سلّم على النرجسات - الطب النفسي التجميلي 2-
لمى محمد
الحوار المتمدن
-
العدد: 7910 - 2024 / 3 / 8 - 22:50
المحور:
الادب والفن
رحمة التفاصيل تخفف عنّا وطأة ما حدث.. تفاصيل انتهاء علاقتك مع شخص كنت له أخاً، صديقاً، أباً، أماً، معلماً وسنداً…
ثم يأتي يوم، يطعن فيه ذكرياتكما قبل ظهرك.. وفي ودك قبل شخصك..
تعطي فرصة أخرى.. وتتناسى.. فتأكل طعنة أعمق..
فتمضي في طريقك، محدودب الظهر، حزيناً كنرجس ثقب الأرض الثلجية، فداسته حوافر قطيع غادر..
تسمع مما قاله عنك ما يُخرِس مبرراتك، وعندما تتجاوز قلة الأصل عتبة تحملك، تمسح جبينك، تشد ظهرك، و تنسى.. كأنه لم يكن، لم يكن.
أما عملك الخيّر، فهو سبب من أسباب نجاحك واستمرارك، فلا تندم أبداً.. وسلّم على النرجسات.
كل عام في الطب النفسي، عرفت الناس أكثر، فقدمت مبررات أكبر..
عرفت أن الحكمة في ألّا تنفعل، وأن العقل في ألّا تندد وتشجب…
الموقف الحقيقي يكون عندما تجد للمشكلة حلاً، أو أقلها تساند من يحاول حل المشاكل، بدلاً من انفعالات عقد النقص.
عقد النقص هي فراغات في صراعات لاوعيك، لم تصل وعيك لأسباب كثيرة، فتحولت إلى مناطق مخيفة مظلمة، إن سلط أحدهم -عن قصد أو من دون قصد- نوراً عليها، اختل استقرار وعيك بالقلق واضطرابات المزاج.
كلّما عرفت لاوعيك أكثر، كلّما سلّطت نور بصيرتك على تلك المناطق، فامتلأت بفهم وتبرير لما حدث، وبالتالي انحلت العقد. وينعكس ذلك على وعيك ومزاجك، فتصبح نموذجاً عن الشخص المطمئن.
المطمئن قد يكون مرحاً وقد يكون هادئاً.. لكن المتشائم السوداوي حتماً غير مطمئن، وعندما نقول هذا لا نعيب أحداً، فكلنا في مرحلة ما، سنعاني في هذه الحياة، ومعاناتنا لن تنتج طمأنينة في غالب الحالات.
الشخص الانفعالي الغاضب، يخبرك أن فجوات لاوعيه تبتلع أية فرصة لتمتين صداقة جديدة أو الحفاظ على صداقة قديمة، خاصة إن كان الصديق يضىء بنجاح معاكس تماماً لفشل الشخص الانفعالي.
إن كنت الشخص الانفعالي، ففكر في مراجعة الطبيب النفسي، قد يكون في ذلك مفتاح سعادة لم تعرفها قبلاً.
وأن كنت الصديق المضيء،، فالقاعدة السيترينية في الصداقات:
سامح في المواقف البسيطة دائماً.
أما في طعنات الظهر، سامح مرة دون اعتذار، وسامح الثانية إن اعتذر، أما الثالثة إن حدثت، فلن تسامح نفسك، الأفضل أن تنسحب.
*****************
لا نعرف الله إلا عند الشدة، ولا نبقِ على الأصدقاء بعد الشدة، ننكر المعروف، نبصق في ذكريات صنعتنا، نحوّل ماضينا إلى مستنقع، فيتسع كل من كان فيه.. هكذا قال السذج.
المصيبة أننا نرى الجوع المادي، ولا نرى الجوع المعنوي..
الجوع المعنوي للخلق الكريم، للطيبة، لرد الجميل وللعرفان… الطفل جائع في البلاد الغنية أكثر من جوعه في بلاد العالم الثالث!
تزوجت إحدى معارفي مرة أخرى بعد طلاقها من ذكر شرقي منفوخ كديك حبش بقي حياً بعد عيد الشكر.
من أبشع ما حدث بعدها أن أولادها حوّلوا هويتهم، ويكتبون اسمهم في المدرسة بلقب الزوج الجديد، مع تهليلها وتعليلها للفكرة.
كنت أراها وقد تحولت من إنسانة هادئة لطيفة، إلى شخص فاجر، انفعالي، غاضب، ناقم، ومتشائم…
-هذه ليست هي، قلت في نفسي.. و حاولت -قدر الإمكان مساعدتها، لكن ما تفعل طيبتك أمام خبث ذكر شرقي، قرر نسف ماضي زوجته بما فيه.
في إحدى مشاحناتها معهم، قالت لي:
-أجزم أن فيهم مشاكلاً نفسية..
أجبتها لا، فأعادت: أنا متأكدة.. لا نعرف كيف نرضيهم…
حزنتُ جداً.. فالأطفال ضحية زوج الأم الذي ابتلع شخصيتها وكيانهم معها، إن حدث معهم مرض نفسي كالاكتئاب، القلق أو اضطرابات الأكل والشخصية مستقبلاً، فمن أهم الأسباب: الأم وزوجها الآن.
تنتهي حكايا الطلاق العربية بالتشهير، الإهانات و الذل..
هذا ينم عن شديد الحب ما قبلها، لكن ما يقتل فعلاً هو الإلغاء.
لا تلغِ أم أولادكَ ولا تلغي من كان يوماً شريكَ حياتكِ من حياة أطفاله، هذا إن كنتم فعلاً مهتمين بمستقبلهم لا أنكم تحومون حول نرجسية طرف جديد.
إنّ اسم الطفل جزء من كينونته، فإن أنتِ قبلتِ بأن يبدأ طفلك بقص كيانه ليسع قالب حياتكِ الجديد، من المريض نفسياً؟
بالمناسبة المرض النفسي ليس وصمة عار، الشخصية النرجسية ليست مثاراً للخجل.
الحكمة تقتضي أن تعرف لاوعيك وتعرف خلّة شخصيتك، ثم العمل على أن تكون شخصاً أفضل.
ستقول لي:
-أنا بخير، لمَ أطلب العلاج؟
وأجيبك:
-هل من حولك بخير؟ هل أطفالك بخير؟
يتبع…