فجر الاعترافات


حميد كوره جي
الحوار المتمدن - العدد: 8529 - 2025 / 11 / 17 - 03:50
المحور: الادب والفن     

في شقة داكنة وسط المدينة القديمة، كانت لحظات الفجر تقترب، وسُهى تجلس مرتدية ملابسها المنزلية، بينما يميل عمران بغير اكتراث على الأريكة. يدور بينهما حديث ثقيل يغوص في أعماق المواقف والمشاعر.

تنهدت سُهى بإحباط واضح وهي تقول: "لن أسمح مجددًا بتكرار مثل هذه التجاوزات!"

اقترب عمران قليلاً، مركزاً على عبارتها الأخيرة قبل أن يستفسر: "الشاب الذي طردته عند الفجر؟..."

بصوت هادئ لكنه يحمل حدة خفية، أجابت سُهى وهي ترسم على وجهها ابتسامة مغلفة بالأنانية: "أجل، انتهت القصة. طردته عند أول ضوء الفجر! الموضوع انتهى تماماً." ثم رفعت كأسها لتشرب آخر قطرة مما تبقى فيها.

مد عمران يده بتلقائية نحو طبق المكسرات الذي يتوسط الطاولة، واختار حبة لوز ليقضمها. بعد برهة من التفكير قال: "سليمان، هذا الممثل الشهير الذي يتحدثون عنه... يواعد فتيات صغيرات، وهذا ليس مستحيلاً."

قاطعته سُهى بنبرة حاسمة تضج بالرفض: "مستحيل! طالما أن لديه الشهرة، فلا حاجة لفعل ما دون ذلك. أصدقاؤه يمتلكون مفاتيح شقته بالفعل. أما أنا، فقد ذهبت في الصباح الباكر لترتيب منزله وطبخت له العشاء..."

عندما سأل عمران بدهشة: "عند بزوغ الفجر؟"، بدا وكأنه ينتظر إجابة غير متوقعة.

تذكرت سُهى لقاءها مع الممثل، فقالت: "كان شعره أشقر طبيعيًا وعيناه زرقاوين بصدق... وكان أصغر بكثير من مالك، صديقي السابق."

ثم تابعت سُهى بنبرة مليئة بالدهشة: "هل تصدق؟ فتاة عذراء تسمح لنفسها بمثل هذه التصرفات؟ ما الذي يحدث في الحياة؟"

لكن عمران قطع حديثها قائلاً: "دعينا من هذا الموضوع الآن... كيف تسير الأمور بينك وبين أحمد؟"

استدار نحوها وقال بنبرة استياء: "أنتِ أيضًا يا سُهى، لم تلتزمي بالعادات. هذا ليس أمرًا جيدًا على الإطلاق."

ثم أشار رأسه بغضب على كلماته: "لا تقولي إنك لم تفعلي شيئًا!"

أجابت سُهى، وكأنها تحاول أن تبرر نفسها: "أحمد؟ الرجل الذي كان يناديني بسيدتي؟ أول مرة جاء لزيارتي لم يُحضِر وردة بل أحضر معه أناناسًا."

وأثناء حديثها، رمت آخر ما تبقى من الكرز بيدها وقالت بأسى: "لا، أنا وأحمد زرنا الكثير من الأماكن معًا قبل أن أنهي علاقتي به. لقد كنت قد تركته بعد فترة قصيرة من علاقتي مع مجدي، لكني شعرت حينها أنني وصلت إلى الحضيض مع أحمد."
عمران يشد قبضته على زجاجة فارغة بين يديه، مغموراً بالغضب: لماذا لم تخبريني بذلك؟

بعد لحظات من الصمت، يسأل بنبرة أكثر هدوءًا: أين اختفى أحمد؟

سُهى ترد بحذر: لماذا تسأل؟ هل حدثت مشاكل؟ لقد كان شخصًا مسيطرًا إلى حد كبير.

يشدد قبضته مرة أخرى على الزجاجة، متجاهلاً تهربها: إذن، هل اعترفتِ أخيرًا بخوفك؟

تتنهد سهى وهي تتحاشى النظر إليه: خوفي ليس له علاقة بما تعتقد، الأمر مرتبط بذكريات الطفولة التي تركت آثارًا عميقة.

تحاول تغيير الموضوع سريعًا وتسأل بصوت يحمل كثيراً من التردد: سليمان... هل كان لديه علاقة مع سارة؟

عمران، وقد شعرت الإجابة منه وكأنها خنجر في قلبها، يتنهد بعمق: نعم، كان هناك شيء بينهما.

سهى، وقد بدأت ترى الصورة أوضح، تقول: إذن هذا هو السبب وراء هوسه بالتحري والمراقبة!

ينفجر عمران غاضبًا دون سيطرة على نبرة صوته: هل ستستمرين في إلقاء اللوم على نفسك طوال الوقت؟

تجيب سُهى بمحاولة لتفسير موقفها: الأمر معقد للغاية. نعم، كان إنسانًا جيدًا، لكن من الناحية الاجتماعية... لا أدري كيف أوضح لك الأمر.

عمران ينظر إليها بسخرية واضحة: لا زال يعتقد أنه في سن يمكنه مواعدة الفتيات الصغيرات؟

سُهى تهرب من مواجهته، قائلة بنبرة منخفضة لكنه يسمعها جلية: أحمد لم يكن يبحث عن حياة حقيقية مع شريك. زواجه كان مجرد صورة بيضاء للوهم.

يتوقف عمران للحظة ثم يرمي عليها تعليقاً قاسياً: وهل أنتِ تبحثين عن زواج أسود مثالي؟

ينهض عمران ليبتعد قليلاً ويصرف تركيزه، يستند على حوض السمك الذي يضيف جوًا من السكون ويبدأ بإلقاء الطعام للأسماك الصغيرة داخله، محاولاً تهدئة أعصابه.

تسأل سُهى من المطبخ: أحمد؟ الجميع يحبون الرجال.

فيرد عمران بتهكم: اذهبي... تقولين الجميع يحبون الرجال، وكأنكِ اختبرتِ عدداً كبيراً منهم!

تضحك سُهى مستهزئة: أخيرًا يا عمران، بعد كل هذه السنوات! هل تريدني أن أرحل؟ سأفعل إن أردت!

فيجيبه: لا تقولي كلاماً فارغاً... أحمد يمتلك جمالاً ناضجًا، وهذا يغلق الباب أمامك.

وفي لحظة صراحة، تقول سُهى بواقعية: نعم، لقد أدركت بالفعل أنني لن أتزوج أبدًا.

يتنهد عمران بينما ينظر إلى حوض السمك أمامه: صار عمران وحيداً... الوحدة أصبحت عنواناً لي.

يسألها بلا مبالاة: ماذا تفعلين في أوقات الشيخوخة؟

فترد سُهى وهي تبحث بعينيها عن شيء ما: أين سمكة الملاك؟

فيجيب: إنها نائمة. لكن لا، هذا لا يحدث. انظري... ماذا نقول الآن؟

ماذا أفعل يا عمران؟ أكاذيبك ليست ذات أهمية كبيرة.

هذا هو الواقع، لا أملك القدرة على السيطرة، لكني أشعر بالخيانة أمام جمال الرفيق...

يا صغيرتي، لم أسمع باسم أحمد من قبل! قال عمران وهو يربت على كتفها.

كفى، يجب أن أجلس منذ الصباح في بنك الدم. أنت لست كذلك، حتى لو كنت عاجزًا الظهر...

عمران يهز رأسه قائلاً: ماذا؟ هل أنتِ مخمورة؟

لا، لكنني على وشك أن أقول شيئًا سخيفًا... هل يمكن أن أكون مع الشخص الذي تحدثت عنه؟

عمران يفكر قليلاً، ثم يمسك بمعصم سهى ويدفعها خارجًا بحدة.

ما الذي تراه؟ تسأل سهى.

عمران يرمي حذاءها أمامها ويرد بصبر، متأرجحًا بين الحيرة والابتسامة الخافتة: حسنًا، لقد أخطأت.

حسنًا، من يُغريه بريق المشاهير عليه أن يكون مستعدًا للإهانات وتبعاتها!