سمعتكم تضحكون -الطب النفسي التجميلي 7-
لمى محمد
الحوار المتمدن
-
العدد: 7987 - 2024 / 5 / 24 - 22:47
المحور:
الادب والفن
القصص التي نكتبها متخيلة كانت أم واقعية، فيها مما يبلسم جراحنا ما فيها.. فيها مما نتمنى، و فيها أيضاً مما نود لو أنه لم يحدث…
القصص تختلف باختلاف الراوي، وبتعدد الرواة..
الفتوحات في قاموس الغرب استعمار عربي، أما ما نسميه الاستعمار، ففتح وتطوير…
المعشوقة طيبة ومكافحة.. ومن تركتْ البطل قوية وفاجرة..
من يطبطب على مصلحة البطل، حنون.. ومن ينطق حقيقةً يحاول البطل إخفائها ملعون!
ليس كل ما يضحكك قد يضحك غيرك.. في الحقيقة ما يضحكك قد يُبكي غيرك…
لكن، قلّي ما يضحككَ، أقلْ لك من أنت.
الرسائل التي تصلني عبر “أرسل حكايتك” في موقعي الشخصي، محزنة في كثير من الحالات، وإن كنتُ قد وعدتكم -من العنوان- بالضحك، فسأكتب القصة -كما العادة- بلسان الراوي.
تسألونني: ونضحك؟
أقول: أجل لا تستغربوا، لكل ابتلاء في هذه الحياة وعاء من الفرح.
**********
حكاية الدجاجة:
طار الحزن من الباب عندما هجم العشق من الشباك.. وظننتُ أنني أنا العانس الأم لأخواتها قادرة على امتلاك قلب شاب أصغر وأجمل مني…
اكتشفت أن الحزن دجاجة، عندما سمعته يقول لزوجته:
-هذه هي المسكينة التي اعتقدت أنني أهواها.
قالت طبيبتي النفسية: ما تعانيه ليس اكتئاباً، بل نوع من اضطرابات التأقلم أو الاكتئاب الارتكاسية، وفيها يرتكس الشخص لحدث جلل..
-حدث جلل.. هل أرى ما حدث صعباً؟
فأجابت:
- ما يحدد صعوبة أي شيء في هذه الحياة هو مقدار تعلقنا به.
أمسكت دجاجتي من عنقها، وذبحتها..طبيبتي النفسية تسأل عن تحسني.. قلت لها: الغذاء اليوم ملوخية شامية بالدجاج.
**********
حكاية المطر:
مشيت تحت المطر، لطالما اعتقدت المطر كلام الله:
-أرسلتُ الخير لبذور في سابع أرض، أعاجز أنا أن أرسله إليك؟
عندما تركني الجميع، لجأت إلى الطب النفسي…
-أن أتحكم بأولادي وأخوتي واقع حال وعادة.. أظن أنني صنعتهم، فلم لا؟
فأجابت طبيبتي النفسية:
-لا أحد يصنع أي أحد.. أنت ساهمت في حيواتهم خيراً وشراً.. هذه رسالتك، وهم ساهموا بنفس الطريقة.. هذه هي الحياة.
-لكنني أضعت عمري في سبيلهم، عمري في الثمانين، أفلا أستحق الإصغاء…
-لا أحد في هذا العالم يضع عمره من أجل أي كان، أنت أضعته تبحث عن المصداقية، تحتاج مدح ودعم من حولك.. نفسك هشة وضعيفة، لا تحتمل الحياة لوحدها، ولا تتقبل خسائر القدر ولا حكم القضاء.
-أظن مشاورة الناس من حولي حكمة…
-الحكمة أن تدع الخلق للخالق.
في ذلك اليوم خاطبتُ رب العالمين، قلت له:
-يا الله أودعتك كل من حولي، ولجأت إليك من نفسي.
كان نوماً عميقاً ولذيذاً مع أمطار السماء…
طبيبتي النفسية تتصل لتسأل عن سبب تغيبي عن الجلسة، قلت لها:
-تأدبي في حضرة كليم الله.
**********
حكاية الفطائر:
منذ تغربت وأنا أصنع الفطائر، أصبحت ماهرة جداً في خبزها، لكنها من دون طعم، ككل شيء في الغربة.
-لست مضطرة لوضع أطفالي في منطقة حرب وفوقها من دون ماء ولا كهرباء.. مغتربة في ألمانيا منذ عشرين سنة.. كيف لهم أن يتأقلموا مع الوضع في بلاد بلا أدنى الاحتياجات الأساسية للإنسانية؟
قلت لهم هناك: أريد أن أقضي أيامي في فندق، فقامت الدنيا عليّ، يقولون كيف لك أن تصرفي نقودك هكذا؟ الناس جائعة.
سألتني الطبيبة النفسية:
-لماذا تريدين زيارة البلاد إن كان الوضع هناك بهذا السوء إذاً؟
-لأرى الأقارب والأصدقاء.. من أجلهم ليس من أجلي…
-بل من أجلك. أن ترسلي لهم تكلفة سفرك وتحدثيهم بكثافة صوت وصورة في عصر العولمة هو من أجلهم، أن تذهبي لزيارتهم مع كل ما تصفين هو من أجلك.
في صورة حياتك قطع ناقصة، تحتاجين إكمالها، الفطائر التي تعدينها من غير طعم لأنك مللت الخبز.
-يعني تظنين أنني مخطئة في الزيارة؟
-هذا ما تحددينه أنت، ما أعرفه أن هذا ليس اكتئاب، بل نوع من اضطرابات التأقلم أو الاكتئاب الارتكاسية، وفيها يرتكس الشخص لحدث مُجْهِد ومُرهِق..
-هل أرى زيارتي إرهاقاً؟
-ما يحدد قيمة أي شيء في هذه الحياة هو تأثيره على راحة البال.
طبيبتي النفسية تتصل لتسأل عن سبب طلبي لجلسة عاجلة، قلت لها:
-فطيرة أحلامي.. احترقتْ.
**********
القصص التي نكتبها متخيلة كانت أم واقعية، فيها مما يبلسم جراحنا ما فيها.. فيها مما نتمنى، و فيها أيضاً مما نود لو أنه لم يحدث…
القصص تختلف باختلاف الراوي، وبتعدد الرواة..
الفتوحات في قاموس الغرب استعمار عربي، أما ما نسميه الاستعمار، ففتح وتطوير…
المعشوقة طيبة ومكافحة.. ومن تركتْ البطل قوية وفاجرة..
من يطبطب على مصلحة البطل، حنون.. ومن ينطق حقيقةً يحاول البطل إخفائها ملعون!
القصص التي نكتبها، كتبتنا.. و ستكتب ناساً آخرين في زمن ألعن..
زمن ينظرون فيه إلى زمننا ويقولون: " آه وآهات على الزمن الجميل"…
..
..
سمعتكم تضحكون..
..
أعرف ليس كلكم، فكما قلت في البداية: ما يضحكك قد يُبكي غيرك.
يتبع…