حلمنا بديكتاتور ألطف -متعدد الثقافات 17-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 8234 - 2025 / 1 / 26 - 00:18
المحور: الادب والفن     

“فقط الأنظمة المستبدة تحلّ أمورها في الخفاء.
في عصر العولمة إن كنت حقاً تلاحق "الشبيحة" و تريد الأمان قبل الأمن، خذْ الصحافة معك، أو أقلها اسمح للناس بالتصوير.”

الله أكبر من أية لحية، ملك، مدعيّ أو خليفة..
الله أكبر من النفاق، الظلم، الكيل بمكياليين ومعاملة الناس بحسب طائفة أجدادهم.
الله أكبر من الفقر، البؤس، البرد و الجوع الذي تورثونه لشعوبكم بسبب تاريخكم الأسود.
الله أكبر من منعكم للتصوير وعدم إدخال الصحفيين معكم في غزوات تشبيحكم، لكم في النظام البائد خير سلف.
الله أكبر مليون مرة.
كل علماني -أيّاً كان دينه- يقول هذا في وجه التعصب والتزمت باسم أي دين.
أما الثأر عزيزي المتأسلم، فغريزة حيوانيّة، قبل الإسلام كانت منتشرة جداً، وطالما يتواجد الغرباء -الذين أتوا أساساً لإعطائنا مفاتيح الجنان وهدايتنا- على الأرض السوريّة.. سنبقى ننط من الشبابيك، و ستبقى أبوابنا مقفولة.
الموزاييك السوريّ يتنوعاته التي لا تعجبك الآن، هو سبب رئيس لقوة هذا البلد وقدرته -دوماً- على تغيير التاريخ، والأمان الذي لا يحسه كثير من السوريين اليوم، بينما يحتفل آخرون، سيرمي بظلّه على سوريا كلها.. هل تعرفون ماظل الأمان؟
-الحرب الأهلية.
**************

“ تسميّة الناس بحسب دين وطائفة أجدادهم تعديّ على الله، حتى رب العالمين أبى أن توّرث الأديان ودعى إلى استخدام العقل.”

المشكلة ليست في حاجة الأقليّات -أيّاً كانت- وفي أيّ مكان في العالم إلى تطمينات.
المشكلة هي في عدم وجود قانون عادل يحقق الأمان، فتسود شريعة الغاب، التي يُعرّفها الطب النفسي بأنها انتصار دوافع البقاء الشخصي في حياة الغابة، بتفوق البطش والطغيان في تحقيق مصالح ومعتقد أكثري أو شخصي دون رادع قانوني في الصراع الأزلي من أجل البقاء.
أول من وصف شريعة الغاب كان روديارد كبلينج عام 1894: "قوة القطيع هي الذئب، وقوة الذئب هي القطيع".
تخيلوا حتى في منع شريعة الغاب سبقنا الغرب بأكثر من مئة عام.

و الطب النفسيّ علّمني أن الإنسان -أينما كان وأيّاً كان انتماؤه- في حاجة إلى عدالة القانون وإلا فيجدر بالجملة الشهيرة أن تكون:
"ضعف الذئب هو القطيع، وضعف القطيع هو الذئب". وهذا اختصار ما حدث و يحدث في سوريا.
**************

“الحاكم ليس إلٰهاً، تحويله إلى صنم مقدس غير قابل للمس هو عبادة أصنام، كما تقولون: "القرآن صالح لكل زمان ومكان".. فأصنام هذا الزمن هم ملوكه.”

جميعنا يعرف أن المكان المقدّس ل سوريا لن يجعل الحلول سهلة، لكننا بطيبتنا المعتادة حلمنا بديكتاتور ألطف...

كما كانت سوريا كبيرة جداً على نظام الأسد الأخرس، هي فضفاضة أيضاً على نظام الجولاني ذو اللون الواحد وأتباعه.
ما يحدث اليوم تطبيق مبارك لشريعة الغاب وإحكام ل دواعش القرن الحادي و العشرين برقاب ومعتقدات الإنسانية.
هم يعتقدون أنهم يمتلكون مفاتيح " الجنان"، هل تعلم البلاد العربيّة و الغربية معنى أن يحكم سوريا نظام يملك مفاتيح الجنان؟
النظام السابق ملك مفاتيح القضية و ذاق السوريون و غيرهم الويلات.
لنرى اليوم كيف ستكون إنسانية كل المكونات السوريّة في وجه إبادة جديدة وحرق كرامات جديد.. لنرى من سيرفع صوته في وجه نظام مستبد آخر..
هل ستستمر سعادة الحاكم في “تكويعك” الذي تأملنا به خيراً أو أنك ستعود إلى تبني أو مسايرة عقليات متزمتة؟
**************

“ الكراهية شعور إنساني طبيعي، اكره من تشاء.. لكن حاول -قدر الإمكان- ألّا تكره أطفاله، القانون العادل هو الذي يمنع الكراهية من حرق مستقبل الأوطان، بوضعها في محاكمات علنيّة وعادلة.”

في الماضي كتب المنتصرون التاريخ، لكن اليوم يكتبه العالم الافتراضي.
ثقافة الانترنت تتحكم بالناس وبالحكومات حالياً..
لا تقللوا أبداً من أهمية الافتراض ولا قدرته على قلب الموازين وكشف كل وجوه الحقيقة.

رغم أن القنوات الخبيثة بلعت الخبر، والسفلة تجاهلوه..
رغم أن الحمقى يظنون أن " المنتصر " قد يكتب التاريخ في القرن الحادي والعشرين!
يطلّ الفضاء الافتراضي حاملاً صحفه، ليشّهّدَ مصاحفكم..
سيشهد التاريخ أن بداية سقوط حكومة الجولاني ومن معه مرّت من حمص.. كما حدث مع الأسد الأخرس..
لجأت إليكم الأقليّات، فدستم عليها؟ يا وضاعتكم.

هرب سفلة النظام السابق خارج البلاد وفرّ المجرمون برعاية سلفكم، فانتقمتم وتنتقمون من البسطاء والفقراء..
تحطمون الموبايلات وتسرقوها لتمنعوا التصوير.. تبثون رعب البائد " الخفاء..الخفاء" من جديد.. يا عاركم.

ولو استمريتم أربعة عشرة سنة أخرى، لن ينسى الشعب ولن يبرأ ريف حمص مما فعلتوه في القرى كقرية فاحل وقرية مريمين.
**************

“ الأفكار و الكلمات في عمرها لم تهدم وطناً، بل على العكس.. كلما اختلفنا أكثر كلما استخدمنا عقلنا أكثر.
في الطب النفسي: كلما فضفض ال "هو" (الغرائز) كلاماً.. تنتصر "الأنا العليا" (الضمير) فعلاً.”.

ما تفعله الحكومة الانتقالية في سوريا اليوم هو محاولة تزويج الإسلاموية للإسلام وهذا لن يجلب للبلاد إلا مزيداً من الفقر والبؤس.
من يقتل السوريين اليوم ليس سورياً.. الحالات الفرديّة تكثر وتكثر وستتسبب حتماً في تقويض أحلام الجميع، فكما استعان نظام الأسد الأخرس بايران و روسيا وغيرهما، استعانت الحكومة الحاليّة بالمتطرفين من جميع دول العالم:
ضموهم ليحاربوا وحشاً ليس يمكن قتله إلا بوحش مثله.. فكانت الفصائل الطائفية، هذه لا تريد وطناً ولا عدالة ولا مساواة ولا علماً.. بل تريد نصرة الإسلامويّة .
الفصائل غير السوريّة غريبة عن تراثنا وعن سلامنا وعن أدياننا، لا تشبهنا ويجب طردها وإلا لا مكان لدولة حتى، فكيف وطن؟
ملاحظة للجيل الجديد المتعصب غالباً بسبب الفقر و انعدام الأمان والاستقرار في سنوات طفولته و شبابه:
الإسلاموية ليست دين، هي مصطلح إيديولوجي ينتمي إلى علم الاجتماع السياسي، ظهر منذ زمن بعيد.
اكتسبت الإسلامويّة كحركة متعصبة متزمتة أنيابها في القرن العشرين، وفعلو الفظائع في بلدان كثيرة أقربها لنا العراق الجميل.
الإسلامويين غير مهتمين بالوطن ولا بأحلام شبابه، بل بتنفيذ ثقافة الموت، وبالتالي أكل أي إمكانية للسلام، الأمان والاستقرار.

إن انتقاد الإسلام السياسي الجهادي ليس رجماً ل الإسلام أو ما يسميه الغرب: إسلاموفوبيا، بل على العكس، الأديان الحقة تتطلب من معتنقيها استخدام العقل، فالنقد بالتالي دعمٌ للدين الحق، الدين المعاملة.
سبب من أسباب وجوب تبسيط المواضيع وشرح أبسط الأمور أن جيل الشباب في سوريا اليوم كان بأعمار الطفولة عند بداية الثورة، و ماحدث بعدها من ظلم وطغيان دمغَ شخصياتهم، وحوّل كثيراً منهم إلى آلات تسجيل لجملٍ معادة وكره دفين.
لذلك مسامحة أواحتمال كثير من التعليقات والكلمات المسيئة واجبنا جميعاً.
تذكر قد يكون عمر أصحاب التعليقات بعمر أولادك وأحفادك، فحمّل خفيفاً، ولا تظلمهم مرتين.
**************

“ لا يوجد سوري حقيقي واحد يهمه من يحكم سوريا.. السوريون بحق يهمهم كيف يحكمها، أما المعارضة، فجزء أساس في قيامة الوطن، دون المعارضة لا وطن.. فقط دولة عرجاء.”

قدرنا أن نبقى معارضين، لكنني جد متفائلة بأن هذا لن يستمر للأبد..
مدينة دمشق التي لا نعرفها، في أمريكا/ ميريلاند.. أطلق عليها إدوارد هيوز اسم “ سهول دمشق السعيدة”!
يقولون في أمريكا أن السبب هو حبه لأقدم عاصمة في العالم دمشق..
وأظن لأنه كان من الذكاء أن يعرف أن دمشق البعيدة ليست سعيدة.
دمشق التي تستحق أن يحكمها شخص صحيح نفسيّاً يعشق الفنّ والأدب، يحب الخير للجميع، يُعرّف السلام بلفظ إنسانيّة لا دين..
يجتمع بالأدباء بحسب إنسانيتهم لا ضمان تطييفهم.. يجتمع بهم ليضمن رفعة المجتمع وسلامه لا خبثاً وانتقاماً.

شخص يخاطب الشعب يومياً في زمن “ الحالات الفرديّة”.. شخص لا تحاربه فصائل ودول كما كان سابقه، فلا يذهب بالبلاد قرابين حلول أزمات الغرب والشرق.
دمشق كما سوريا فيها من العظماء الكثير، لكن حظها دوماً يجلب لها ملكاً أو خليفة يعتقد أنها ورث أبيه أوأجداده..

قدرنا أن نبقى معارضين، لكنني جد متفائلة بأن هذا لن يستمر للأبد..
لأن الدعس على نظام الأسد الأخرس نجح تماماً في مهمة وحيدة -إلى الآن- الدعس على المفهوم الحقير “القائد المفدّى إلى الأبدّ “..

الحقيقة الكاملة تلمّ جميع أنصاف الحقائق.. لن تعجب أحداً.. ومن ينادي بها لا ينتمي إلى أي إطار سوى الإنسانية.
قائدنا إلى الأبد: عقلنا الذي ميّزنا به الله عن سائر خلقه وسيحاسبنا على استخدامه، والأهم على الوعي لتكسير أي صنم.
قدرنا أن نبقى معارضين، لكنني جد متفائلة بأن هذا لن يستمر ، وأن ثقافة الحياة حتماً ستنتصر…


يتبع…