مقارنة بين روسيا وأمريكا: الأمن القومي مقابل أمن النظام


حميد كشكولي
الحوار المتمدن - العدد: 8106 - 2024 / 9 / 20 - 22:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

المقارنة بين روسيا وأمريكا، كقوتين عظميين، تبرز بوضوح الفروق بين مفهومَي الأمن القومي وأمن النظام. سأحاول في هذا التحليل تسليط الضوء على هذه الفروق، مستندًا إلى السياق التاريخي والسياسي لكل دولة.
لا يعني أمن النظام سوى حماية مصالح النخبة الحاكمة، والحفاظ على استمراريتها في السلطة. ويكون هذا المفهوم غالبًا ما مرتبطًا بأنظمة الحكم الاستبدادية أو الشمولية، حيث يتم تفضيل مصالح الحزب الحاكم أو الفرد الحاكم على مصالح الدولة والشعب ككل. بينما يرتبط الأمن القومي بحماية مصالح الدولة ككل، بما في ذلك أراضيها، شعبها، مؤسساتها، وقيمها إذ يهدف الأمن القومي إلى ضمان استقرار الدولة وازدهارها، وتحقيق رفاهية المواطنين.
إن لروسيا تاريخ طويل من التركيز على أمن النظام إذ شهدت تاريخًا طويلاً من أنظمة الحكم الاستبدادية، حيث كان الحفاظ على السلطة هو الهدف الأساسي للحكام، واستمرت بعض العناصر من أمن النظام في التأثير على السياسة الروسية حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
ومع صعود بوتين إلى السلطة، شهدت روسيا تحولًا تدريجيًا نحو التركيز على الأمن القومي. فجرى تعزيز الجيش الروسي، وتوسعت نفوذ روسيا في الخارج، وتم تقديم صورة قوية لروسيا كقوة عظمى. ومع ذلك، لا تزال بعض العناصر من أمن النظام تؤثر على اتخاذ القرارات في روسيا.
تلعب الأيديولوجية القومية دورًا مهمًا في تحديد مفهوم الأمن القومي في روسيا حيث يرتبط الأمن القومي الروسي ارتباطًا وثيقًا بالهوية الروسية، وبالتالي يتم تبرير العديد من السياسات الخارجية والداخلية باسم حماية المصالح الروسية.
أمريكا: نموذج للأمن القومي؟
لطالما تم التركيز على الأمن القومي في الولايات المتحدة، حيث يعتبر حماية الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمصالح الاقتصادية الأمريكية أهدافًا أساسية للسياسة الخارجية الأمريكية. وعلى الرغم من التركيز على الأمن القومي، إلا أن هناك أيضًا عناصر من أمن النظام في السياسة الأمريكية. فالحفاظ على النظام السياسي القائم، وحماية مصالح النخب الحاكمة، هما أيضًا جزء من الأهداف الأمريكية.
تتميز الولايات المتحدة بتعددية سياسية قوية، مما يجعل من الصعب على أي مجموعة واحدة أن تفرض أجندتها الخاصة على السياسة الخارجية الأمريكية. وتساعد هذه التعددية في الحفاظ على توازن بين المصالح المختلفة، وتمنع أي تحول كامل نحو أمن النظام.
خلاصة الكلام، أن روسيا وأمريكا تمثلان نموذجين مختلفين. فروسيا تمثل نموذجًا يجمع بين الأمن القومي وأمن النظام، بينما تمثل الولايات المتحدة نموذجًا يركز بشكل أكبر على الأمن القومي. ويلعب التاريخ والثقافة والسياسة دورًا حاسمًا. فالتاريخ والثقافة والسياسة لكل دولة يلعب دورًا حاسمًا في تحديد مفهوم الأمن القومي وأمن النظام. وقد تواجه كل من روسيا وأمريكا تحديات عالمية معاصرة تتطلب إعادة تقييم مفاهيم الأمن القومي وأمن النظام.
ما ورد أعلاه، يقدم نظرة عامة مبسطة على موضوع معقد. هناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر على مفهوم الأمن القومي وأمن النظام في كل من روسيا وأمريكا. ومن المهم أن ندرك أن مفهوم الأمن القومي وأمن النظام ليسا ثابتين، بل يتطوران مع تغير الظروف الدولية والداخلية.



الفصل بين السلطات وأمثلة من روسيا وأمريكا

لا بد من التأكيد على أهمية مبدأ الفصل بين السلطات في تحقيق حكم فعال وناجح. ويمكن تعريف الفصل بين السلطات بأنه توزيع صلاحيات الدولة على ثلاثة سلطات رئيسية هي: السلطة التشريعية (تسن القوانين)، السلطة التنفيذية (تنفيذ القوانين)، والسلطة القضائية (تطبيق القوانين وحل النزاعات).
ويهدف هذا الفصل إلى تحقيق عدة أهداف أساسية، منها:
o الحفاظ على التوازن: منع تركيز السلطة في يد جهة واحدة، مما يقلل من خطر الاستبداد.
o حماية الحريات: ضمان حماية حقوق الأفراد وحرياتهم من خلال نظام قضائي مستقل.
o كفاءة الحكم: زيادة كفاءة الحكم من خلال التخصص في كل سلطة.
o الشفافية والمساءلة: تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال نظام رقابة وتوازن بين السلطات.

بالإضافة إلى روسيا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية، يمكن ذكر العديد من الأمثلة التاريخية والمعاصرة على الدول التي شهدت تداخلًا كبيرًا بين السلطات، مثل الاتحاد السوفيتي السابق والصين في فترات معينة. وتمكن الاستعانة بأمثلة تاريخية من أوروبا، مثل فرنسا في عهد لويس الرابع عشر، لإظهار كيف أن تركيز السلطة في يد حاكم واحد أدى إلى استبداد وفساد.

مقارنة بين روسيا وأمريكا:
روسيا:
o التاريخ: تاريخ طويل من الحكم الاستبدادي والتركيز على السلطة التنفيذية.
o الوضع الحالي: على الرغم من وجود دستور ينص على الفصل بين السلطات، إلا أن الواقع يظهر تداخلًا كبيرًا، خاصة في ظل نظام بوتين.
o أسباب التداخل:
 التركيز على الأمن القومي على حساب الحريات الفردية.
 ضعف المؤسسات الديمقراطية.
 سيطرة الكرملين على وسائل الإعلام.
• أمريكا:
o التاريخ: تأسست على مبدأ الفصل بين السلطات، وهو من أهم مبادئ الدستور الأمريكي.
o الوضع الحالي: على الرغم من وجود بعض التحديات، إلا أن النظام الأمريكي يعتبر نموذجًا للفصل بين السلطات، مع وجود نظام رقابة وتوازن فعال.
o أسباب القوة:
 تقاليد ديمقراطية راسخة.
 نظام قضائي مستقل.
 تعددية سياسية قوية.

يؤدي تداخل السلطات إلى تراجع الديمقراطية وتقويض الحريات الفردية. ويزيد من خطر الفساد واستغلال السلطة الشخصية، ومن عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. وتداخل السلطات يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي ويقلل من جاذبية الاستثمار.
وتكمن آليات تعزيز الفصل بين السلطات في بناء مؤسسات قوية قادرة على مقاومة التدخلات السياسية. وضمان استقلال القضاء وتوفير الحماية للقضاة. وتشجيع التعددية السياسية وتنوع الآراء. وتعزيز الشفافية والمساءلة في جميع مؤسسات الدولة. إضافة إلى توعية المجتمع بأهمية الفصل بين السلطات وحقوقهم.

إن مبدأ الفصل بين السلطات هو حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي، وهو الضامن لتحقيق العدالة والمساواة والرخاء. يجب على الدول التي تسعى إلى التنمية المستدامة والازدهار أن تعمل على تعزيز هذا المبدأ وتقوية مؤسساتها الديمقراطية.

الفرق بين النظامين الأمريكي والروسي في ضوء قرار حظر السفر
تطرح القضية المتعلق بقرار ترامب بحظر السفر لرعايا عدة دول وتدخل القضاء الأمريكي مسألة جوهرية تتعلق بفصل السلطات وتوازنها، وهي مسألة تميز النظام الديمقراطي عن الأنظمة الاستبدادية. سأقوم بتحليل هذه القضية بشكل أعمق، مستندًا إلى المعلومات التي قدمتها، مع التركيز على الفروق الجوهرية بين النظامين الأمريكي والروسي.

يعتبر مبدأ الفصل بين السلطات من المبادئ الأساسية للنظام السياسي الأمريكي، حيث يتم توزيع السلطات بين السلطة التشريعية (الكونغرس)، والسلطة التنفيذية (الرئيس)، والسلطة القضائية (القضاء). وهذا التقسيم يهدف إلى منع تركيز السلطة في يد جهة واحدة وضمان حماية الحقوق والحريات. وعلى النقيض من ذلك، فإن النظام السياسي الروسي يشهد تركيزًا للسلطة في يد الرئيس، حيث يتمتع الرئيس بسلطات واسعة تمكنه من التأثير بشكل كبير على السلطات التشريعية والقضائية.
يتمتع القضاء الأمريكي باستقلال كبير، وله الحق في مراجعة قرارات السلطة التنفيذية والتشريعية للتأكد من مطابقتها للدستور والقوانين. قرار القاضي المحلي بإلغاء قرار ترامب هو مثال واضح على هذا الاستقلال. بينما القضاء الروسي يخضع لسيطرة السلطة التنفيذية، وغالباً ما يتم استخدامه كأداة لتعزيز مصالح النظام الحاكم.

يلعب الكونغرس في الولايات المتحدة الأمريكية دورًا مهمًا في الرقابة على السلطة التنفيذية، ولديه الحق في سن القوانين واعتماد الميزانية. ولكن على الرغم من وجود برلمان روسي، إلا أن صلاحياته محدودة، وغالباً ما يتم تمرير التشريعات التي يطلبها الرئيس دون نقاش جدي.
يعود تاريخ النظام الديمقراطي الأمريكي إلى قرون، وهو مبني على مبادئ الليبرالية والديمقراطية، بينما النظام السياسي الروسي تطور بشكل مختلف، وتأثر بالتاريخ القيصري والسوفييتي. وإن النظام الاقتصادي الأمريكي مبني على الرأسمالية، مما يشجع على التنافس والتعددية، بينما النظام الاقتصادي الروسي يميل إلى المركزية والتدخل الحكومي.

تختلف الثقافة السياسية في البلدين بشكل كبير، حيث تتميز الثقافة الأمريكية بالتسامح والانفتاح على الآخر، بينما الثقافة الروسية أكثر تحفظاً وتوجساً من التغيير.

تؤكد ما قيل أعلاه على الفروق الجوهرية بين النظامين السياسي الأمريكي والروسي. فالنظام الأمريكي يمثل نموذجًا للديمقراطية الليبرالية، حيث يتمتع المواطنون بحقوق وحريات واسعة، ويوجد فصل واضح بين السلطات. أما النظام الروسي فيميل إلى الاستبداد، حيث يتم تركيز السلطة في يد شخص واحد أو مجموعة صغيرة، ويخضع القضاء والبرلمان لسيطرة السلطة التنفيذية.

يؤدي فصل السلطات إلى حكم أكثر رشداً وشفافية، ويقلل من خطر الفساد واستبداد الحاكم. ويضمن حماية حقوق وحريات الأفراد، ويمنع انتهاكها من قبل السلطة. كما يساهم فصل السلطات في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي، ويقلل من خطر الصراعات الداخلية. و يؤدي الحكم الرشيد إلى بيئة استثمارية جاذبة، مما يدفع عجلة التنمية الاقتصادية.

• استقالة نيكسون:
تبرز هذه القضية أهمية دور الصحافة في كشف الفساد ومحاسبة المسؤولين. كما تؤكد على قدرة القضاء على حماية الدستور والقانون حتى ضد الرئيس. وإن الرسالة هي ترسخ مبدأ أن لا أحد فوق القانون، وأن الحاكم يخضع للمساءلة.

• قضية إيرين بروكوفيتش:
توضح هذه القضية كيف يمكن للمواطن العادي أن يحصل على العدالة في نظام قضائي مستقل، حتى لو كان خصمه شركة ضخمة ذات نفوذ. والرسالة تؤكد على أهمية حماية البيئة وحقوق المواطنين في مواجهة الشركات الكبرى.

يعتبر الفصل بين السلطات من أهم ضمانات عدم تركيز السلطة في يد جهة واحدة، مما يقلل من خطر الاستبداد والفساد. ويساهم في تحقيق الحوكمة الرشيدة والشفافية، مما يعزز الثقة بين المواطنين والحكومة. كما يضمن الفصل بين السلطات حماية حقوق وحريات الأفراد، ويمنع انتهاكها من قبل السلطة ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة من خلال ضمان العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

مقارنة بين النظامين الروسي والأمريكي:
الميزة الولايات المتحدة روسيا
الفصل بين السلطات قوي، مع وجود نظام رقابة وتوازن ضعيف، مع تركيز السلطة في يد الرئيس
دور القضاء مستقل، وقادر على مراجعة قرارات السلطة التنفيذية خاضع لسيطرة السلطة التنفيذية
دور الصحافة حرة، ولها دور مهم في كشف الفساد مقيدة، وتخضع للرقابة الحكومية
مشاركة المواطنين عالية، من خلال الانتخابات والمنظمات المدنية منخفضة، بسبب ضعف المؤسسات الديمقراطية

يعتبر مبدأ الفصل بين السلطات حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي، وهو الضامن لتحقيق العدالة والمساواة والرخاء. وإن الدول التي تسعى إلى التنمية المستدامة والازدهار يجب أن تعمل على تعزيز هذا المبدأ وتقوية مؤسساتها الديمقراطية.

النخب السياسية واستدامة السلطة
إن الحديث عن النخب السياسية ومدى استقرارها أمر بالغ الأهمية لفهم طبيعة الأنظمة السياسية ومدى استجابتها لتطلعات الشعوب.
النخب السياسية هي تلك الفئة التي تمتلك نفوذاً وسلطة اتخاذ قرارات تؤثر على حياة الناس. وتختلف هذه النخب في تركيبتها وأيديولوجياتها من نظام لآخر.
تتولى النخب السياسية صياغة السياسات وتحديد الأولويات الوطنية. وتمثل مصالح فئات اجتماعية واقتصادية مختلفة. وتلعب دوراً هاماً في توجيه المجتمع نحو تحقيق أهداف معينة.

الفرق بين النظامين الأمريكي والروسي في هذا الصدد:
• الولايات المتحدة: تتميز بتداول سلمي للسلطة، حيث تحدد الدستور مدة الرئاسة ولا تسمح بالتجديد لأكثر من فترتين. هذا النظام يهدف إلى منع تركيز السلطة في يد شخص واحد لفترة طويلة، ويضمن تجديد الدماء في النظام السياسي.
• روسيا: تشهد روسيا تركيزاً للسلطة في يد شخص واحد لفترة طويلة، حيث يتم تعديل الدستور بشكل دوري لتمديد فترة الرئاسة. هذا النظام يقلل من فرص التنافس السياسي ويضعف المساءلة.

ومن محاسن تأثير استقرار النخب على النظام السياسي هي الاستمرارية إذ يمكن للنخب المستقرة المواصلة في السياسات والمشاريع. وأن النخب المستقرة تمتلك خبرة واسعة يمكن أن تساعد في اتخاذ قرارات أفضل.
أما المساوئ فهي أن يؤدي استقرار النخب إلى جمود في النظام السياسي وعدم القدرة على التكيف مع التغيرات. كما يؤدي تركيز السلطة في يد فئة صغيرة إلى زيادة الفساد. و ضعف المشاركة الشعبية في الحياة السياسية.
إن مسألة استقرار النخب السياسية قضية معقدة تتأثر بعوامل متعددة. بينما يسعى النظام الديمقراطي إلى تحقيق التداول السلمي للسلطة وتجديد النخب، فإن الأنظمة الاستبدادية تميل إلى تركيز السلطة في يد فئة صغيرة لفترة طويلة.
إن الحديث عن مدة بقاء الأفراد في السلطة هو نقاش مثير للجدل ويحمل في طياته أبعادًا سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة.
أهمية تداول السلطة تكمن في أنه يساهم تداول السلطة في تجديد الدماء في النظام السياسي، وجلب وجوه جديدة تحمل أفكارًا وطاقات جديدة. و يحد من تركيز السلطة في يد شخص واحد أو مجموعة صغيرة، ويخلق نظامًا للرقابة والتوازن. ويحمل المسؤولين على المسؤولية عن أفعالهم، ويجعلهم أكثر حرصًا على تحقيق مصلحة الشعب. ويشجع على الابتكار والتطوير، حيث يسعى كل مسؤول إلى ترك بصمة إيجابية خلال فترة ولايته.

ومن آثار البقاء في السلطة لفترات طويلة أنه يزيد من خطر الاستبداد وتكوين طبقة حاكمة متنفذة. ويزيد من فرص الفساد واختلاس الأموال العامة. ويؤدي إلى جمود في النظام السياسي وعدم القدرة على التكيف مع التغيرات. ويقلل من مشاركة الشعب في الحياة السياسية.

الواقع المعاصر:
تواجه العديد من الدول تحديات في تحقيق التداول السلمي للسلطة، وذلك لغياب مؤسسات قوية قادرة على ضمان انتخابات حرة ونزيهة. و تدخل قوى خارجية في الشؤون الداخلية للدول. كما أن الأزمات الاقتصادية يمكن أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي.
ويمكن ملاحظة هذه الظاهرة في العديد من الدول، سواء في الدول النامية أو المتقدمة.

إن تداول السلطة بانتظام هو شرط أساسي لبناء ديمقراطيات قوية ومستدامة. وعلى الرغم من وجود تحديات، إلا أنه من الضروري السعي لتحقيق هذا الهدف من خلال بناء مؤسسات قوية قادرة على ضمان انتخابات حرة ونزيهة. ونشر ثقافة ديمقراطية تحترم التعددية والاختلاف. ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة. و تشجيع المشاركة الشعبية في الحياة السياسية.

تداول السلطة والشفافية المالية: مقياس لحالة الحكم
أيمكن المقارنة بين قياس ضغط الدم كأداة لتشخيص الحالة الصحية، وتداول السلطة والشفافية المالية كأداتين لتشخيص صحة النظام السياسي. هذه المقارنة دقيقة للغاية، فكما أن ارتفاع ضغط الدم يشير إلى وجود مشكلة صحية، فإن غياب تداول السلطة والشفافية المالية يشيران إلى وجود مشاكل عميقة في النظام السياسي.
تعتبر الشفافية المالية سلاحًا فعالًا في مكافحة الفساد، حيث تجعل من الصعب على المسؤولين اختلاس الأموال العامة وإخفاء ثرواتهم. و تزيد من مساءلة المسؤولين، حيث يمكن للمواطنين متابعة أموالهم العامة ومعرفة كيفية إنفاقها.
وتعزز الشفافية الثقة بين المواطنين والحكومة، حيث يشعر المواطنون أن أموالهم تصرف بشكل شفاف وعادل.
كما أن الشفافية المالية تجذب الاستثمارات الأجنبية، حيث يشعر المستثمرون بالأمان في بيئة شفافة.

الفرق بين النظامين الأمريكي والروسي في هذا الصدد:
تتميز الولايات المتحدة بنظام قانوني صارم يجبر المسؤولين على الإعلان عن ممتلكاتهم بشكل دوري، مما يضمن الشفافية والمساءلة. بينما على النقيض من ذلك، فإن النظام الروسي يفتقر إلى الشفافية، حيث لا يتم الإعلان بشكل كامل عن ثروات المسؤولين، مما يفتح الباب أمام الفساد.

أسباب الاختلاف:
تعتمد درجة الشفافية على طبيعة النظام السياسي، فالديمقراطيات تميل إلى أن تكون أكثر شفافية من الأنظمة الاستبدادية، إذ تلعب المؤسسات الديمقراطية مثل البرلمان والقضاء دوراً هاماً في ضمان الشفافية والمساءلة. كما تؤثر الثقافة السياسية للمجتمع على مدى تقبل الشفافية والمساءلة.
إن الشفافية المالية هي ركن أساسي من أركان الحكم الرشيد، وهي مؤشر قوي على صحة النظام السياسي. الدول التي تسعى إلى التنمية المستدامة والازدهار يجب أن تعمل على تعزيز الشفافية والمساءلة في جميع مؤسساتها.

فصل السلطة السياسية عن القوة الاقتصادية
إن الحديث عن العلاقة بين السلطة السياسية والقوة الاقتصادية هو أمر بالغ الأهمية لفهم طبيعة الأنظمة السياسية ومدى استجابتها لتطلعات الشعوب.
فصل السلطة السياسية عن القوة الاقتصادية: حجر الزاوية في الديمقراطية
يشير هذا المبدأ إلى عدم وجود تداخل كبير بين أصحاب السلطة السياسية وأصحاب الثروة الاقتصادية. بمعنى آخر، يجب أن تكون القرارات السياسية مبنية على المصلحة العامة وليس على مصالح فئة معينة. و يضمن هذا الفصل وجود شفافية في عملية صنع القرار، حيث لا تخضع القرارات السياسية لتأثير الضغوط الاقتصادية. ويضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، حيث لا يتم تفضيل مصالح فئة معينة على حساب الأخرى. ويساهم في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، حيث لا تخضع القرارات السياسية لتقلبات السوق. كما يشجع على النمو الاقتصادي المستدام، حيث يتم توزيع الثروة بشكل عادل.

الولايات المتحدة: نموذج للفصل بين السلطتين (مع بعض التحفظات)
• القوة الاقتصادية: كما ذكرتِ، تتركز ثروة هائلة في أيدي عدد قليل من الشركات والأفراد في الولايات المتحدة.
• التأثير السياسي: على الرغم من ذلك، فإن النظام السياسي الأمريكي يضم آليات تهدف إلى الحد من تأثير هذه القوى الاقتصادية على صنع القرار، مثل:
o قوانين مكافحة الاحتكار: تهدف هذه القوانين إلى منع احتكار الشركات للأسواق.
o تمويل الحملات الانتخابية: تخضع تمويل الحملات الانتخابية لقوانين صارمة تهدف إلى الحد من تأثير المال السياسي.
o الشفافية: يجب على الشركات والأفراد الكبار الإعلان عن مساهماتهم السياسية.
التحديات:
• دور اللوبي: تلعب لوبيات الشركات دورًا كبيرًا في التأثير على السياسات الأمريكية.
• تمويل الحملات الانتخابية: على الرغم من القوانين، لا يزال المال يلعب دورًا كبيرًا في الانتخابات الأمريكية.
• الدوران المستمر للأبواب: ينتقل العديد من المسؤولين الحكوميين للعمل في الشركات الكبرى بعد انتهاء ولاياتهم، مما يخلق صراعات محتملة في المصالح.

إن الفصل بين السلطة السياسية والقوة الاقتصادية غاية نبيلة يصعب تحقيقها بشكل كامل. ومع ذلك، فإن الدول التي تسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية يجب أن تبذل قصارى جهدها لتعزيز هذا الفصل.

الفصل بين السلطة السياسية والاقتصادية في ضوء المثال الروسي والأمريكي
لقد قارنا بين النموذجين الأمريكي والروسي، حيث يبدو أن الفصل بين هذين المصدرين للسلطة أكثر وضوحًا في الولايات المتحدة، بينما يرتبطان ارتباطًا وثيقًا في روسيا.
كما ذكرنا، هناك فصل نسبي بين السلطة السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة. الشركات الكبرى تمتلك استقلالية كبيرة في اتخاذ القرارات الاقتصادية، والمسؤولون الحكوميون يخضعون لرقابة شعبية. رغم ذلك، كما أشرنا سابقًا، هناك تحديات تواجه هذا الفصل، مثل تأثير اللوبيات وتداخل المصالح بين القطاع الخاص والعام.
في روسيا، يرتبط رجال الأعمال ارتباطًا وثيقًا بالسلطة السياسية. وغالبًا ما يحصل رجال الأعمال على امتيازات مقابل دعمهم للسلطة الحاكمة إذ يعتبر الاقتصاد الروسي اقتصادًا موجهًا، حيث تلعب الدولة دورًا كبيرًا في توجيه الاستثمارات وتوزيع الثروة.
في النظم التي يكون فيها الفصل بين السلطة السياسية والاقتصادية واضحًا، تكون الشفافية والمساءلة أكبر، لأن القرارات السياسية تكون أقل عرضة للتأثير من المصالح الخاصة. ويمكن أن يساهم الفصل الواضح بين السلطتين في تحقيق نمو اقتصادي مستدام، حيث يتم تخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة. ويمكن أن يساهم في تحقيق الاستقرار السياسي، حيث يكون هناك أقل من الصراعات على السلطة والموارد.
إن الفصل بين السلطة السياسية والاقتصادية هدف نبيل يصعب تحقيقه بشكل كامل في أي نظام سياسي. ومع ذلك، فإن الدول التي تسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية يجب أن تبذل قصارى جهدها لتعزيز هذا الفصل.