كيف ساهمت جائزة نوبل للسلام في التغطية على الإبادة الجماعية في غزة؟
حميد كشكولي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8140 - 2024 / 10 / 24 - 12:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة المترجم
يمكن اتخاذ موقف إنساني وتقدمي من العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين الأبرياء في غزة بحيث لا يعزز إرهاب الدولة أو إرهاب الإسلام السياسي والقوى الرجعية، من خلال فهم السياقات العالمية الحالية والتغيرات الهائلة في وسائل الاتصال والإعلام والسياسة. اليوم، تعززت الحركة التحررية العالمية والمناهضة للحرب والداعية للسلام، وأصبحت تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على المعادلات السياسية. ينبغي على هذه الحركة أن تكون منظمة بشكل جيد لتتمكن من التأثير الإيجابي في السياسة في الشرق الأوسط، مما يخدم الإنسانية ويساهم في تحرير الإنسان.
في هذا السياق أجد من الضروري التركيز على ثلاث نقاط رئيسية بحاجة إلى توضيح وتوسع: أولاً، إنه من غير المناسب النظر إلى حركة حماس كخيار فلسطيني وحيد وصائب، كما يروج لذلك العديد من المنتمين للتيارات القومية واليسارية التقليدية ذات التوجهات المناهضة للإمبريالية. لقد أوضحت في مقال سابق أن حماس شكلت جزءًا من الخطة الغربية الإمبريالية لمحاربة الشيوعية والعلمانية، والعمل على قمع أي حركة تقدمية تسعى لتحقيق المساواة والليبرالية ضمن المجتمع الفلسطيني. ثانياً، من المهم عدم الاستهانة بالجرائم التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية تحت مبرر الدفاع عن النفس، مستخدمة ذريعة مكافحة إرهاب الإسلام السياسي. يجب إعادة النظر في هذه الممارسات من منظور أكثر إنصافاً ومسؤولية، دون تبرير للعنف أو التجاوزات. ثالثاً، تقع على عاتق القوى التقدمية والاشتراكية والمتحضرة مسؤولية كبيرة وملحة في الوقت الحالي، تتمثل في تعبئة وتأهيل الجماهير الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء. الهدف هو الوقوف صفاً واحداً ضد الإسلام السياسي وإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل في المنطقة، وهنا تكمن الأهمية الكبيرة لدور هذه القوى في تحقيق الإصلاح والسلام الحقيقي والمنشود لكلا الشعبين.
إن التمييز بين إرادة وأهداف الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي من جهة، وبين الحكومة الإرهابية وحماس ذات التوجه السياسي الإسلامي من جهة أخرى، له أهمية كبيرة. لا يمكن لأي شخص تقدمي أو يساري أن يبرر العدوان الإسرائيلي باستخدام حماس كذريعة للإرهاب، ولا يمكن أيضاً تبرير إرهاب الجماعات الإسلامية بالعدوانية والعنصرية الإسرائيلية.
من المهام الملحة للقوى التقدمية اليوم الشروع في تنظيم حملات للدفاع عن الحقوق المدنية لجماهير فلسطين وإسرائيل، فضلاً عن دعم وتقوية حركات مناهضة الحرب والعدوان. يتعين علينا كشف القوى والأحزاب المتصارعة التي تروّج للعنصرية والكراهية والصهيونية والإسلام السياسي، سواء تحت ذريعة الدفاع عن الفلسطينيين أو تحت مظلة حق إسرائيل في الدفاع عن وجودها.
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=161453
ريبيكا ماريا غولدشميت
ترجمة حميد كشكولي
[صورة] وقفة احتجاجية نظمها مجتمع هيروشيما تضامناً مع الشعب الفلسطيني بمناسبة مرور عام على الوقوف الليلي أمام قبة القنبلة ال ذرية.
عند الإعلان عن فوز منظمة نيهون هيدانكو بجائزة نوبل للسلام، أعرب توشيوكي ميماكي عن دهشته، إذ كان يعتقد أن الجائزة ستُمنح لأشخاص يعملون بجد من أجل إحلال السلام في غزة. وبعد يومين، انتشرت صورة مؤثرة لشعبان الدلو، الطالب الهندسي البالغ من العمر عشرين عاماً، الذي احترق حياً داخل خيمته بالقرب من مستشفى الأقصى في شمال غزة، وهو يحتضن أخاه الرضيع. في الوقت الذي نحتج فيه اليوم على ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية أمام قبة القنبلة الذرية في هيروشيما، يصبح من المستحيل تجاهل ألسنة النار المشعة والموت الجماعي كجزء من تجربة طويلة للأسلحة الأمريكية التي ما زالت تُمارَس في فلسطين .
في حديثه للصحافة في أوسلو، عبر ميماكي سان عن مشاعر عميقة ومؤثرة عندما قال إنه أثناء مشاهدة الأطفال الذين تغطيهم الدماء في غزة، استعاد في ذاكرته مشاهد مؤلمة عايشها شخصيًا في اليابان منذ ما يقرب من ثمانين عامًا. كان ذلك تذكيرًا بتجربته كطفل في الثالثة من عمره عندما عانى من آثار قنبلة هيروشيما. ومع ذلك، تم تجاهل تصريحاته المؤثرة حول غزة في العديد من وسائل الإعلام الرئيسية. هذا الأمر محزن للغاية وليس مفاجئًا، إذ إنه من المؤسف أن يُساء استخدام وتحوير كلمات شخص نجا من إبادة جماعية نووية وكان يحاول التعبير عن تعاطفه النقي مع ضحايا الحروب من الأطفال الأبرياء، وذلك للتستر على جريمة إبادة جماعية أخرى تُرتكب في الوقت الحالي.
علق هيباكوشا قائلاً: "لا لمزيد من هيروشيما ولا مزيد من ناغازاكي!" يجب أن توجهنا هذه العبارة نحو التضامن مع الشعب الفلسطيني بدلاً من إبعادنا عنه. من هيروشيما، يؤكد النشطاء ضرورة التضامن مع فلسطين بشكل عاجل، حيث تعتبر قضية فلسطين مسألة نووية. يجب أن تشمل فلسطين الحرة التحرر من الأسلحة النووية ومعارضة تطبيع العسكرة وانتشار الأسلحة النووية والقوى التي تعمل على تصنيعها. يجب على الناشطين المناهضين للأسلحة النووية في جميع أنحاء العالم أن يدقوا ناقوس الخطر بشأن فلسطين ويتخذوا إجراءات ملموسة لوقف كافة أنواع الأسلحة ومنع التصعيد إلى حرب نووية
غالبًا ما تعرضت جائزة نوبل للسلام لانتقادات واسعة النطاق واستُخدمت بطرق أدت لإثارة الجدل، حيث تم استغلالها أحيانًا كأداة دعائية لتقديم صورة مشرقة عن الردع النووي على المستوى الدولي. على سبيل المثال، في عام 2009، مُنحت الجائزة للرئيس الأمريكي باراك أوباما استنادًا إلى نيته المعلنة لتعزيز عدم انتشار الأسلحة النووية. ومع ذلك، تشير الوقائع إلى أن الولايات المتحدة في عهده أنفقت ما يقارب تريليون دولار على تحديث وتطوير الأنظمة النووية بشكل كبير، وهذا يتعارض مع الأهداف التي دعت لمنحه الجائزة. في ذلك الوقت، احتفل كل من الرئيسين جو بايدن وباراك أوباما بهذا الفوز، بينما قوبلت تصريحات ميماكي سان بردود فعل حادة من قبل السفير الإسرائيلي في اليابان، جلعاد كوهين، وذلك بسبب مقارنته بين الأوضاع في غزة وما حدث في هيروشيما.
إذا ما حاولنا تصور سيناريو مختلف حيث تفوز وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بجائزة نوبل للسلام لهذا العام، لوجدنا أمامنا موقفًا معقدًا ومثيرًا للتفكير. فقد تعرضت مدارس ومرافق ومستشفيات الأونروا، حتى فرق الإغاثة، لانتهاكات ودمار كبير خلال سعيها المستمر لتقديم الخدمات الإنسانية في ظروف بالغة الصعوبة والخطورة. ولذا، قد يؤدي هذا الاعتراف إلى تركيز أكبر على معاناة اللاجئين الفلسطينيين ويفتح المجال للنقاش حول دور الأونروا في تعزيز السلام والتنمية في مناطق النزاع.
تمتلك هيروشيما، المعروفة بكونها مدينة السلام العالمية، تاريخًا معقدًا يتجاوز كونها مجرد ضحية للحرب. فقد كانت لها أهمية محورية باعتبارها موقعًا عسكريًا ومركزًا للبحرية اليابانية، مما جعلها ذات أهمية استراتيجية عبر العصور. اليوم، يرمز نصب قبة القنبلة الذرية إلى معاناة المدينة كضحية للحرب النووية المدمرة، وهو موضوع يستحضره الوطنيون اليمينيون كتذكير بضعف اليابان السابق والتهديدات المستقبلية لأمنها القومي. أدت هذه المخاوف الأمنية المستمرة إلى دفع اليابان نحو تسريع جهود التسلح، حيث بدأت في إنشاء قواعد صاروخية استراتيجية في منطقة أوكيناوا تحضيرًا لمواجهة محتملة مع الصين. في سعيها لتعزيز قدراتها الدفاعية، لجأت اليابان إلى شراء طائرات بدون طيار متطورة من إسرائيل واستثمار جهودها في تطوير الروبوتات المتقدمة لتزويد شركات الأسلحة الإسرائيلية. كما خففت من اللوائح الصارمة المتعلقة بنقل المعدات الدفاعية بين الدول لتعزيز موقفها العسكري على الساحة العالمية. يعكس هذا التحول الاستراتيجي التركيز الدائم لليابان على تعزيز دفاعاتها وضمان أمنها القومي في مواجهة التحديات المتزايدة.
تحجب سردية الضحية غالبًا الفظائع التي نفذتها اليابان الإمبريالية في مناطق مثل الصين وكوريا والفلبين وإندونيسيا وأجزاء عديدة من جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ. تشمل هذه الفظائع شبكات واسعة ومعقدة من العبودية الجنسية، بالإضافة إلى تجارب وحشية باستخدام الأسلحة الكيميائية، وضروب من الإبادة الجماعية، والجهود المبذولة للتوسع الإقليمي الاستعماري. وفقًا للتقديرات، فقد لقي ما يقرب من 40 ألف كوري حتفهم نتيجة القصف، بينما تعرض آلاف آخرون لخطر الإشعاع بسبب نقلهم إلى مدينتي هيروشيما وناغازاكي للعمل في ظروف قسرية. وكان رئيس مجموعة الناجين من القنبلة الذرية الكورية، كيم جين هو، قد علق على هذا الأمر، وخاصة في سياق جائزة السلام، قائلاً إنه ينبغي على الولايات المتحدة واليابان أن تقدما اعتذارًا صريحًا لمجتمع الهيباكوشا الكوري. ويوضح قائلاً: إن دور اليابان كمعتدية في الحرب وضحية للقنبلة الذرية يجب أن يدفعها للانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة النووية والمساهمة بفاعلية في مسيرة العالم نحو الحرية من تهديد الأسلحة النووية.
يجلس شوكاكوها والناشطون الطلابيون طوال الليل في ساعات الصباح الباكر من يوم 6 أغسطس للاحتجاج على حضور المندوب الإسرائيلي لحفل إحياء ذكرى السلام في هيروشيما، والعسكرة السريعة في اليابان، وقيود الاحتجاج التي تفرضها المدينة.
بصفتهم قادة في الحركة المناهضة للأسلحة النووية، يتحمل الهيباكوشا مسؤولية كبيرة في مواجهة الرواية القومية اليابانية التي تقدمهم بشكل حصري كضحايا، مما يغفل عن النضالات الأخرى المرتبطة بتجربتهم التاريخية. ينبغي على الهيباكوشا تعزيز فهم أعمق وشامل لتجارب جميع ضحايا دورة الوقود النووي حول العالم. من المهم أن تعترف هذه الحركة بالمشكلات المرتبطة بمراحل إنتاج الأسلحة النووية، بدءًا من المناجم مثل منجم شينكولوبوي لليورانيوم في الكونغو، الذي ساهم مواده في إنتاج قنبلة هيروشيما، إلى المجتمعات المتأثرة كتلك الخاصة بشعب ساهتو دين في كندا. كما ينبغي أن يوسعوا من دفاعهم ليشمل ضحايا التجارب النووية الذين غالبًا ما يتم تجاهلهم في مواقع مثل جزيرة بيكيني المرجانية وميكرونيزيا وكازاخستان، إلى جانب السكان الأصليين في أماكن مثل أستراليا وأمة نافاجو وأماكن الاختبار في نيفادا والجزائر وغيرها. من خلال الربط بين هذه الأحداث العالمية والمظاهر المتنوعة للاستعمار النووي، يمكن للحركة المناهضة للأسلحة النووية أن تفتح آفاقًا جديدة للوعي والفهم، مما يتيح لها التحالف مع نضالات أخرى ضد الاستعمار والإمبريالية. يمكن أن تتقاطع هذه الجهود مع حركات تضامن مثل تلك الداعمة لفلسطين، والتي تعتبر بدورها جزءًا من الجهود العالمية المناهضة للحرب ورفض اختبار الأسلحة.
في عام 2023، انعقدت قمة مجموعة السبع في هيروشيما، حيث أصدرت كيشيدا والدول النووية الأخرى بيان "رؤية هيروشيما" الذي تضمن تناقضًا واضحًا. فقد تعهدوا بنزع السلاح النووي من خلال استمرار انتشار الأسلحة النووية. أعرب العديد من الهيباكوشا عن صدمتهم وخيبة أملهم من أن الدول التي ترفض التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية يمكنها أن تعلن عن التزاماتها المستمرة بالأسلحة النووية كوسيلة للأمان من قلب المدينة التي تعرضت للقنبلة النووية. تحدث البيان عن ضرورة وجود الأسلحة النووية كمبرر لأغراض دفاعية، لردع العدوان ومنع الحروب والإكراه. يذهب البعض إلى الجدال بأن المدينة أصبحت أداة في يد الحكومة الوطنية اليابانية، التي تسعى لتجميل صورتها بشأن السلام، بينما تستظل تحت "المظلة النووية" للنفوذ الأمريكي.
شهدت سياسات حكومة المدينة تحولاً نحو المحافظة بشكل متزايد، حيث اتخذت عدة إجراءات أثارت جدلاً واسعاً. فقد أقدمت على إزالة المانجا الكلاسيكية Barefoot Gen، وهي عمل يعبر عن موقف واضح ضد الأسلحة النووية، من المناهج التعليمية المخصصة لتعزيز ثقافة السلام في المدارس الابتدائية. إضافة إلى ذلك، قامت الحكومة بإدخال أجزاء من المرسوم الإمبراطوري المتعلق بالتعليم، والذي يعد جزءاً من التدريب العسكري الياباني الإمبراطوري، ضمن محتوى التدريب لموظفي الإدارات الجديدة في المدينة.
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً على جميع الأصعدة، أقدمت السلطات على اعتقال خمسة من الناشطين المعارضين للحرب في شهر فبراير الماضي. وقد استندت في قرارها هذا إلى مجموعة من الاتهامات التي وصفها العديد من المراقبين بأنها غير ذات مصداقية وتتعلق باعتداء مزعوم على أحد العمال إبان الاحتجاجات التي وقعت في يوم 6 أغسطس من السنة الفائتة في مدينة هيروشيما، حيث جاءت هذه الاحتجاجات كرد فعل معارض للسياسات المتعلقة بالحرب. تم استخدام هذا الحادث كمبرر لفرض حظر صارم على تنظيم أي فعاليات احتجاجية خلال الأنشطة المخطط لها لإحياء ذكرى السلام هذا العام، مما أثار حالة من الاستياء بين النشطاء ومناصريهم.
في ظل هذه التدابير المتشددة التي اتخذتها الحكومة، ارتفع شعارها المتمثل في الحفاظ على "الصمت" و"الأمان" إلى مستوى يدعو للقلق، وذلك من خلال ممارسة قمع صارخ لكل أنواع المعارضة العلنية. المثير للسخرية هو أن هذه السياسة تتزامن مع نداءات توجهها الحكومة نفسها إلى إسرائيل، متهمة إياها بالتواطؤ الواضح في الجرائم الجماعية، ما يضفي على محاولاتها لتلميع تلك العلاقة طابعاً يطرح أسئلة عديدة حول مصداقيتها ومبادئها الحقيقية في جهود تعزيز السلام. بينما كان النشطاء يمارسون ضغوطاً كبيرة على المدينة لإلغاء الدعوة الموجهة إلى إسرائيل، تميز مخبأ ميماكي سان بأنه الجهة الوحيدة من بين سبع مجموعات هيباكوشا محلية التي أرسلت رسالة رسمية إلى رئيس البلدية تطالب بإلغاء هذه الدعوة. وفي نهاية المطاف، شارك كل من رام إيمانويل، سفير الولايات المتحدة في اليابان، ومندوب عن إسرائيل في الحفل، حيث قاما بتقديم الزهور تكريماً لضحايا القنبلة الذرية، في الوقت الذي ارتفعت فيه حصيلة القتلى في غزة إلى 40,000. النشطاء لم يقفوا مكتوفي الأيدي؛ فقد قاموا بتنظيم تحركات واسعة داخل الحديقة في ذلك اليوم تحديداً، وتضمنت هذه التحركات اعتصاماً استمر طوال الليل اعتراضاً على القيود المفروضة على حرية التعبير. نجحوا في تحدي اللوائح الصارمة التي كانت تمنع وجود متحدثين أو مواد احتجاجية خلال الحفل. وشارك طلاب Zengakuren والعمال النقابيون والناشطون الذين ينتمون لفئات عمرية مختلفة من كافة أنحاء اليابان في الاعتصام الليلي والمراسم الصباحية المبكرة، وهم يلوحون بالأعلام الفلسطينية ويطالبون بوقف العسكرة اليابانية.
نظمت عدة مجموعات متنوعة من النشطاء المناهضين للحرب إلى جانب الرهبان البوذيين فعاليات رمزية تزامناً مع الحدث الرئيسي، حيث نظموا موتى تمثيلية عند المداخل أثناء الحفل. في نفس اللحظات، تواجدت جموع من النشطاء القادمين من جميع أنحاء اليابان حاملين لافتاتهم التي تعبر عن صوتهم الصارخ ضد الحرب. بينما جرت فعاليات الحفل داخل المكان، قام عدد من المتظاهرين برفع أوشحتهم التقليدية أو الكوفيات فوق رؤوسهم بشكل ملحوظ خلال لحظة الصمت في تمام الساعة الثامنة والربع صباحاً، تكريماً لذكرى ضحايا الانفجار الذري. مع دخول المساء في اليوم السادس، وعند بدء تقليد إلقاء الفوانيس العائمة وذات الألوان المتعددة في النهر، إحياءً لذاكرة أسلاف مدينة هيروشيما، ألقى وليد صيام، السفير الفلسطيني في اليابان، خطابًا مؤثرًا عبر الإنترنت في حفل للسلام الشعبي. ظهرت صورته أمام حشد كبير تجمع عند قبة القنبلة الذرية وفي خلفيته مشهد مؤلم لانفجار ناري ضخم في غزة، معبراً عن تطلعاته للعدالة العالمية ومطالِباً بأن يلتزم العالم بالمبادئ التي يُعلن عنها مراراً، ولكنه نادراً ما يطبقها بالفعل.
أتت اللحظة الحاسمة لتعزيز التعاون بين الحركة المناهضة لانتشار الأسلحة النووية والداعمة للقضية الفلسطينية من مدينة ناغازاكي. في قرار أثار نقاشاً واسعاً، قام عمدة المدينة بإلغاء دعوة كانت قد وجهت إلى إسرائيل للمشاركة في حدث السلام الذي جرى في التاسع من أغسطس. وبدلاً من ذلك، اختار دعوة مندوب من فلسطين لحضور الحفل. استفز هذا التغيير في البروتوكول ردود فعل قوية؛ حيث قاطع إيمانويل وسفراء دول مجموعة السبع الآخرين مراسم الحفل، مما أثار دهشة ومفاجأة سكان ناغازاكي، بمن فيهم الناجون من القصف النووي المعروفون بـالهيباكوشا. لم يمر هذا الحدث مرور الكرام، إذ قام النشطاء المحليون بتنظيم فعالية خاصة تحت شعار "ناغازاكي من أجل فلسطين"، حيث استقبلوا المندوب الفلسطيني بأجواء مفعمة بالسلام تضمنت فقرات موسيقية قدمتها جوقة الهيباكوشا، لتحيي بذلك روح التضامن وتدعم رسالة السلام.
لقد كان لزاماً علينا أن نخوض في عمليات عقلية معقدة لفهم المنطق الكامن وراء هذه السيناريوهات المختلفة، حيث يُستغل مفهوم "ثقافة السلام" لتبرير الحرب، وتُستخدم روايات الإبادة الجماعية كوسيلة للتستر على الجرائم ذاتها التي تدعي تلك الشهادات أنها تسعى لكشفها. بالإضافة إلى ذلك، تُطبق سياسة الاحترام المبنية على "الصمت" كأداة فعّالة لفرض الرقابة الصارمة والسيطرة المتزايدة على المعارضة. هذا التفكير المستمر لمواكبة تلك التناقضات ربما يكون محيراً للغاية للعقل. يستمر مصطلح "السلام" ومن حملوا رايته لوقت طويل، كالهِباكوشا، في التعرض للتلاعب المستمر من قبل وسائل الإعلام، والحكومات سواء كانت محلية أو عالمية، وذلك بهدف إخفاء صراعاتهم المربحة التي لا تنتهي ومحاولاتهم المتكررة لتحقيق أهدافهم الدبلوماسية علناً. مع اقتراب عقارب ساعة يوم القيامة من منتصف الليل لتتبقى 90 ثانية فقط، تأتي رسالة "لا للأسلحة النووية!" بصيرة. من خلال محو فلسطين من ذاكرة الناجين القلائل من قنبلة هيروشيما وناغازاكي، تواصل وسائل الإعلام تواطؤها في التحريض على هذه الإبادة الجماعية. بينما نغرق في أهوال غزة وتستمر الدماء في التدفق عبر المنطقة، تُذكرنا أصوات أولئك الناجين بمسؤوليتنا تجاه حياة الإنسان. مع ذلك، تُستخدم أصواتهم مراراً وتكراراً لتبرير الحرب. لقد سمعنا قصصهم ونعرف الرسائل. إلى أي مدى سنسمح لأنفسنا بالانغماس في إنكار الإبادة الجماعية والإهانة الإنسانية؟
في ضوء ما عبّر عنه شاعر الهيباكوشا، توج سانكيتشي، تأتي العبارة القوية "أعد لي الإنسانية" لتعبر عن رفضه للحرب وتأكيده على الأمل في الإنسانية. هذا يعكس مشاعر شديدة الأهمية، خاصة في سياق الحروب والنزاعات الدائرة مثل تلك في فلسطين، حيث تروج الدعوة المتجددة من أجل السلام والحرية. ريبيكا ماريا غولدشميدت تعتبر من الأسماء البارزة في عالم الفن والثقافة، إذ تلعب دورًا مهمًا في المشاريع التي تنطلق من جذور محلية وثقافية قوية. أعمالها الحديثة تتناول بتعمق دراسة الممارسات الثقافية والتاريخية الخاصة بأسلافها اليهود والفلبينيين، مما يضفي على أعمالها طابعًا مميزًا يجمع ما بين التاريخ الشخصي والجماعي. كونها الشريك المؤسس لـ LAING Hawai i، وهي منظمة تسعى للحفاظ على اللغات التراثية من الضياع، تسهم ريبيكا بشكل كبير في حماية التراث الثقافي من خلال عملها الرائد. وبالإضافة إلى ذلك، تشغل منصب مدير برنامج مشروع Queer Mikveh، حيث تسعى لدمج القيم الثقافية والمجتمعية لتعزيز التفاهم. من الناحية الأكاديمية، حصلت ريبيكا على شهادة الماجستير في الهندسة من جامعة هاواي في مانوا في هونولولو في عام 2020. وهي تواصل الآن مشوارها الأكاديمي الطموح كباحثة في برنامج MEXT للنحت بجامعة مدينة هيروشيما في اليابان، ساعية باستمرار إلى تعزيز معرفتها وفهمها للفنون النحتية. كما تساهم في مجتمع الإعلام من خلال كونها مضيفة مشاركة في راديو CounterPunch، حيث تسهم برؤى وأفكار جديدة تفتح أبواب النقاش لقضايا متنوعة في عالم الفن والسياسة والثقافة.