النمو الاقتصادي مرتبط بالسياسة الخارجية
حميد كشكولي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8112 - 2024 / 9 / 26 - 22:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة المترجم
يعاني الاقتصاد الإيراني من ركود وتحديات هيكلية عميقة، يتفاقم مع سياسة خارجية تركز على التصادم مع الغرب ودعم الجماعات الوكيلة. فقد أدت العقوبات الدولية والقيود المالية، إلى جانب سوء الإدارة الاقتصادية الداخلية، إلى عزل إيران اقتصاديًا. وقد استنزفت المغامرات الإقليمية الموارد المالية، مما أضعف القدرة على الاستثمار في البنية التحتية والتنمية البشرية.
أدت هذه السياسات إلى تآكل الثقة في النظام، وهروب رؤوس الأموال، وزيادة الاعتماد على النفط. لتحقيق نمو مستدام. وهذا يتطلب تغييرًا جذريًا في السياسة الخارجية، يتضمن الانفتاح على العالم الخارجي، وإصلاح الاقتصاد من الداخل، والتركيز على احتياجات المواطنين. ويمكن أن يساهم هذا التغيير في رفع العقوبات، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز التعاون الإقليمي، مما يمهد الطريق لتحقيق الاستقرار والازدهار.
تقدم هذه المقالة التي اترجمها هنا، تحليلاً دقيقاً للترابط الوثيق بين السياسة الخارجية والوضع الاقتصادي في إيران. فهي تُسلط الضوء على العوامل الرئيسية التي تعيق تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي المستدام في البلاد حيث أدت العقوبات الاقتصادية والقيود المالية إلى عزل إيران اقتصادياً وتقويض قدرتها على الوصول إلى الأسواق العالمية والاستثمارات الأجنبية.
وإن المغامرات الإقليمية ودعم الجماعات التابعة قد استنزفت الموارد المالية للبلاد وأضعفت بنيتها التحتية الاقتصادية. كما أن الاعتماد على الاقتصاد النفطي أحادي المنتج يجعل الاقتصاد الإيراني عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية.
لتعزيز الاستقرار والنمو الاقتصادي في إيران يجب احداث تغيير جذري في السياسة الخارجية ويتطلب ذلك اتخاذ خطوات ملموسة لخفض التوترات الإقليمية، والانخراط في حوار بناء مع الدول الأخرى، والالتزام بالاتفاقيات الدولية، بما في ذلك الاتفاق النووي.
ومن شأن رفع العقوبات أن يفتح الباب أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية، ويساهم في تنويع الاقتصاد الإيراني، وتعزيز نموه.
يجب على إيران العمل على تنويع مصادر الدخل، والحد من الاعتماد على النفط، من خلال تشجيع القطاعات الأخرى مثل الصناعة والزراعة والتكنولوجيا. وهذا يتطلب إصلاح البيروقراطية، وتبسيط الإجراءات، ومكافحة الفساد، وتوفير الحماية للمستثمرين. ويجب الاستثمار في تطوير البنية التحتية، بما في ذلك الطاقة والنقل والاتصالات، لتحسين كفاءة الاقتصاد وجعله أكثر جاذبية للاستثمارات. و يجب التركيز على التعليم والتدريب، لتوفير القوى العاملة الماهرة التي يحتاجها الاقتصاد الحديث.
إن التغيير في السياسة الخارجية ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة استراتيجية لضمان بقاء النظام السياسي في إيران واستقراره. فبالإضافة إلى التحديات الخارجية، تواجه إيران تحديات داخلية كبيرة، مثل الفساد والبيروقراطية، والتي يجب معالجتها بالتوازي مع التغيير في السياسة الخارجية.
ويمكن للمجتمع المدني أن يلعب دوراً هاماً في الضغط من أجل الإصلاح والتغيير، وتوعية الرأي العام بأهمية التنمية الاقتصادية.
إن تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي المستدام في إيران يتطلب إرادة سياسية قوية، والتزاماً بالإصلاح والتغيير، والتعاون مع المجتمع الدولي.
المقالة
النمو الاقتصادي مرتبط بالسياسة الخارجية
أحمد علوي
ترجمة: حميد كشكولي
لماذا لا يمكن للاقتصاد الإيراني أن يحقق الاستقرار والنمو دون تعديل سياسته الخارجية؟
إن مشاركة مسعود بزيشكيان في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ولقاءه مع قادة بعض الدول، بالإضافة إلى محادثاته مع وسائل الإعلام العالمية، أعادت "قضية" السياسة الخارجية الإيرانية إلى الواجهة الإعلامية. وتبرز أهمية التحديات التي تواجه السياسة الخارجية الإيرانية في أن استقرار الاقتصاد الإيراني ونموه المستدام يتطلبان انفتاحًا في السياسة الخارجية وتوجهًا نحو إقامة علاقات تقليدية مع دول العالم. هناك عدة أسباب تفسر هذا الأمر.
العقوبات الاقتصادية والضغوط الدولية
يعتبر الاقتصاد الإيراني جزءًا من النظام الاقتصادي العالمي، وكأي نظام آخر، فإنه يحتاج إلى تفاعل إيجابي معه لتجنب الأزمات. أدت السياسة الخارجية الإيرانية، خاصة في العقود الأخيرة، إلى فرض عقوبات دولية صارمة. هذه العقوبات تسببت في تقييد حركة التجارة، وتقليل الوصول إلى الاستثمارات الأجنبية والموارد المالية الدولية، مما أسفر عن تراجع الناتج المحلي الإجمالي وركود اقتصادي، بالإضافة إلى انخفاض الإيرادات الحكومية وزيادة العجز الحاد في الميزانية. كل هذه العوامل أدت إلى تفشي التضخم، وتدهور قيمة العملة الوطنية، وارتفاع معدلات البطالة، خصوصًا بين الشباب والنساء. إذا لم يتم تعديل السياسة الخارجية وتحسين العلاقات مع القوى العالمية، ستظل إيران عالقة في هذه الأزمات الاقتصادية.
تحديد تجارة النفط واقتصاد المنتج الواحد
يعتمد الاقتصاد الإيراني بشكل كبير على النفط، وقد أدت السياسات الخارجية والعقوبات إلى تقليص قدرة إيران على تصدير النفط بشكل مباشر. لم يقتصر تأثير الحظر على تقليص عائدات الحكومة بشكل حاد فحسب، بل أسهم أيضاً في منع الاستثمار في البنية التحتية لقطاع النفط والغاز في البلاد. كما أن عدم القدرة على جذب رأس المال الأجنبي لتطوير حقول النفط والغاز، بالإضافة إلى الصعوبات المرتبطة ببيع النفط بسبب العقوبات، أدى إلى تراجع عائدات النقد الأجنبي وتعريض الاستقرار الاقتصادي للخطر. يحتاج اقتصاد إيران، الذي يعتمد بشكل أساسي على منتج واحد، إلى التنويع، وهو ما يتطلب تغييراً في السياسات الخارجية.
عدم القدرة على الوصول إلى الأسواق العالمية
أدت السياسة الخارجية الحالية لحكومة ولاية الفقيه إلى عزل إيران عن الأسواق الدولية. ونتيجة لغياب الاتفاقيات التجارية والاستثمارات الأجنبية، تضاءلت فرص إيران في الانخراط في سلاسل الإنتاج العالمية واستيعاب التقنيات الحديثة. وقد أسفر ذلك عن تراجع الإنتاجية الاقتصادية وغياب النمو في القطاعات الإنتاجية الرئيسية والصناعات المتنوعة في البلاد.
النفقات المرتبطة بالمغامرات الإقليمية
تسببت السياسات الإقليمية لإيران، التي تشمل دعم الجماعات الوكيلة والتدخل في النزاعات في دول أخرى، في تكبد الاقتصاد الوطني تكاليف باهظة. حيث تُخصص الموارد المالية والعسكرية والأمنية لدعم هذه الفئات بدلاً من استثمارها في تطوير البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية المحلية. وهذا الأمر يؤدي إلى تفاقم عجز الموازنة وانخفاض مستوى الاستثمار في القطاعات الحيوية في البلاد.
تراجع ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين
أثرت السياسة الخارجية الإيرانية سلبًا على ثقة المستثمرين الدوليين والمحليين، مما أدى إلى حالة من عدم اليقين. وقد ساهم عدم الاستقرار السياسي، وغياب رؤية واضحة لتخفيف التوترات، بالإضافة إلى نقص التفاعلات الإيجابية مع الاقتصاد العالمي، في تراجع الاستثمار الأجنبي وتحويل رأس المال المحلي نحو القطاعات غير الإنتاجية، بدلاً من التركيز على الإنتاج والتنمية.
عدم القدرة على جلب التقنيات والابتكارات الجديدة
إن التفاعل مع الدول المتقدمة يمنح إيران القدرة على الوصول إلى التكنولوجيات والمعرفة الجديدة. وفي الوضع الحالي، فإن هذه التفاعلات محدودة للغاية، مما تسبب في التخلف التكنولوجي وعدم القدرة على زيادة الإنتاجية في مختلف القطاعات الاقتصادية.
العقوبات وهيكل النظام المالي العالمي
تتعرض إيران لضغوط كبيرة نتيجة لعقوبات اقتصادية فرضت عليها بسبب سياساتها الخارجية، بما في ذلك ملفها النووي ودعمها للجماعات الإقليمية الوكيلة. هذه العقوبات، وخصوصاً تلك المتعلقة بالقطاع المالي والمصرفي، أدت إلى عزل إيران عن الشبكة المالية العالمية والأسواق المالية. كما أن عدم قدرتها على التواصل مع الأنظمة المالية مثل سويفت، وعدم الالتزام باتفاقيات F-ETF، ساهم في تقييد التجارة الحرة وجذب الاستثمارات الأجنبية، مما أدى إلى تراجع قيمة العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم وهروب رؤوس الأموال.
ضعف فعالية الدبلوماسية الاقتصادية
تعكس السياسة الخارجية الحالية لإيران عدم فعاليتها، ليس فقط في التفاعلات السياسية الدولية، بل أيضاً في مجال الدبلوماسية الاقتصادية. بدلاً من التركيز على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول المتقدمة والبارزة، تركز السياسة الخارجية الإيرانية على التعاون مع دول تعاني من أزمات داخلية أو تفتقر إلى القوة الاقتصادية. وقد أدى هذا التوجه إلى عدم قدرة إيران على جذب استثمارات أجنبية كبيرة ومستدامة. في المقابل، الدول التي حققت نجاحاً في سياساتها الاقتصادية غالباً ما استخدمت سياستها الخارجية كوسيلة لجذب رؤوس الأموال والتكنولوجيا من الدول المتقدمة، بينما اتجهت إيران نحو مسار مختلف.
تأثير العزلة الاقتصادية على القطاع الخاص والشركات الصغيرة
لم تقتصر آثار العقوبات والعزلة الاقتصادية على القطاع العام فقط، بل امتدت أيضًا لتشمل القطاع الخاص. تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تعاني من صعوبة الوصول إلى الأسواق الدولية بسبب القيود والعقوبات المصرفية، تحديات متعددة ومعقدة. وقد اضطرت العديد من هذه الشركات إلى إغلاق أبوابها أو العمل بصعوبة نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع القوة الشرائية للعملاء المحليين. بالإضافة إلى ذلك، أدت الضغوط الحكومية والاقتصادية على القطاع الخاص إلى هجرة عدد كبير من المستثمرين والنخب الاقتصادية من البلاد.
التكاليف الاجتماعية الناجمة عن السياسات الخارجية
لقد كان للسياسات الخارجية الإيرانية تأثيرات ملحوظة على الاقتصاد والوضع الاجتماعي في البلاد. بسبب التضخم المرتفع، وانخفاض قيمة الريال، وزيادة معدل البطالة، صارت الفجوات الاجتماعية والفوارق الطبقية في تزايد. إن تخصيص ميزانيات ضخمة لدعم السياسات الإقليمية والمجموعات الوكيلة أدى إلى تقليص استثمارات الحكومة في البنى التحتية الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والإسكان. يمكن أن يؤدي هذا الانخفاض في الاستثمارات على المدى الطويل إلى عدم الاستقرار الاجتماعي وزيادة الاستياء العام، مما قد يخلق بدوره المزيد من الأزمات في المجالات السياسية والاجتماعية.
هجرة الأدمغة ورأس المال البشري
تُعتبر هجرة الأدمغة ورأس المال البشري من الآثار السلبية الناتجة عن السياسات الخارجية لإيران. فقد أدت قلة فرص العمل المناسبة، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والشعور باليأس من مستقبل مشرق في البلاد، إلى مغادرة العديد من النخب والمهنيين إلى دول أخرى. وتساهم هذه الظاهرة في إضعاف قطاعات الإنتاج والتكنولوجيا في البلاد، مما يعيق النمو الاقتصادي. لجذب النخب الاقتصادية والعلمية والحفاظ عليها، يتعين تحسين البيئة السياسية والاقتصادية، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال إجراء تغييرات في السياسة الخارجية.
الخلاصة
لن يتمكن الاقتصاد الإيراني من تحقيق الاستقرار والنمو المستدام دون تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية لحكومة ولاية الفقيه، وذلك بسبب عدة عوامل، منها أن العقوبات الاقتصادية والقيود المالية الدولية، بالإضافة إلى تراجع الوصول إلى الأسواق والاستثمارات الأجنبية، أدت إلى عزل البلاد اقتصاديًا مما ساهم في الركود وانخفاض الإنتاجية.
علاوة على ذلك، فإن النفقات المرتبطة بالمغامرات الإقليمية ودعم الجماعات الوكيلة قد أسفرت عن استنزاف الموارد المالية للبلاد، مما أضعف الاقتصاد بدلاً من تعزيز التنمية الوطنية. وقد أدت هذه السياسات إلى تراجع ثقة المستثمرين، وهروب رؤوس الأموال والنخب، واستمرار الاعتماد على الاقتصاد النفطي أحادي المنتج. في النهاية، يمكن أن تسهم التغييرات في السياسة الخارجية في تحسين الوضع من خلال رفع العقوبات، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.