الغرب والابتزاز المناخي


مشعل يسار
الحوار المتمدن - العدد: 7454 - 2022 / 12 / 6 - 14:06
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

في سياق محاولتها لجم التطور الاقتصادي للبلدان المتحولة إلى اقتصاد رأسمالي كلاسيكي منتج للخيرات المادية وسلع الاستهلاك المدني وعلى رأسها جمهورية الصين الشعبية، تجهد الولايات المتحدة للحفاظ على هيمنتها العالمية المرتكزة إلى سطوة الدولار وبقائه رغم ضعفه عملة عالمية أساسية لا بد للمبادلات التجارية والمالية من أن تمر عبرها وتدفع المبلغ المرقوم "لتأخذ بركتها" في كل مكان وزمان.
ولئن قارنا بين خبرين حديثين: "الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي طالبا الصين، في نطاق قمة المناخ COP27 التي انعقدت في شرم الشيخ، بالمساهمة في صندوق الأمم المتحدة للتعويضات البيئية باعتبارها واحدة من الملوثات البيئية الرائدة، بالإضافة إلى كشف مؤسسة سميتسون عن خطة روسية خبيثة "لإذابة القطب الشمالي وإيقاف دوران المحيطات"، والتي يُزعم أنها تهدد بعصر جليدي جديد، فإن المرء سيشعر حتمًا بأن الغرب الجماعي، المعروف أيضًا باسم "تحالف الديمقراطيات" هو في حالة من الجنون المتنامي.

لماذا، يا تُرى، تُلزَم الصين التي تحملت جميع المخاطر، بما في ذلك المخاطر البيئية المرتبطة بتحويل هذا البلد إلى "ورشة عمل للعالم"، بمجرد إيماءة من الولايات المتحدة وحلفائها، بالدفع لهم لقاء هذا؟ لماذا تُتهم روسيا، التي تنشط في استغلال موارد مناطق عائدى إليها في القطب الشمالي، بالسعي إلى التسبب بالصقيع لسكان أمريكا الشمالية وأوروبا، علماً أن وراء هذه الاتهامات رغبة واضحة في لجم نمو الاقتصاد الصيني والحد قدر الإمكان من أي نشاط لروسيا في القطب الشمالي ليبقى أرضاً بكرا لها حين تتمكن من تنفيذ مشروعها القديم الجديد في فرط عقد روسيا وتفتيتها كما فتتت الاتحاد السوفياتي؟

الغرب الجماعي أشبه اليوم بالمافيا العالمية تبتز المال من أجل "اقتصاد خالٍ من الكربون" و "مكافحة تغير المناخ العالمي"، فيما لا يزال العلم العالمي بأسره في الوقت الحاضر متأثرًا تأثرا كبيرا بل خطيرا جدا بالغرب، إن لم نقل متحكما فيه من قبل هذا الغرب، أي، في الواقع، من قبل مراكز اتخاذ القرارات الأنجلو سكسونية في "الدولة العميقة".

وليس هذا ينطبق فقط على مسألة التحكم في نظام المنح المالية وفي البنية التحتية البحثية بواسطة المال الوفير المنهوب من الشعوب المغلوبة على أمرها، بل ينطبق أيضًا على التعليم العالي (وحتى الثانوي، والابتدائي الآن) من خلال فرض منهج دراسي موحد أوروبياً Bologna Process ومنسوخ أميركيا على شتى الدول، والصحافة العلمية المتخصصة كمجلة "نيتشر" وغيرها، ووسائل الإعلام التي تغطي مشاكل العلم. ويتم تنفيذ هذا التأثير أيضًا من خلال المؤسسات الدولية، كلجنة جوائز نوبل، على سبيل المثال، ومن خلال السلطات والإدارات الحكومية الوطنية. ناهيك عن شبكة المنظمات غير الحكومية (NGO) والمجتمع المدني، التي يتوافق جزء كبير منها تمامًا مع وضعية "الوكيل الأجنبي" العميل للغرب ومصالحه. وينطبق هذا كله على الصين وروسيا ومعظم بلدان العالم، الأمر الذي برز، على وجه الخصوص، من خلال جائحة الكوفيد كجزء من الحرب البيولوجية والإعلامية والضغطية الهجينة التي فرضت فرضا بالتهديد والإغراء والترهيب على البشية جمعاء ولا نزال بعيدين عن نهاية استغلالها وعن اكتمال أهدافها المعلنة وغير المعلنة بالنسبة لمدبريها.

لذا فإن الخطاب العلمي اليوم هو جزء أساسي من "القوة الناعمة" التي يستعملها الغرب الجماعي للهيمنة على العالم. لكن الوضع أخذ يتغير، هذا أولاً، والصين نفسها تنافس بنجاح الولايات المتحدة والدول الأوروبية على جبهة البحث العلمي بأكملها. وثانيًا، يؤدي احتكار "الحق في معرفة الحقيقة"، إلى جانب التحيز المتزايد للنتائج "العلمية" المعلنة، إلى انخفاض الفعالية الحقيقية لهذا "السلاح المطلق". وثالثًا، نتيجة لذلك، يتزايد انعدام الثقة الجماعي بها، الذي غالبًا ما "يذهب بعيدًا" في الاتجاه المعاكس. وللتمييز بين الغث والسمين في هذا الدفق الهائل من المعلومات، بين العلمي الحقيقي والعلمي الزائف، يصبح من المرغوب فيه بل ومن الضروري فعله طرح السؤال المبدئي التالي، المشروع والمنطقي: "من المستفيد؟" من هذا وذاك من الاستنتاجات العلمية المنشورة.

في حالة "مكافحة تغير المناخ العالمي"، لا داعي لطويل بحث عن أي شيء خاص، إذ يُشار إلى هذا الموضوع باعتباره أحد الموضوعات الرئيسية في مفهوم The Great Reset الذي لا يعني كما يفصحون "إعادة التعيين الكبرى"، بل يعني "الإلغاء الأكبر" للإنسانية، إن تم لهم، ذاك الذي أعلنه رئيس منتدى دافوس كلاوس شواب في عام 2020، على خلفية وباء فيروس كورونا نفسه. ومن الواضح أنه لا يمكنك القتال إلا ضد ما (أو ضد من) لديك الفرصة لقتاله. لذلك، تم الإعلان مسبقًا، نيابة عن "العلم"، أن تغير المناخ العالمي له مكون بشري قوي، أي هو ناجم عن النشاط البشري، في المقام الأول في شكل انبعاثات "غازات الدفيئة"، أو بالأحرى ثاني أكسيد الكربون . وعلى الرغم من أن مساهمة الإنسان العاقل Homo sapiens لا تتجاوز 5٪ في ميزان الطاقة الكلي لكوكبنا، فهذه المساهمة الضئيلة بعيدة كل البعد عن "القشة التي يمكن أن تقصم ظهر البعير"، وتتسبب بكارثة مناخية. فقد يكون لثوران بركاني واحد أو زلزال قوي أو هبوط نيزك كبير أو كويكب ما أو وميض "أرجواني" على الشمس تأثير أكبر بكثير على مناخ الأرض من النشاط الحيوي للحضارة البشرية بأكملها لعدة سنوات أو حتى لعدة عقود.

وإذا صوتت بإحدى يديك ضد انبعاثات "غازات الاحتباس الحراري" "الخطرة بيئيًا"، التي يُزعم أنها تؤدي إلى الاحتباس الحراري، وبالأخرى - ضد أنشطة روسيا، التي يُزعم أنها تهدد بتبريد العالم، فإن ذلك يبدو من الخارج غير لائق بالفعل، وإن كان مفهوماً. فالتدابير المعززة الآن دعائيا لمكافحة تغير المناخ العالمي من خلال تطوير "اقتصاد خال من الكربون" واعتماد "طاقة خضراء" لها تقريبا نفس التأثير الذي كان لـ "الحجر الصحي الكامل" و "التطعيم الكامل" خلال عربدة الـ COVID-19 حيث بدلاً من البحث عن بروتوكولات فعالة لعلاج هذه العدوى أو مجموعة كاملة من "العداوى" التي كان يتم اختبارها بدعم من منظمة الصحة العالمية كجزء من التحضير لحرب بيولوجية كاملة. أو الذي كان لرفض غاز الفريون من أجل مكافحة "ثقوب الأوزون" التي أصبحت شبه منسية الآن ومن أجل زيادة أرباح شركة Du Pont. كل هذا هو، في الواقع، أداة في المنافسة الاقتصادية والسياسية المشينة من جانب هؤلاء الفاعلين الذين يفقدون حاليًا مواقعهم وحصصهم في السوق.
الغرب يريد ان يُفهم الصين والهند والبرازيل وباقي البلدان التي تسعى للحاق بالركب العلمي والتكنولوجي ولو متأخرة ان "في الصيف ضيعتِ اللبن" كما قالت العرب! وأن عليك أن تلتزمي الخضوع لتعليماتنا في ما يخص وتيرة تطورك. وكما قال الذئب للحمل الذي بزعمه عكر مياه النهر: انت او أي ما أقاربك من عكر الماء ومشكلتك هي في أني جائع إلى لحمك الطري! فبلدان رأس المال العتيقة سبقت الجميع إلى تلويث البيئة المحيطة أيما تلويث في زمن صعودها المحموم تكنولوجيا. وها هي الآن تريد أن تحجب هذه "النعمة" عن المتخلفين ولكن التائقين إلى التقدم ولو عبر الطريق الرأسمالي مثلها.
يمكن للصين نفسها، إلى حد بعيد، اتخاذ برامج مساعدة للبلدان التي تعاني من تغير المناخ على أساس ثنائي، دون كبير جميل من قبل الوسيط الذي تمثله الأمم المتحدة المؤيدة بل الخاضعة للغرب أصلا ولـ"البيروقراطية الدولية" (وهو ما تجلى بوضوح، على سبيل المثال، في أثناء تنفيذ "صفقة الحبوب في البحر الأسود عندما كانت الشركات الغربية المتعددة الجنسيات تشتري المواد الغذائية الأوكرانية في الغالب، فلم يتم إرسالها إلى البلدان الجائعة حقًا).
ويمكن أن يحدث الشيء نفسه بالنسبة إلى المدفوعات "القصوى الممكنة" إلى صندوق التعويضات البيئية التابع للأمم المتحدة التي يطلبها "تحالف الديمقراطيات" من الصين. أي، أن تَدفع بكين فعليا لتشجيع سياسة خارجية تنهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها معادية لها، كي يقوم مرتزقة الغرب الجماعي بتوزيع أموال الصين هذه على دول ثالثة فيكونوا هم بمثابة "المتبرعين" لدول العالم الفقيرة. وماذا عن إلقاء اللوم على "روسيا الغدارة" التي زُعم أنها قررت "تصقيع" أمريكا الشمالية والأوروبيين من خلال تنمية مناطقها القطبية؟ ألن يكون من الأفضل والأكثر منطقية معالجة مسألة من ذا الذي فجر أنبوب الدفق الشمالي (نورد ستريم) وقطع جميع السبل التي كانت تسير عبرها ناقلات الطاقة الروسية إلى أوروبا؟ فمن المستفيد من كل هذا، يا ترى؟
الخبر السار الوحيد هو أن "النخب" الغربية، سعياً منها وراء تحقيق الأرباح المعتادة والضرورية لها، لا تزال لا تجرؤ على تشغيل الآليات العسكرية المختبرة "بشكل كامل" لأن خصمها بات يملك مثلها وأكثر، وهي مضطرة للبحث عن سبل "علمية" و"دبلوماسية" التفافية وحبيثة المقصد. وإننا نتمنى لهم النجاح في قضيتهم اليائسة.