لنقتدِ بالمقاومات الشريفة!!!


مشعل يسار
الحوار المتمدن - العدد: 7699 - 2023 / 8 / 10 - 00:47
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني     

تدمير الدولة اللبنانية القائمة على الرمل الهش لنظامها الرأسمالي الكمبرادوري "الأونطجي" الطائفي بتدمير اقتصادها المدولر أي التابع ماليا وسياسياً لأميركا والغرب تم بقرار أميركي وراءه إسرائيل بالدرجة الأولى، وليس بسبب فساد البيرقراطية الحاكمة وحسب. فالفساد ليس إلا وجه المشكلة الظاهر الفاقع الوقح، وجه الاستهتار والصفقات والسمسرات والنهب المتواصل وتصيّد أطراف نظامنا المغربن لكل مساعدة تأتي لطمس جرائم التنين العالمي المتعدد الرؤوس في العراق وسوريا وقبلهما في فلسطين – الدولة العميقة الغربية الأميركية البريطانية الصهيونية.
غير أن الرأي العام اللبناني يضلل من قبل صحافته وأبواق النظام بإيعاز أميركي من خلال التركيز على أن لب المشكلة في المنظومة الفاسدة القائمة، ولا سيما من بقي منها على سطح السلطة إثر "انتفاضة" تشرين التي هي أشبه بثورة مخملية حين نعرف من كان ملهمها وقائدها، وليس في النظام الذي أنشأه الغرب الرأسمالي نفسه منذ عهود ولا يزال يرعاه ويرعى هشاشته وقابليته للانهيار والتفكك في كل لحظة إذا ما تشكلت فيه ذات يوم عوامل الخطر. وتتمثل هذه "الرعاية" الملغومة بالقروض التي تعطى لهذا النظام ذي النخبة الفاسدة حقا لكونها وريثة الطبقات البائدة من إقطاع غير لباسه إلى رأسمالي بنشوء البوتات التجارية بغية الإيقاع به في شباكها. وبذلك تتنصل أميركا والغرب من المسؤولية عن الانهيار المصطنع المعد له إعدادا جيدا منذ ما بعد انتهاء الحرب الأهلية، وتلقي باللائمة على هذه النخبة الفاسدة وحدها من خلال "زبائنها" في السياسة والصحافة، فتضيّع "شنكاش" اللبنانيين ويبدأون يتهم بعضهم هذه الفئة وبعضهم الآخر تلك.
إلأا أن زبائنها للأسف ليسوا فقط من تحالف 14 آذار، وهذا أمر مفروغ منه ولا حاجة للتوسع فيه لأن هذا الحلف يتصرف كالنعاج أمام كل آت من الغرب لـ"حل" مشاكلنا من ماكرون إلى غيره، بل هم بنسبة كبيرة من جماعة 8 آذار أيضا وإن أظهروا تجاهها بعض الحذر وشبه العداء. فهم يستجدون رضاها (يقال مثلا أن باسيل يطلب توسط قطر لإلغاء عقوباتها في حقه، وكل أرباب النظام – 8 و14 - خضعوا بلا تردد لقرارات منظمة الصحة العالمية التي يمولها بيل غيتس على وجه الخصوص ولم يقاوموا تلك الحرب الهجينة المسماة كوفيد-19)، وراحوا يشكلون الحامي الثابت لنظام النهب الليبرالي حيث يقف رئيس المجلس النيابي المؤبد مثابة الحارس الأكبر لهذا النظام المتأمرك وفساده ومدور زواياه هناك حيث تبرز أزماته وتستفحل.
أما حزب الله الذي أثبت وجوده بجدارة أمام عدوان إسرائيل حين نجح في امتحان القوة خلال سنتي 2000 و2006 وبين أنه قادر على فرض هيمنته النسبية على مجمل السياسة البرجوازية اللبنانية من خلال سياسة مساومات غير مبدئية، لكنه لم يرق في مواقفه المقاومة إلى اعتماد سياسة شعبية تستكمل مقاومة "جمول" التي كان الحزب الشيوعي اللبناني على وجه الخصوص وراء إنشائها، وتطوِّرها نحو خطط اقتصادية فعالة كما فعلت شتى المقاومات العالمية – الفيتنامية والكورية والصينية وفي أميركا اللاتينية وغيرها. فلم بنبس للأسف ببنت شفة لا حول قسطه من المسؤولية في ما آل إليه الاقتصاد اللبناني من انهيار بحجة الحفاظ على التحالف مع جزء من البرجوازية وتحاشي انقسام البيئة الحاضنة، وسكت عن جريمة تفجير المرفإ التي لا شك في أن وراءها إسرائيل ما دام مرفأ حيفا هو المستفيد، على الرغم من أن القوى المعادية لم تنس أن تلجأ إلى اتهامه بالتورط في حصول الانفجار، ولم يتخذ أي خطوة تعيد الاعتبار إلى معظم الشعب اللبناني المنهوب والعائيش على حافة الفاقة رغم أخذه بنصيحة الزرع على البلكونات والسطوح!! ومن ذا الذي سمح أن يتم الترسيم بحسب رغبات إسرائيل غير الفريق الذي يقود دفة الحكم خلال هذه الفترة التي حصل فيها الترسيم؟
ومن ناحية أخرى، هل من الصحيح أن يركز الحزب الشيوعي في ملامته فقط على النظام الطائفي بدلا من النظام الرأسمالي الكمبرادوري التابع والمدولر وكأنه لو خلع عنه افتراضاً ثوب الطائفية لأصبح تمام التمام؟
لا سبيل هنا لذكر أحزاب النظام الحر التابعة للغرب في كل شيء. فهي لا يُنتظر منها أي خير. وليس لدي أي من هذه الأحزاب مشروع حتى لمواجهة مهمة الحفاظ على الكيان، وليس فقط على النظام. فأحلى مرامها مر، وبعضها يدعو مجددا إلى التقسيم والفدرالية واللامركزية في بلد هو أصلا مقسم ومتقاسم بين زعماء الطوائف، ولامركزيته مطبقة عملياً!!! والكل هنا بلع لسانه حين أُمرت البنوك بقرار من كوهين بتهريب دولاراتها ودولارات أهل السلطة. وها هو ينتظر السحر من الساحر أي رحمة صندوق النقد الدولي الذي لا يعرف الرحمة. ولا يريد أي من هذه الأحزاب أن يشغّل دماغه في كيفية الرد على هذه الحرب الاقتصادية التي لجأ إليها اليانكي حين رأى فيها حلا مناسبا لعجزه عن شن حرب عسكرية تقليدية أو لكلفتها العالية. لم يطالب الحزب الشيوعي ولا بالأحرى حزب الله بتأميم أي مرفق اقتصادي من المرافق التي تقاسمها واحتكرها أعمدة النظام الحر ناهبو الشعب اللبناني بالجملة مع تجاوز الطوائف والمرشحون بلا توقف لتبوء المراكز العليا في الدولة ليكونوا "حاميها حراميها". مثلا وضع هذه البنوك تحت سلطة الدولة لا الدولة تحت سلطتها وهي مدينة لها بفوائد عالية. علما أن البنوك في أي دولة يفترض أن تكون بالدرجة الأولى في خدمة تطوير الاقتصاد الفعلي وليس في خدمة جيوب أصحابها وخدمة الهجمة المافياوية العالمية المفاجئة لهدم الاقتصاد المالي وجعل ثقة الشعب فيه على الحضيض بعد أن نهبت ودائعه ومدخراته.
وهل فكر أحد مثلا في إعادة الحياة أقله إلى قطاع السياحة الذي كان من شأنه أن يعيد العافية إلى الاقتصاد ويزيد مداخيله ويكون منطلقا لإعادة الحياة إلى النظام المنهار بأقل كلفة ممكنة؟
لم ينجح عبد الناصر والبعثيون والقذافي وغيرهم في تبوء قيادة مشروع مقارعة الإمبريالية فقط بفضل معارك التحرير العسكرية والسياسية بقدر ما نجحوا بفضل إنشاء اقتصاد يستجيب ولو إلى حد ما لمصالح الأغلبية الشعبية. ولئن أيد الشيوعيون آنذاك تلك المواقف المناهضة للاستعمار والتبعية رغم المآسي التي حلت بهم على أيدي المقاومة القومية إياها، فإن بعض الرفاق الذين يؤيدون اليوم المقاومة الإسلامية يجدر بهم أن يدعوها إلى عدم الاقتصار على تغليب الجانب العسكري دون الجوانب الأخرى للصراع مع العدو ذي التقاليد العتيقة في التآمر على الشعوب، أقله اقتداء بالمقاومات العالمية المذكورة أعلاه، وبتجربة المقاومة القومية العربية، فلا تصبح هذه المقاومة في زمن البؤس الشعبي جزءا من "كلن يعني كلن" أي مدانة كغيرها من القوى الموالية للغرب في ما آلت إليه الحال.
ولعل هذا الشعار يبدو أقرب إلى الحقيقة وإن كان رافعوه قد أخطأوا في رفعه في بداية "الانتفاضة-الثورة" بناء على رغبة اليانكي للتصويب على القوى التي لا تعجبه كثيرا وبقيادة رئيس الجامعة الأميركية نيابة عن السفيرة المعروفة!!!
نعم لمقاومة شريفة شاملة في أوجه فعلها للحرب الشاملة التي تخاض ضدنا، والجانب الاقتصادي فيها تبين أنه لا يقل أهمية أبدا عن الجانب العسكري. ولقد مر زمن قبضايات القرن التاسع عشر الذين فرضوا أنفسهم فرضا أمراء وقهروا الفلاحين وأمعنوا في إفقارهم حسب المؤرخ كمال الصليبي، ونحن اليوم بحاجة إلى مقاومة تتخذ العلم والمعرفة نبراساً ولا أضوى وتأييد عامة الشعب سلاحاً ولا أمضى!