في ذكرى الثورة الدستورية -المشروطية- في إيران
حميد كشكولي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8073 - 2024 / 8 / 18 - 13:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نظرة شاملة
مرت قبل أيام ذكرى حدث تاريخي فارق في مسيرة إيران المعاصرة، ألا وهو الثورة الدستورية التي عرفت بـ"المشروطية". هذه الثورة التي اندلعت في مطلع القرن العشرين، شكلت نقطة تحول حاسمة في تاريخ البلاد، وفتحت آفاقاً جديدة نحو التحديث والتغيير.
كانت الثورة الدستورية الإيرانية حركة شعبية واسعة النطاق، هدفت إلى الحد من سلطة الشاه المطلق وإقامة نظام ملكي دستوري يضمن حقوق المواطنين وحرياتهم. بدأت هذه الحركة كاحتجاجات على الفساد والظلم وانتشار النفوذ الأجنبي، وتطورت تدريجياً إلى ثورة شاملة أطاحت بالنظام القديم وأدت إلى إعلان الدستور الإيراني الأول عام 1906.
و من أهم إنجازات الثورة تأسيس مجلس الشورى الوطني، وهو أول برلمان منتخب في إيران، والذي كان يهدف إلى تمثيل الشعب ومشاركته في صنع القرار. وتم إقرار الدستور الإيراني الأول الذي تضمن مبادئ أساسية مثل فصل السلطات وحماية الحريات العامة.
وساهمت الثورة في نشر الوعي السياسي والاجتماعي بين الشعب الإيراني، ودفعت عجلة التحديث في مختلف المجالات. وكانت الثورة الدستورية جزءاً من حركة التحرر الوطني التي اجتاحت العالم في ذلك الوقت، حيث سعت إلى مقاومة النفوذ الأجنبي وحماية سيادة البلاد.
والتحديات التي واجهت الثورة أنها تعرضت إلى تدخلات القوى الاستعمارية التي سعت إلى إضعافها والسيطرة على إيران. و شهدت الفترة التي تلت الثورة صراعات داخلية بين مختلف القوى السياسية، مما أضعف النظام الدستوري الجديد. كما عادت في بعض المراحل، السلطة إلى الشاه الذي حاول تقويض المكتسبات التي حققتها الثورة.
رغم التحديات التي واجهتها، فإن الثورة الدستورية تركت إرثاً هاماً في تاريخ إيران، حيث شكلت الأساس للنظام السياسي الحديث في البلاد. كما ألهمت العديد من الحركات الديمقراطية في المنطقة.
إن ذكرى الثورة الدستورية تذكرنا بأهمية النضال من أجل الحرية والديمقراطية، وتدعونا إلى الاستمرار في السعي نحو بناء مجتمع عادل ومتقدم.
أسباب فشل الثورة الدستورية "المشروطة" في إيران
رغم الحماس الشعبي الكبير الذي صاحب الثورة الدستورية في إيران، إلا أنها واجهت العديد من التحديات والعقبات التي أدت في النهاية إلى فشلها. يمكن تلخيص أهم هذه الأسباب في النقاط التالية:
• التدخلات الأجنبية: كانت إيران في تلك الفترة ساحة صراع بين القوى الاستعمارية الكبرى، مثل روسيا وبريطانيا، اللتين سعت كل منهما إلى تحقيق مصالحها على حساب الاستقرار الداخلي لإيران. وقد دعمت هاتان القوتان أطرافًا مختلفة داخل الصراع السياسي الإيراني، مما أدى إلى تقويض جهود الإصلاح وتقسيم القوى الوطنية.
• الصراعات الداخلية: عانت إيران من صراعات داخلية حادة بين مختلف الفصائل السياسية، والتي كانت تتنازع على السلطة والمال والنفوذ. وقد أدت هذه الصراعات إلى شل حركة الإصلاح وتقويض الثقة المتبادلة بين القوى الوطنية.
• الضعف الاقتصادي: كانت إيران تعاني من ضعف اقتصادي كبير، مما جعلها عرضة للضغوط الخارجية والتدخلات الأجنبية. وقد أدت هذه الأزمة الاقتصادية إلى تفاقم الصراعات الاجتماعية والسياسية، مما زاد من حدة الأزمة.
• غياب المؤسسات الديمقراطية القوية: لم تكن المؤسسات الديمقراطية في إيران قوية بما يكفي لمواجهة التحديات التي واجهتها الثورة. وقد أدى ذلك إلى ضعف النظام السياسي وعدم قدرته على فرض سيطرته على الوضع.
• عودة التيارات المحافظة: استطاعت التيارات المحافظة، بدعم من القوى الأجنبية، أن تستعيد نفوذها في إيران، وقامت بقمع الحركة الإصلاحية واعتقال العديد من قادتها.
النتائج المترتبة على فشل الثورة:
• تراجع الحريات: أدى فشل الثورة إلى تراجع الحريات العامة، وعودة الاستبداد والفساد.
• تدخلات أجنبية متزايدة: زادت التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية لإيران، مما أدى إلى تقويض سيادتها الوطنية.
• تراجع التنمية: تأخرت عملية التنمية في إيران نتيجة للصراعات السياسية والاقتصادية التي عانت منها البلاد.
• تأسيس نظام الشاه: أدى فشل الثورة إلى صعود نظام الشاه محمد رضا بهلوي، الذي حكم إيران بقبضة من الحديد حتى الثورة الإسلامية عام 1979.
لقد كان لفشل الثورة الدستورية في إيران آثار عميقة على مسار التاريخ الإيراني، حيث أدى إلى تأخر عملية التحديث والتطور في البلاد، وفتح الباب للتدخلات الأجنبية، واستمرار الصراعات السياسية والاجتماعية.
كانت المبادرات الأولى لتعليم الفتيات في إيران بمثابة نواة للتغيير، ولكنها كانت في الغالب مدفوعة بجهود أجنبية، سواء كانت فرنسية أو إنجليزية. ففي البداية، اقتصر التعليم على طوائف معينة مثل الأرمن والزرادشتيين، مما يعكس التحديات التي واجهها تعميم التعليم على جميع الفتيات. وقد لاقى افتتاح مدارس البنات مقاومة شديدة من قبل المجتمع الإيراني آنذاك، بدعوى مخالفتها للتقاليد والعادات السائدة. و اعتبر البعض أن هذه المدارس تهدد الهوية الوطنية والقيم الدينية، وتشجع على التغريب.
تكشف أحداث يزد عن مدى حدة المعارضة لتعليم الفتيات، حيث أدت إلى أعمال شغب واسعة النطاق. واضطر المسؤولون والناشطون إلى الفرار خوفًا على حياتهم، مما يعكس خطورة الوضع.
أدت هذه الأحداث إلى إبطاء وتيرة تطوير التعليم للفتيات في إيران، حيث واجهت العديد من العقبات والصعوبات. وزادت من الانقسامات الاجتماعية بين المؤيدين والمعارضين لتعليم الفتيات، وفاقمت التوترات القائمة. كما عززت هذه الأحداث من الرؤية التقليدية للمرأة ودورها في المجتمع، وعرقلت جهود تمكينها.
تكشف هذه الأحداث عن العلاقة الوثيقة بين التعليم والتغيير الاجتماعي، حيث أن تعليم الفتيات كان بمثابة تحدٍ للأعراف والتقاليد السائدة، مما أثار جدلاً واسعاً إذ لعب الدين دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام حول قضية تعليم الفتيات، حيث استخدمت الحجج الدينية لتبرير معارضة هذه القضية. ولفهم هذه الأحداث بشكل كامل، يجب وضعها في سياقها التاريخي، أي في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية التي كانت تشهدها إيران في ذلك الوقت.
يعكس مقال "حادثة تعليمية" المنشور في جريدة الحبل المتين خلال الفترة الدستورية الإيرانية جوانب عدة من التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها إيران في تلك الحقبة. تسلط هذه الحادثة الضوء على التوتر بين التحديث والتقاليد، والانقسامات السياسية والاجتماعية، وتأثير الدين على الحياة العامة.
كان اتهام الحاج ميرزا إبراهيم بالبابوية اتهامًا خطيرًا في ذلك الوقت، حيث كانت البهائية تتعرض للاضطهاد والتهميش. ويعكس هذا الاتهام الخوف من الأفكار الجديدة والانفتاح على العالم الخارجي، والذي كان يُعتبر تهديدًا للهوية الدينية والقومية.
رفض السيد جمال مجتهد غسل ميت الحاج ميرزا يوضح مدى الاستقطاب الحاد في المجتمع الإيراني آنذاك. يعكس أيضًا دور رجال الدين في التأثير على الحياة العامة، وقدرتهم على حشد الناس وتوجيه سلوكهم. وتشير الحادثة إلى التوتر القائم بين الدين والعلم، حيث تم اتهام الحاج ميرزا إبراهيم بالبابوية بسبب اهتمامه بالقراءة والاطلاع.
كما يعكس هذا التوتر الصراع بين التقاليد والقيم الدينية وبين الحداثة والتحديث.
تعكس الحادثة الانقسامات الاجتماعية العميقة التي كانت سائدة في المجتمع الإيراني، والتي كانت مبنية على أسس دينية وفكرية. و يوضح هذا الحدث كيف كان الدين يؤثر بشكل كبير على السياسة والحياة العامة في إيران، وكيف كان رجال الدين يتمتعون بنفوذ كبير. و يعكس رفض غسل الميت الخوف من التغيير والتجديد، والرغبة في الحفاظ على الوضع القائم. وتكشف هذه الحادثة عن الصعوبات التي واجهتها إيران في التوفيق بين التقاليد والقيم الدينية وبين الحداثة والتحديث.
تعتبر حادثة رفض غسل الحاج ميرزا إبراهيم مثالًا صارخًا على التحديات التي واجهتها إيران في الفترة الدستورية. تسلط هذه الحادثة الضوء على التفاعلات المعقدة بين الدين والسياسة والاجتماع، وتبين كيف كانت هذه التفاعلات تؤثر على حياة الأفراد والمجتمع ككل.