مناضلون أم مقاولون؟!


أحمد بيان
الحوار المتمدن - العدد: 7655 - 2023 / 6 / 27 - 23:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

هل من واجب أو من أولويات المناضل، أقصد المناضل الماركسي اللينيني، خدمة قضية شعبه وفي مقدمتها قضية الطبقة العاملة أم خدمة مصالحه وتنميتها والتصدق بالفتات تحت ذريعة الكرم النضالي والثورية المصطنعة وشعارات أخرى...؟
إن النظام لا يسمح لأي مقاول أو مستثمر وفي أي مجال أن تزدهر "بضاعته" إذا لم ينحن وينفذ التعليمات الحرفية...
إن القطاع الخاص مزرعة النظام بدون منازع. فاما ان تخضع وتقبل بالأمر الواقع او تفشل. فهل يعقل ان تزدهر بضاعتك "الجميلة" وانت تمول أعداء النظام امام عينيه وأن ترفع الشعارات ضد مصالحه الطبقية، بل وأن "تتعنتر" في مداخلاتك أمام الجمهور؟
انها طوباوية عتيقة، إنها مسرحية مكشوفة!!!
لهذا نرى "رفاقا" في حيرة من امرهم، ولا نرضى لهم ذلك. فقط لا نقبل ان يسعوا بكل جهدهم لخلط الأوراق (الثوري/الانتهازي). انهم يسيئون للقضية ولانفسهم. ومن حقهم اختيار الخندق الواحد، فالصراع لا يقبل وجهين...
ومن يصاحب/يرافق الجميع (المتناقض) انتهازي حقير...
وعلى مستوى آخر، كيف يحملون المناضل مسؤوليات بعيدة عن امكانياته؟
هل المناضل مسؤول عن مآسي رفاقه وعائلاتهم، إبان الاعتقال أو التشريد أو الطرد من العمل أو لظروف صحية...؟
المناضل بدوره يعاني وليست لديه الإمكانيات حتى للتنقل، فبالاحرى تقديم الدعم المالي...
من البشاعة أن تقدم المناضل، أي رفيقك، عاجزا أو متخلفا عن القيام بواجب الدعم، وأنت تعرف أنه لا يستطيع الى ذلك سبيلا!!!
المناضل أيها "الشهم" ليس بنكا، وليس مصدر ثروة وليس "سعايا" ليطرق من موقع ضعف أبواب ذوي الإمكانيات التافهين. ومن يعتقد أن بإمكانه القيام بذلك فليقم به أمام الملأ وبانتظام. وقد يسأل من أين له ذلك...
أما "الدعم" الفايسبوكي والنشر وإعادة النشر والعناق وتقديم الورود والرقص والعبث بالشعارات فلم تعد تؤدي الدور المطلوب. لأن المعتقل المناضل وعائلته في حاجة إلى الدعم النضالي الملموس وليس إلى الكلام الحلو والزيارات الجافة أو الدعم الفايسبوكي...
المناضل الحقيقي لا يطالب بالدعم المالي، إنه يطالبنا بالدعم النضالي؛ أي الانخراط في المعركة من أبوابها الواسعة وليس من نافذة الدعم المالي الضيقة...
وبيت القصيد، فجل المناضلين يعيشون ظروفا صعبة. وعلاقاتهم محدودة ومرتبطة بالمقهورين وليس بذوي النفوذ والمال. ومن يتوفر على بعض الإمكانيات بكده وعرقه ليس بمقدوره تغطية احتياجات العدد الهائل من المعتقلين السياسيين والمطرودين والعائلات...
هناك تنظيمات تغص بالأساتذة والمحامين والمهندسين والمقاولين (و...)، ورغم ذلك تعجز عن أداء هذه المهمة الصعبة، ونجد أصحاب المبادرة يمجدونهم/يتملقونهم بمناسبة وبدونها...
والخطير عندما يطرح السؤال لماذا هذا الشهيد وليس ذاك؟ ولماذا هذا المعتقل وليس ذاك؟ ولماذا هذه العائلة وليست تلك؟
ولماذا هذه المساهمة البسيطة أمام تلك المساهمة "الغليظة"؟
ولماذا ولماذا؟ أسئلة لا تنتهي...
وهناك تجارب عديدة أدت إلى العداء والعداوة والتشكيك والاتهامات والاتهامات المضادة...
إن المناضل الحقيقي يعرف ثمن النضال. ويعرف ما يتطلبه النضال منه ومن عائلته...
علما أن الكثير من الدعم المالي يغدق على المعتقلين المنبطحين/المرتدين وعلى عائلاتهم ...
لا يجادل أحد في إيجابيات الدعم المادي والمعنوي. ومطلوب فعلا القيام بذلك. وهناك مناضلون يقومون به في صمت وبدون دعاية لشخصهم أو لمشاريعهم. لهم تقدير وتحيات نضالية عالية...
إن من يدعو إلى تنظيم الدعم المالي خاصة حري به الدعوة والانخراط في سيرورة بناء التنظيم الثوري. لأن هذا الأخير وحده يمكن أن ينجح في انجاز هذه المهمة. لأنها من صميم مهامه الثورية. أما الأشخاص كمجموعات أو أفراد أو حتى اطارات مخترقة من طرف البوليس والانتهازيين فلن يعملوا إلا على المزيد من التشرذم والعنترية...
فهل توفقت الجمعيات والمنظمات المحلية والجهوية والدولية في حل هذه المعضلة؟
وكما ورد في أحد مقالات الرفيق حسن العبودي "في تقديري، وفي فهمي، المتواضع، لتجارب عدة عالمية ومحلية، أن المناضل المقاتل يجب عليه استثمار كل ما هو مفيد للوصول إلى الأهداف التي يطمح شعبه أو الشعوب الوصول إليها، وهذا من الوجهة الثورية أمر شرعي.. بينما كل اجتهاد أو عطاء قد يستفيد منه العدو فهو انزياح وما أقبح ذلك حين يكون بخلفية خدمة مصالحنا الأنانية.. ويزداد قبحا حين نزينه ونشرعنه باسماء الثوار وبالاخص بأحد جنود الجدل والصراع الطبقي. هنا مأساة نكران الذات.. إنه التأرجح بين خطين..
أجمل شيء في الثائر هو الاستقامة الثورية.. هو الانسجام.. هو قدرته على تقييم نشاطه في إطار الصراع.. هو إيمانه بأنه ليس الثائر من يصنع الثورة بل الشعوب الثائرة هي من تصنع الثورة حين تمتلك تنظيمها الثوري".
ومن يدعو إلى حكاية "الدعم المالي" اليوم، فإما يجهل التاريخ (لا نظن ذلك) أو يتجاهله أو يسعى إلى النجومية من الباب الانتهازي أو يضحك على الذقون كبطل عبقري اكتشف حلول المشاكل المستعصية للمضطهدين داخل السجون وخارجها دون ان تطأ قدماه الزنزانة...
الاعتقال السياسي قضية طبقية. والنضال مسؤولية ومبدئية. والوضوح السياسي والايديولوجي خط فاصل وفاضح في نفس الأن...
اما الانتقائية فانتهازية مفضوحة ومقيتة...
ان تكون مع او ضد، لا غير...