سياسة -التساهل البطولي- لولاية الفقيه
حميد كشكولي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8085 - 2024 / 8 / 30 - 15:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التراجعات الضحلة لخامنئي و "نعومته البطولية"
م. روغني
ترجمة: حميد كشكولي
على مدار عقود من حكمها، أظهرت الحكومة الأصولية لجمهورية الجهل والجريمة معاداتها الحداثة ورفضها للقيم الديمقراطية، بالإضافة إلى ممارسة تمييز واسع النطاق ضد النساء والأقليات العرقية والدينية. وقد حافظت على النظام من خلال قمع المعارضة بشكل صارم.
ومع ذلك، شهد هذا النهج تقلبات، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع الغرب وجيرانها، فضلاً عن البرنامج النووي الطموح. في بعض الحالات، اضطُر الولي الفقيه إلى التراجع عن استراتيجياته الأيديولوجية.
على سبيل المثال، بعد ثماني سنوات من الإصرار على مواصلة الحرب ومعارضة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598، اضطر الخميني إلى "تجرع كأس السم" والموافقة على القرار عندما واجه الوجود الأمريكي القوي في الخليج الفارسي.
وعندما واجه خامنئي العقوبات القاسية التي فرضها الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، بسبب الأنشطة النووية المثيرة للجدل، دعا إلى التحلي بالشجاعة وسمح لحكومة روحاني ووزير خارجيته ظريف بالتفاوض مباشرة مع إدارة أوباما في محاولة لإنهاء أزمة العقوبات.
بعد مرور 20 شهراً، في عام 2015، تم التوصل إلى اتفاق بين مجموعة 1+5 وإيران. وبموجب هذا الاتفاق، تم تقليص الأنشطة النووية الإيرانية بشكل كبير، وتم رفع العقوبات التي فرضتها الدول الأوروبية والولايات المتحدة على إيران. لكن في عام 2018، أعلن دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، مما أدى إلى إعادة العقوبات إلى وضعها السابق. من خلال هذه الاستراتيجية غير المسؤولة، أتاح خامنئي والحرس الثوري الإيراني الفرصة لتوسيع الأنشطة النووية، وخاصة التخصيب، بهدف الوصول إلى القدرة على تصنيع عدة قنابل نووية. ورداً على انتهاكات إيران لخطة العمل الشاملة المشتركة، وافق الاتحاد الأوروبي على إعادة فرض العقوبات ضد إيران.
أثرت انتفاضات عامي 2017 و2019، بالإضافة إلى القمع العنيف الذي تعرضت له، بشكل كبير على الأوضاع الاجتماعية والسياسية في البلاد. كما ساهم التضخم المرتفع وعدم كفاءة النظام في مختلف المجالات في تقويض شرعية خامنئي والنظام الذي يقوده. وقد تجلى ذلك في حجم المشاركة في انتخابات مجلس النواب الثاني عشر وتعييناته، حيث عكست رئاسة رئيس متورط في قضايا قتل.
مع وفاة زينا أميني في مركز احتجاز تابع لقوات الشرطة، انطلقت الحركة النسائية آزادي لتفتح فصلاً جديدًا في الحياة السياسية والاجتماعية للبلاد. وقد حملت النساء والشباب علم هذه الحركة، حيث عمموا الاحتجاجات في عشرات المدن والجامعات والمدارس والكليات، من خلال إشعال النار في الحجاب الإلزامي ومواجهة بلطجية خامنئي في الشوارع..
في انتخابات البرلمان الثاني عشر، امتنع حوالي 60% من الناخبين عن التصويت، بينما بلغت نسبة المشاركة في مدينة طهران 18% فقط كما سجلت الأصوات الباطلة في تعيين الرئيس نسبة مرتفعة، حيث احتلت المركز الثاني.
بالإضافة إلى ربط الاحتجاجات بالولايات المتحدة والقتل الوحشي لمئات الأشخاص، وإصابة عدد كبير من المتظاهرين بالعمى، تجاهل خامنئي الاستماع إلى أصوات المحتجين داخل وخارج البلاد الذين يعارضون نظام الجهل والجريمة الذي يتبعه، بما في ذلك من خلال تسميم الطلاب في سبيل الديمقراطية. وقد انتقمت الفتيات المولودات في الثمانينات والتسعينات بعد عدة أشهر. وكانت هذه هي الاستراتيجية التي اتبعتها جماعة طالبان الإرهابية قبل استيلائها على السلطة في أفغانستان بهدف إغلاق مدارس البنات في ذلك البلد.
إن الظروف الغامضة لمقتل رئيسي وعدد من أعضاء حكومته أفسحت المجال لخامنئي لإعادة النظر في استراتيجية "التطهير" التي لم تحقق النتائج المرجوة. في وقت، تستمر حركة النساء من أجل التحرر في التعبير عن معارضتها الواسعة للحجاب الإلزامي، مما يعكس استياء غالبية المجتمع من النظام الإقليمي، بالإضافة إلى تزايد النزعات العلمانية. كما أن غياب أي آفاق لتحسين الأوضاع في ظل العقوبات، وارتفاع الأسعار، والفساد، والأزمات البيئية، وأخيرًا انتهاء سياسة الاسترضاء مع الغرب، خاصة مع احتمال فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية، دفع خامنئي إلى الابتعاد عن المتطرفين. وقد قام هذه المرة بتعيين شخصية مطيعة تساير التوجهات المحافظة وتقترب من الإصلاحيين، لتتولى رئاسة البلاد بشعارات مضللة.
في البداية، كان الهدف هو استعادة الشرعية المفقودة جزئيًا من خلال تعزيز المشاركة في الانتخابات. وقد تم تعديل الاستراتيجية الجديدة باستخدام أساليب انتخابية مبتكرة، مما ساعد في زيادة نسبة المشاركة في الجولة الثانية مقارنة بالجولة الأولى. ومع ذلك، لم يتمكن خامنئي من جذب أغلبية الناخبين إلى مراكز الاقتراع.
وفقًا للاعترافات المتكررة من قبل بزيشكيان، فقد قام خامنئي بتنظيم الحكومة بالكامل بالتنسيق مع القوات الأمنية. وقد أثار الكشف عن كيفية تشكيل الحكومة ردود فعل واسعة. من بين هؤلاء، حسام الدين آشنا، مستشار حسن روحاني، الذي أطلق على بزيشكيان لقب "رئيس الزراعة" بدلاً من رئيس الجمهورية.
بعد مقتل هنية في طهران، ومع إصرار بعض الخبراء والقوى الراديكالية على ضرورة اتخاذ رد فعل فوري وقوي بغض النظر عن العواقب، بما في ذلك احتمال نشوب صراع عسكري مع الولايات المتحدة، لجأ خامنئي في اجتماع 24 أغسطس/آب الماضي إلى اتخاذ موقف رافض. كان هذا بمثابة انسحاب تكتيكي (استراتيجي) من فكرة الرد الفوري. فقد أدرك جيدًا أن انعدام الشعبية بين غالبية المجتمع يجعل من الصراع العسكري الأجنبي تحديًا خطيرًا للسلطة.
ويبدو أن نظام الجمهورية الاسلامية قد وافق على عدم الرد العسكري على مقتل إسماعيل هنية، شريطة أن يتم وقف إطلاق النار في غزة، رغم الهتافات المطالبة بالتحرك.
بالطبع، يمكن ملاحظة هذا الانسحاب "التكتيكي" إلى حد ما في تشكيل الحكومة. فقد وافق خامنئي على تعيين بعض الإصلاحيين في مناصب ثانوية، بينما قام بتعيين قوات الأمن في مواقع رئيسية داخل مجلس الوزراء، بما في ذلك تعيين السيدة فرزانه صادق وزيرة للإسكان والتنمية الحضرية. يُعتبر هذا التراجع التكتيكي خطوة مدروسة. فالتوجه نحو تجنب الأصوليين المتطرفين وتعيين تكنوقراط أكثر كفاءة، خاصة في وزارة الاقتصاد، يهدف إلى استعادة الشرعية المفقودة للنظام، بما في ذلك نتيجة قمع الحركة النسائية التي تسعى إلى حياة حرة.
بالطبع، يمكن ملاحظة هذا الانسحاب "التكتيكي" إلى حد ما في تشكيل الحكومة. فقد وافق خامنئي على تعيين بعض الإصلاحيين في مناصب ثانوية، بينما قام بتعيين عناصر من قوات الأمن في مواقع رئيسية داخل مجلس الوزراء، مثل تعيين السيدة فرزانه صادق وزيرة للإسكان والتنمية الحضرية. يُعتبر هذا التراجع التكتيكي خطوة مدروسة تهدف إلى تجنب الأصوليين المتطرفين وتعيين تكنوقراط أكثر كفاءة، خاصة في وزارة الاقتصاد، وذلك لاستعادة الشرعية المفقودة لولاية الفقيه، نتيجة جرائمها وفي مقدمتها قمع الحركة النسائية التي تسعى إلى حياة حرة.
أظهرت تجربة "النعومة البطولية" لخامنئي، التي أدت إلى توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة، أن تراجعاته تعكس نفاقًا. بعد إبرام هذه الخطة، كان من المتوقع أن يتم النقاش والتوصل إلى اتفاق مع الغرب بشأن الاستراتيجيات الإقليمية والصاروخية للجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، بعد رفع العقوبات، رفض خامنئي الدخول في مفاوضات حول هذه القضايا.
كما تعكس تصريحات خامنئي خلال تجمع الوفود الطلابية في مختلف أنحاء البلاد مدى عمق تراجعه التكتيكي في مجالات متعددة. حيث أشار إلى قول الإمام الحسين خلال زيارة عاشوراء بأن "الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية لا تنضب". من خلال هذا الخطاب، يؤكد خامنئي على استراتيجيته الأيديولوجية التي يدعي أنها "مكافحة الظلم"، ويعتبر نفسه امتدادًا لنهج الحسين.
في ضوء نهج السلطة القضائية الذي يركز على تكثيف عمليات الإعدام لزرع الخوف في المجتمع، واستمرار قمع النساء اللاتي يعارضن الحجاب الإلزامي، بالإضافة إلى تأكيد خامنئي على الاستراتيجيات الأيديولوجية التي تهدف إلى زيادة التوتر مع إسرائيل والولايات المتحدة، واستمرار التوجه نحو الأسلحة النووية، فإنه من غير الممكن توقع تراجع سطحي من خامنئي لأجل حل مشكلات البلاد أو لكسب الشرعية.