الرد على مقالة الباحث: السيد عبد الحسين سلمان/ 14-20
حسين علوان حسين
الحوار المتمدن
-
العدد: 8270 - 2025 / 3 / 3 - 22:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
13. التلفيق والقفز فوق الوقائع
رأينا في الحلقات السابقة كيف أن مقال المنقود السيد عبد الحسين سلمان المحترم ينتقي أسماء عدد من المفسرين وأصحاب الحديث والمذاهب الاربعة والقضاة والفقهاء والقادة المسلمين ممن يتوهم أعجميتهم؛ ولا يذكر اسماء الأدباء وعلماء الطبيعة في العصر العباسي – غالبيتهم العظمى من العرب بلا منازع – ولكنه يكتب في "خلاصته" في ختام مقاله هذا الاستنتاج العجيب الغريب:
"وأغلب الادباء وعلماء الطبيعة هم من العجم"!
كيف يحق للمنقود تثبيته للاستنتاج أعلاه في ختام مقالته رغم أن مقاله لم يتطرق أصلاً الى الأدباء وعلماء الطبيعة المسلمين؟ أين هي المقدمات التي تسوّغ الخلوص إلى هذه النتيجة؟ لا توجد!
ليس هذا فحسب، بل إنه يضع في حقل "الخلاصة" لبحثه هذا "الاستنتاج العبقري":
3. أن أغلب المفسرين و أصحاب الحديث والمذاهب الاربعة والقضاة والفقهاء ..الخ , هم من العجم .
4. لذلك يقول المرحوم المفكر الاسلامي الدكتور المهندس محمد شحرور : أن الاسلام صناعة اموية / عباسية.
السؤال: ما علاقة نص النقطة الثالثة أعلاه بمندرجات النقطة الرابعة الموصولة بما سبقها بواسطة "لذلك" السببية؟
ما دخل قول الدكتور محمد شحرور بكون : "الاسلام صناعة أموية/عباسية" بفرية المنقود: "أن أغلب المفسرين و أصحاب الحديث والمذاهب الاربعة والقضاة والفقهاء ..الخ , هم من العجم " ؟ كيف يحق للمنقود قلب عبارة: "أموية/عباسية" للدكتور محمد شحرور بعبارة: "من العجم" جزافاً وتعسفاً؟
ثم، متى كان خلفاء بني أمية وبني العباس من العجم؟!
وكيف يستقيم قول الدكتور محمد شحرور بكون: "الاسلام صناعة أموية/عباسية" مع عنوان مقال المنقود: "هل الاسلام صناعة عباسية/ إعجمية" ؟ كيف يحق للمنقود قلب عبارة "أموية/عباسية" لمحمد شحرور بعبارة "عباسية/أعجمية" الذي يستخرجها خلسة من كُمّه؟ أي منهج تلفيقي فاسد هذا في البحث؟
السؤال هنا هو: هل أن قول الدكتور محمد شحرور بكون الإسلام صناعة أموية/عباسية صحيح؟ الجواب هو: قطعاَ غير صحيح على وجه العموم! لماذا؟ لكون الدكتور محمد شحرور لا يطبق – ومثله في ذلك مثل المنقود نفسه – الديالكتيك في بحثه؛ مثلما أن المنقود يعاني من الانعدام التام للتفكير الناقد (critical thinking) ولربط المقدمات بالنتائج الأساسية لاجراء كل بحث وأي بحث. قول محمد شحرور يصح بهذه الدرجة أو تلك على تطور الفكر الإسلامي في الدولتين الأموية والعباسية، فقط، لا غير. ومن المعلوم لدارسي تاريخ تطور الفكر الاسلامي أن لكل دولة اسلامية اسلامها الخاص بها والذي يصار إلى ترتيب تعليبه آيديولوجياً على وجه الحصر لخدمة مصالح ودينامية القوة لأرستقراطيتها الحاكمة. لذا، نجد أن أسلام الدواعش ليس نفسه اسلام الخميني ولا اسلام أردُغان ولا إسلام الوهابيين ولا اسلام العثمانيين ولا اسلام الصفويين ولا اسلام الفاطميين؛ وكل هؤلاء اسلامهم ليس هو اسلام الخلفاء الراشدين ولا إسلام محمد؛ وإن زعموا وأكدوا وألحفوا بغير ذلك. حتى المذهب الاسلامي الواحد – مثل الشيعة والخوارج والوهابيين والأخوان المسلمين – يختلف بالتطور الزمكاني. لذا نجد أن الأخوان المسلمين في تركيا غيرهم في مصر وفلسطين، وفي غزة غيرهم في القاهرة وعمّان ودمشق اليوم؛ وتجد أن شيعة العراق الاثني عشرية (ممن لا يقبلون بالولاية المطلقة للفقيه) غيرهم شيعة ايران، والشيعة الإثني عشرية غير الشيعة الزيدية والاسماعيلية والبهائية والدروز، والخوارج القاعدين غير الخوارج القائمين؛ والوهابيين في قطر غيرهم في السعودية لا اليوم ولا أمس؛ ودواعش طالبان غيرهم دواعش العراق وسوريا وبوكو حرام ... الإسلام يختلف كلما اختلف الحكّام في الزمكان؛ وكل قوم بما لديهم فرحون وله متحزّبون ومتزمّتون، ولما عند غيرهم ناكرون ومستهزئون ومعادون.
ولكن الدارس للخلافات الشكلية والبيزنطية بين كل هذه الفرق والملل والنحل سيكتشف حالاً أنها مكتوب عليها في آخر المطاف أن تتفبرك بما يؤمن أن تتفق حتماً فيما بينها بأمر واحد، فقط لا غير: الطاعة لولي الأمر - سواء كان ولي الأمر هذا خليفة أم ملكاً ام أميراً أم مرجعاً دينياً .... - وبما يكرّس أن تمثل إرادة ولي الأمر هذا ارادة كل من يحكم من ابناء شعبه، بغض النظر عن وجود أو عدم وجود نوع من "الأشكال النيابية والاستشارية" المفصلة خصيصاً لتنظيم وقنونة أركان دوام هذه الطاعة. وما أن يستتب هذا الأمر، حتى ترتب الارستقراطية الحاكمة أهم مستلزمات دوام حكمها بكل الطرق غير المشروعة الممكنة: التحول إلى طابقة حاكمة اقتصادياً تسند السلطة السيادينية لولي الأمر المطاع.
لذا نجد من تجارب حكم هذا الاسلام الأصولي – بسبب تحجره الفكري وإلغائه التام لإرادة الشعوب – ينتقل بشعوبه من فشل كبير لفشل أكبر، ومن فرص تاريخية مهمة ضائعة إلى فرص ضائعة أهم، ومن تخلف إلى تخلف أشد. ولكونه خادماً مستديماً لرأس المال العالمي وبما يخدم مصالح أرستقراطياته المحلية التابعة والمنبطحة لراس المال العالمي، نجد إنه يسرق ثورات وثروات الشعوب المسلمة ويهرّبها للخارج، ويشن الحروب الأهلية التي لا نهاية لها، ويُضعف ويفتت الأوطان (انظر ما حصل من تقسيم في بلدان الصومال والسودان واليمن وليبيا وسوريا جراء اغتصاب الأحزاب الدينجية لمقدرات الحكم فيها) عبر الغائه حق الشعوب المسلمة في حكم نفسها كي تبقى اقتصاداتها رهينة بإرادة الأجنبي. لذا، فلا خلاص للشعوب المسلمة من شروره المستطيرة هذه إلا بانجاز ثورة علمانية حقيقية في نظام ديمقراطي أستفتائي مباشر وشفاف من القاعدة إلى القمة يشمل البنى الاجتماعية والاقتصادية والمدنية كافة ويخضعها للرقابة والمسائلة.
يتبع، لطفاً.