تطهير النخبة
مشعل يسار
الحوار المتمدن
-
العدد: 7482 - 2023 / 1 / 4 - 14:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا تغير قوام النخبة الروسية
صرح سرغي بيريسليغين، وهو ناقد أدبي روسي وداعية اجتماعي وباحث ومنظّر في الخيال العلمي والتاريخ البديل، في مقابلة أجرتها معه جريدة "زافترا" الروسية بأن هناك عددا كبيرا من المرتزقة يقاتلون إلى جانب أوكرانيا. وأنكر بيريسليغين أن يكون في مشاركة الشركات العسكرية الروسية الخاصة التي تحارب في الجانب الروسي ما يشبه الارتزاق.
وأضاف إنه يوجد الآن مئات الآلاف من الأشخاص في مقدمة الجبهة. فلمثل هذا الحجم من الأعمال القتالية، يفترض لن يكون عدد جيوش المرتزقة أو الجيوش المحترفة كافياً لخوضها. ومن الواضح أن ثمة جيشين كبيرين يتواجهان في أوكرانيا. وقد نفذ كلا طرفي الصراع مهام التعبئة: كييف قامت بالتعبئة العامة منذ اليوم الأول للعملية، وموسكو لجأت إليها جزئيًا بعد ستة أشهر من بدء المعارك.
دور المرتزقة في التشكيلات المسلحة الأوكرانية (VFU) كبير جداً. فأوكرانيا في وضع صعب، وتحتاج إلى أي مساعدة خارجية تأتيها. والدعاية المعادية لروسيا في الغرب قوية جدًا، لذلك هناك عدد كافٍ من الأشخاص الذين يريدون القتال في الجانب الأوكراني. وفي الوقت نفسه، يمكن القول إن المرتزقة الأجانب مدربون تدريباً جيداً بشكل عام. وقد أصبحوا العمود الفقري للجيش الأوكراني المقاتل، مما يعزز الوحدات ذات المستوى المتوسط في القوات المسلحة لأوكرانيا، ويجعلها أكثر استعدادًا للقتال. هذه مساعدة كبيرة جدا.
لكن هناك مشكلة هنا: المرتزق ليس متطوعًا غير أناني. كقاعدة عامة، هو محترف يخاطر بحياته من أجل المال، وبالنسبة له فإن احتمال الموت لديه في مقدمة حساباته. إذا كان حظه في ان يلقى حتفه في المعارك هو بنسبة 10٪ فقط شيء ويمكن للمرء ان يخاطر مقابل ما سيدفع له من مبالغ مغرية. أما إذا كانت نسبة احتمال البقاء على قيد الحياة فقط 10٪، فإن مقدار المكافأة لا يعود مهمًا، لأنه مهما كان المبلغ كبيرا، فإن احتمال الحصول عليه سيكون ضئيلا للغاية. في مثل هذه الظروف، ستنخفض أيضًا الرغبة في القتال إلى الصفر.
وبما أن الجانب الأوكراني يتكبد خسائر كبيرة في الأرواح فمن وجهة النظر هذه يصبح أقل جاذبية للمرتزقة.
هذا الحساب يؤثر على المتطوعين الأوكران وغيرهم بشكل أقل، لكن ليس لديهم ذاك التدريب العسكري المتخصص، ويمكن استخدامهم فقط للمشاركة كعدد لا أكثر ولا أقل في القتال.
في روسيا هناك ايضا مشاركون في القتال هم أعضاء الشركة العسكرية الخاصة التعي تحمل اسم "فاغنر"، ولكن بيريسليغين لا يعتبرهم مرتزقة. فالمسألة بالنسبة له أكثر تعقيدًا. الروس عموما اليوم يدركون أن حربًا أهلية تدور رحاها في أوكرانيا مع الكثير من عناصر التدخل الخارجي. في ظل هذه الظروف، يراقب السكان الروس عن كثب تصرفات أفراد النخبة الروسية، وما يفعلونه لضمان انتصار روسيا. إذا أدليت بتصريحات وطنية، لكن أبناءك يدرسون، على سبيل المثال، في إنجلترا، وأحفادك يحملون الجنسية الإنجليزية، فأنت في أفضل الأحوال واقع في تضارب مصالح، وفي أسوئها مارق ومنافق تعمل منطقيا لصالح بلد أجنبي.
لقد نشأ في المجتمع تطلب لنهوض قوى سياسية لا هوادة لديها ولا لبس فيها. هناك ثلاثة مطالب مطروحة بحزم على النخب. أولا، أن لا يكون هؤلاء الناس لديهم لا رأس مال ولا عقارات ولا أبناء وبنات يعيشون في الخارج المعادي. ثانياً: ألا تختلف أقوالهم عن أفعالهم. ثالثًا، إنهم يدركون جيدًا أن النخب في الحرب يجب أن تكون في المقدمة، ويهمهم كيف يقاتل هؤلاء هم وأبناؤهم وأقاربهم الآخرون. رئيس الشيشان رمضان قديروف ينتقد بشدة النخبة وهو له الحق في الانتقاد، لأنه هو نفسه كان في الجبهة وابناؤه أيضا. وهناك أمثلة على مشاركة أبناء حكام المناطق أيضا وهذا مهم جدًا! أهل النخبة الروسية الحقيقية اليوم هم الأشخاص الذين يربطون حياتهم ووجودهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم بروسيا.
أو خذ مثلا يفغيني بريغوجين قائد قوات الشركة الخاصة "فاغنر". فهو ليست لديه عقارات في الخارج، واسمه مدرج في جميع قوائم العقوبات الغربية، يحارب هو نفسه، وهو مستعد بالتالي للمخاطرة بنفسه وبمقاتليه. والقائمة تطول.
على عكس المرتزقة في أوكرانيا، مقاتلو الشركات العسكرية الخاصة الروسية هم أشخاص قبلوا التحدي الذي ووجهت به روسيا باعتباره تحديا موجها إليهم شخصيًا. وأصبحوا شخصيات بارزة ومعروفة ومحترمة لدى الناس، ولم يكونوا كذلك قبل بداية العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا. لذلك، بالنسبة لنا، يقول بيريسليغين، مشاركة الشركات العسكرية الخاصة ليست فقط مثابة الرد العسكري الروسي على تهديد حقيقي، ولكنها أيضًا إحدى طرق الانضمام إلى النخبة الجديدة الناشئة، شكل جديد من أشكال الانخراط المجتمعي الذي تبين أنه مطلوب في الظروف الراهنة.
ما مدى أهمية السلطة الجديدة وكيف سيكون رد فعل النخب القديمة عليها، يا ترى؟
يقول بيريسليغين إن النخب الروسية منقسمة الآن. قسم ينتظر الهزيمة في الحرب ويتوقع الحصول على شيء ما كهدية من العدو. والقسم الآخر يعوّل على انتصار روسيا في الصراع الأوكراني، لكنه يعتقد أن هذا سيكون تحصيل حاصل. القسم الثالث يتكون من أولئك الذين يفهمون أن البلاد تواجه تهديدًا وجوديا وتشن حربًا طاحنة من أجل البقاء.
في هذا الصدد، هناك تغيير يحصل في نموذج النخبة نفسه. فتلك التي تم إنشاؤها قبل 30 عامًا بعد الهزيمة في الحرب الباردة وركزت على قيم السلام العالمي، اليوم سيترتب عليها إما أن تتغير أو أن تختفي، أقله أن تزمّ وتنكمش لأجل أن تفسح المجال لغيرها. لذلك، فإن رد فعل النخبة القديمة يمكن التنبؤ به تمامًا: ستحاول الحفاظ على مواقعها. لكن في ظل ظروف الحرب وعند حلول نهايتها، على الأرجح، لن يُسمح لهذه النخبة بالانتقام والردة.
يضيف الكاتب الروسي قائلا: لنتذكر الدور المهم الذي لعبه المقاتلون الروس في حرب أفغانستان في مجال ما بعد الاتحاد السوفيتي. الاتحاد السوفيتي غادر أفغانستان، أي خسر تلك الحرب رسميًا، ولكن لم يحقق العسكريون العائدون الذين قاتلوا في الأفغان نفوذًا حاسمًا لهم في البلاد. اليوم يفترض أن تنتصر روسيا، والمنتصرون هم الذين سيصبحون القوة التي ستبني حولها نخبة جديدة على قاعدة ذلك الجزء من النخبة الحالية الذي يعمل على تقريب انتصار روسيا.
المصدر: جريدة "زافترا" الروسية