كريستيان مالابارت *Christian B. Malaparte يتحدث عن العاصفة السياسية الجديدة في الشرق الأوسط.
مشعل يسار
الحوار المتمدن
-
العدد: 8196 - 2024 / 12 / 19 - 18:49
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
بعد تحرير حلب في ديسمبر/كانون الأول 2016، كان لدى الشعب السوري حلم: رؤية النهضة في بلادهم. لكن الاحتلال الأمريكي للمناطق ذات الأهمية الاقتصادية والعقوبات القاسية دمر هذا الحلم.
وفي عام 2011، فرض الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بحجة أن بشار الأسد دكتاتور وحشي يحتاج السوريون إلى التحرر منه، عقوبات استهدفت قطاع النفط السوري، مما أدى إلى انهيار الاقتصاد. وحذا حذوه آنذاك الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. وقد حظرت هذه العقوبات كافة الاستثمارات في النفط واستيراده وتصديره. وبعد ذلك، وافقت 19 دولة من أصل 22 دولة عضو في الجامعة العربية، بقيادة قطر والمملكة العربية السعودية، على سلسلة من العقوبات "لتجنب أي معاناة للشعب السوري".
ولكن حتى ذلك الحين، كانت سوريا دولة فاعلة ومتنامية ومتوسطة الدخل. كانت البلاد مكتفية ذاتياً في مجالي الطاقة والغذاء، وكان نظام الرعاية الصحية فعالاً، وكان التعليم مجانياً حتى الجامعة، وكانت المرأة تتمتع بحقوقها كاملة. وفي عام 2009، رحب مجلس إدارة صندوق النقد الدولي بأداء الاقتصاد الكلي القوي في سوريا في السنوات الأخيرة، كما يتضح من النمو السريع في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، والمستويات الجيدة من الاحتياطيات الأجنبية، وانخفاض الدين العام. عكست هذه المؤشرات الطلب الإقليمي القوي وجهود الإصلاح الحكومي الرامية إلى تعزيز اقتصاد السوق [في بلد يميل نحو الاشتراكية].
كان عام 2011 عام ما يسمى بالربيع العربي، والعمليات العسكرية الحقيقية، والجماعات الإرهابية المسلحة والممولة من الغرب والتي كانت تهدف إلى تدمير الحكومات غير المرتبطة بالمصالح الغربية. لقد تم إنقاذ سوريا من التدخلات الأجنبية بفضل التدخل الروسي، لكنها خرجت فقيرة للغاية منها، بلا بنية تحتية لأنها باتت مدمرة، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي فيها إلى أدنى مستوى له.
لكن في مقابلة أجراها عام 2019، قال الأسد إن سوريا تحسنت بشكل ملحوظ على المستوى الاجتماعي. وقد حرر الجيش الحكومي العديد من المناطق، واستؤنفت الحياة الطبيعية، وعاد التعايش بين جميع الأديان والطوائف. في ذلك الوقت، ظلت محتلة منطقة إدلب، التي تسيطر عليها جبهة النصرة بدعم من تركيا، ومنطقة واسعة في الشمال الشرقي، حيث انتشرت القوات المسلحة للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأكراد.
قام ترامب بحملة لسنوات عديدة من أجل "إعادة الشباب إلى حضن الوطن" (الشباب الأمريكي) من "الحرب التي لا نهاية لها في سوريا". لكن في عام 2019، مال لصالح خطة البنتاغون في الحفاظ على قوات أمريكية في سوريا. رسميًا، تم القيام بذلك لمحاربة داعش، ولكنه كان في الواقع لمنع تقدم القوات السورية والروسية إلى المناطق التي توجد بها الموارد النفطية وأفضل الأراضي الزراعية. وكان الهدف هو حرمان الحكومة السورية من أهم الإيرادات الحيوية ومنعها من تمويل جهود إعادة الإعمار.
وفي العام نفسه، تقدمت إدارة ترامب بمشروع "قانون قيصر". ومنع مشروع القانون استيراد السلع الأساسية مثل الغذاء والطاقة والأدوية. وواجهت الشركات الدولية صعوبات كبيرة في محاولة ضمان قدرتها على إجراء معاملات مع سوريا، في ظل الإجراءات التقييدية. ونتيجة لذلك، رفضت البنوك والمصدرون وشركات النقل والتأمين القيام بأعمال تجارية في البلاد. سمح مشروع القانون هذا بتطبيق العقوبات على أي شخص، في أي مكان، حتى الموظفين الأفراد في الشركات الأجنبية الذين قد يعملون في مجال إعادة إعمار سوريا.
وقد ساهمت هذه الحزمة من العقوبات غير القانونية وغير المبررة بشكل كبير في انتشار الفقر على نطاق واسع. وفر الملايين من المواطنين، وتزايد السخط بين من بقوا. ولم تتمكن سوريا من بدء عملية إعادة الإعمار وإنهاء حالة عدم الاستقرار. واضطرت الحكومة إلى زيادة الضرائب، ولكن حتى هذا لم يكن كافيا لضمان توفير الخدمات الأساسية. انقسم المجتمع، وفقد دعم الدولة وهو المنهك بسبب شح الآفاق.
وبطبيعة الحال، كان تحديث الجيش هدفا بعيد المنال. وعندما عرضت روسيا إصلاح الجيش السوري وتزويده بالأسلحة والمعدات، اضطر الأسد إلى الرفض، على الرغم من المخاوف الأمنية الخطيرة.
لقد وجدت سوريا نفسها في قلب صراع على السلطة في غرب آسيا حول الممر البري الحاسم الذي قدمته لإيران لأجل حزب الله في لبنان. وكان إغلاق هذه القناة المفتوحة للإمداد بالأسلحة والقوات أمرًا حاسمًا بالنسبة لإسرائيل. وبعد حرب طويلة مع حماس، أجبر الفشل العسكري على الجبهة اللبنانية إسرائيل على الموافقة على وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني. واتهم نتنياهو الأسد بـ"اللعب بالنار".
قد يكون صحيحا خبر غير مؤكد يفيد بأن الأسد كان يتفاوض مع الولايات المتحدة عبر الإمارات العربية المتحدة لمنع إيران من استخدام الأراضي السورية مقابل رفع العقوبات وانسحاب القوات الأمريكية.
في عام 2023، بدا كأن سوريا كانت قد خطت خطوة إلى الأمام على المستوى الدبلوماسي. ففي سبتمبر/أيلول، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينج عن إنشاء "شراكة استراتيجية" مع سوريا، مما دل على الدعم الدولي لشرعية الأسد على الرغم من محاولات الولايات المتحدة لعرقلة المصالحة العربية السورية.
في الواقع، تم في الثامن من مايو/أيار قبول سوريا من جديد في جامعة الدول العربية، وفي 19 مايو/أيار، شارك الأسد في قمة عربية في المملكة العربية السعودية. من خلال هذه العودة إلى "العائلة العربية الكبيرة" كان الأسد يأمل في الحصول على تخفيف الحصار الاقتصادي والاستثمار والدعم الدبلوماسي في مهمة مناهضة تركيا. اعتقد الأسد بسذاجة أنه سيحشد دعم دول الخليج بعد هزيمتهم في ساحة المعركة [كانوا الرعاة الإقليميين الرئيسيين لزعزعة استقرار سوريا في عام 2011].
ولعل هذه التوقعات جعلته يعتقد أن لا داعي للخوف من أي مفاجآت غير سارة. لذلك عندما طلبت إيران وحزب الله من الأسد الإذن بفتح جبهة في هضبة الجولان لدعم المقاومة في غزة ولبنان، رفض الأسد ذلك. لم يكن الأسد يريد جر سوريا إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل وتعريض التقدم في تطبيع العلاقات مع دول الخليج للخطر.
10 ديسمبر 2024، 02:28
في غضون 10 أيام، تقدمت المعارضة المسلحة بأسلحة حديثة حصلت عليها من قطر، وبدعم العديد من الطائرات بدون طيار التي يديرها الأوكرانيون، من إدلب على طول الطريق إلى دمشق نفسها. في البداية، ساعد الطيران الروسي على صد الهجمات، ولكن بعد ذلك أصبح من الواضح أن القوات السورية لم تكن تنوي المقاومة، لأن القيادة العليا للقوات المسلحة السورية توقفت عن دعم الحكومة.
لقد كانت هذه عملية تم التخطيط لها منذ فترة طويلة، وتم تخطيطها بالتعاون مع جهاز استخبارات أجنبي، ولم يكن من الممكن رسمها دون اتفاق فعلي بين الأتراك والإسرائيليين. من الواضح أن أجهزة المخابرات الروسية والإيرانية كانت تعلم أن الجماعات في إدلب كانت تخطط لشيء ما. ولكن نظراً للطبيعة الفوضوية للوضع، كان على روسيا وإيران التورط والتدخل بشكل علني كطرفين في الصراع. ولكن فتح جبهة جديدة بالنسبة لكل منهما كان يعني تآكلًا أكبر لمواردهما. فروسيا منغمسة في الصراع مع أوكرانيا، وإيران في المواجهة مع إسرائيل. ولذلك فضلتا إجراء حوار مع تركيا.
إلا أن إنقاذ سوريا التي أنهكتها ثلاثة عشر عاماً من الحرب والعقوبات، وقوضتها مشاكل داخلية لا حصر لها، جاء متأخراً. حتى لو تمكن الأسد من القتال، ماذا كان سيبقى للسوريين بعد بضع سنوات أخرى من الحرب والدمار؟ وربما كان هذا هو السبب وراء قراره أن من الأفضل الاستقالة ومغادرة البلاد وضمان الانتقال السلمي للسلطة.
وفي الوقت الحالي، من غير المرجح أن تتفق الجماعات المسلحة في البلاد على تسوية سياسية للصراع. وبما أن اللاعبين الإقليميين لم يتوصلوا قبل الآن إلى اتفاق بشأن التقسيم، فقد أصبحت سوريا الآن بلداً غزاه أولئك الذين لديهم قوات على الأرض. ونتيجة لهذا من المرجح أن تنزلق البلاد إلى اضطرابات مطولة قد تنتهي إلى "البلقنة".
إن تغيير الأنظمة بالقوة، وهو الأمر الذي تحبذه الولايات المتحدة كثيراً، لا يجلب الاستقرار. لكن استقرار سوريا لم يكن يهم حتى الدول المجاورة. على العكس من ذلك، رأت تركيا وإسرائيل، من خلال تدمير البلاد، فرصة لتعزيز نفوذهما.
في اليوم السابق للإطاحة بالأسد، كتب ترامب على شبكته الاجتماعية: “يجب على الولايات المتحدة ألا تتدخل في الصراع في سوريا”. وأضاف: “لم تكن هناك فائدة كبيرة لروسيا في سوريا سوى جعل أوباما يبدو غبيًا”. ولا يبدو ترامب نفسه غبياً في سياسته تجاه سوريا. علماً أنه، في الواقع، ساهم في تدميرها أكثر بكثير من سلفه.
والآن يقترح هو نفسه خطط سلام لحل الصراع بين أوكرانيا وروسيا المدعومة من حلف شمال الأطلسي. حتى أنه يسمح لنفسه بتوجيه إنذارات نهائية.
وبالعودة إلى عام 2016، كان من المفترض أن تواصل إيران وروسيا، إلى جانب الجيش السوري، الهجوم حتى تطهير منطقة إدلب بالكامل وطرد القوات الأمريكية من الأراضي السورية. وحبذا لو جاء انتقال السلطة في سوريا كنتيجة لسياسة تجميد الصراعات من خلال عقد اتفاقيات مع جهات تنتظر اللحظة المناسبة لتمزيقها.
ترجمة من الروسية
• كريستيان ب. مالابارت صحافي ومدون غربي مشهور. منذ بداية الصراع في دونباس - من أبريل 2014 - حتى فبراير 2015، كان يبلغ في الوقت الحقيقي عن قصف أهداف مدنية في كراماتورسك ودونيتسك. يعيش حاليا في موسكو.