبايا وأغاني الإبادة التي دعمت أفعال جاهليةٍ جديدة؟
هؤلاء ليسوا أقليات ولا كفرة، وليس من الدين ولا الأخلاق أن تسموهم كذلك ولا أن تلغوا وجودهم وحقهم في الوطن.
القبائل كلها -من دون استثناء- باعتنا سابقاً للنظام، ثم للمعارضة، ثم للدعادشة، ثم للنظام، ثم "للمعارصة"، ثم للشرق، فالغرب.. واليوم يعيدون المسرحية مع اختلاف الترتيب:
نصركم ونصرهم كالمستجير من الرمضاء بالنار.
النهر حمل ويحمل جثث الأحبة جميعهم، وعندما ملأت الجثث النهرَ السوري، وعمّ الجوع والمرض.. تدخل الغريب مرة أخرى.. ورسم خطة دخول مراكب المتأسلمين كفاتحين، وأي نصر يحمله آفاقو الدين؟
والبلاد إن لم تدخل دوامة السنوات السابقة، فهي داخلة على مجاعات وحروب طائفية لا تبقِي ولا تذر إن لم نجد الحل.
**********
يأتينا من يقارن الشرق بالغرب..
هم يعيشون، يقتربون من أحلامهم، يختارون قرب أو بعد أحبتهم.. يعبدون الله عملاً، ويستخدمون الدين وسيلة للتطور والاستمرار..
بينما نحن نقترب من الموت، مع كل معركة.. ونضيع حلماً مع كلّ حزب وحباً في كل حرب…
نحن شعوب تغلف كل شيء بالدين، حتى السياسة.. و ندفع الثمن، فالروحانيات منذ الأزل عدوة الكراسي.. والاكتئاب يتحوّل وحشاً إن تغلّف بالسياسة…
سمعنا ونسمع مسبتنا، كإنسانيين!
نحن الأقوياء تحاربنا القطعان كلها، و ننطق الحق، فنخسر القبائل، ومازلنا نحاول علاج المكتئبين سياسياً.. فبهم -كلهم- تعود البلاد.
نحن من وقفنا ونقف ضد الإلغاء، الإلغاء الذي استخدمه الغرب في صناعة مراكب المتأسلمين، المراكب التي تحمل الطاعون إلى المنطقة بكلها، فيصبح الاكتئاب السياسي و غيره ترفاً ورفاهية.
وتسألونني عن الحل؟
لا حل قريب، لكن طريق طويل، يبدأ حتماً بسماع صوت العقل وصوت الضمير، نحتاج مثقفين حقيقيين يشجعون الجميع على رؤية صورة النهر -كاملة- كما بدأت منذ سنين..
في هذا فقط ردم لنهر الدم، فلا مزيداً من (الفاتحين)..
وغير ذلك مسبتنا شرف وتاج استمرار كفاح لوجه الله رب العالمين.
يتبع…