من ماسك و ترامب إلى صكوك الغفران - متعدد الثقافات 3 -


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 8056 - 2024 / 8 / 1 - 22:47
المحور: الادب والفن     

ويقال أن الفراشة لم تولد حشرة، بل طائر جميل، قرر أنه لا يمكن للبشر أن يحبسوه في أقفاص ضيقة، فتصيّر فَرَاشَاً…

في كل يوم تعلمت الطب النفسي أكثر، فاقتربت من خفايا النفوس البشرية خطوة، ابتعدتُ عن التحزب والتطرف أميالاً، عرفت أن حبس أي نفس بشرية في أطر موروثة يقتلها ويحولها إلى حشرات لا تشبه الفراشات…

من يعرف الحكايا كلها، يضع المبررات للجميع، هذا الشخص لا قطيع لديه.. لا منتمي.. هكذا نراه يسير وحيداً في حياته، ومع الملايين بعد الممات…
السبب بسيط: الناس تحب من يلعب على عواطفها ويخدعها.. الصادق يخسر دوماً في زمن التيك التوك، المظاهر الخادعة والاحتيالات اللفظية.

إيلون ماسك فهم اللعبة جيداً، حتى في إعلاناته -غير المرئية- الكثير من اللعب على العواطف.. ستقولون لي إعلانات.. لم نره في إعلان قط..
وأقول لك، شخص بهذا الذكاء سيدفعك بطريقة غير مباشرة لدعم منتج ما بمجرد حديث لطيف من "اللوغو" وتاريخه، سيدفعك للتفكير بالانتقال إلى مدينة ما، بتسليطه الضوء على ماهو موجود في ألف مكان آخر!

شخص كهذا لن يذهب لشركات معيّنة لطلب المال مقابل إعلان ما، بل سيشتري أسهماً في الشركات و العقارات، ثم سيستخدم اسمه وذكاؤه في جعل الملايين يشترون، هكذا تزيد أملاكه كل ما يفتح فمه!

في هذا العصر يلعب الأذكياء على عواطف البشر كما ذكور الدين.. بينما يخفت صوت الأتقياء و الصادقين، منذ متى و الصدق يربح على كوكب قابيل وهابيل؟ كوكب العورات والمرسَلين…
***********


لعب ترامب على العواطف أيضاً.. استخدم العنصرية صكوك غفران.. والتحزب مناطيد أمان.. ومع أن زمنه لم يكن في هذه المجالات بأسوأ من سابقيه، لكنه استطاع بذكاء دق نواقيس الشوفينية، الأديان والقوميات عند كل من لديهم الاستعداد للتحزب، أياً كان دينهم ومعتقداتهم، هكذا انتخبه المتحزب المسيحي والمتطرف المسلم واليهودي…

أجل ترامب لا ينتمي إلا إلى عالم المال.. وعالم المال في نصفه لعب على العواطف وفي النصف الآخر لعب بالسياسة.. تغيير للمواقف!
انتقى الأذكياء هاريس لنفس السبب تماماً.. اللعب على العواطف، عواطف المؤمنين بالأقليات، المغلفين بالليبرالية وعشاق "الصوابية السياسية" Political correctness

الوضع في الغرب، لم يكن بأسوأ مما هو عليه، التضييق على حرية التعبير والتفكير باتت واضحة، مغلفة بالصوابية السياسية ومصالح تجار الأسلحة وصناع الحدود.
اليوم في أمريكا عجز مذهل حتى في تعريف كلمة طبيعي.. كل ما هو هنا خاضع لسلطة المال وذكاء ماسك، ترامب وأمثالهما…

حتى ينتصر في أمريكا الحزب الأخضر Green Party of the United States ستبقى العجلة تتحرك إلى الخلف.
*********


ما يحدث في ف ل س ط ي ن صكُ غفران لجميع حكام العرب:
أن افعلوا ما شئتم بهذه الشعوب الميتة، التي إن قررت أن تصحو، أكلتها الطوائف والقوميات، وإن نطق فيها عقل بالحق، أكلته عقدها مع ملح التحزبات التافهة وحدود الاستعمار التي صنعت ما نسميها "أوطاننا".

الهزائم يا رفاق لا تأتي أبداً من العدو.. الحرب مع الأعداء غير عادلة، لذلك الهزيمة فيها نصر للأحفاد وللقضية.

الهزيمة النكراء تصطحب كل ساعة نسيتم فيها أن وطنكم بلا حدود من المحيط إلى الخليج.. ورضيتم بحدود وأسماء وضعها التجار والفجار ومدعو الدين…

الهزيمة تأكل أحلاماً مع شبابنا على أبواب السفارات الغربية وفي قوارب الموت المحملة بما بقي من كرامتنا جميعاً..
هذا زمن صكوك الغفران، محاكم التفتيش قديمة.. ألفناها.. منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام.
*********


يوجد بشر يضيعون الجزء الأول من حياتهم في محاولة إثبات أنفسهم للآخرين.. ثم يضيعون الجزء الثاني في إثبات أنهم كانوا على حق..
في الطب النفسي تأكلهم عقد الذنب، لكنهم لا يرون الواقع على حقيقته، فتتحول ردات فعلهم إلى غضب موجه للداخل فيما يسمى الاكتئاب أو للخارج فيما يسمى الهجومية…

من المتعارف عليه أنك ترفع صوتك في المحادثات لأن وعيك يعتقد أنك غير مسموع.. في الحقيقة ترفع صوتك لأنك تريد أن تُسْكِتَ صوت لاوعيك بأنك غير موجود..
عندما تصرخ.. أنت تريد من يحس بك، ويضع نفسه مكانك.. ياعزيزي هذا الشخص غير موجود، لذلك الطب النفسي حلّ و ملجأ.

..يقال أن الفراشة لم تولد حشرة، بل طائر جميل، مازلنا نراها هكذا.. ليس لألوانها، لكن لأننا لا نسطيع حبسها دون قتلها...



يتبع…