صلاة الضفدع وذيل السلحفاة
حسين علوان حسين
الحوار المتمدن
-
العدد: 8092 - 2024 / 9 / 6 - 00:30
المحور:
الادب والفن
دخل العميلان السريّان، العميل رقم: 000، ورفيقته العميلة: م0م0 قسم الموارد البشرية في وحدة "ابادة الشيوعية بالتعاون مع جهازي "السي آي أي" و"الأم آي سكس" التابعة لجهاز الموساد، وطلبا من مدير ذلك القسم ترويج معاملتي تقاعدهما بعد أن بلغا السن القانونية الموجبة للتقاعد، واستوفيا – وزيادة – مدة الخدمة المقررة في ذلك الجهاز - منذ آب عام 1991، إلى آب من عام 2024 - والبالغة 33 سنة بالتمام والكمال.
فتح مدير تلك الوحدة ملف خدمة العميل السرّي رقم: 000 على حاسوبه، ثم نقر على حقل "التقاعد" الكائن في أعلى ذلك الملف، فظهرت على الشاشة صفحة النتيجة:
"مبروك ! يُطبَّق على معاملة التقاعد للعميل السرّي رقم 000 حُكْم: "صلاة الضفادع في بلاد المسلمين"!"
- وماذا تعني هذه النتيجة المشفّرة، أستاذ؟
- انها تعني عدم استحقاقك للتقاعد لكون خدمتك في مخابراتنا لم تكن مجزية البتة، مثل أداء نافلة صلاة الليل للضفادع في بلاد المسلمين!
- كيف؟
- أنت تعلم أن صلاة الليل هي من النوافل عند المسلمين، أي أنها زائدة عن اللزوم؛ عكس صلاة الفجر التي هي واجبة. ولكن الضفدع يبقى ينق وينق وينق في صلواته طوال الليل، حتى يتملكه التعب والارهاق الشديدين، فيغلبه النعاس وينام قبل حلول موعد صلاة الفجر دون أن يؤدي فريضتها الواجبة. وعليه، لا يجد مَلَك الصلاة نفسه إلا مُرغماً على تثبيت علامة (x) في حقل قائمة "أداء صلاة الفجر" في سجل عباداته كل يوم، باعتبارها عبادة واجبة غير مقضية طوال عمره!
- لو تسمح لي، أستاذ، ولكن هذا منتهى الظلم والاجحاف!
- كيف ؟
- أنت تعلم علم اليقين بأنني قد أمضيت ثلاثة وثلاثين عاماُ أطوف تحت قناع مئات الأسماء الرباعية الوهمية على مواقع التواصل الإلكتروني الماركسية حول العالم وذلك امتثالاُ لتعليماتكم وتوجيهات "السي آي أي" و "الأم آي سكس"، فألهج بتحميل ماركس وإنجلز المسؤولية عن جرائم القادة المتمسحين بالشيوعية التي اقترفت بعد مضي عدة عقود على وفاتهما، وهذا زور وبهتان؛ وأفتري بأن الاشتراكية هي ضد الحرية رغم علمي بأن الحرية هي وعي الضرورة وأن العدالة الاجتماعية ضرورية؛ وأتغنّى بالنظام الرأسمالي أبو حقوق الانسان والديمقراطية والتحضر رغم أن الإبادات الجماعية وحكم الاوليغاركية المعفنة هي الجوهر الحقيقي للرأسمالية عبر تاريخها الطويل برمّته؛ وأزعم بأن الماركسية قد سقطت وماتت رغم وجودها في كل بلد من بلدان العالم؛ وأدجّل بكون النظام الاقتصادي الاشتراكي قد ثبت فشله، رغم أن هذا النظام قد حوّل الصين اليوم إلى أكبر مُنتِج للسلع في العالم. كل هذا الشحط والفحط واللهط والنحط والطحن وعرق الجبين ليل نهار طوال ثلاث وثلاثين سنة، ثم تقول لي بان خدماتي الجليلة هذه كلها كانت غير مجزية للتقاعد؟
- أرجوك، أستاذ. ألفت نظركم إلى حقيقة أنني لا أتحمل أي مسؤولية مهما كانت عن اتخاذ هذا القرار. كل شيء عندنا مؤتمَت ومضبوط ضبط العقال ولا يقبل الخطأ بتاتاً: من الإبادات الجماعية بمئات آلاف القنابل الأمريكية المجانية أم الألفي رطل للنساء وللأطفال الإرهابيين الفلسطينيين في كل مكان بالعالم، وخصوصا في غزة، وفق قاعدة بيانات خوادم "غيمة غوغل" الجبارة؛ الى معاملات التقاعد للعملاء السريين. برامج هذا الحاسوب - الذي يحفظ ويدقق ويقيّم اعمالك كافة عندنا - هي المسؤولة الأولى والأخير عن البت بمعاملات التقاعد هنا، ولا اعتراض على حكمها الدقيق هذا حتماً، وذلك امتثالاً بالضرورات الأمنية لدولة اسرائيل، مثلما لا اعتراض على حكم ملائكة صلاة الفجر عند المسلمين يوم القيامة! كما أن الواضح تماماً من فحوى كلامك هذا هو صحة قرار الحاسوب بعدم استحقاقك للراتب التقاعدي في ضوء كون دعايتك المضادة للشيوعية هي نمط اللغو الفارغ مثل نقيق الضفادع ليلاً.
- هممم. ممم. سأجهش بالبكاء.
- أرجوك، عميلنا السري 000 المحترم. أنا متعاطف جداً معك، ولكن يجب عليك التطبيق الحرفي لقانوننا الذي تعرف: يُمنع منعاً باتاً الضحك والبكاء أثناء الخدمة، لكونهما من مميزات الزعاطيط والعجايا وضعاف النفوس.
-- هممم.
- طيب، وماذا عن معاملة التقاعد الخاصة بي، أنا العميلة السرية: م0م0 ؟
- لحظة، سيدتي.
ينقر مسؤول القسم على ملف خدمة العميلة السرية: م0م0 على الحاسوب أمامه، ثم ينقر على حقل "التقاعد" في أعلاها، فتظهر على شاشته النتيجة:
"مبروك! يُطبَّق على معاملة تقاعد العميلة السرية: م0م0 حُكم: "ذيل السلحفاة"!"
- مبروك: ها هو القرار بشأن معاملة تقاعدك، سيدتي: حُكم ذيل السلحفاة!
- وما ذا يعني هذا الحُكم المشفّر، أستاذ؟
- انه يعني، يا سيدتي، أنك لا تستحقين التقاعد كعميلة سريّة في خدمة جهازنا، لكون خدمتك الطويلة لدينا كانت غير مفيدة، اطلاقاً؛ بالضبط مثل وظيفة ذيل السلحفاة: لا هو جميل فيحلّيها، ولا هو طويل بما يكفي لمسح أدران الوسخ والقذارة الرهيبة المتراكمة عن كل جزء من أجزاء جسدها!