العالم عند منعطف خطير: خارطة الطريق إلى العبودية الرقمية الجديدة... جاهزة (الجزء الثالث والأخير)


مشعل يسار
الحوار المتمدن - العدد: 7481 - 2023 / 1 / 3 - 15:02
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

أقدم لقراء "الحوار المتمدن" الكرام ترجمة للجزء الثاني من مقالة مسهبة للمؤرخ الروسي المعروف أندريه فورسوف* حول النظام العالمي الجديد الذي ترنو إليه "الدولة العميقة" والذي يتمثل في تحويل المجتمع البشري إلى عبودية قديمة-جديدة. والمقالة في ثلاثة أجزاء:
الجزء الأول: https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=778729
الجزء الثاني: https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=778855
الجزء الثالث

تمت صياغة عشرات الأهداف لعام 2030 في الوثيقة.
1- إلغاء الملكية الخاصة والشخصية.
2- دخل أساسي شامل لمن قبل "الوضع الطبيعي الجديد”.
3- إلغاء النقد الملموس واستبداله بعملة رقمية.
(أضيف من عندي: العملة الرقمية ليست مالًا، بل وسيلة للرقابة الاجتماعية، للتحكم بالمجتمع)
4- نظام تصنيف للدول والشركات لجهة الحصول على المحروقات.
5- رقابة اجتماعية صارمة (بواسطة المسيَّرات أي الطائرات بدون طيار والتعرف على الوجوه(.
6- ترشيد استهلاك الغذاء والطاقة والموارد الطبيعية.
7- براءات (رُخَص) الوصول إلى صندوق بذور الزراعة وتقييد إمكانية تناول المنتجات الغذائية التي هي من إنتاجك أنت.
8- القضاء التام تقريبا على تربية الماشية. ونقل غالبية السكان إما إلى أغذية بروتينية صناعية وإما إلى أغذية نباتية.
(أضيف من عندي: في هولندا، في هارلم، ابتداء من العام 2023، سيُحظر الإعلان عن منتجات اللحوم وأطباق اللحوم في الأماكن العامة. والمزيد قادم: وفقًا لتقارير وسائل الإعلام، في أكتوبر 2022، تم اتخاذ قرار ستشتري بموجبه حكومة هولندا قسراً 600 مزرعة ماشية من أصحابها. وداعًا لتربية المواشي وللأطعمة البروتينية العالية الجودة).
9- تحديد النسل. (هذا يعني إنقاص عدد السكان).
10-التطعيم الإجباري.
11-حظر أشكال العلاج الطبي البديلة.
12-إلغاء الاختلافات الجنسية أي المذكر والمؤنث (من قواميس اللغة).
هذا البند الأخير وما قبله ليس سوى ضربة ليس فقط للعائلة، ولكن أيضًا للإنسان والبشرية كنوع بيولوجي. لقد وصف إنجلز ذات مرة مؤلفه عن الحضارة بعنوان "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" بأنه يقاوم الهمجية. تنفيذ هذه "الأهداف . . . " يفترض تدمير كل ما أوجدته الحضارة الإنسانية. في هذا الصدد، أريد أن أقول في استشراف للمستقبل، إن متطرفي العولمة لا يسعون فقط إلى إنشاء نظام "ما بعد الرأسمالية" بحيث يكون ملائماً لهم ولهيمنتهم على النطاق العالمي، ولكن، أولاً، بإعادة التاريخ إلى الشكل الذي تطور فيه منذ العصر الحجري الحديث (الثورة النيوليتية)، أي آخر 10-12 ألف سنة، وتوجيهه نحو همجية جديدة مقوننة مؤسساتياً، نحن مستقبل يرتد إلى أعماق التاريخ، وثانيًا، بالسيطرة على التطور البيولوجي (الاجتماعي، عبر ترجيعه إلى الوراء وتحويل القسم الأكبر من سكان كوكبنا إلى حيوانات اجتماعية لا خصائل لها ولا هويات.

لئن كانت الوثيقة المعنونة "الأهداف . . . " تحدد الأهداف فقط، ففي مناقشات مؤتمر "معهد التعقيدات سانتا في" (الذي نشأ في الأصل على يد ريكس تيلرسون Rex Tillerson والعديد من البنى المتخصصة، وفي المقام الأول وكالة الأمن القومي)، تمت صياغة الإستراتيجية – الوسيلة الآيلة إلى تحقيقها. وقد حضر هذا المؤتمر الذي يحمل الاسم الرمزي "مخاطر العالم الضعيف"، مدراء تنفيذيون للشركات وسياسيون وضباط استخبارات رفيعو المستوى. وبعد الاستماع إلى ستة تقارير ومناقشتها (التقرير العام؛ الاقتصاد والصناعة؛ تهديد الاستقرار والنظام من قبل الذكاء الاصطناعي؛ المناخ؛ الطاقة؛ الديموغرافيا)، بدأ النقاش حول السيناريوهات الرئيسية الممكنة والمرغوبة لتنمية البشرية - بالطبع، سَوقها إلى سوق النخاسة لصالح الفئات العليا التي تشكل نسبة 0,1٪ من سكان العالم، والتي يعمل في خدمتها المشاركون في المؤتمر.
السيناريوهان الأولان – سيناريو الثورة (أي أن تحل البشرية المشاكل الحادة الحالية وتحقق اختراقًا نوعيًا إلى المستقبل) وسيناريو الحل الأمثل (أن تحل البشرية بكل بساطة المشكلات الملحة دون قفزات) - تم رفضهما من قبل الغالبية العظمى من المشاركين على أن من غير المرجح أن يكونا قابلين للتنفيذ. والسبب هو المستوى المتدني للفكر ولقوة الإرادة لدى النخبة العالمية، من ناحية، وروح الامتثال للقائم والمعهود، وضيق الأفق والافتقار إلى روح المبادرة للجزء الأكبر من السكان، من ناحية أخرى. السيناريو الثالث، سينارية الكارثة، وقد اعتبره 55٪ من المشاركين الأكثر قابلية للتنفيذ. وأثار السيناريو الرابع الاهتمام والاستحسان الأكبر حيث صوت 25٪ لصالح تنفيذه. وقد أطلق عليه اسم "الانتقال الأنثروبولوجي” أي تحويل الإنسانية. والمقصود به خلق مجتمع يختلف فيه من هم "فوق" ومن هم "تحت" وكأنهما بيولوجياً نوعان مستقلان متلفان. فمن هم فوق (الطبقات العليا) يمكنهم تغيير أعضائهم مرار وتكراراً (مثال روكفلر الجد الذي توفي مؤخرا بعد ست عمليات زرع قلب جديد- م.ي.)، والعيش 120-140 عامًا في مناطق ("جيوب") نظيفة بيئيًا، بما في ذلك المدن العائمة، وتناول طعام بروتين طبيعي عالي الجودة ويسيطرون على من هم تحت (الطبقات الدنيا) وعلى الموارد سيطرة كاملة شاملة. الطبقات الدنيا تعيش من 40 إلى 60 عامًا، وتكون ضعيفة جسديًا، وغير متعلمة في معظمها، وتسكن في مناطق ملوثة بيئيًا، وتبقى غارقة في واقع إضافي، افتراضي. وقد أطلق ستانيسلاف ليم في مؤلفه "مجموع التكنولوجيا" على هذا الواقع اسم عالم الأشباح. في الواقع، سيكون لدينا مجتمع من طبقتين عليا ودنيا بروح الإلوي Eloi والمورلوك Morlock من رواية "آلة الزمن" لـهربرت ويلز (HG Wells) Time Machine دون أي تلميح لطبقة وسطى يفترض أن تكون أول من سيوضع "تحت سكين" المصادرة خلال عملية الانتقال الأنثروبولوجي إلى النظام العالمي الجديد.
إذاً، الأهداف حددت. هيا إلى العمل، أيها البرجوازيون. لكن كيف العمل لإطلاق عملية الانتقال نفسها؟ في عام 2010، صرح جاك أتالي، إيديولوجي المونديالية (المصطلح الفرنسي للعولمة)، بصراحة في مقابلة أن وباء شاملا (جائحة)، يمكن أن يصبح القوة الدافعة إلى النظلم العالمي الجديد. وثمة أفكار مماثلة حول هذا النوع من "الأحداث التحويلية" عبّر عنها دونالد رامسفيلد عندما كان وزيراً للدفاع في الولايات المتحدة، وأشخاص من مؤسسة روكفلر. وها هي مؤسسة بيل وميليندا غيتس Bill and Melinda Gates تجري في أكتوبر 2019 تدريبات تحت مسمى "الحدث 201" ("Event 201"). وتتضمن هذه التدريبات إجراءات مكافحة جائحة فيروس كورونا! وفي عام 2020 تبدأ جائحة الكورونا إياها. خذوا ما دمتم قد طلبتم! بتعبير أدق، الأمر هكذا: في البداية، طرحت وسائل الإعلام الصوت حول ازدياد أعداد المرضى، وفي 11 مارس 2020، أعلن رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غبريسوس وهو إثيوبي معروف بأنه موظف فاسد وتروتسكي، وحبيب قلب غيتس: "لقد توصلنا إلى استنتاج مفاده أن المرض يمكن اعتباره وباءً. لاحقاً أكد غبريسوس أن منظمة الصحة العالمية لم تعلن حدوث جائحة، بل فقط افترضتها. ومع ذلك، نذكر في الوقت نفسه، كيف أن جميع الحكومات، باستثناء الحكومتين البيلاروسية والسويدية، هرعت لتنفذ تدابير تتجاوز بكثير التدابير الضرورية. فبدأت أزمة الفيروس التاجي حين فرض هذا الوباء النفسي فرضا على البشرية مقترنًا بإجراءات قمع اجتماعي وحرمان الناس من الملكية عبر الإغلاقات القسرية ومنع المؤسسات من العمل لا سيما الصغير منها. تماما حسب مطلب ميشيل فوكو المتمثل في "المراقبة والمعاقبة" (survéiller et punir).
بعد ما يزيد قليلاً عن ثلاثة أشهر من الإعلان عن الوباء، نُشر الكتاب الذي ألفه المعولم المتطرف، منظم المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، كلاوس شواب، وشاركه في تأليفه تييري مالير تحت عنوان: "كوفيد-19 إلتصفير الأكبر" ( ("COVID-19: The Great Reset. ترجموا كلمة Reset كـ"إعادة التعيين" وهذا خطأ لأن إعادة التعيين أو التشغيل هي restart بينما Reset تعني التصفير zeroing، الإعادة إلى الصفر mise à zéro. في الواقع، يتحدث شواب ومالير عن تصفير التاريخ السابق وبدئه من جديد، من صفحة بيضاء.
باختصار، يمكن تلخيص الاستنتاجات والمقترحات الرئيسية للكتاب باعتبارها، في جوهرها، برنامج عمل لمتطرفي العولمة، على النحو التالي.
يزعم شواب أن كوفيد ليس تهديدًا وجوديًا على الإطلاق - لا يمكن مقارنته لا بـ "الموت الأسود" الذي حصل في القرن الرابع عشر، ولا بالإنفلونزا الإسبانية في 1918-1919، ولكنه، مع ذلك، ذو أهمية كبيرة جداً، لأنه يتيح تسريع تلك العمليات التي باتت تجري أصلا في القرن الحادي والعشرين تسريعاً كبيرا ويفترض أن تفضي بالناس إلى عالم "الوضع الطبيعي الجديد” nouvelle normalité. هذه العمليات هي تطوير لـ"الاقتصاد الأخضر" (اقرأ: لتدمير الصناعة بحجة تغير المناخ الذي يُزعم أن نشاط الإنسان هو من تسبب فيه)؛ ولانتهاج نهج تقليل الاستهلاك (بالطبع، هذا لا ينطبق على النخبة العالمية وعلى شواب شخصيًا)؛ وللرقمنة (أي التحكم الاجتماعي الرقمي) واستخدام الروبوتات بدلا من الناس؛, تعميق المساواة بين الجنسين؛, النضال من أجل حقوق المثليين ((LGBT ، وابتلاع الدولة (الدول) من قبل الشركات.
على الرغم من أن شواب، يكرر كالصلاة الكلمات حول حتمية عالم ما بعد COVID ، عالم "الوضع الطبيعي الجديد" The New Normal، فإنه يسرد أيضا المخاطر التي تشعره بأكثر من القلق: أ) المقاومة الجماهيرية؛ ب) مطّ العملية في الزمن. فكل شيء يجب القيام به في آجال قصيرة (حرب على المجتمع خاطفة)؛ ج) إذا خرجت واحدة من أكبر ثلاث دول هي الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الروسي، وجمهورية الصين الشعبية من "المشروع"، فسيصبح غير قابل للتنفيذ.
وفيما أشاد شواب بالنظام العالمي الجديد أيما إشادة، قال على الفور إن كوفيد سيزيد من عدم المساواة - اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ونفسياً، والتمايز بين الناس في الوصول إلى الخدمات الطبية. وسوف تؤدي الروبوتات إلى تفاقم حالة العمال. وتحدث شواب عن تقليص المساحة الاجتماعية والاقتصادية للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، فعالم شواب هو عالم الشركات وفي نفس الوقت عالم تدني وتدهور نوعية الحياة بشكل كبير بالنسبة للجزء الأكبر من السكان. في الواقع، يعود عراب دافوس إلى المفهوم المالتوسي الجديد الذي يعني "النمو الصفري" الذي يريده نادي روما في نسخة جديدة هي التراجع (degrowth = عدم النمو، النمو المعاكس، النمو العكسي). وينضم بحماس إلى البيان الذي تم التوقيع عليه في مايو 2020 من قبل 1100 خبير - من أنصار نهج "المساواة في الحد من جودة الاقتصاد”. وهم يعتقدون أن المهمة هي خلق اقتصاد متدهور النوعية (downscaling economy). ويكتب شواب أن مثل هذا الاقتصاد "سيقودنا إلى مستقبل يمكننا أن نعيش فيه بشكل أفضل وبموارد أقل" (where we can live better with less).
وكمثال على العيش في أدنى مستوى، يستشهد شواب بباتاغونيا - المنطقة القاسية في دولة الأرجنتين الفقيرة. "مستوى عيش باتاغويا" سيكون مآل أطراف وشبه أطراف معظم العالم (في الواقع، سوف يكون شبيها بمستوى عيش هايتي أو الصومال) . بالنسبة للجزء الأصغر من البشرية سيكون هذا مستوى معيشة "اليابان" (نموذج اليابان وضمنا أيضا بالشكل الذي توجد فيه بعد الضربة الاقتصادية الرهيبة في أواخر التسعينيات). أي أن كلا مستويي العيش انحدار وتدهور.
ويتعامل شواب بطريقة فريدة من نوعها مع الرأسمالية، مبرراً نهج حرمان الطبقة الوسطى من ملكية عوامل الإنتاج المادية (اقرأ، نهج تدمير الطبقة الوسطى، أي الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم) بسبب الحاجة إلى خلق أعلى شكل من أشكال الرأسمالية يخدم جميع الناس هو رأسماليىة أصحاب المصالح stakeholders. في الواقع، إن رأسمالية أصحاب المصالح stakeholders ليست هي وحسب اللا رأسمالية، بل هي وسيلة تدمير الرأسمالية، وهي ليست في مصلحة الشعب العامل، كما حلم ماركس والشيوعيون، بل هي في مصلحة حفنة ضيقة من المليارديرات. فصاحب المصلحة (stakeholder) يختلف عن المساهم (shareholder) في أنه لا يتملك شيئا، بل هو طرف مشارك، شخص مهتم بتسيير العمل؛ مشارك ثانوي في مشروع تجاري ضخم”.
* تستند الأرقام الواردة في المقالة إلى مواد كتاب "في الطريق إلى الى "نيو شوابيا" لمؤلفه ألكسندر ليجافاLezhava (موسكو، (2022.
المصدر: https://zavtra. ru/blogs/mir_na_perelome
انتهى

* أندريه إيليتش فورسوف مؤرخ روسي، عالم اجتماع، داعية. مؤلف أكثر من 200 ورقة علمية، بما في ذلك تسع دراسات. في عام 2009 تم انتخابه أكاديميًا في أكاديمية العلوم الدولية (International Academy of Science). تتركز اهتماماته العلمية على منهجية البحث الاجتماعي والتاريخي، ونظرية وتاريخ النظم الاجتماعية المعقدة، وخصائص الذات التاريخية (الكيان التاريخي)، وظاهرة السلطة (والصراع العالمي على السلطة والمعلومات والإعلام والموارد)، والتاريخ الروسي، وتاريخ النظام الرأسمالي والمقارنات التاريخية بين الغرب وروسيا والشرق.