راعية الإرهاب الحقيقية فقدت شرش الحياء!
مشعل يسار
الحوار المتمدن
-
العدد: 7371 - 2022 / 9 / 14 - 22:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أعلنت الولايات المتحة روسيا "دولة راعية للإرهاب” بسبب "الأحداث في الشيشان والعمليات العسكرية في جورجيا وسوريا وأوكرانيا”. وصرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين في هذا السياق بأن وزارة الخارجية الأميركية تدرس مدى توافق القانون الأميركي مع مسألة إدراج روسيا في قائمة "الدول الراعية للإرهاب”. في هذا السياق كتب المحلل السياسي رامي الشاعر في جريدة "زافترا" الروسية مقالة جاء فيها إن علينا ألا ننسى أن الولايات المتحدة اعترفت بالأمس على لسان وزيرة خارجيتها سابقاً هيلاري كلينتون بتمويلها تنظيم القاعدة الإرهابي المحظور في روسيا والمجاهدين الأفغان خلال حربهم مع السوفييت في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي. وأن هؤلاء الإرهابيين شكروا المحسنين إليهم الأمريكان على طريقتهم في صورة تفجيرات سبتمبر 2001 فصاروا وعلى رأسهم أسامة بن لادن العدو الأول للولايات المتحدة. كما تعاونت وكالات استخبارات غربية أخرى مع الجهاديين من الدواعش والنصرة في الشرق الأوسط وأجزاء أخرى من العالم، ولدى أداء "مهام خاصة” مختلفة، أو التحضير لانقلاب، أو خلق بؤر توتر هنا وهناك. وبعد ذلك، أدرجت الأمم المتحدة بعض هذه المنظمات في قائمة "الإرهابيين”.
لا ننس هنا أيضا أن الولايات المتحدة كانت الدولة التي نفذت حروب وتفجيرات العراق وأحداث ليبيا الدامية التي نكلت بالقذافي على طريقة الإرهابيين. وتواصل دعم الإرهاب الإسرائيلي لشعب فلسطين وقمع وقتل الفلسطينيين العزل في غزة والضفة.
بالإضافة إلى ذلك، لا بد من التذكير بأن العسكريين الأميركيين موجودون بشكل غير قانوني في سوريا. وتتحجج واشنطن بضرورة محاربة المنظمات الإرهابية مع أن ما يحدث هو العكس في الواقع. فقد ساهمت الولايات المتحدة بكل وسيلة ممكنة في التهريب المباشر وغير المباشر للأسلحة إلى الأراضي السورية، وقدمت "مساهمتها” في إيصال شتى أنواع الأسلحة والإرهابيين من دول عديدة إلى سوريا. واستخدمت الآلة العسكرية الأميركية غِراسَها الإرهابي في سوريا للضغط على دمشق، وحصار العاصمة السورية من أجل ترتيب انهيار الدولة السورية. هذا هو بالضبط المصير الذي تم تحضيره لسوريا، لولا قرار القيادة الروسية القاضي بإرسال قوات جوية إلى هذه البلاد، الأمر الذي قدم مساهمة حاسمة في دحر العصابات الإرهابية وإنقاذ الدولة السورية من الانهيار. وظهرت للعيان كذبة "الدور المهم” للولايات المتحدة في محاربة الإرهاب في سوريا. ووضع منظمو الإرهاب نصب أعينهم هدف ترهيب المواطنين السوريين بتصويرهم لقطات فيديو مفبركة هوليودياً تظهر قيام إرهابيين بقطع رؤوس أسرى ورهائن، وذلك تسهيلا لمهمة سيطرة الإرهابيين الحقيقيين في ما وراء المحيط على دمشق ومدن سورية أخرى. هذا إذا لم نضف ما ارتكبه الطيارون العسكريون الأميركيون عام 1945 في حق اليابان، عندما ألقوا قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي أودتا بحياة أكثر من 200,000 ياباني، ناهيك الآثارَ المخيفة التي لا تزال تعبر عن نفسها إلى يومنا. وهكذا يصبح "اعتبار روسيا دولة راعية للإرهاب" من قبل أول دولة إرهابية في العالم مزحة سمجة وسخيفة.
إن الإدارة الأميركية هي التي تدعم في الواقع الإرهاب الدولي وتساعده بكل وسيلة ممكنة. وحيثما تنشط منظمات إرهابية لا بد أن نلحظ دوراً كبيرا للسفارة الأميركية في البلد المعني.
ومع ذلك، فإن البعض من العرب خاصة، وعلى رأسهم مدعو الثقافة، يغفر بل ويبرر للغرب الوقح فعاله مصدقا أسطورة "تصدير اليمقراطية". مع أن حقيقة الأمر أنه كناية عن عصابة مافياوية اعتادت على أن تمضي قدمًا في أعمال القتل ونهب الموارد الطبيعية في العالم العربي والقارة الأفريقية، واليوم تريد أن تنقذ نفسها من الغرق في مستنقع الأزمة التي خلقتها الرأسمالية الطفيلية المضاربة والمتاجرة فقط بالحروب كسوق دولية لإنتاجها الحربي، فسيطرت على مفاصل السلطة في الاتحاد الأوروبي ابتداء من ألمانيا وفرنسا وانتهاء بجورجيا ومولدوفا وأوكرانيا. ولعل الحكام الأميركيين يعتقدون أن العالم بأسره هو تحت أقدامهم. ويتوهمون أن "المجتمع الدولي” يقف إلى جانبهم. ويزعمون ليل نهار أن "معظم دول العالم” تدعم أوكرانيا في "حربها مع روسيا”. لكنها كلها أكاذيب وأقاويل لتمديد مفاعيل اتفاقيات تزويد أوكرانيا بالسلاح ليحارب الرئيس اليهودي الصهيوني زيلنسكي حتى آخر أوكراني، ولينتفخ تنين مجمع صناعة الحرب الأميركية أكثر فأكثر من جراء المليارات الجديدة التي يجنيها. أما "داعمو أوكرانيا" فهم في الواقع أولئك الذين يسمون أنفسهم "المجتمع الدولي"، فيما هم لم يعودوا سوى مافيا عالمية تضرب وتنهب هنا وهناك منذ أن هربت شركاتها إلى حيث الربح أكبر والمسؤولية البيئية أقل.
اليوم تستمر العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا ضد حلف الناتو الذي اغتصبها ونفذ في حنايا جسدها كخلايا السرطان وحولها إلى بؤرة للنازية المتجددة بعد أن كان فعل هذا في الماضي مع ألمانيا إبان الرايخ الثالث. بل أيضا إلى دولة إرهاب كما تجلت في فعلتها الأخيرة حيال ابنة أحد مستشاري الرئيس بوتين داريا دوغينا، وفي قصفها بين الحين والحين لجوار محطة الطاقة النووية في زابوروجييه حيث يمكن القول بثقة إن راعية الإرهابيين النازيين الأوكران تلعب مجدداً بالنار، كما في مأساة هيروشيما وناغازاكي.
كل هذا يدل على أن الغرب يدرك أن الهزيمة قادمة وليس النصر. فقد فشلت الخطط التي رعتها واشنطن على مدى العقود الثلاثة الماضية. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تستخدم جميع الأساليب في محاولة لتحويل انتباه الدول الغربية، بل المجتمع الدولي بأسره، عن فشلها. فيتم استخدام سلاح الإعلام والأخبار المزيفة والخداع المباشر للجمهور. إن روسيا تقوم بمهمة واضحة اليوم. فهي تولت مسؤولية حماية السلام وضمان الأمن والاستقرار الدوليين. وكما يقول المثل، الحقيقة أهم من القوة.
ويقول المحلل السياسي رامي الشاعر: "في عام 1988، نشرت دار التقدم "بروغرس" للنشر كتابي بعنوان "الاتحاد السوفيتي حاضراً ومستقبلاً". وقد حاولت فيه أن أوضح بالتفصيل أن معنى البيريسترويكا (إعادة الهيكلة) التي كانت تجري في ذلك الوقت كان محاولة نقل العالم من مرحلة المواجهة وسباق التسلح النووي إلى مرحلة التعاون وإزالة الأسلحة النووية. آنئذٍ كتبت عن المبادرات والخطوات البالغة الأهمية التي اتخذتها موسكو. إلا أنها ما عتمت أن أدت إلى تفكك النظام الاشتراكي، وحل حلف وارسو، والانتقال من النظام الاقتصادي الاشتراكي إلى اقتصاد السوق الرأسمالي، وتنفيذ سياسة الانفتاح على الغرب، وانهيار الاتحاد السوفيتي، وحل قضية الأسلحة النووية والقضاء على جزء من الصواريخ ذات الرؤوس النووية. ومع ذلك، فإن الغرب بقيادة واشنطن كان يحاول طوال هذا الوقت، للأسف، خداع روسيا، على الرغم من توقيع روسيا والولايات المتحدة على عدد من معاهدات خفض الترسانات النووية وقبول الاقتراح الروسي لمناقشة معاهدة منع نشر الأسلحة في الفضاء الخارجي. بيد أن عدم وجود رد جادّ على المقترحات الروسية، وتكتيكات المماطلة والتأخير والتعطيل، وتوسيع حلف شمال الأطلسي شرقاً - هو فقط ما لاحظته روسيا على مدى العقود الثلاثة الماضية. ولكن لا يمكن أن يستمر هذا الوضع إلى الأبد، خاصة بعد أن بات حلف شمال الأطلسي فعليًا على أعتاب روسيا.
وقد فرغ الصبر الروسي عندما بدأ بناء قاعدة عسكرية كبيرة تستهدف روسيا على أراضي أوكرانيا، ناهيك عن الإجراءات العقابية والمذابح وقتل السكان الناطقين بالروسية في الدونباس، وحظر تعليم اللغة الروسية، وإغلاق المدارس الروسية ووقف البث التلفزيوني والإذاعي الروسي في الأراضي الأوكرانية. كل هذا أجبر روسيا على شن عملية عسكرية خاصة أحبطت خطط الناتو المناهضة لروسيا. وكل هذه التصريحات المسماة بـ"الجريئة" لممثلي دول البلطيق القزمة، وللرئيس الأوكراني المهرج ولشخصيات أخرى من النظام النازي الأوكراني، وكذلك التصريحات الأخيرة لأعضاء الكونغرس الأميركي، تتحدث عن هزيمتهم وعدم قدرتهم على مقابلة شجاعة وبطولة الجيش الروسي الذي يحقق الانتصار تلو الانتصار في ساحة المعركة. ومن هنا كل هذا الدفق من الأكاذيب والأفعال المتهورة في ما يتعلق بالوضع حول محطة التوليد النووية في زابوروجييه. والمبادرون إلى مثل هذه الإجراءات يعرضون أوروبا بأكملها لخطر التلوث الإشعاعي. وإن الأخبار المزيفة والحكايات المنتشرة حول ما يحدث في منطقة زابوروجييه تنمّ فقط عن الافتقار الصارخ للكفاءة المهنية لمؤلفيها. أو خذ، على سبيل المثال، الدعوة إلى "منع الروس من السفر إلى الخارج”. إن هذا هو لعمري انتهاك واضح لحرية التنقل التي يكفلها القانون الدولي لحقوق الإنسان. فالمادة 12 من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تنص على أن "لكل شخص موجود بشكل قانوني داخل أراضي أي دولة، الحق في التنقل بحرية داخل تلك الأراضي. . . ، والحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده هو. فلا يجوز حرمان أي شخص بشكل تعسفي من الحق في دخول بلده”. كما يبدو أن المبادرين إلى "حظر الخروج” نسوا أن حرية التنقل مكفولة لكل شخص وفقًا للمادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 2 من البروتوكول رقم 4 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
إن المسألة تتعلق بالأمية السياسية لهؤلاء المبادرين أنفسهم، وبجهلهم الصارخ لمضمون الوثائق الدولية التي تضمن حقوق الإنسان. ولطالما دافع عن هذه الحقوق "هواة” من بين "السياسيين الجدد" أمثال زيلينسكي، ورئيس وزراء إستونيا وشخصيات أخرى راحت تدلي بتصريحات خالية من أي معنى، مما يشير إلى هزيمتهم وعجزهم السياسي الكامل.
وإدارة واشنطن والكونغرس الأميركي ليسا هما أيضا بعيدين عن هذا "السيرك” الأوروبي المنسق باحتراف. فمبادرات الكونغرس المذكورة أعلاه، والتي امتنعت وزارة الخارجية الأميركية عن دعمها حتى الآن، تعني في الواقع قطع العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا في ظل الوضع الدولي الصعب الحالي. كما تشير هذه المبادرات إلى رفض واشنطن النهائي دعم حلفائها الأوروبيين و"تسليم” مصيرهم إلى أيدي روسيا، ثاني أكبر قوة نووية في العالم.
يبدو أن سبب التصعيد الحالي مرتبط بالشعور بأن الجولة الأخيرة للسيرك الأوروبي البائس فشلت بعد أن ألمحت موسكو صراحةً إلى احتمال تغيير جغرافية الصراع إذا استمرت الدول الأوروبية في إمداد أوكرانيا بأسلحة حديثة قادرة على أن تطاول أراضي دونباس وحتى الأراضي الروسية.
أما بالنسبة لاعتبار روسيا "دولة راعية للإرهاب"، فيبدو أن إدارة بايدن ستفكر مرتين قبل اتخاذ مثل هذه الخطوة.