كسر شوكة نظام الاحتياطي الفدرالي FRS أمر لا مفر منه: بوتين في منتدى فالداي 2022


مشعل يسار
الحوار المتمدن - العدد: 7416 - 2022 / 10 / 29 - 17:46
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

كتبت إيلينا بانينا، السياسية الروسية المعروفة، رئيسة اتحاد الصناعيين ورجال الأعمال في موسكو، والنائبة شبه الدائمة في مجلس الدوما، وعضوة كتلة "روسيا المتحدة" فيه في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022 مقالة تحت العنوان أعلاه جاء فيها إن فلاديمير بوتين أعلن تحت قشرة خارجية من التعاطي الهادئ كزعيم سياسي عالمي مسالم، ثبات عزم روسيا على تدمير جبروت الاحتياطي الفدرالي الأمريكي (الذي أنشأه ويرعاه ويستغله حتى الحد الأقصى رأس المال اليهودي الصهيوني).
واستطردت قائلة إن أولئك الذين لم يروا في خطابه "سعيا إلى رفع الرهانات" ينظرون في الاتجاه الخاطئ.
قال بوتين: "تعتبر روسيا أن تشكيل منصات مالية دولية جديدة أمر لا مفر منه، لا سيما لغرض التسويات الحسابية الدولية. ويجب أن تكون هذه المنصات خارج نطاق سيطرة سلطة وطنية ما، وأن تكون آمنة وغير مسيسة وآليةً لا تعتمد على أي مركز تحكم واحد."

إن ما قاله بوتين في منتدى فالداي 2022 هو بيان غير مسبوق.

فهذا ليس اقتراحًا عادياً مكرراً لإنشاء أنظمة تداول متكافئة ومفيدة لطرفي التداول، كما يبدو ظاهريًا. إنه الشعار الصارخ القائل: حان الوقت لتدمير الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كمركز للعملة العالمية والتسويات الحسابية الدولية. وستحقق روسيا ذلك بكل ما أوتيت من قدرات عسكرية وسياسية واقتصادية.

لنلاحظ أن بوتين لم يقل: "روسيا تعتبر ذلك ضروريا" أو "روسيا تعتبر ذلك مناسبا". فهو شدد على الصياغة التالية: "روسيا تعتبر ذلك حتمياً". أي أنه قالها مباشرة وبالفم الملآن: نحن نتحداكم ولن ننحرف عن هذا الطريق.

منذ تلك اللحظة، قام رئيس الاتحاد الروسي بالفعل بإحراق كل الجسور. قد يغفر الغرب له بطريقة ما مقاطع لا تعجب هذا الغرب عن المثليين والمتحولين جنسياً وعن التجبر والغطرسة، لكنه هنا يلمح إلى حتمية تدمير الاحتياطي الفيدرالي وجميع مؤسساته الدولية المهيمنة في شكل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فضلاً عن دور الدولار في العالم، ولن يغفر له الغرب هذا أبدًا.

هذا يعني تقويض الوضع القانوني للاحتياطي الفيدرالي القائم منذ عام 1913 ولنظام بريتون وودز (وجامايكا) لعامي 1944 و 1976. لا يكتفي بوتين بإعلان الفوز على الغرب، بل هو يقلب الطاولة بالقطع الموجودة على لوحة الشطرنج على الخصوم. لقد أعلن بوتين انضمام روسيا إلى مهمة إعادة تشكيل العالم، حيث أوروبا هي طرف من أطراف أوراسيا فقط، وروسيا هي مركزها. أهم شيء هو أن هذا كله يقوله كالعادة بين السطور ويضمره بين أجزاء العبارات.

وتتابع بانينا أن من السذاجة بمكان أن تأمل في أن تبدأ المفاوضات والتنازلات بشأن أي قضية غداً بعد هذه الكلمات. فالولايات المتحدة ستفهم عبارة "احص عبيدك!" المأثورة على أنها "اخص عبيدك!" وستضع النقطة على الحاء معتبرة أن التهديد موجه لها بالذات. ولن يتم البت في هذا الأمر بعد الآن لا في البيت الأبيض ولا في مبنى الكابيتول، بل في الوول ستريت وفي السيتي. في هذا المستوى، لا تخضع القرارات للإلغاء.

على الأرجح، يمكننا القول: بعد خطاب بوتين في فالداي عام 2022، لن يتوقف الغرب عن حربه ضد روسيا في أوكرانيا. أو إذا توقف ففقط من أجل حشد القوى للمعركة الأخيرة والحاسمة مع روسيا. لا ينبغي أن يتفاجأ المرء إذا كانت أصوات أولئك الذين يطالبون بالمشاركة مباشرة في الحرب ضد روسيا في كل مكان ستظهر إلى العلن أكثر وأكثر وضوحًا في الولايات المتحدة. أكان هذا في أوكرانيا، أم في آسيا الوسطى، أم في أوروبا، أم في القوقاز.

ليس جوهر الأمر في أن روسيا اكتسبت قدرات لم تكن موجودة قبل خطاب بوتين. الأمر هو أن وضع النقاط على الحروف يتم الآن بشكل نهائي. فروسيا تسير بالقضية لا إلى هزيمة الغرب عسكرياً، بل إلى هزيمته مالياً. إلى كسر شوكته مالياً. فتتحول الحروب المحلية هنا إلى جبهة ثانية تكمل التعبئة السياسية على الصعيد المالي.

بالطبع، لم يكن يمكن أن ينطق بوتين بهذه الكلمات إلا إثر انتهاء المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني. فالهزيمة الكاملة التي لا هوادة فيها للطابور الخامس الموالي لأمريكا في الصين هي رد شي جين بينغ في مكان آخر على اندفاعة نانسي بيلوسي نحو تايوان. والرد هذا مريع بالنسبة للولايات المتحدة. لم يكن متوقعا في أي مكان: حتى أكثر الخبراء في الشؤون الصينية علماً كانوا يؤمنون بأن نوعاً من التوازن السياسي سيسود هناك حتى النهاية.

لقد أبطل شي جين بينغ الأمل في التوصل إلى حل وسط مع الولايات المتحدة في مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الأخير. والشيء نفسه، وهو أكثر ليونة من حيث الشكل، يقوم به الآن فلاديمير بوتين. لن يكون الاحتواء العسكري للغرب سوى خلفية لانهياره الاقتصادي. أوكرانيا هي الآن حالة خاصة. الآن ستتم إعادة تايوان إلى الصين، وسيتم بناء منصات مالية دولية جديدة.

إن كلمات بوتين ليست تكرارًا لأطروحات خطاب له أمام الجمعية الفيدرالية. هي محاولة من روسيا لتولي قيادة الحركة الجديدة المناهضة للاستعمار المعولم. وهي لا تشمل فقط بلدان الجنوب والشرق وأمريكا اللاتينية. لقد تحدث بوتين بكلمات دعم لمن لهم نفس التفكير في الغرب، من المحافظين اليمينيين.

لا تواجه روسيا اليوم الراديكاليين الليبراليين وحيدة، بل تواجههم في تحالف متنامٍ يمثل غالبية سكان العالم. وسيشكل هذا التحالف عالم القرن الحادي والعشرين.