نزعة نتنياهو العسكرية الخطيرة


حميد كشكولي
الحوار المتمدن - العدد: 8122 - 2024 / 10 / 6 - 00:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ملفين غودمان

ترجمة: حميد كشكولي

باختصار، استعادت إسرائيل قدرتها العسكرية التي تأثرت بعد اجتياز مقاتلي حماس لحدود غزة في 7 أكتوبر واستهدافهم للمدنيين الإسرائيليين.
- ديفيد إغناتيوس ، مقال رأي ، واشنطن بوست ، 2 أكتوبر 2024.
نحن بحاجة ملحة إلى تصعيد الموقف مع إيران
. – بريت ستيفنز ، افتتاحية ، نيويورك تايمز ، 3 أكتوبر, 2024.
تعتمد وسائل الإعلام الرئيسية اعتماداً كبيراً على تقديم نقد لاذع لاستخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقوة العسكرية، التي تُعتبر على نطاق واسع بأنها تحمل طابعاً خطيراً. في المقابل، نجد هذه الوسائل نفسها تقدم دعماً مستمراً ومُعتبراً لقرارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتعلقة باستخدام القوة العسكرية، رغم أن تلك القرارات غالباً ما تكون محفوفة بالخطر بطريقة مشابهة. وقد برز ديفيد إغناتيوس من صحيفة واشنطن بوست، إلى جانب بريت ستيفنز من صحيفة نيويورك تايمز، كأبرز المؤيدين لمثل هذه الآراء المتباينة. يُذكر أن هذين الكاتبين، من أبرز الصحفيين الذين يساهمون بشكل كبير في تشكيل الرأي العام من خلال مقالاتهم المؤثرة وتحليلاتهم المفصلة للوضع السياسي والدولي.
يبدو أن إغناتيوس قد أخطأ في تقييمه لاستعادة إسرائيل لتفوقها العسكري. لم تفقد إسرائيل أبدًا تلك الأولوية التي أسستها خلال حرب الأيام الستة عام 1967، عندما تمكنت بسرعة من هزيمة القوات العسكرية لمصر وسوريا والأردن بهذا الترتيب. الهجمات المفاجئة التي وقعت في حرب أكتوبر 1973 وهجمات حماس في أكتوبر 2023 تُعتبر في الأساس استثناءات ترتبط بإخفاقات استخباراتية وسياسية في الحالتين. فقدت غولدا مائير منصبها بسبب هذه الإخفاقات، وسيواجه نتنياهو نفس المصير في أي انتخابات مقبلة تتمكن إسرائيل من إجرائها.
تواجه منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحاضر خطرًا كبيرًا، ربما يكون الأخطر في هذا المنعطف التاريخي، نظرًا للوضع الجديد الذي يتيح لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الحرية الكاملة في تنفيذ أي عمليات عسكرية يرغب فيها ضد إيران. لم يعد نتنياهو مضطرًا للقلق بشأن ردود الأفعال المحتملة من قبل حماس وحزب الله في حال شن هجوم إسرائيلي على إيران، حيث إن كلا المنظمتين قد تعرضتا لخسائر استراتيجية على الأرض. وبالإضافة إلى ذلك، لم يعد نتنياهو يشعر بالقلق تجاه الضغوط الأمريكية المطالبة بضبط النفس، إذ أن إدارة الرئيس الحالي، جو بايدن، أصبحت منشغلة بتلبية متطلبات الانتخابات الرئاسية المقبلة. يُلاحظ أن بايدن لم يظهر رغبة جدية في استخدام ورقة النفوذ الأساسية المتاحة له على الساحة السياسية، والتي تتمثل في إمكانية تعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل. كما لم يعد نتنياهو يشعر بأي قلق نتيجة للمعارضة الداخلية، التي تبدو وقد تلاشت تقريباً، حيث إن شخصيات سياسية بارزة، مثل رؤساء الوزراء السابقين ومن بينهم نفتالي بينيت، يدعون إلى تكثيف العمل العسكري الذي يهدف إلى تدمير البنية التحتية الإيرانية مثل خطوط الأنابيب ومصافي النفط ومحطات الطاقة في جزيرة خرج بالخليج الفارسي، بالإضافة إلى مركز الصواريخ في مدينة أصفهان.
يعد ستيفنز الداعم الأمريكي الأبرز لاقتراح حملة القصف التي يقودها بينيت، حيث يؤكد على الضرورة الملحة لهزيمة "محور الشر"، الذي يضم كلًا من روسيا والصين وكوريا الشمالية، قبل أن تكون لديهم القدرة على تقديم الدعم التقني لطموحات إيران النووية. ويرى ستيفنز أنه من المهم أن يقوم الرئيس بايدن، كخطوة مبدئية على الأقل، بتدمير مجمع صواريخ أصفهان كإجراء مباشر ومتكافئ رداً على الاعتداءات الإيرانية المتكررة. ويعتقد ستيفنز أن تنفيذ هذا النوع من التهديدات سوف يكون له تأثير فعلي، حيث قد يدفع إيران إلى إصدار أوامر لحزب الله والحوثيين بالتراجع عن أعمالهم العدائية، وربما يصل الأمر إلى ممارسة الضغط على حركة حماس لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها.
لم يتطرق ستيفنز إلى تفاصيل الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015، والذي فرض قيوداً صارمة على الأنشطة النووية لإيران، بما يشمل تقليص قدرتها على تخصيب اليورانيوم واستخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة، بالإضافة إلى الحد من إنتاج البلوتونيوم الذي يمكن استخدامه في صنع الأسلحة النووية. كذلك، منع الاتفاق الدائم أي أنشطة بحثية تسهم في تصميم وتطوير الأجهزة النووية الهجومية. إذا كانت إيران اليوم أقرب إلى إمكانية تطوير أسلحة نووية، فإن الأمر يعود بشكل كبير إلى قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2018 بالانسحاب من المعاهدة التي نالت دعماً دولياً واسعاً، بما في ذلك من أطراف مثل روسيا والصين. وفي حال كانت إيران تمتلك الآن كميات وقود نووي كافية لإنتاج عدة قنابل نووية، فإن المسؤولية تقع إلى حد كبير على ترامب ومستشاره للأمن القومي آنذاك، جون بولتون.

يطمح ستيفنز، الذي يشغل موقع القيادة، مع بنيامين نتنياهو، إلى إنهاء تأثير حزب الله القوي من خلال ما يمكن وصفه بـ ”قطع الرأس"، وفي الوقت نفسه يستهدف إضعاف السيطرة والشبكات الدفاعية لحركة حماس في قطاع غزة. كان ستيفنز مناصراً بارزاً لعملية الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ولكنه تجاهل الإشارة إلى الإخفاقات والمعوقات التي واجهتها إسرائيل في حملاتها السابقة في لبنان في السنوات 1978 و1982 و2006. تلك الحملات لم تسفر عن النتائج المرجوة، بل أدت إلى خسائر فادحة وطويلة الأمد لم تكن في الحسبان. على الرغم من محاولات الولايات المتحدة لدعم إسرائيل وسحبها من المواجهات المشتعلة في المنطقة، إلا أن الأمر انعكس سلباً مما أدى إلى وقوع خسائر في صفوف القوات الأمريكية عام 1983. صحيح أن إسرائيل نجحت في إجبار منظمة التحرير الفلسطينية تحت زعامة ياسر عرفات على مغادرة لبنان، إلا أن ذلك فتح الباب أمام ظهور حزب الله كقوة تهدد الاستقرار الإقليمي، وهي جماعة لم تكن موجودة قبل الاجتياح الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية بيروت سنة 1982.
إن الاعتماد المستمر والمتزايد على القوة العسكرية من قبل إسرائيل لم يؤدِ إلى تعزيز الأمن بشكل فعلي ومستدام عبر السنوات الماضية. لا يوجد مبرر للاعتقاد بأن أي تصرف انتقامي - باستثناء رد فعل رمزي مشابه للهجوم الذي وقع في نيسان/أبريل - سيفلح في إنهاء الدورة المستمرة للاحتلال المديد. يواصل المحللون الإسرائيليون تناول مفاهيم مثل "التصعيد بهدف تخفيض التصعيد" و"سيطرة التصعيد" و"إعادة بناء قوة الردع"، غير أن الاغتيالات التي تُنفذ بتخطيط مسبق، والعنف المستمر للمستوطنين في الضفة الغربية، والحملات العسكرية المكثفة في غزة لن تحقق أهدافًا استراتيجية بعيدة المدى. يتجلى تواطؤ قوات الدفاع الإسرائيلية والشرطة والمحاكم العسكرية بما يعكس حقيقة نظام الفصل العنصري السائد في الضفة الغربية. وحتى تدرك الولايات المتحدة أهمية الشروع في حوار دبلوماسي بنّاء مع إيران، وتفهم إسرائيل الحاجة الملحة لتوفير السيادة الفلسطينية على أرض يمكن أن تكون موطنا خاصا بهم، ستبقى دائرة النزاع المستمرّة دون نهاية واضحة.
ملفين غودمان زميل أقدم في مركز السياسة الدولية ويشغل منصب أستاذ الحكومة في جامعة جونز هوبكنز. عمل سابقاً كمحلل في وكالة المخابرات المركزية، ويشتهر بتأليفه لعدة كتب تهتم بقضايا الاستخبارات والأمن القومي، منها "فشل الاستخبارات: تراجع وسقوط وكالة المخابرات المركزية" و"انعدام الأمن القومي: تكلفة النزعة العسكرية الأمريكية". كما أنه معروف بإبلاغه عن مخالفات داخل وكالة المخابرات المركزية. من أحدث مؤلفاته كتاب "المذبحة الأمريكية: حروب دونالد ترامب" الذي صدر عن دار نشر Opus عام 2019، وكتاب "احتواء دولة الأمن القومي" الصادر عن نفس الدار في 2021. بالإضافة إلى ذلك، يكتب غودمان بصورة منتظمة أعمدة رأي حول الأمن القومي على موقع counterpunch.org.