البقرة الشاردة مع عجلها


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 8127 - 2024 / 10 / 11 - 23:50
المحور: الادب والفن     

في الصباح الباكر لذلك اليوم، احتار فريدون وهو يرى أن بقرته - التي لا يمتلك غيرها في بيته القروي - لم تعد تدرّ ما يكفي من الحليب لإطعام عجلها الوليد. ذهب الى الطبيب البيطار في القرية وشكى له حالة بقرته.
جاء الطبيب البيطار – وكان يرتدي الطربوش ويدعي أنه رجل دين متقٍ متبحّر في الشرائع – وسأل البقرة:
- لماذا – أيتها البقرة – لا تقومين بتأدية واجبك الأمومي بإنتاج ما يكفي من الحليب لإطعام عجلك المسكين هذا؟
- لأنني خائفة جداً، سيدنا البيطار.
- وممّن تخافين؟
- من الهجوم الامريكي- الصهيوني - البريطاني الوشيك على ايران بالقنابل النووية التكتيكية.
- وما أدراكِ انه لن يقع على قواتها في سوريا، مثلا؟
- احتمال وارد، ولكن الاحتمال الأكبر الوارد هو أن يقع هنا !
- وما علاقتك أنتِ بهذا الموضوع الذي يخصنا نحن بني البشر، وليس أنتم معشر بني البقر؟
- كيف لا توجد علاقة لي به؟ أنا بقرة رقيقة ومثقفة وناشطة في حقوق البقر وعندي الإحساس المرهف في حق كل الأحياء بالحياة. كما أن مثل هذه القنابل الفتاكة من شأنها أن تبيد الزرع والضرع في كل مكان في الشرق الأوسط!
- الآن فهمت! اسمع يا فريدون : تعال معي الى العيادة البيطرية كي أعمل لهذه البقرة الحجاب الشافي!

في ضحى ذلك اليوم، عندما عاد فريدون الى بيته بحجاب البقرة، لم يجدها، لا هي ولا عجلها.
سأل زوجته عنها، فقالت له بأنها رأت العجل وهو يرضع الكثير من درِّها حتى شبع حسب الأصول، ففرحت بذلك وتركتهما يذهبان معاً الى المرعى القريب الكائن عند عين الساقية.
بحث فريدون عن بقرته وعجلها في كل مرعى حول القرية طوال ظهيرة ذلك اليوم دونما أي نتيجة. سأل جيرانه من الرعاة وغيرهم عنها، فلم يفز بطائل.
ثم، فجأة في مغرب ذلك اليوم، بدأت الأخبار المتداولة بين رعاة القرية وأهلها تأتيه عنهما تترى وبالجملة؛ وكلها تؤكد المشاهدة العيانية للبقرة وعجلها وهما يستقلان طائرة بوينغ سي-17، ولكن الاختلافات كانت في تحديد عائدية تلك الطائرة ووجهتها.
أخبره أحد الرعاة بأن تلك الطائرة انما تعود للبنتاغون الذي يخطط لتفخيخ بقرته هي وعجلها بكل ما يمكن من الاسلحة النووية التكتيكية واعادتها للقرية لتفجيرها فيهم وهم نيام؛ فيما أكد راع ثان ان البنتاغون سيرسلها الى عاصمة البلاد لتدميرها مثلما فعل في هيروشيما وناغازاكي وماي لاي والفلوجة والضاحية الجنوبية وغزة بالوكالة ووو، وذلك كي يلبِّسهما وزر جريمته الشنعاء تلك.
غير أن راع ثالث بيّن له أن البنتاغون إنما لجأ إلى اختطاف بقرته وعجلها كي يسممانهما بوباء قاتل مثل فيروس كوفيد 19 ثم يعيدانهما إلى القرية بغية إبادة المواشي والاغنام والبشر على طول هذه البلاد والبلدان المجاورة وعرضها عن بكرة أبيها، وكذلك يفعلون!
أما الراعي الرابع فقد صرح له بأن الكيان الصهيوني النازي العنصري هو الذي اختطف بقرته وعجلها لورود اسميهما في قوائم الموساد باعتبارهما حيوانين ارهابيين سبق أن أهدر النتنياهو ووزراؤه دمهما علناً من على منبر الامم المتحدة في نيويورك.
في حين أوضح له الراعي الخامس أن سبب قيام الكيان الصهيوني النازي باختطافهما هو نفس ما سمعه عن خطط البنتاغون بتفخيخهما بأسلحة الدمار الشامل والفيروسات القاتلة.
ولكن الراعي السادس وصف له كيف ان البنتاغون والموساد قد اختطفا البقرة وعجلها بغية تربية وتأهيل زعماء جدد مثل السيسي الخسيسي وطقعان الإمارات والدب الداشر ابن سلمان وملك الأقزام في الأردن وملك أمهات البريص في البحرين كي يتم ترتيب تسنمهم كراسي الحكم للبلدان العربية والمسلمة غير المنبطحة - وجهاً وقَفا، ومن فوق لتحت ومن تحت لفوق- للصهيونية حالياً باعتبارهم حيوانات ليبرالية مثقفة تؤمن بالخريات الدمقراطية الدولارية و التقدم و التحضر والتنوير والإبادات الجماعية والحروب المباشرة أو بالوكالة والمولّدة لبعضها البعض مثل زعماء عصابات داعش وجيش النصرة اللتين صنّعتهما الموساد والسي آي أي بكل فخر واعتزاز وأريحية ورهاوة.
اما شقيقه، آزاد، فقد رجّح أن يكون سبب هروب البقرة مع عجلها إنما هو ارتعابها الرهيب حال سماعها بلفظة "الحجاب" التي نطق بها البيطار، والتي ستضطرها اضطراراً إلى ارتداء اللكـﭼـة البغيضة التي يكذبون أنها الحجاب كي لا يتهمها أحدهم بكونها بقرة "متبرِّجة"، فيتساقط شعر راسها الجميل بالجملة يومياً مثل تساقط شعر حلويات الشعر بنات.
في ليل نفس اليوم، عادت البقرة الشاردة وعجلها إلى القرية.
- أين ولّيت ايها البقرة الشاردة، أنت وعجلك المسكين هذا؟ سألها فريدون.
- ابداً، نحن لم نشرد ولا من يحزنون– ردَّت البقرة – كل ما هناك هو أنني استجبت لطلب عجلي اللعب مع عجول القرية المجاورة!