أعداء الإنسانية اللامرئيون


مشعل يسار
الحوار المتمدن - العدد: 7344 - 2022 / 8 / 18 - 14:01
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات     

أصدرت وزارة الدفاع الروسية مؤخراً بيانًا رسميًا: "نحن ندرس احتمال أن تكون الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) متورطة في ظهور فيروس كورونا جديد".
حتى في ذروة الوباء، وافانا المستشار الرئيسي لرئيس المقر الأيديولوجي للعولمة، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، كلاوس شواب (صاحب نظرية وكتاب "إعادة الضبط العظيمة")، الأستاذ في الجامعة العبرية في القدس، يوفال هراري، بالأغراض التي يتم من أجلها استخدام الهياكل الكوفيدية التي يخدمانها: "في المستقبل القريب، عندما سينظر الناس إلى الوراء، سيتذكرون أن كل شيء بدأ مع أزمة فيروس كورونا. هذه هي لحظة الانتقال إلى الرقمنة الكاملة، حيث ستتم مراقبة كل شيء على الإطلاق. لحظة الموافقة على المراقبة الكاملة الشاملة، ليس فقط في مجتمع شمولي (توتاليتاري)، ولكن أيضًا في مجتمع ديمقراطي. وستأتي اللحظة الأكثر أهمية عندما لا يكون تتبع سلوك الشخص خارجيًا فحسب، بل أيضًا تحت الجلد. الآن هناك عملية مهمة للغاية في العالم: نحن "نخترق" الناس، نخلع أبواب داخلتهم. لدينا القدرة على "اختراق" أي شخص لفهم ما يحدث بداخله، وما الذي يحدوه ويدفعه لفعل هذا الشيء أو ذاك... وراءنا ثورتان اثنتان: الثورة في علوم الكمبيوتر والثورة في العلوم البيولوجية؛ وقد كانتا موجودتين بشكل منفصل إحداهما عن الأخرى، لكنهما الآن تندمجان معًا ... هذه اسمها تقنية تحويل البيانات البيولوجية إلى بيانات رقمية. وستتم معالجة هذه البيانات بواسطة أجهزة الكمبيوتر وستمنحنا القدرة على مراقبة الأشخاص من تحت الجلد. هذه هي نقطة التحول في اللعبة بأكملها. لأن هذا هو المفتاح، المفتاح لفهم الناس بشكل أفضل - حتى أكثر مما يفهمون هم أنفسَهم ... هذه ثورة حاسمة، ويلعب الكوفيد هنا دورًا حاسمًا، لأنه يقنع الناس بضرورة إضفاء الشرعية على المراقبة البيومترية الكاملة".
إذا كانوا "هم" سيجمعون بين الثورتين في علوم الكمبيوتر والبيولوجيا من أجل إقامة سلطة مطلقة على الإنسان والإنسانية، أفلم يحن الوقت لكي نجمع نحن – لا سيما من لا يزال مقتنعل بأن الكوفيد خطير فعلا وهو جائحة طبيعية - بين هاتين العبارتين معًا ونتوقف عن إخفاء رؤوسنا في الرمال كالنعامة، فنعترف بأن الحقيقة الواقعة ليست فحسب أن وراء الجائحة المزعومة ليس فقط أعداء الشعب، أي شعب معين، بل أعداء البشرية ككل أيضًا. أنهم تلك القوى التي تقود المعركة من أجل تدمير الإنسان والبشرية. القوى التي هي، كما أظهرت جائحة الكوفيد، قادرة على ارتكاب أي جريمة لا يمكن تصورها على ما يبدو، من أجل إرساء سلطة مطلقة على البشرية، لمنعها من الثورة حين تتراكم التناقضات بين الطبقات إلى حد لا يستطيع معه من هم "فوق" الحكم، ومن هم "تحت" الانصياع.
لفهم حقيقة وجود أعداء البشرية، من الضروري الجمع بين الأدلة على أن فيروس كورونا هو من صنع الإنسان (وزارة الدفاع الروسية مع اعتراف عدد كبير من العلماء بذلك) واعتراف جماعة العولمة بدور جائحة كوفيد في تحقيق أهدافهم. لأنهما، رغم كل عنصر الإثارة في كل من بيان وزارة الدفاع الروسي والبيان الفاضح لهراري، لا يعطيان صورة كاملة عن الخطر الذي يتهدد العالم.
لم يخف دعاة العولمة أهدافهم أبدًا. فقد فهموا جيدًا أن من المستحيل إعلانهم كمجرمين. فنحن، بزعم وسائل الإعلام العالمية الرئيسية التي يهيمن عليها راس المال العالمي، وبالتالي على الوعي البشري، أمام حكومة عالمية تعمل من أجل عالم خالٍ من الحروب!!! والسيطرة الكاملة على البشر هي من أجل السلامة العامة والاستقرار!!! ودعم المثليين هو دعم لحق كل شخص في أن يكون على سجيته وطبيعته!!! وتحويل الإنسان إلى سايبورغ (أي ما بعد الإنسان transhumanism) هو من أجل إطالة عمره، إن لم يكن تخليده!!!!
ليس بسبب الدوار من النجاح على الإطلاق يسمح أيديولوجيو العولمة لأنفسهم بتصريحات حول أهمية جائحة كوفيد لتحقيق أهدافهم. فكوفيد –على حد زعمهم - كارثة طبيعية، وقد أظهرت الطبيعة نفسها أن وصفات دعاة العولمة فقط هي القادرة على إنقاذ البشرية.
لذلك، كيف يمكن اعتبار أولئك الذين يسمون أنفسهم بأهل العولمة أعداء للبشرية؟ كل شيء لديهم هو لمنفعة الإنسان والبشرية. كما أن القول بأن "طريق الجحيم مرصوف بالنوايا الحسنة" ليس له مكان هنا!!!.
وبنفس الطريقة، ليس إثبات الأصل الاصطناعي للفيروس في المختبرات البيولوجية الأمريكية، بصرف النظر عما كشف عنه دعاة العولمة، أكثر من حقيقة تسمح لنا بالتحدث فقط عن إهمال إجرامي من قبل الولايات المتحدة، وليس عن حرب شاملة تشن ضد الإنسانية.
"الحجة الدامغة" لمعارضى كون الوباء من صنع الإنسان، الذين ما زالوا رغم كل شيء مجبرين على الاعتراف بحقيقة الأصل الاصطناعي للفيروس نفسه، أنه أصاب ملايين الأمريكيين من بين الشعوب الأخرى. فالفيروس خطير على جميع البلدان والشعوب، لذلك لا يوجد من هو قادر على إطلاق الجائحة عمدًا (دعنا نترك الجنون جانبا هنا).
كل شيء منطقي، ولكن فقط طالما أن اصطناعية الفيروس التاجي لا تتفق وإفصاحات دعاة العولمة. فهنا يظهر على الفور من هو الذي وراء الحرب ضد الإنسانية. إنه ذاك الذي له دوافع أيديولوجية ومادية. وهو قادر على تنظيم جائحة بتجاوز للقيادة الرسمية للولايات المتحدة (انظر فقط إلى قائمة "حراس مجلس الرأسمالية الشاملة Guardians of the Council for Inclusive Capitalism"). إن الوباء يصب في مصلحته الإستراتيجية (هم أنفسهم اعترفوا بهذا). وهو لا يبالي بمصير الأمريكيين وحتى اليهود، ناهيك كل الشعوب والدول الأخرى. وإن ضمان أن يسلم من الفيروس عدة مئات بل وآلاف من المستفيدين من الجائحة ليس بالمشكلة العويصة.
بالطبع، هذا ليس دليلاً قانونياً على أن الحرب ضد الإنسانية شنها أولئك الذين يسمون بأهل العولمة، فضلاً عن مسؤوليتهم عن الوباء. فبناء على من هو الأكثر حرصا على القتل العمد ومن يمكنه أن يرتكب هذه الجريمة، لن تصدر المحكمة حكمًا بالإدانة. لكن هذه الأسباب يمكنها أن تلزم المحقق ببساطة بأخذ الشخص المعني إلى تحقيق مفصل، للتعرف عليه باعتباره المشتبه به الرئيسي.
ومن الأهمية بمكان الآن إجراء مثل هذا التحقيق، أو على الأقل المناقشة الصريحة للموضوع. فإذا تمكنا من إزالة "المحرمات" عمن هم أعداء البشرية، عن طريق إزالة "المحرمات" عن القول بأن جائحة كوفيد هي من صنع الإنسان، وليس فقط أن الفيروس من صنع الإنسان، يمكننا افتراض أننا أنجزنا من القضية نصفها. فـ"هم" موجودون ويتحركون نحو هدفهم، طالما أنهم قادرون على جعل الجميع يعتقدون أنهم غير موجودين، وأن كل هذا من اختراعات ظلاميين ومنبوذين ومنظرين للمؤامرة. لذلك دعنا نقول شكراً للبروفيسور هراري على اعترافه الصادق.
ومع ذلك، فليس كافيا مجرد فهم أن حرب إبادة يتم شنها ضد الإنسانية، وأن الوباء، والتعبد للانحرافات الأخلاقية وغيرها، والرأسمالية الشاملة (والقائمة تطول) أمور لا تنشأ من تلقاء نفسها، بل هي عناصر مترابطة في هذه الحرب. من المهم بنفس القدر أن نفهم من هم، وما هي القوة التي تسعى جاهدة لتدمير البشرية. بدون هذا، من المستحيل تطوير استراتيجية فعالة أو تكتيك مواجهة فعال. يبدو أن الإجابة واضحة – إنها العولمة الرأسمالية، التي جوهره وأساسها رأس المال العابر للحدود، وهي بخلاف العولمة الاشتراكية أي الأممية البروليتارية كما فهمها الشيوعيون منذ ماركس وإنجلس ولينين وستالين، وتختلف جذريا عن الرأسمالية الكلاسيكية سواء التنافسية أو الاحتكارية، لم يعد يهمها اقتناص القيمة الزائدة من العاملين لأجل الإثراء ما دام ممكنا اغتيال معظم البشر والاكتفاء بعدد قليل منهم بعد تحويلهم إلى عبيد رقميين يمكن تتبع سلوكهم لحظة بلحظة in real time. وفقًا لذلك، من الضروري القتال أولاً وقبل كل شيء في مجال الاقتصاد - للقضاء على النظام الاقتصادي الذي سمح للشركات العابرة للحدود بتركيز موارد مالية طائلة وقوة هائلة في أيديها خلال نصف القرن الماضي، وسوف تفقد آنئذ القدرة على السيطرة المالية على العالم، وستفقد العولمة الليبرالية (الأيديولوجية التي تعبر عن مصالح رأس المال العابر للحدود) احتكار السياسة والثقافة والتعليم والمعلومات، أي استلاب الوعي الإنساني.
المهمة صعبة، لكن رغم كل قوة الشركات العابرة للحدود، يمكن حلها لصالح البشرية التي تعد قرابة الـ8 مليارات نسمة بمقابل قلة متناهية الضآلة من "اللابشر". ومع ذلك، يرى المؤرخ الروسي المعروف إيغور شيشكين أن هذا الإضعاف المحتمل لرأس المال العابر للحدود والانهيار المرتبط بإيديولوجية العولمة الليبرالية لن يحلا وحدهما المشكلة. فجذورها برايه أعمق بكثير ولا تتلخص في تركيز رأس المال في أيدي حفنة من الشركات العابرة للقارات، ولا إلى العولمة الليبرالية.
فثمة ما يعرف بعقدة "الشعب المختار"، أو مفهوم "الطبقة المختارة"، التي تقف فوق الإنسانية، والتي يُسمح لها كل شيء، وهي ليست بأي حال من الأحوال نتاجًا للعولمة فقط – هذا النظام الاقتصادي الذي تم تشكيله في نصف القرن الماضي وبالقدرات المطلقة لرأس المال العابر للحدود. بل يمكن تتبعها منذ آلاف السنين. وهنا يكفي أن نتذكر الأفكار التي انتشرت في المحافل الماسونية.
فالماسونية تشن منذ زمن بعيد حربا على الإنسانية، وتسعى حاليا إلى دفعها إلى معسكر الاعتقال الرقمي لمنعها من القيام بأي ثورة عليها وإعادتها إلى أقفاص التاريخ حيث يجب أن يبقى الوحش القاتل للتاريخ.