صعوبة فهم المقالات العلمية: مشكلة متنامية


حميد كشكولي
الحوار المتمدن - العدد: 8049 - 2024 / 7 / 25 - 15:00
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي     

يرى المهتمون بالأبحاث العلمية أنّ لغة المقالات العلمية قد ازدادت تعقيدًا بشكل ملحوظ مقارنةً بلغة الصحف اليومية، مع ازدياد استخدام المصطلحات العلمية غير المألوفة.
يواجه العلماء، وخاصةً في مجال علم الوراثة، صعوبة متزايدة في فهم محتوى المقالات البحثية بسبب ازدياد تعقيد اللغة المستخدمة. وتُعدّ هذه الظاهرة مُتكررة في مختلف المجالات البحثية، وليست مقتصرةً على علم الوراثة فقط إذ تُقدم دراسة هايز، المنشورة في مجلة "الطبيعة"، دليلاً إحصائيًا يدعم ازدياد صعوبة لغة المقالات العلمية على مدار العقود الماضية حيث يُعدّ ازدياد استخدام المصطلحات العلمية غير المألوفة أحد العوامل الرئيسية في صعوبة فهم المقالات العلمية.
وقد تُعيق صعوبة فهم المقالات العلمية التواصل الفعّال بين الباحثين، ممّا يُعيق التقدم العلمي. كما يواجه العلماء صعوبة في مواكبة آخر التطورات في مجالاتهم البحثية بسبب صعوبة فهم المحتوى العلمي المنشور. و قد تُصبح المقالات العلمية غير مفهومة للقراء غير المتخصصين، ممّا يُقلّل من انتشار المعرفة العلمية.

إن مسؤولية جعل البحث العلمي مفهوماً للجمهور ليست اختيارية، بل هي واجب وطني وأخلاقي على عاتق كل باحث. فالعلم ملك للجميع، ومن حق الجميع أن يفهم التطورات العلمية التي تؤثر على حياتهم.
يُمكن للمؤلفين، بالإضافة إلى الأساليب المُقترحة سابقًا، استخدام المخططات أو الرسوم البيانية لتوضيح العلاقات بين المفاهيم ذات الصلة، خاصًةً عندما يتعلق الأمر بمصطلحات ذات معاني متعددة مثل "الجدلية". كما أنّ استخدام أمثلة ملموسة وشرح سياقي للمصطلح يُساعد القراء على فهم معناه بشكل أفضل.
إنّ التغلب على تحديات فهم المصطلحات العلمية ذات المعاني المتعددة يتطلب نهجًا تعاونيًا يُشارك فيه جميع المُشاركين في العملية العلمية.

مسؤولية الباحثين في جعل نتائج أبحاثهم مفهومة لجمهور أوسع هي أمر بالغ الأهمية، ولا تقتصر على مجرد نشر الأبحاث في الدوريات العلمية المتخصصة. فالعلم لا يقتصر على المختبرات والجامعات، بل هو جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ومن حق المجتمع أن يفهم التطورات العلمية التي تؤثر عليه.
وإن أهم المسؤوليات التي تقع على عاتق الباحثين في هذا السياق هي تجنب المصطلحات التقنية المعقدة قدر الإمكان، واستبدالها بشروحات مبسطة واستخدام جمل قصيرة وواضحة يسهل فهمها. واستخدام أمثلة واقعية لتوضيح المفاهيم العلمية المعقدة.
وقد يلعب القراء دورًا حاسمًا في تشكيل ثقافة الكتابة العلمية، فآراؤهم وملاحظاتهم تساهم بشكل كبير في تحسين جودة النصوص العلمية وجعلها أكثر وضوحًا وسهولة في الفهم. إليك بعض الطرق التي يمكن للقراء من خلالها التأثير على هذه الثقافة إذ يمكن للقراء المختصين المشاركة في عملية مراجعة الأقران، وتقديم ملاحظات حول وضوح النص، ودقة المصطلحات، وصحة الاستنتاجات. و يمكن للقراء المشاركة في المنتديات والمناقشات المتعلقة بالأوراق البحثية والمقالات العلمية، وتقديم آراءهم حول جودة النصوص، وتقييم مدى سهولة فهم النص، ومدى وضوح الأفكار المعروضة فيه. كما يمكن للقراء تقييم دقة المصطلحات العلمية المستخدمة، والتأكد من استخدامها في سياقها الصحيح. و يمكنهم تقييم قوة الحجج والبراهين المقدمة في النص.
يمكن للقراء التواصل مع المؤلفين مباشرة لطلب توضيحات حول نقاط معينة في النص. و يمكنهم طرح الأسئلة حول النص في المنتديات والمناقشات، و دعم النشر المفتوح للأبحاث العلمية، مما يزيد من وصول الجمهور إلى المعلومات العلمية.
ويمكن للقراء المشاركة في مناقشة الأبحاث المنشورة مفتوح المصدر، وتقديم آراءهم حول جودتها. ويمكن للقراء ذوي الخبرة تقديم المشورة للباحثين الجدد حول كيفية كتابة نصوص علمية واضحة ومفهومة و المشاركة في ورش العمل والندوات التي تهدف إلى تحسين مهارات الكتابة العلمية.

ومن خلال تقديم الملاحظات والتعليقات، يساهم القراء في تحسين جودة النصوص العلمية وجعلها أكثر وضوحًا. ويساعد تفاعلهم مع النصوص العلمية على زيادة الوعي العلمي في المجتمع.
يشجع تفاعل القراء الباحثين على مواصلة إنتاج أبحاث ذات جودة عالية ويساهم في خلق ثقافة علمية أكثر انفتاحًا على الحوار والنقد البناء. فإن دور القراء في التأثير على ثقافة الكتابة العلمية لا يقل أهمية عن دور الباحثين والمحررين. من خلال مشاركتهم النشطة، يمكن للقراء المساهمة في جعل العلم أكثر وصولاً وأكثر فائدة للجميع.

كما تُعتبر المجلات العلمية بمثابة البوابات التي من خلالها تنتشر المعرفة العلمية، لذا تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في ضمان جودة المحتوى المنشور، بما في ذلك المصطلحات العلمية المستخدمة.
ومن الضروري اتّخاذ خطوات من قبل مؤلفي المقالات العلمية لضمان وضوح المصطلحات العلمية المستخدمة، من خلال تقديم تعريفات واضحة وتوضيحية تُساعد القراء على فهم المحتوى بشكل أفضل. ويجب تقديم توضيحات عملية تُساعد على فهم المشكلة بشكل أفضل. كما يجب التأكيد على أهمية التعاون بين الباحثين والمؤلفين والمجلات العلمية لضمان وضوح المصطلحات العلمية وتحسين التواصل العلمي.
إنّ معالجة مشكلة غموض المصطلحات العلمية في المقالات الحديثة تتطلب جهدًا مُشتركًا من قبل جميع المُشاركين في العملية العلمية، من الباحثين إلى المُراجعين والمحررين والقراء.