روسيا والأسد وتشابكات الحدث


مشعل يسار
الحوار المتمدن - العدد: 8192 - 2024 / 12 / 15 - 04:49
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

"لماذا كان على روسيا أن تقوم في اللحظة الحاسمة بدور مغتصب إرادة الشعب السوري، وأن تسفك في الوقت نفسه دماء السوريين؟ إذا كان حتى الجيش السوري نفسه، وجميع المسيحيين والمسلمين والكثير من العلويين لم يريدوا القتال من أجل الأسد وتركوا مواقعهم عملياً دون قتال"؟! – مكسيم شفتشنكو*.

أنشر ترجمتي من الروسية لهذه المقابلة التي أجراها الإعلامي المعروف، المستشرق الروسي مكسيم شِفتشِنكو حول الأحداث الأخيرة في سوريا وسقوط النظام البعثي برئاسة بشار الأسد. وهي تتضمن مقاربته الفريدة للأحداث وتشابكاتها وتناقضاتها. أرجو أن تكون فيها إفادة لقراء صفحتي من حيث توسيع معرفتهم وحفزهم على إبداء رأيهم في طروحاته. وأتقدم بكل الشكر من صديقي العزيز Penitent Thief الذي أمدني بنص المقابلة مكتوبا.
م. ي.

يقول مكسيم شفتشنكو:

على حد علمي، في الأيام الأولى بعد بدء هجوم المعارضة السورية (في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، هاجمت "هيئة تحرير الشام" القوات الحكومية)، تم قصف إدلب وأماكن أخرى حيث لوحظ حشد للقوات المناهضة للأسد. وبثت التقارير: "مقتل 200 مسلح"، "مقتل 300"، وهكذا دواليك. ولكن في الواقع كان الأمر أشبه بدعاية حربية. علاوة على ذلك، أنا على يقين تقريبا من أن كل هذه الأحداث الأخيرة في سوريا، بما في ذلك الإطاحة بنظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، لم تكن مفاجأة للدوائر السياسية في موسكو.

ربما كان ذلك مفاجأة للكتيبة العسكرية الروسية المتمركزة على الأراضي السورية. لكن بالنسبة لموسكو، أعتقد أن ما حدث لم يكن مفاجأة. على أية حال، يمكننا الحكم على سلوك المتمردين، فهم لا يهاجمون القواعد الروسية والعسكريين الروس ولا يمسون السفارة الروسية في الجمهورية العربية السورية. يبدو أنه تم التوصل إلى اتفاقات أولية وواضحة ودقيقة بشأن هذه المسألة. وأن روسيا كانت على علم بما كان يحدث، كما كان على علم أيضا جزء كبير من النخبة في طهران.

بالمناسبة، طهران منقسمة أيضاً بشأن القضية السورية. فقد قالت حكومة مسعود بيزشكيان، رئيس إيران (أو بالأحرى القول مجموعة الملالي الإيرانيين الذين يقفون خلفه، بما أن بيزشكيان نفسه لا يملك مثل هذه السلطة)، شيئًا من هذا القبيل: "كفى، لقد دعمنا نظام الأسد بما فيه الكفاية". علاوة على ذلك، دفعت إيران ثمناً باهظاً لهذا الدعم. ويتجلى ذلك بوضوح من خلال عدد القتلى من جنود الحرس الثوري الإيراني، الذين مات الكثير منهم لأسباب غير متوقعة. بدءاً بالمستشار العسكري الإيراني الكبير في سوريا، الجنرال في الحرس الثوري الإيراني، كيوممارس بورهاشمي، الذي قُتل في منطقة حلب في الدقائق الأولى تقريبًا لهجوم قوات المعارضة. وما زلنا لا نعرف بالضبط كيف مات. يقولون إنه إما غرق في حوض الاستحمام، أو قتل على يد تكفيريين.

بشكل عام، من الواضح تمامًا أن بشار الأسد كانت غير ممكنة السيطرة عليه من قبل موسكو، وأن طهران بذلت الكثير من الجهد لدعمه. لذلك، أصبح بشار تدريجياً بالنسبة لجميع حلفائه المحتملين عقبة خطيرة للغاية، ولم يكن من الواضح ما يجب فعله معه. حدثت الخاتمة هذه الأيام أمام أعيننا. سحبت إيران جيشها من سوريا في خلال فترة قصية جدا: أمس فقط، قال قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي إن الأفراد العسكريين الإيرانيين لم يعودوا موجودين على أراضي الجمهورية العربية السورية. أما موسكو، فكما قلت، لا استبعد أبداً أنها كانت على علم بالتغييرات الوشيكة. ربما لم يتم إبلاغ الجميع بهذه التوافقات.

سؤال: فيما يتعلق بالتوافقات، هناك رواية مفادها أن سوريا تمت مبادلتها بأوكرانيا، تقريباً، أي أن نظام الأسد دُفِع كثمن لمواقف محددة في مفاوضات السلام المستقبلية بشأن أوكرانيا.

جواب: لا يسع المرء إلا أن يضحك على هذا الافتراض. لأن ليس روسيا هي التي فقدت موقعها الرئيسي في سوريا (لم نخسر شيئًا بعد)، بل إيران. يجب أولاً النظر إلى الأحداث السورية في سياق إيران والنفوذ الإيراني. وهنا نرى أن استراتيجية «الهلال الشيعي» الإيرانية التي أنشأها ذات يوم الجنرال قاسم سليماني، انهارت بكل بساطة. ففي نهاية المطاف، كانت سوريا هي الدولة الداعمة لهذا المفهوم (شمل "الهلال الشيعي" لبنان وسوريا والعراق وإيران وعدداً من دول الخليج - ملاحظة المترجم).

أما بالنسبة لروسيا، فتعتبر سوريا، إلى حد بعيد، بلدًا بعيدًا جذاباً بفرادته حيث كان الجنرالات الروس يحصلون الأوسمة والنجوم على أكتافهم ورواتبهم الضخمة. وحيث توجد بعض القواعد العسكرية الغامضة بالنسبة للشخص العادي في طرطوس واللاذقية. فكيف تم ربط سوريا بروسيا في السنوات الأخيرة؟ الجواب: فقط من خلال المؤسسات العسكرية. فقط الجيش كان مهتمًا به، لأنه زودهم بإمكان الترقي الوظيفي، ومأموريات العمل إلى المناطق الساخنة براتب لا يصدق وفوائد العيش الأخرى. علاوة على ذلك، أقولها بصراحة: منذ عام 2018، لم يتم تنفيذ أي عمليات عسكرية جدية على أراضي الجمهورية العربية السورية،. آخر شيء مهم يتبادر إلى الذهن هو مقتل مقاتلي فاغنر وهم ينفذون مهام لصالح الشركات العسكرية الخاصة في فبراير 2018، عندما تم إرسالهم مع قوات الحكومة السورية للاستيلاء على مصنع لمعالجة الغاز بالقرب من مدينة هشام، التي كانت تحت سيطرة الأكراد، المحميين من قبل الولايات المتحدة. لكن الأمريكيين هاجموهم من الجو.

وما علاقة ذلك بمصالح روسيا والدولة الروسية وشعوب بلادنا؟ لعمري، لا شيء، بالمعنى الدقيق للكلمة. فهذه كلها مصالح خاصة لمؤسسات وشركات خاصة. لذلك، لا أفهم على الإطلاق ما هي المشاكل التي يمكن أن تواجهها روسيا بجريرة سقوط نظام بشار الأسد. سوف تذهب أموال أقل من الميزانية إلى لا أحد يعرف أين وإلى جيوب من.

وحتى الآن، على حد علمنا، لا أحد يضع في موضع الشك عمل القواعد العسكرية الروسية في طرطوس واللاذقية. وهي موجودة هناك بفضل اتفاقات مبدئية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وقد قال أردوغان قبل بضعة أيام إنه لا يوجد شخص أفضل على وجه الأرض من فلاديمير بوتين. ربما أيضاً جيرهارد شرودر يقف معهما في هذا الصف في مكان ما، وأردوغان لا يعرف أحداً أفضل من بوتين. (صرح رجب طيب أردوغان حرفيًا بما يلي: "الآن، يمكن للمرء أن يقول إن بين القادة في العالم، لم يتبق سوى اثنين: أنا وفلاديمير بوتين. وقد تم إخراج كل الباقين من اللعبة. والعملية هذه مستمرة...

سؤال: حسنًا، إذا تذكرنا الأسطورة حول كيف أنقذ بوتين، بمساعدة القوات الخاصة التابعة لجهاز المخابرات العسكرية الروسية، أردوغان من محاولة اغتياله في مارماريس خلال الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا عام 2016، إذن فإن العلاقة بين الرئيسين تصبح أكثر وضوحا. ومع ذلك، يقال أن هذه ليست أسطورة.

جواب: أعتقد أن هذا الكلام صحيح تمامًا. لذلك، نرى بوضوح أن أحداً لن يمس روسيا في سوريا - وهذا هو الشرط الذي وضعه الأتراك على ما يبدو قبل أن تبدأ هيئة تحرير الشام* (HTS) هجومها من إدلب. يجب علينا أخيرًا أن نتعلم كيفية التمييز بين الثرثرة العامة للسياسيين (ما يقوله جو بايدن، وما يصرح به بشار الأسد) وبين الواقع.

أما الأسد وعائلته والأشخاص من دائرته الداخلية، فقد سُمح لهم جميعاً بالسفر بأمان بعيداً عن دمشق. على الرغم من أنهم لو أرادوا ألا يطير بعيدًا، لما كلفهم الأمر شيئًا للقبض على الرئيس السابق لسوريا. فقد ألقى الجيش العربي السوري أسلحته بهدوء وأوقف كل أشكال المقاومة، وكان من المحتمل أيضًا أن يسلمه الأمن الشخصي للأسد إلى المتمردين بكل سرور. ومع ذلك، سُمح له بالرحيل إلى روسيا. لا أعرف سبب الحاجة إلى بشار الأسد في بلادنا، لكنه على الأرجح لازم. فهو بعد كل شيء يعرف الكثير من الأسرار الهامة والكبيرة.

سؤال: ومع ذلك، ليس من الواضح تماماً لماذا نقوم نحن هنا في روسيا بتجميع أمثال يانوكوفيتش ورؤساء البلدان الأخرى الذين أُطيح بهم؟

جواب: لا، بشار الأسد ليس يانوكوفيتش (رئيس أوكرانيا قبل الانقلاب الفاشي) على الإطلاق. على عكس الرئيس الإوكراني الأسد بشكل عام هو شخص شجاع للغاية، قاس، أبيّ. ومع ذلك، لكنه تجاوز حقبته. وكانت أيديولوجيته إيديولوجية الاشتراكية العربية، المعروفة باسم البعث، تقدمية للغاية في يوم من الأيام. ففي سوريا، بنى البعثيون المدارس، ونهضوا بالشرائح الأكثر فقراً من السكان، أنشأوا بنية تحتية اجتماعية. ومع ذلك، فإن اعتبار بشار الأسد المعاصر بعثياً كاعتبار بوريس يلتسين شيوعياً في عام 1996. لنتذكر أن يلتسين كان في عام 1986 عضوًا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وعضوًا مرشحًا لعضوية المكتب السياسي. وكان جزءا من النخبة السوفياتية الحاكمة. لكن في عام 1996، لم يكن أحد يأخذ على نفسه وصف يلتسين بالشيوعي. وكانت قد مرت 10 سنوات فقط منذ أن كان مرشحًا لعضوية المكتب السياسي للحزب الشيوعي.

الأمر نفسه مع بشار الأسد. ولم يعد لسوريا الحديثة أي علاقة بإيديولوجية البعث. لا المؤسسات الاجتماعية ولا المثل الاشتراكية لميشيل عفلق (المسيحي الأرثوذكسي، بالمناسبة، وهو كان أحد مؤسسي مفهوم الاشتراكية العربية وفكرة توحيد كل العرب في دولة واحدة على مبادئ العدالة الاجتماعية ) لم تعد راهنة. لكن في الوقت نفسه، يعد بشار الأسد شخصيًا محاربًا شجاعًا وصارمًا، ولا يمكن مقارنته بأي حال من الأحوال بفيكتور يانوكوفيتش الذي خان شعبه، وأصبح جبانًا وهرب. لم يواجه ويقاتل يانوكوفيتش ولو لثانية واحدة. الأسد واجه كثيراً ولفترة طويلة، وتلاعب وناور في أصعب الظروف. ولذلك فإن مقارنة بشار الأسد بالرئيس الأوكراني الهارب هي إهانة له. به العديد من عيوبه، ولكن ليس من بينها الجبن الذي يحدد صورة يانوكوفيتش.

الأسد رجل رجل ومحارب، نعم، خسر عندما أصبحت الظروف أقوى منه. نعم، ولم يستغل الفرص التي أتيحت له بعد 2018. ومن ناحية أخرى، هل كان بإمكانه الاستفادة منها؟ سؤال يطرح أيضا. بعد كل شيء، المهمة الرئيسية للحكومة هي الحفاظ على السلطة. أما الأسد، فقد اعتمد على دائرة من الأقارب والعسكريين أخذت تضيق تدريجياً، وعلى دائرة من الأوليغارشية راحت تضيق تدريجياً. وفي الوقت نفسه، كانت تتضاءل قاعدته الشعبية. ونتيجة لذلك، تقلص جيش الحكومة السورية بأكمله إلى لوائين. كان أحد اللواءين يقوده شقيقه ماهر الأسد، وقد انسحب الآن إلى العراق، بينما انسحب لواء "النمور" العَلوي مائة بالمائة الآخر، كما يقال، إلى اللاذقية. إن سقوط نظام الأسد هو عملية سياسية موضوعية. يمكن انتقاد بشار وسبّه، خاصة وأن هناك سببا وجيها لكل هذا، لكن بالتأكيد لا يستحق أن يُحتقر بمقارنته بيانوكوفيتش.

– علام يمكن لوم بشار الأسد إذن؟ لقد قلت أنت بنفسك أن نظامه فاسد مهترئ. يشهد كثيرون أن سوريا لم تصل أبدًا إلى تطوير اقتصادها الخاص، وأنها اعتمدت كثيرًا على التهريب والاتجار بالمخدرات، وأنها كانت بمثابة منطقة رمادية لتلاعبات خفية في الظلام.

- لا أعرف شيئاً عن المخدرات وتجارة المخدرات بالنسبة للأسد. بشكل عام، فيما يتعلق بقضايا تهريب المخدرات، هذا اختصاص الأمريكيين. إن دعاة العولمة الأمريكيين هم الذين يشرفون على جميع عمليات تهريب المخدرات في العالم. لذا سواء كانت منطقة رمادية أو منطقة أرجوانية، فهذا ليس مهمًا جدًا. الشيء المهم هو أنه كان على بشار الأسد أن ينفذ الإصلاحات التي وعد بها في عام 2018 – بإنشاء سوريا فيدرالية، وتأسيس برلمان جديد، وإجراء انتخابات حرة وما إلى ذلك. لكن الأسد لم يفعل شيئاً من هذا القبيل.

على ما يبدو، اعتقدَ الأسد أنه سيتمكن من المناورة بين اللاعبين الخارجيين: إيران وروسيا، الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة. في حينه، أحرز بشار الأسد تفاهماً جيداً جداً مع دونالد ترامب خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى. وهذا بالمناسبة أمر بالغ الأهمية، لأنه يتيح لنا أن نفهم السبب وراء إقالة الأسد من منصبه على هذا النحو المحموم في أوائل ديسمبر/كانون الأول من هذا العام. الأمر بسيط للغاية: لأنه في غضون ما يزيد قليلاً عن شهر، من المفترض أن يتولى ترامب منصبه. لو وصل ترامب إلى السلطة اليوم، لما مس أحد الأسد.

بالإضافة إلى ذلك، كان بشار الأسد مفيداً جداً لبنيامين نتنياهو وإسرائيل. وهذا على الرغم من مرور أسلحة لحزب الله وإيران عبر الأراضي السورية. ومع ذلك، فإن عدد الإيرانيين الذين قتلوا بسبب الضربات الإسرائيلية في الجمهورية العربية السورية هو ببساطة خارج كل تخطيط. من أعطى إسرائيل إحداثيات العسكريين الإيرانيين؟ هل تعتقدون أن الأمر يعود إلى وجود عملاء إسرائيليين؟ لا، السوريون أنفسهم أعطوها. من يستطيع أن يفعل ذلك سوى الاستخبارات العسكرية السورية إياها؟

علاوة على ذلك، هل ضرب الأسد إسرائيل يوماً؟ هو لم يفعل هذا في حياته. بل على العكس من ذلك، لم يقم إلا بعرقلة محاولات مواجهة إسرائيل، وبدلاً من دعم حزب الله ومهاجمة هضبة الجولان، الأمر الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى حرب شاقة، كان كل همه أن ينقذ سلطته.

أعود وأكرر أن الرئيس السوري السابق لم يفعل أيا شيء مما سبق. وكان ينتظر وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة مجدداً. وقبل ذلك رأى أن من الضروري إقامة علاقات مع السعودية. والسعوديون هم أعداء قطر، وكذلك أردوغان. لكن السعوديين هم، في الوقت نفسه، شركاء السنة اللبنانيين في ظل آل الحريري. ولئن كانوا شركاء للسنة اللبنانيين، فهذا يعني أيضًا أنهم شركاء المضاربين السنة السوريين الذين عملوا في شراكة وثيقة مع قوات الأمن السورية التابعة للأسد وأصبحوا مليارديرات أوليغارشيين خلال الوقت الذي مضى منذ عام 2018.

لذلك، لو كان بشار الأسد قد أمضى فترة رئاسته حتى دونالد ترامب، لكان الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة قد وبخه لفظياً بالتأكيد. لكن في الواقع... دعني أذكرك بأن الرئيس الجديد للاستخبارات الوطنية الأمريكية في عهد ترامب يفترض أن يكون تولسي غابارد، التي عملت سابقًا في مجلس النواب الأمريكي والمعروفة مؤخرًا كمعلقة سياسية في شبكة فوكس نيوز. وفي عام 2017، التقت ببشار الأسد وسافرت خصيصًا لرؤيته في سوريا، وهو الأمر الذي لا يزال أنصار العولمة يدينونها بسببه.

وبالتالي، لو بقي الأسد في السلطة في عهد ترامب، فربما كان من الممكن أن يتشكل تكوين جيوسياسي جديد: إسرائيل - سوريا - المملكة العربية السعودية، والسنة في لبنان. وهم بدورهم مرتبطون بفرنسا. بالمال السعودي، وهذا في حد ذاته، سيكون اتحادًا قويًا للغاية. وهو ما يهدد تركيا ومصالحها. وكان ليجر إيران بنسبة 100% إلى الحرب. على الرغم من التناقض الذي قد يبدو عليه الأمر، إلا أنني على يقين من أن مثل هذا السيناريو كان محتملًا جدًا. وهذا، بالمناسبة، يفسر سبب بقاء القواعد الروسية في سوريا، حيث يحتاج أردوغان إليها.

لذلك، كان دعاة العولمة وأولئك الذين يراهنون على العولمة بحاجة ماسة إلى إزاحة الأسد قبل مجيء ترامب. لكنهم قرروا عزل الأسد بالاتفاق مع الأسد نفسه والأطراف المعنية. على ما يبدو، يمكن أن تكون بعض شروط هذا الاتفاق على النحو التالي: لا يعاني بشار الأسد نفسه ولا عائلته في أثناء "انتقال السلطة" القسري (وفقًا لتقارير وسائل الإعلام الأخيرة، تم إعدام ابن عم بشار الأسد سليمان في سوريا - ملاحظة المحرر)، ويُسمح له بأخذ بعض الأموال والممتلكات إلى خارج البلاد، ولا يبدي مقاومة، ويخرج الإيرانيون جيشهم من أراضي الجمهورية العربية السورية، ويخرج حزب الله جيشه أيضا. ويُسمح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية، لكن يتعين عليها سحب الأفراد العسكريين الروس المرتبطين مباشرة بنظام الأسد من سوريا. ونتيجة لذلك، يرسل أردوغان إلى سوريا ملايين السوريين الذين يعيشون حاليًا في تركيا - حوالي 3.5 مليون شخص.

ما هي الخطوة التالية؟ من ثم تبدأ عملية إعادة إعمار سوريا معاً. أعتقد أن قطر إياها ستستثمر الآن الكثير من الأموال في الجمهورية العربية السورية. وفي داخل سوريا نفسها يتم إنشاء نوع من نظام المصالحة الوطنية، الذي يحافظ على التكافؤ بين المسلمين والمسيحيين.

ولم يجدوا مرشحاً أفضل من أبو محمد الجولاني (رئيس "هيئة تحرير الشام") - فالجولاني ينحدر من عائلة سورية سنية عريقة، وولد في هضبة الجولان. كان والده برتبة لواء في الجيش السوري قبل انتصار حافظ الأسد في الثورة (الحركة التصحيحية). علاوة على ذلك، كان معارضا للأسد الأب، وسجن، ثم هرب تاركا أراضي سوريا. من الواضح أنه لم يكن علويا، بل كان سنيا، ولذلك هرب إلى العراق. وبشكل عام، انجذب البعثيون السنة في سوريا نحو صدام حسين والبعث العراقي. ومن لا يذكر أنه كان هناك صراع طويل داخل حزب البعث بين السوريين والعراقيين.

سؤال: يتضح إذن أن روسيا بسماحها بإطاحة بشار الأسد، قد لعبت مع فريق العولمة؟

جواب: هذا أمر طبيعي تماما، لأن روسيا ترتبط ارتباطا وثيقا بالعولمة أكثر من ارتباطها بالإمبريالية الأمريكية والترامبية. تتاجر روسيا بالضبط بالأشياء الرائجة في السوق العالمية. وفي الوقت نفسه، ليس لدى روسيا أي علاقات اقتصادية رسمية مع الولايات المتحدة، باستثناء المضاربات المالية والأموال المستثمرة في سوق الأوراق المالية الأمريكية. وبالتالي، فإن كل النشاط الاقتصادي الأجنبي الروسي يضطر إلى أن يبقى في المنطقة الرمادية، وهذه المنطقة، بالطبع، يسيطر عليها دعاة العولمة والمضاربون الماليون. هناك من القواسم المشتركة بين الاقتصاد الروسي وجورج سوروس أكثر مما بينها وبين إيلون ماسك.

سؤال: لقد ذكرت أن قطر ستستثمر الآن الكثير من الأموال في تنمية سوريا. وماذا لو كان ذلك يجعل من الممكن تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز من قطر إلى أوروبا، والذي رفضت حكومة بشار الأسد المشاركة فيه عام 2009؟

جواب: لا، هذه، في رأيي، تكهنات غير صحيحة. احكم بنفسك: الأنبوب الذي تتحدث عنه يجب أن يمر عبر أراضي المملكة العربية السعودية. لن أصدق أبدًا أن السعوديين والقطريين سيتبنون معاً بناء ما يشبه خط أنابيب الغاز "الصداقة". فقطر تمتلك إمبراطورية غاز قوية خاصة بها، وتمتلك أكبر أسطول من الغاز المسال في العالم وأكبر قدرة على إنتاج الغاز المسال في العالم. لديهم كل شيء على ما يرام أصلا. لماذا تُراهم يدمرون فجأة ما بنوه مدى سنوات؟ وبناء نوع من خطوط الأنابيب التي ستعتمد في تشغيلها على أعدائهم المباشرين، السعوديين؟ هؤلاء الذين عادوا قطر وحاصروها ونحو ذلك.

من المعروف أن قطر تدعم في جميع أنحاء الشرق الأوسط، "الإخوان المسلمين"، والسعوديون يدعمون السلفيين الوهابيين. وحتى في مصر، دعم الحزب السلفي الجنرال السيسي عندما أطاح بجماعة الإخوان المسلمين في عام 2013 بقيادة الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي. أما قطر، فمن الطبيعي أن تقوم بتمويل مرسي، في حين استثمر السعوديون في السيسي والوهابيين، الذين دعموا مع إسرائيل الإطاحة بمرسي. لذلك، أعتقد أن خط الأنابيب من قطر إلى أوروبا هو مجرد وهم، وخدعة وهراء تغذيه الدعاية الإسرائيلية في الفضاء الروسي.

في النهاية، قطر لا تحتاج إلى ذلك؛ فهذه الإمارة تعمل بشكل جيد للغاية فيما يتعلق بالغاز. كما ترون، حتى لو كان وضع الغاز في روسيا أسوأ بعشر مرات منه في قطر، لأمكننا أن نعتبر أنفسنا محظوظين ولما كنا نحتاج إلى أي خطوط السيل الشمالي (نورد ستريم) لا الأول ولا الثاني.

بالمناسبة، قد يرغب السعوديون في تنفيذ مشروع مماثل. ولكن آنئذ سيكون الشرط الرئيسي للمشروع هو احتلال القوات السعودية لقطر وتدمير أسرة آل ثاني القطرية وإخضاع البلاد بالقوة للمملكة العربية السعودية. في هذه الحالة، نعم، يمكن بناء الأنبوب. ثم سينضم بشار الأسد بلا شك إلى المشروع - فليس من قبيل الصدفة أنه بنى علاقات جيدة مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. فهل من الغريب أنهما كانتا أول من عبر عن دعمه للأسد عندما بدأت الأحداث القاتلة له؟

سؤال: من ذا الذي يبقى إذن أكبر لاعب في السياسة الخارجية في سوريا الآن؟ هل لا منافس لتركيا هنا؟ أم أن الولايات المتحدة تحتفظ أيضاً بمكانتها، مثل روسيا التي نأمل أن تحتفظ بالقواعد العسكرية؟

جواب: اسمحوا لي أن أذكركم بأن الولايات المتحدة تسيطر على ما يقرب من ربع أراضي سوريا. وحتى الآن لم يمس أحد الأكراد التابعين للولايات المتحدة. وفي الوقت الحالي، لا يتعرض للهجوم سوى مدينة منبج، حيث يوجد حزب العمال الكردستاني. لقد حظيت النزعة القومية الكردية بدعم مستمر من قبل إسرائيل، على الرغم من أن هذا قد يبدو غريبا بالنسبة للبعض.

ولذلك فإن الأميركيين، دون أدنى شك، يظلون لاعبين في سوريا. لكن مفهوم "الأميركيين" نفسه مفهوم مطاط. نحن نتحدث على وجه التحديد عن الأميركيين العولميين. على سبيل المثال، أراد دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا من أجل إطلاق يد شركائه السعوديين والإسرائيليين.

إن وجود الأميركيين في سوريا ليجبرهم على المشاركة في هذه اللعبة برمتها، رغم أنهم لا يحتاجون إليها - ففي النهاية لا يوجد نفط هناك. وبتعبير أدق، لا توجد احتياطيات هناك تجعل الأمر يستحق الاحتفاظ بوحدة عسكرية بهذا الحجم. في وقت من الأوقات، تم تضليل ترامب عندما أخبروه أن هناك الكثير من النفط متركز في سوريا. ومن أجل السيطرة عليها زعموا أن من الضروري احتلال دير الزور - المدينة التي مات فيها الفاغنريون. في الواقع، كانت تلك عملية احتيال، ولم تتحقق صحة الشائعات حول وجود احتياطيات نفطية كبيرة.

ومع ذلك، فإن أنصار العولمة، بطبيعة الحال، باقون في سوريا. أقله لأن رجب أردوغان ولندن يتعاونان مع دعاة العولمة، كما أن إيران وملاليها يتعاونون مع دعاة العولمة. وقطر، بطبيعة الحال، تتعاون مع دعاة العولمة. وهناك ظرف آخر مهم: تتعاون مختلف السلطات المسيحية في سوريا ولبنان مع دعاة العولمة. ويعد أساقفة الكنيسة جزءًا لا يتجزأ من العولمة، حيث أنهم مرتبطون بشكل مباشر بالعالم المعولم من خلال الكنيسة والماسونية وغيرها من الهياكل الكاثوليكية.

أعتقد أننا سوف نرى سوريا منتعشة حقاً، ودمشق متحولة. ولا أعلم إذا كان الجولاني سيصبح صلاح الدين الجديد. وإذا لم يُقتل (وقد يُقتل بسهولة)، فسوف تكون لديه الفرصة للعب دور ضخم في تاريخ الشرق الأوسط. للقيام بذلك، عليك أن تكون قادرا على التصرف بشكل صحيح وتوحيد الناس. أذكرك أن صلاح الدين كان يعتمد على الأغلبية الإسلامية، لكن مستشاريه الرئيسيين كانوا من المسيحيين الأرثوذكس واليهود. لقد أبقى الجميع معه دائمًا. لماذا بقي في ذاكرة الناس؟ لأنه وإن كان بالطبع مسلماً مؤمناً، عزز الحضارة التوحيدية في الشرق الأوسط: المسلمين والمسيحيين واليهود. وطرد المستعمرين الغربيين الصليبيين من أراضيه.

سؤال: ونظام الأسد، كما نعلم، كان علويا.

- لم يكن علوياً، بل كان بعثياً. ومن الخطأ أن نقول هذا لأن الكثير من العلويين يعارضون الأسد. سيكون من الدقة أن نقول إنه كان نظامًا بعثيًا منحطًا، تمامًا كما كان نظام جورباتشوف-يلتسين، على سبيل المثال، نظامًا سوفييتيًا منحطًا. إنها مجرد قذيفة دعائية، يوجد بداخلها نظام استبدادي تجاوز عمر الأيديولوجية التي أوصلت هذه العائلة إلى السلطة ذات يوم.

سؤال: إذن أنت لا تعتقد أن شيئا فظيعا حدث لروسيا في سوريا؟
جواب: روسيا ليس لديها أي خسائر في السمعة. على العكس، أظهرت روسيا نفسها بشكل جيد للغاية من حيث السمعة. الآن، إذا سلمت روسيا الأسد إلى أعدائه، فنعم، سيكون ذلك خسارة لسمعتها. لكن من الواضح أن بلادنا أبرمت اتفاقيات في الوقت المناسب للغاية، والتي لم يتم الكشف عنها، ولكنها سمحت للاتحاد الروسي بالبقاء في اللعبة في الشرق الأوسط.

من بين أمور أخرى، نحافظ على العلاقات مع أردوغان. وقد عزز الرئيس التركي نفسه علاقته مع بوتين ووقعها علناً. وربما يتم استئناف "صيغة أستانا": اجتماعات في كازاخستان حول القضية السورية بين ممثلي إيران وتركيا وروسيا. وهذا الثلاثي، كما في السابق، سيحدد مصير المنطقة. يرجى ملاحظة: المملكة العربية السعودية أو إسرائيل غير مدعوتين هناك.

سؤال: حسنًا، ماذا يجب على روسيا أن تفعل في الوضع الحالي؟ هل نجلس وننتظر استئناف «صيغة أستانا»؟

جواب: لدى روسيا مورد ضخم للعمل في العالم الإسلامي: لدينا تتارستان وجمهورية الشيشان. لنفترض أن رمضان قديروف وجمهورية الشيشان لديهما علاقات جيدة جدًا مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وتتارستان وحاكمها رستم مينيخانوف لديهما علاقات ممتازة مع قطر وتركيا، أليس كذلك؟

في الواقع، عندما نقول "روسيا"، يجب أن نفهم أن قدرات الجهات الفاعلة الداخلية في بلادنا قوية للغاية. وتمتلك تتارستان وقيادتها الآن أوراقاً رابحة ضخمة للمستقبل. تماما مثل القيادة في الشيشان. علاوة على ذلك، سيعملون في اتجاهات مختلفة، لكن المتجه سيكون هو نفسه. مع التحديد الصحيح للمهام وتنفيذها، مع التقييم الصحيح للوضع، لا تعاني روسيا من خسائر في السمعة، ولكنها تتلقى فرصًا جديدة تمامًا.

وكما ترون، قادنا نظام الأسد إلى ممر ضيق للغاية. لن تأتي إلى عدد من البلدان والأسد بين ذراعيك، أليس كذلك؟ حتى في طهران الحديثة لم يعد من الممكن العبث معه. لذلك، تمت إزالة بشار الأسد بعناية، وبشكل صحيح للغاية: عائلته في موسكو، دعه، كما يقولون، يفكر في حياته، بارك الله فيه وعائلته وجميع أبنائه. ولكن بعد ذلك، على العكس، ينفتح مجال جديد للعمل أمام روسيا. بالإضافة إلى ذلك، فإن القضاء على نظام الأسد يشكل ضربة قوية لإسرائيل. لأنه بمساعدة الأسد، سيطرت إسرائيل إلى حد بعيد على المنطقة واحتمالات السيناريوهات. ولكن الآن، بدلاً من ذلك، يعاني الإسرائيليون من صداع كبير جداً.

وأنا شخصياً أرحب بهذا لأنه يجب محاسبة المجرمين المسؤولين عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص. أعتقد أن التالي بعد الأسد قد يكون بنيامين نتنياهو.

سؤال: حسنًا، لقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بالفعل مذكرة اعتقال بحقه.

جواب: أعتقد أنه سيتم إصدار مثل هذا المذكرة داخل إسرائيل.

سؤال: وترامب لن يساعد نتنياهو بعد الآن، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي خان ترامب ذات مرة؟

جواب: إذا تمكن النظام القضائي الإسرائيلي من إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو قبل 20 يناير 2025، فلن يساعده ترامب. وإذا لم يتم إصدار مذكرة الاعتقال، فإن ترامب سوف يساعد.

سؤال: وفي المستقبل القريب سيُعرف من سيقود سوريا بعد بشار الأسد...

جواب: أفترض أن هذا سيكون نوعا من المجلس الانتقالي. ولا ينبغي أن يشمل هذا المجلس المسلمين فحسب، بل يجب أن يشمل أيضًا المسيحيين والعلويين - كلهم معًا.


• مكسيم شِفتشِنكو- زعيم حزبي، صحافي، مقدم برامج تلفزيونية، مستشرق. مجادل عنيف، له أكثر من صولة و"قتالة بالأيدي" على شاشات التلفزة وفي أماكن أخرى.