لا شعور ولا عاطفة للذكاء الاصطناعي


حميد كشكولي
الحوار المتمدن - العدد: 8080 - 2024 / 8 / 25 - 22:01
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

أظهرت قصة برج بابل بوضوح أهمية اللغة في توحيد الجهود الإنسانية. وعندما اختلفت اللغات، توقف البناء. هذا يوضح لنا مدى اعتمادنا على اللغة في التواصل والتعاون.
تحذرنا القصة من مغبة الغرور والطموح المفرط. فقد كانت محاولة الإنسان الوصول إلى السماء بمثابة تحدٍ لله، مما أدى إلى عقابهم.
ويمكن ربط البرج بالذكاء الاصطناعي AI. حرف A”" كأول حرف في الأبجدية يرمز إلى البداية والطموح، وهذا يتماشى مع تطلعاتنا في تطوير الذكاء الاصطناعي.
تم تفسير قصة البرج بطرق مختلفة عبر التاريخ. فكانت بالنسبة للبعض، قصة دينية، بينما رأى آخرون أنها أسطورة حول أصل البشرية. اما في العصر الحديث، فيتم استخدام القصة لمناقشة قضايا مثل العولمة والتعددية الثقافية والذكاء الاصطناعي.

ثمة رابطة قوية بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، حتى في ظل التحديات والتغيرات السريعة التي يشهدها العالم. هذه الرابطة قد تكون على مستوى فكري أو عملي، حيث يستخدم الإنسان الذكاء الاصطناعي لمساعدته في مختلف المجالات.
استجدت في الآونة الأخيرة ارتباطا بمغزى برج بابل عبارات وتعابير، منها:
• استئجار كل ما هو جديد: قد يكون هذا المعنى يشير إلى رغبة الإنسان في الحصول على أحدث التقنيات والاستفادة منها، ولكن هذا قد يؤدي إلى بعض المشاكل مثل الإدمان على التكنولوجيا أو عدم القدرة على التمييز بين ما هو مفيد وما هو ضار.
• الذكاء الاصطناعي يمزق أسطورة البرج: هذه العبارة قد تكون مجازية وتعني أن الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى تغييرات كبيرة وجذرية في المجتمع، مما قد يؤدي إلى تدمير بعض الهياكل التقليدية أو الأنظمة القديمة.
• الذكاء الاصطناعي يتحكم في الذكاء الاصطناعي: قد يشير إلى تطور الذكاء الاصطناعي لدرجة أنه أصبح قادراً على تطوير نفسه وتعلم أشياء جديدة بشكل مستقل، مما يثير تساؤلات حول مدى سيطرة الإنسان على هذه التكنولوجيا.

بالـتأكيد، إن الذكاء الاصطناعي له قدرة على توفير خدمات ترجمة مرنة وسهلة، حيث يمكن استخدامه لترجمة النصوص بلغات مختلفة، لكنه من المتعب أن تدقق كل ردود الذكاء الاصطناعي. فغالبا، يولد الذكاء الاصطناعي أجوبة وردود خاطئة خطأ فاحشا مما يجعل المرء أن يفقد ثقته بالذكاء الاصطناعي.
هناك إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال التجارة الإلكترونية، حيث يمكن للمستخدمين شراء وبيع الملابس بلغاتهم الأم.


الترجمة كحرفة إبداعية أبعد من مجرد كونها عملية نقل المعنى من لغة إلى أخرى، بل أنها عملية إبداعية تتطلب مهارات تحليلية ومرونة فكرية.
إن الترجمة لا تتعلق فقط بنقل المعاني الحرفية، بل تتضمن أيضًا نقل المشاعر والدلالات الثقافية.
وهناك صعوبات يواجهها المترجمون في العثور على الكلمات المناسبة للتعبير عن المعاني الدقيقة، خاصة عندما تختلف الثقافات واللغات. وإن اختيار الكلمات المناسبة يتأثر بالسياق الثقافي للغة المستهدفة.
يمكن اعتبار الترجمة شكلاً من أشكال الفن، حيث يقوم المترجم بإعادة خلق النص الأصلي بلغة جديدة، مع الحفاظ على روحه ومضمونة. وتلعب الترجمة دورًا هامًا في تبادل الثقافات والأفكار، حيث تساعد في نشر الأدب والفلسفة والعلوم بين الشعوب المختلفة.
ومع تطور أدوات الترجمة الآلية، يزداد الاهتمام بدور المترجم البشري في ضمان الجودة والدقة في الترجمة.

مثال "سأتذكره دائمًا" و" لن أنساه أبدًا":
يوضح هذا المثال بوضوح كيف أن الترجمة لا تقتصر على نقل المعنى الحرفي، بل تتطلب اختيار الكلمات التي تعكس التعبير الشائع في اللغة المستهدفة. في هذه الحالة، تعكس العبارة السويدية "لن أنساه أبدًا" التعبير الشائع في اللغة السويدية للتعبير عن نفس المعنى، وهي أكثر سلاسة وطبيعية من الترجمة الحرفية.
الجانب الأساسي في الترجمة، هو الجانب الإبداعي الذي يتطلب من المترجم أن يكون شاعراً وفناناً بقدر ما هو لغويًا. ويجب التفكير دائما بأهمية السياق الثقافي والفهم العميق للغة في خلق ترجمة لا تقتصر على نقل المعنى الحرفي، بل تستحضر الجوهر العاطفي والفني للنص الأصلي.
لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحاكي هذا المستوى من الإبداع والتفهم

حقق الذكاء الاصطناعي تقدمًا كبيرًا في مجال الترجمة الآلية، حيث يمكنه الآن ترجمة نصوص بأكملها بدقة عالية وسرعة فائقة. ومع ذلك، لا يزال يواجه تحديات في فهم المعاني الدقيقة والنغمات والظلال اللغوية التي تعتبر حجر الزاوية في الترجمة الإبداعية. فإن الإبداع والتفكير النقدي هما صفات بشرية فريدة، وتعتمدان على الخبرة والمعرفة والوعي الثقافي. وحتى مع التطور الهائل في مجال الذكاء الاصطناعي، فلا يزال يفتقر إلى القدرة على التفكير النقدي والإبداع بالطريقة التي يفكر بها البشر.
الترجمة الإبداعية تتطلب فهمًا عميقًا للسياق الثقافي والفني للنص الأصلي والهدف، وهو أمر صعب على الذكاء الاصطناعي تحقيقه بشكل كامل. ويعتمد هذا الفهم على الخبرة الشخصية والتفاعل مع العالم الحقيقي، وهو أمر يصعب على الآلات محاكاته.
في الوقت الحالي، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة قوية للمترجمين، حيث يمكنه مساعدتهم في إجراء البحوث والعثور على المصطلحات المناسبة. ومع ذلك، فإنه لا يمكنه استبدال المترجم البشري في المهام التي تتطلب الإبداع والفهم العميق للغة والثقافة.
نعم، يمكن للذكاء الاصطناعي أن ينتج ترجمات جيدة، ولكن من غير المحتمل أن ينتج ترجمات إبداعية بنفس المستوى الذي ينتجه المترجم البشري الموهوب.
في المستقبل، قد نشهد تطورات جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي تسمح له بالتعامل مع المهام الإبداعية بشكل أفضل. ومع ذلك، فإن الإبداع البشري سيظل عنصرًا أساسيًا في عملية الترجمة.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يترجم كميات كبيرة من النصوص بسرعة ودقة عالية، مما يزيد من إنتاجية المترجمين. ويمكن للترجمة الآلية أن تسهل الوصول إلى المعلومات والمعرفة من مختلف اللغات والثقافات. كما يمكن للترجمة الآلية أن تخفض تكاليف الترجمة، مما يجعلها أكثر سهولة ووصولاً.
المخاطر التي تهدد مهنة الترجمة:
هناك مخاوف من أن يؤدي التطور السريع للذكاء الاصطناعي إلى استبدال المترجمين البشريين بالآلات، خاصة في المهام الروتينية. وهذا مستبعد كثيرا عند الترجمة الأدبية، وخاصة الشعر. وقد يؤدي الاعتماد المفرط على الترجمة الآلية إلى تدهور جودة الترجمة، خاصة في النصوص التي تتطلب مستوى عاليا من الإبداع والفهم الثقافي. كما قد يؤدي التوحيد الذي تفرضه الترجمة الآلية إلى فقدان التنوع اللغوي والثقافي.
تحديات تواجه المترجمين في عصر الذكاء الاصطناعي:
يجب على المترجمين أن يتعلموا كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وأن يتدربوا على مهارات جديدة، مثل تحرير النصوص المترجمة آليًا و أن يركزوا على مجالات تخصصية تتطلب مهارات بشرية لا يمكن للآلات محاكاتها، مثل الترجمة الأدبية والفنية. كما يجب عليهم أن يتعلموا كيفية التعاون مع الآلات، وأن يروا فيها أدوات مساعدة وليست منافسين.
في الختام، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يمثل تحديًا كبيرًا لمهنة الترجمة، ولكنه يمثل أيضًا فرصة للنمو والتطور. يجب على المترجمين أن يتكيفوا مع هذا التطور وأن يركزوا على تطوير مهاراتهم التي تميزهم عن الآلات، مثل الإبداع والفهم العميق للثقافات المختلفة.

للتغلب على هذه التحديات، يمكن للمترجمين:
• التخصص في مجالات معينة: مثل الترجمة الأدبية أو الفنية أو التقنية.
• التعاون مع المترجمين الآخرين: لتبادل الخبرات والمعرفة.
• المشاركة في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي: للمساعدة في تحسين أدائها.
• التدريب المستمر: للحفاظ على مهاراتهم وتطويرها.

يمكن وصف اللغة بـ "الشبكة الدقيقة"، وهو تشبيه دقيق للغاية. فاللغة ليست مجرد مجموعة من الكلمات، بل هي نظام متكامل من القواعد والمعاني والدلالات التي تتفاعل مع بعضها البعض لتشكل بنية معقدة.
وإن للمترجم الدور الحاسم في الحفاظ على هذه الشبكة المعقدة، إذ إنه ليس مجرد وسيط بين لغتين، بل هو صانع جسور ثقافية وفكرية. و إن التهديدات التي تواجه المترجمين تشكل تهديدًا للغة نفسها، وبالتالي تهديدًا لقدرتنا على التفكير والتواصل. وهذا يذكرنا بحكاية برج بابل، حيث أدى اختلاف اللغات إلى تشتت البشرية.

مع تطور الذكاء الاصطناعي، ظهرت أدوات ترجمة آلية متقدمة. هذه الأدوات يمكن أن تكون مفيدة جدًا، ولكنها لا تستطيع استبدال المترجم البشري، خاصة في النصوص التي تتطلب مستوى عالٍ من الإبداع والفهم الثقافي.وإن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي أيضًا مرآة تعكس الثقافة والتاريخ والمجتمع. عندما نترجم، فإننا لا نترجم الكلمات فقط، بل نترجم أيضًا الثقافات.